اقترن اسم شركات بلاك ووتر الأمنيةُ في العراق وغيرها من البلدان الإسلامية بأعمال
الاغتيالات والقتل خارج إطار القانون؛ فهم الذراع الطويلة لقوات الاحتلال التي
يحققون بها مآربهم دون تكبد عناء تسويغ تلك الأعمال من الناحية القانونية.
وهذا بالضبط ما يقوم به البلطجية في مصر، والبلاطجة باليمن، والشبيحة في سوريا؛ فهو
القتلُ إذن بدمٍ باردٍ ولحسابِ الغيرِ، ونشر الرعب بين الآمنين لحملهم على تبني
مواقفَ الحكوماتِ المستبدةِ، وزعزعة الأمن والسلم العام لصالح طغمة بعينها وقمع
وتأديب حركات التحرر والمعارضة.
وأُثير الكثيرُ من الجدلِ بشأن تلك الشركةِ الأمنيةِ الأميركيةِ حتى إن السلطاتِ
العراقيةَ حاولت منعها من مزاولة أعمالها بالعراق، حيث تتولى حراسةَ مواقعَ
أميركيةٍ حساسةٍ أهمها السفارة الأميركية بالمنطقةِ الخضراء.
ومنذ أن حضرَ الغزاةُ الأميركيون للعراق في مارس 2003، تم تكليف تلك الشركة التي
يعمل فيها آلاف الحراس المسلحين من مختلف الجنسيات بحماية الحاكم الأميركي السابق
بول بريمر والسفيرين السابقين جون نيجروبونتي وزلماي خليل زاد واليوم راين كروكر،
كما تتولى بلاك ووتر أمن الدبلوماسيين وكبار الشخصيات التي تزور العراق.
دور صليبي
ذكرت صحيفة "ميامي هيرالد" في تقريرٍ لها أن كل ما سبق هو المهام الرسمية المعلنة،
لكن مهامًا أخرى غيرَ معلنةٍ أثيرت لدى مُواجِة إريك برينس دعاوى قضائية من عناصرَ
سابقة في "بلاك ووتر" بتُهمة تهريب السلاح، واستخدام العُنف المفرِط في العراق،
ومداهمة البيوت وتفتيشها دون مسوغ، كما تشير بعضُ الدعاوى إلى أنَّ برينس كان
يَعتبر نفسه بطلاً في حملة صليبيَّة مهمتها القضاء على المسلمين والدِّين الإسلامي
في العالَم، حسب ما أشارتِ الوثائق القضائية.
الولايات المتحدة لجأت إلى تلك الشركات رغم أنها لا تفتقر إلى القوة العسكرية
البشرية المتمثلة في جيشها العرمرم، لكن ذلك الجيش يعمل في إطار خطط وقوانين عسكرية
–وإن لم يلتزم بها عمليًا- في حين أن بلاك ووتر ومن على شاكلتها تعمل بشكل مستقل،
ولا علاقة لها بالقوانين العسكرية، فهي إذن النسخة الأمريكية من بلطجية مصر وبلاطجة
اليمن وشبيحة سوريا.
ويعمل بالشركة أميركيون معظمهم خدموا بالقوات الخاصة في الجيش الأميركي، وقد أسسها
عنصر سابق في القوات الخاصة البحرية الأميركية عام 1997، وقد أبرمت بلاك ووتر
عقودًا بمئات الملايين من الدولارات مع وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) إثر بدء
العدوان على العراق.
بطش المقاتلين
وقد اشتهر مقاتلو هذه الشركة ببطشهم الشديد، وهم مكروهون من المواطنين العراقيين،
ويشتهرون بأنهم يفتحون النار دون تمييز على السيارات والمارة الذين يقتربون من
قوافلهم، كما أنهم يتصرفون بكل استقلالية ولا يحاسبون على أعمالهم سوى أمام
مسؤوليهم باعتبار أنهم لا يتبعون القانون الدولي الخاص بالنزاعات، وقد جذبت "بلاك
ووتر" انتباه الرأيِ العامِ في مارس 2004 عندما وقع أربعةٌ من موظفيها الأميركيين
في كمين بالفلوجة في أبريل ثم في نوفمبر2004؛ فانتقمت لهم قوات المارينز من سكان
المدينة وحولتها إلى رماد.
وفي أبريل 2005 قُتل ستةٌ من موظفيها الأميركيين عندما أُسقطت مروحيتهم التي كانت
من طراز
MI-8
برصاص مسلحين من السنة، وفي 23 يناير2007 لقي خمسةُ موظفين آخرين حتفهم إثر إسقاطِ
مروحيتهم من طراز
H-6.
مقاتلو بلاك ووتر عادةً ما يلبسون خوذاتٍ معدنيةٍ وستراتٍ واقيةٍ من الرصاص، وهم
مجهزون بمعداتٍ مماثلةٍ لجيشٍ حقيقيٍ تشمل أسلحة خفيفة من أنواع مختلفة ورشاشاتٍ
ثقيلةٍ وآلياتٍ مصفحةٍ وهم مدعومون في أعمالهم بعددٍ وافرٍ من المروحيات.
وإلى جانب بلاك ووتر تعمل حاليا عشرات الشركات الأمنية الخاصة غالبيتها غربية في
العراق, وتتعرض بانتظام لهجمات تبقى عمليا طي الكتمان، وأبرز هذه الشركات آرمر جروب
ودينكوربس وأيجيس ديفنس سرفيسز، وهي تضم في صفوفها عشرات الآلاف من المرتزقة لتشكل
ثاني قوة أجنبية في العراق بعد الجيش الأميركي ذاته.
تلطخت سمعة بلاك ووتر بشكل رئيسي بسبب استخدام بعض حراسها القوة المفرطة، واتهامها
بقتل مدنيين في العاصمة العراقية بغداد، وسعيها لبسط سيطرتها إلى خارج مناطق الحرب
بالعراق وأفغانستان.
وكانت الشركة غُرمت بمبالغ قيمتها 42 مليون دولار عن مئات الانتهاكات لقوانين
التصدير المعتمدة في الولايات المتحدة، وتشمل الانتهاكات تصدير أسلحة غير مشروعة
إلى أفغانستان، وتقديم عروض لتدريب قوات جنوب السودان من دون إذن، وتدريب لضباط
الشرطة التايوانية على القنص.
وعلى الرغم من أن الشركة خسرت عقدًا بتوفير حماية أمنية للدبلوماسيين في السفارة
الأميركية بالعراق، فإنها ما زالت تملك عقوداً لتوفير خدماتٍ أمنيةٍ لوزارةِ
الخارجيةِ ووكالةِ الاستخباراتِ المركزيةِ الأميركيةِ في أفغانستان.
بلاك ووتر باسم جديد في الضفة الغربية
ومن المثير للدهشة أن فضائح بلاك ووتر بالعراق وأفغانستان لم تمنع السلطة
الفلسطينية من التعاقد معها للعمل في الضفة الغربية، وقد باتت الشركة تعرف باسم "إكس
إي" وليس بلاك ووتر، وقد نددت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بمنح الإدارة
الأميركية إذنا لشركة بلاك ووتر الأمنية بالعمل في الضفة الغربية، معتبرة ذلك
"فضيحة" جديدة "تضاف إلى مسلسل فضائح التواطؤ بين السلطة الفلسطينية والمخابرات
الأميركية وإسرائيل".
وقال المتحدث باسم حماس فوزي برهوم "إن هذا الإذن يؤكد أن الذي يحكم الضفة المحتلة
ليس سلطة فلسطينية، بل هو سلطة متعددة الجنسيات هدفها حماية أمن الاحتلال وتصفية كل
المدافعين عن القضية الفلسطينية".
وفي هذه الآونة أصبحتْ شركة "بلاك ووتر" تحمل اسم خدمات "إكس إي"، وأصْبح هذا الاسم
هو الذي يرمُز لها في واشنطن، بعد أن نفذت عناصر هذه الشركة في سلسلة مِن الجرائم
والانتهاكات الخطيرة، كان أبرزها ما حدَث عام 2007 عندما قتَل حُرَّاس شركة "بلاك
ووتر" 14 من المدنيِّين العراقيِّين الأبرياء في العاصمة بغداد.
وقد أسقط قاضٍ فيدرالي أمريكي فيما بعدُ تلك الاتهامات الموجَّهة لعناصر الشركة؛
بذريعة أنَّ الحقوق الدستورية للمتَّهمين في القضية قدِ انتهكت، وذلك رغم أنَّ
وزارة الداخلية العراقية أصدرتْ أمرًا لكل المتعاونين والمتعاقدين مع شركة "بلاك
ووتر" بأنَّ أمامهم مهلة لمدة أسبوع واحد للخروج مِن البلاد، أو مواجهة أوامر
بالتوقيف لانتهاكِ تأشيرة العمل في البلاد.
دور مشبوه في الصومال
وتضيف "ميامي هيرالد" أنَّ مصادر مقرَّبة من إريك برينس – كشَفَتْ أنه يشارك في
برنامج ميزانيته تبلغ ملايين الدولارات، تُموِّله بعض الدول العربية؛ من أجل تدريب
وتجهيز ألفي مقاتلٍ صوماليٍ، مهمتهم مواجهة الجماعات الإسلامية المسلَّحة في
الصومال وعلى رأسها حركة الشباب.
وأثار هذا التدخُّل لشركة "بلاك ووتر" في الصومال شُكوكًا كبيرة حول خلفيات وحقيقة
استعمال المقاولين العسكريِّين في دولة تُعاني من الفوْضى، ويقول المراقبون: إنَّ
الاستعانةَ بهذه الشركة سيِّئة السُّمعة من الممكن جدًّا أن يؤثِّر بالسلب على
الجهودِ الدولية المبذولة؛ من أجلِ تدريب وتمويل القوات الصومالية الحُكومية التي
تواصل حرْبَها مع الإسلاميِّين، والقبائل المتحالفة معهم.
تبرئة بلاك ووتر من مذبحة عراقية
بعد مسلسل الجرائم المرتكبة في حق الشعب العراقي رفض القاضي الأمريكي ريكاردو
أوربينا جميع الاتهامات الموجهة لخمسة حراس من شركة بلاك ووتر على خلفية قتل مدنيين
عراقيين بالعاصمة بغداد في عام 2007 ، معتبرًا أن الحكومة انتهكت الحقوق الدستورية
للمتهمين من الشركة، وتوجيه 14 تهمة قتل خطأ وعشرين تهمة شروع في القتل، إضافة إلى
تهمة خرق قواعد استخدام السلاح.
وكان حراس بلاك ووتر قد أطلقوا النار في ساحة النسور ببغداد أثناء مرافقتهم موكب
دبلوماسي في 16 سبتمبر 2007 مما أدى إلى مقتل 14 مدنيًا وإصابة أكثر من عشرين آخرين
بينهم نساء وأطفال.