مستقبل الدولة الفلسطينية في عصر الثورات العربية

مستقبل الدولة الفلسطينية في عصر الثورات العربية

كتب آرون ديفيد ميللر [1]مقالاً في دورية فورين بوليسي[2] الأمريكية الأسبوع الماضي يتحدث فيه عن مستقبل الدولة الفلسطينية في ظل التغيرات التي تشهدها المنطقة العربية، وكذلك المصالحة الفلسطينية والنية عن إعلان دولتهم في الأمم المتحدة من طرف واحد الخريف القادم، وأصداء ذلك على اللقاء المرتقب بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأمريكي باراك أوباما، وما يمكن أن يسفر عنه ذلك اللقاء، فيقول أن الأجندة الرئيسية للقاء سوف تدور حول مستقبل عملية السلام الإسرائيلية الفلسطينية، تلك العملية التي أفضل وصف لها بأنها "الجثة التي تسير على قدمين".

ويقول الكاتب أنه عندما تكون الرئيس الذي يرفع شعار التغيير، يجب أن تؤمن بما تمليه عليك الحقائق، فالرئيس أوباما يريد أن يدفع عملية السلام بخطوة كبيرة إلى الأمام، مدفوعًا بالتغيرات الجوهرية التي حدثت في العالم العربي مؤخرًا وشعوره العميق بالقلق من أن المفاوضات بحد ذاتها لن تسفر عن مشكلات للولايات المتحدة، أما رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو فهو عازم أيضًا على صد أية أفكار كبيرة تتخطى أيدلوجيته الخاصة، أو غرائزه أو ما يؤدي إلى وضع ضغوط على تحالفه السياسي داخل الحكومة. واتفاقية المصالحة الفلسطينية الأخيرة والتظاهرات الفلسطينية التي خططت لها سوريا بطول الحدود الإسرائيلية السورية سوف تمكن نتنياهو من صد أية ضغوط أمريكية في الفترة القادمة.

وسوف يكون من المناسب تخيل أنه من تلك التوليفة من المتضادات الأمريكية الإسرائيلية سوف نخرج بطريق مشترك للمضي قدمًا؛ فمن المؤكد أن نتنياهو يعتقد في أوباما أنه على استعداد أن يكون أكثر جرأة فيما يتعلق بقضيتي الحدود والقدس، ويمكن لأوباما أن يستخدم ذلك مع الزعيم الفلسطيني محمود عباس في الأشهر القليلة القادمة لتهيئة الساحة للتفاوض والاتفاق. ولذا يمكن تلافي الاصطدام في الأمم المتحدة في الخريف القادم بشأن إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد. ومن المتوقع أيضًا أن اللقاء لن يسفر عن إنجاز أو فشل كبيرين، فلا أحد يريد أن يقاتل الآن لأنه لا توجد عملية سلام بالأساس يتم التقاتل عليها، كما أن الرئيس أوباما يفهم مدى تعقيد الوضع الآن بعد توقيع المصالحة الفلسطينية.

ولكن لا توجد لدى أوباما أو نتنياهو استراتيجية سوى تقديم الكلام والخطابات، ولأن الفلسطينيين لديهم بالفعل خطابهم الخاص، وهو إعلان دولتهم في الأمم المتحدة، فيقول الكاتب أننا من المتوقع أن نرى تصادمًا حول تلك المواقف، إلا إذا استطاعت الولايات المتحدة أن تخرج بشيء أفضل. وقد صرح مارك توين من قبل أن التاريخ لا يعيد نفسه، ولكننا رأينا الكثير من لقاءات أوباما ونتنياهو السابقة بدون أن تسفر عن شيء، فلا توجد كيمياء بين الاثنين أو حتى ثقة متبادلة، فالرئيس السابق بيل كلينتون لم يهتم كثيرًا بنتنياهو، ولكنه كان يفهم أهدافه السياسية، ولكن أوباما لا يعبأ برئيس الوزراء الإسرائيلي أو يفهمه، فهو يراه رجلاً مخادعًا وعقبة، وحجر عثرة كبير في طريقه لحل المشكلة الإسرائيلية الفلسطينية.

وعلى حسب إدراك نتنياهو، فإن الرئيس أوباما بارد ولديه قدر ضئيل من التعاطف عندما يتعلق الأمر بالمتطلبات الإسرائيلية، فهو يرى الرئيس أوباما على أنه يضع مصالح إسرائيل في خانة استمرار المصالح الأمريكية فقط، وليس بناء على قيمه وقناعاته الشخصية، فبالنسبة لنتنياهو فإن أوباما يقع في منطقة ما بين جيمي كارتر وبوش الابن فيما يتعلق بميزان الحساسية الإسرائيلية.

وتلك الديناميكيات الشخصية بين الاثنين لم تتغير، ولكن الظروف جعلتها أسوأ، فمنذ عامين كان أوباما أكثر إحباطًا بسبب فشله في تحريك عملية السلام إلى الأمام، ولكن ربيع الثورات العربية قد أحدث تغيرات كبيرة في المنطقة، فأوباما يؤمن أنه يجب أن تكون هناك تغيرات كبرى في عملية السلام من أجل مواكبة ذلك، فحماس وفتح يتجهان نحو التوافق والوحدة من جديدة، والأنظمة الليبية والسورية على حبل المشنقة، وإذا لم يتم عمل شيء لعملية السلام، فإن يقول أن الديموقراطيين العرب الجدد ربما يحبطون وينهزمون أمام الأصوليين الإسلاميين.

فالرئيس أوباما يشعر بالمعاناة الفلسطينية، ولكنه قلق من أن مبادرة الأمم المتحدة بشأن الدولة الفلسطسينية سوف تزيد الأمور سوءًا، فقد حاول أن يلبي الرغبات الإسرائيلية ولكنه ليس متأكدًا تمامًا بشأن كيفية تحريك الأمور إلى الأمام، فمبادرة الدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة تعد مشكلة لأن الأمريكيين ليس لديهم حلاً لها، فهذا يعكس حقيقة مؤلمة بأن واشنطن قد فقدت أية تأثير حقيقي على تلك القضية الهامة، فمن وجهة نظر أوباما فبعد ذلك الانتصار على أسامة بن لادن، فإن لقاءه مع نتنياهو والتعامل مع عملية السلام يعد عملية محبطة كبيرة.

ولكن نتنياهو لا يرى العالم بالضبط بتلك الطريقة، فعلى عكس معظم رؤساء الوزراء الإسرائيليين السابقين، فإن نتنياهو ينام وإحدى عيناه مفتوحتاه، فهو دائمًا ما ينظر للنصف الفارغ من الكأس: فالثورات العربية جلبت شكوكًا على إسرائيل، وحسني مبارك ذهب، وربما بشار الأسد أيضًا، وعباس صعد إلى السرير مع حماس، والآن أوباما ـ والذي لا يثق فيه ـ يبدو أنه مستعد لدفع عملية السلام على حساب إسرائيل.

فبالنسبة لبنيامين نتنياهو فإن عملية السلام عبارة عن صداع مزمن، فإذا ما دخلت في أطوارها الجادة فإن تحالفه داخل الحكومة يمكن أن ينهار، ويجب عليه أن يواجه خطوطه الحمراء الإيدلوجية وشكوكه الأصيلة والمتجذرة تجاه العرب، أما بدون عملية سلام، وخاصة إذا ما كان هو الملام في ذلك، فإنه يمكن أن يرى علاقته مع الولايات المتحدة تتجه إلى التعثر والمجهول، ولكن في اللحظة الراهنة فهو في موقف جيد للغاية بمشيه على ذلك الخيط الرفيع؛ فمن المؤكد أن الجمهوريين ومعظم المجتمع اليهودي في الولايات المتحدة يساندونه، ولكن المشكلة هي أن عباس باعه نظير هدية كبرى بالتوحد مع حماس، وإذا لم تتخلى حماس عن الصراع المسلح، وتطلق الجندي الإسرائيلي الذي تتخذه كأسير، وتعترف بإسرائيل، فإن نتنياهو بصورة أو بأخرى سوف يكون موقفه الداخلي قوي، ويمكن أن يتحمل الضغوط الأمريكية إذا كانت هناك أي ضغوط من الأساس، فيمكن أن تعلو نبرته بالأسى أكثر من الغضب من أن عباس قد اقترف خطأ كبيرًا ويجب أن يعود إلى المفاوضات وليس التدفئة بحماس أو الأمم المتحدة، فطالما استمر قادة حماس في تمجيد أسامة بن لادن وفي دعوتهم لتحرير كافة الأراضي الفلسطينية التاريخية، فإن نتنياهو لن يجد ما يقلقه بشأن الضغوط الأمريكية.

ولكن الورقة الرابحة في كل ذلك يمكن أن تكون انتفاضة فلسطينية شبيهة بالثورات العربية، فتشجيع سوريا لتقليب الفلسطينيين على حدود إسرائيل ساعدت رئيس الوزراء الإسرائيلي في دفع كافة الضغوط من داخل وخارج إسرائيل، ولكن وجود ثورة فلسطينة ضخمة ومستمرة ـ مدنية وسلمية ـ والتي يتجمع فيها يومًا بعد يوم مئات ثم آلاف من الفلسطينيين على نقاط التفتيش في الضفة الغربية وغزة فإن ذلك يمكن أن يحدث ضغوطًا حقيقية، وهو تكتيك خطير ويمكن بسهولة أن يؤدي إلى تصاعد العنف، ومن غير الواضح كيف ولماذا يمكن أن يؤدي ذلك إلى ضغوط على المفاوضين، ولكنه يمكن أن يكون جزءًا من استراتيجية فلسطينية في أثناء دراستهم لإطلاق مبادرتهم في الأمم المتحدة لإنشاء الدولة الفلسطينية هذا الخريف.

وإدارة أوباما تجد نفسها في ورطة دائمًا عندما يتعلق الأمر بصنع السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، فقد كثر الحديث بشأن إعطاء أوباما مزيدًا من الخطب لتوضيح المبادئ التي تدعمها الولايات المتحدة في القضايا الكبرى مثل الحدود والقدس، ولكن ذلك من شأنه أن يغضب الإسرائيليين (والفلسطينيين أيضًا عندما تتحدث الإدارة الامريكية عن قضية اللاجئين وإنكار حق العودة)، ولكن لماذا يمكن لأي وسيط أن يضع مواقف يمكن مهاجمتها بسهولة من الجانبين ويتم تهميشها؟ لأن الخطابات الأمريكية من شأنها أن تلفت الأنظار لوجود الفجوة بين أقوال أمريكا وأفعالها، ويمكن أن تصبح مثل قضية التسرب النفطي في المياه العميقة والصراع بين أمريكا وشركة بريتش بيتروليوم BP البريطانية والتي استمرت لخمسين يومًا ولم يقبل أي طرف خطة الرئيس التي عبر عنها في خطاباته.

أي شخص منصف سوف يعترف بأنه لا توجد فرصة لنجاح المفاوضات أو لعملية السلام الآن، فأي فكرة أو مبادرة لإطلاقها الآن سوف تفشل، فوضع عباس ونتنياهو في غرفة واحدة حاليًا بالوضع في الاعتبار الخلافات فيما بينهما سوف تكون فكرة كارثية.

ويختتم الكاتب بأنه بدلاً من الدبلوماسية الشعبية يجب على الرئيس أوباما أن يظل صامتًا وغامضًا؛ فلا توجد مواعيد نهائية ولا خطابات كبرى ولا يوجد حتى مخاطر، فقط يظل صامتًا لينظر ماذا سيضع كل من نتنياهو وعباس في جيبه بشأن القضايا الكبرى، وينتظر إلى أين ستسير الوحدة الفلسطينية وإلى أين تتجه الثورات العربية، والآن يجب الانتظار والاستعداد للمعركة والعودة إلى الخطابات الكبرى في وقت لاحق من هذا العام، فسوف يكون من المفيد النظر في كيفية إنشاء الدولة الفلسطينية الحقيقية وليس تلك الافتراضية التي يخطط الفلسطينيون إنشاءها في الأمم المتحدة.


 

 


[1]    آرون ديفيد ميللر أستاذ في السياسة العامة بمركز وودرو ويلسون الدولي ومؤلف كتاب "الأرض المفرطة في الوعود: البحث المضني لأمريكا عن السلام العربي الإسرائيلي.

[2] http://www.foreignpolicy.com/articles/2011/05/17/president_yes_i_can_meets_prime_minister_no_you_wont

 

أعلى