• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الثورةُ اللِّيبيةُ... منَ السِّلمِ إلى الحربِ

الثورةُ اللِّيبيةُ... منَ السِّلمِ إلى الحربِ

 لم يكن المتابع للشأن الليبي يتوقع أن تؤول الأمور إلى هذا النحو الذي نراه اليوم من تدخل عسكري مكثف من حلف شمال الأطلسي (ناتو) ممثلا في أمريكا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، ومن تمهيد لاستخدام الطائرات المسيرة بدون طيار التي ترتبط في الأذهان بسمعةٍ دمويةٍ في غاية السوء في باكستان وأفغانستان.

وربما اختلف  التسلسل الزمني في الثورة الليبية عن تسلسل الثورتين التونسية والمصرية اختلافًا جذريًا، نظرًا لدموية الزعيم الليبي الذي يوصف بأنه أقدم حاكم في العالم (43 عامًا في الحكم).

 لم يندهش جمهورُ قناة الجزيرةِ عندما استضافت مستشارًا نفسيًا ليعلق على خطابٍ طويلٍ وغامضٍ للقذافي وليقوم بتحليلٍ لشخصيتة المثيرة للجدل، وقال المستشار إن شخصية القذافي مزدوجة، مؤكداً أنه يتعاطى مؤثراً عقليًا رفض تسميته، وأعقبت الجزيرة ذلك بتقرير يتناول طريقة ملبس القذافي التي يتندر بها متابعوه على الشاشات.

تلك الشخصية المعقدة التي دفعت الصحفي الأمريكي الشهير "باب ودورد" إلى التصريح بأن المخابرات الأمريكية لجأت إلى أشهر علماء النفس والأطباء النفسيين الأمريكيين ليضعوا لهم أسلوبًا للتعامل مع شخصية معمر القذافي وتحليلها.

تدفعنا هذه المقدمة إلى استنتاج أن الثورة الليبية لم تكن بدعًا من الثورات، بل إنها بدأت مثل أختيها الشرقية والغربية في مصر وتونس، لكن مآلها كان أكثرَ عنفًا ودمويةً.

في البداية وتحديدًا يوم الرابع عشر من فبراير اجتمعت 213 شخصية تمثل مجموعات الفصائل والقوى السياسية والتنظيمات والهيئات الحقوقية الليبية بيانًا يطالبون فيه بتنحي الزعيم الليبي معمر القذافي، مؤكدين على حق الشعب الليبي في التعبير عن رأيه بمظاهرات سلمية دون أية مضايقات أو تهديدات من قبل النظام القائم.

وكان اليوم التالي مباشرة يومًا للغضب العارم في عدد من المدن الليبية أهمها بنغازي والبيضاء انطلق فيه المحتجون بعد دعوات عبر فيسبوك ، وسقط العديد من الشهداء بعد تفريق عنيف نفذته الشرطة ضد المعتصمين في بنغازي ثاني أكبر مدن البلاد والتي تحولت إلى معقل للمعارضة.

وشهد اليومان الثالث والرابع (16،17 فبراير 2011) صدامات دامية أطلقت أثناءها قوات الأمن و"المرتزقة" الرصاص الحي على المحتجين في مدن بنغازي والبيضاء ودرنة وأجدابيا، كما أقدمت القوات الأمنية على قمع المواطنين الذين انضموا إلى المحتجين في عدد من المدن الليبية أبرزها بنغازي وسقوط المزيد من الشهداء ، النظام الليبي يستخدم المرتزقة الأجانب (تم جلب معظمهم من تشاد والنيجر) في عمليات قتل واعتداء ضد المدنيين.

تفشي الاحتجاجات في سائر ليبيا

في اليومين الخامس والسادس اتسعت رقعة الاحتجاجات لتتمدد في سائر أنحاء ليبيا، وعلى المستوى السياسي الخارجي استقال سفراء ودبلوماسيون ليبيون، احتجاجا على مواجهة المظاهرات السلمية بالقمع والعنف، وفي الداخل انضم عسكريون إلى صفوف المحتجين ، ومن أبرز المنضمين وزير الداخلية الليبي عبد الفتاح يونس الذي انحاز إلى الثورة الشعبية وأعلن ذلك عبر تسجيل متلفز ذاع انتشاره عبر الإنترنت.

بدأ القذافي يخرج عن شعوره عندما وجد التظاهرات تشتعل بالعاصمة طرابلس، وسقوط مدينة بنغازي بالكامل تحت سيطرة المحتجين، وتناقلت شاشات الفضائيات لقطة سقوط المجسم الضخم للكتاب الأخضر في بنغازي، ومن ثم ازداد العنف المستخدم ضد المتظاهرين؛ لا سيما بعد خروج القذافي الإبن عبر التلفزيون الرسمي ليعلن الحرب المسلحة وما وصفه بـ (الاحتكام إلى السلاح).

وفي العشرين من فبراير كان انضمام أكبر قبيلتين بليبيا (ترهونة وورفلة) للثورة وإعلان السيطرة على مدينة بنغازي، كان ذلك بمثابة تحدٍ مباشرٍ للنظام السلطوي للقذافي جعله يفقد صوابه –المشكوك فيه أصلاً- ليقصف طرابلس جوًا وليأمر بإطلاق الرصاص الحي لتفريق المتظاهرين، وفي تلك الأثناء أراد النظام أن يقطع العلاقة بين الشرق والغرب بالتشويش على بث قناة الجزيرة التي كانت السبب الأبرز للحث على استمرار الثورة.

أعوان القذافي ينفضون من حوله وينضمون للثوار

كانت هزة عنيفة للنظام أن ينضم وزير الداخلية اللواء عبد الفتاح يونس إلى الثوار وإعلانه تقديم استقالته، ثم توالى انشقاق كتائب من الجيش الليبي وانضمامها للثوار، فضلاً عن عشرات الدبلوماسيين المستقيلين والمؤيدين للتغيير.

وفي الخامس والعشرين من فبراير بدأت ردود الأفعال الدولية تخرج عن صمتها المطبق إلى تصريحات محددة، فالولايات المتحدة تفرض عقوبات على نظام الزعيم الليبي، وفرنسا تدعوه للرحيل عن السلطة، ومجلس الأمن يقرر فرض عقوبات على النظام الليبي تشمل حظرًا على سفر القذافي وأعضاء عائلته والمقربين منه إضافةً إلى تجميد أرصدتهم، بل وإحالة القذافي وأعوانه إلى المحكمة الجنائية الدولية.

بداية التحول

مع بداية شهر مارس بدأت معارك الكر والفر، وتمكنت المعارضة من بسط سيطرتها على مناطق الشرق الليبي  والعديد من مدن الغرب، في خطوات متسارعة أذهلت قوات القذافي التي راحت تقصف المدن الشرقية وتسقط مئات الشهداء، حتى وصفت مصراته بـ (ستالينجراد ليبيا)، والقذافي يقول إن شعبه مستعد للموت من أجله.

وأعلن تشكيل المجلس الوطني الانتقالي في بنغازي كي يتولى إدارة شؤون المناطق المحررة ويخول بالاتصال بالدول الأجنبية وإدارة المعارك عسكريًا، وفي تلك الأثناء تدفق عشرات الآلاف من النازحين ولا سيما من العمال العرب والأجانب باتجاه الحدود الليبية التونسية هربًا من جحيم المعارك التي حصدت أرواح نحو ستة آلاف قتيل منذ بداية الثورة حتى الثاني من مارس 2011 حسب الرابطة الليبية لحقوق الإنسان.

 قصف بنغازي ورأس لانوف بالطيران

في الثالث من مارس فتحت المحكمة الجنائية الدولية تحقيقاً بشأن القذافي وأبنائه ومسؤولين كبار للتثبت من ارتكابهم “جرائم ضد الإنسانية” ، بعد ذلك ازدادت ضراوة المعارك في بنغازي ورأس لانوف ومواقع في أجدابيا، ومئات الآلاف يغادرون ليبيا عبر تونس.

 نذر حرب طويلة               

بطبيعة الحال وجد الثوار أنفسهم في مجابهة جيش مجهز كامل العتاد، وهم بعدُ مجردُ هواةٍ انضم إليهم عددٌ من العسكريين المنشقين عن القذافي، وهؤلاء نسبتهم قليلة بين الثوار، أضف إلى ذلك ضعف التسليح، في حين أن كتائب القذافي جيدة التدريب والتسليح ، كل هذه العوامل قد تطيل من أمد الصراع في ليبيا.

كما يستبعد المحللون والعسكريون أن تتمكن الغارات الجوية وحدها من حسم الصراع، مما يهدد بترسيخ جمود الموقف القائم خاصة إذا استمر القتال إلى فصل الصيف شديد الحرارة.

ويرى المراقبون أنه إذا لم تتم الإطاحة بالقذافي من خلال انقلاب داخلي, فإن نتيجة الصراع قد تتوقف على ما إذا كان الثوار يستطيعون تأمين التمويل والوقود والأسلحة والمهارات اللازمة لاستمرار الحملة لأشهر .

أعلى