"أمريكا".. الراعي الرسمي للاستبداد
أثبتت أحداث ثورتي الشعب في تونس ومصر أن أمريكا لا تريد أن يتعدى مفهوم الحرية عن كونه ( تمثالاً) لا تدب فيه الحياة ولا يتعدى حدود الأراضي الأمريكية ولا يعبر عن نفسه إلا من خلال الوجه الزائف الذي ترتديه الإدارة الأمريكية بين الحين والآخر لتكمل ديكور أنظمة الطغاة ، فهي تعي جيدا أن الشعوب الحرة لا تقبل أن تستغل ثرواتها وتستنزف من أجل عيون أمريكا ولا تقبل أن تبقى خانعة لا تساوم على حقوقها المسلوبة بين يدي الكيان الصهيوني ، ولا تقبل باحتلال أراضي شعوبها في العراق وأفغانستان . ولن يقبل هذه الأوضاع إلا من يسعون إلى كرسي السلطة يتمسكون به ولو على جماجم شعوبهم . فإذا تحررت الشعوب ستكون أكثر وعيا وستقف أمام هيمنة الطغاة وستحطم تمثال الحرية المزعوم لتبني حياة تؤسس على نبض الحرية الحقيقي.
وتدرك الإدارة الأمريكية أن لعبة الديمقراطية إذا طبقت بأصولها ( الغربية ) فسيختار الشعب عقيدتهم ودينهم وسينضوون خلف لواء الإسلام في كل أشكاله وفي منظومته السياسية الفريدة ، وستقوم دولة الإسلام التي تحمي العقيدة وتعيد ما سلب من الأمة ، لذلك فهي ترعى الاستبداد وتساند المستبدين وتؤسس لفكره ، فقد كافأت نظام بن علي بشهادات التقدير الدولية التي تضع الاقتصاد التونسي في عهده يحقق نسبا عالية من التنمية الاقتصادية ، وهي شهادات غير حقيقية ولا تعكس واقع الشعب التونسي حيث نسب البطالة المرتفعة والفقر والغلاء والتضخم وغيرها من المؤشرات الدالة على تدهور هذا الاقتصاد وغيرها من الحقائق التي زورتها أمريكا مكافئة لبن علي على بطشه بالإسلاميين وقضاؤه على كل ملامح الصحوة الإسلامية في بلاده في المظهر والمخبر وإسكاته لكل الآراء الحرة المعارضة للهيمنة الأمريكية .
ونفس الشئ فعلته مع نظام مبارك في مصر من شهادات الامتياز للنظام الاقتصادي الذي حرصت هيئات ومراكز دراسات أمريكية كثيرة إثبات أنه نجح في تخطي الأزمة المالية العالمية وأنه حقق نسبا عالية في التنمية ومكافحة الغلاء والبطالة وفتح مجالات للاستثمارات استفاد منها الشعب وكلها أكاذيب مغلوطة لتجميل شكل النظام وإضفاء الاستقرار عليه مكافئة له على ضربه للاتجاهات الإسلامية وإغماضا للعين عن الاستبداد السياسي ببعض الانتقادات الطفيفة بضرورة التوسع في الحريات والتعددية السياسية
لكنها تتوقف في الوقت المناسب لتلقي بأصحابه في مزبلة التاريخ وتتبرأ منهم فتتنكر في زي الأحرار وتظهر أنها تنحاز للشعب وتنحاز لمبادئ الحريات وتفتح وثائق من كانت ترعاهم على مصراعيها فتظهر الثروات التي أثرى بها هؤلاء من دم الشعب وتفضح سلوكياتهم وترفض استقبالهم وتتبرأ منهم ، فبعد أن كانت تستقبل زوجة الزعيم بالحفاوة البالغة وتضفي عليها الألقاب و الأوسمة العالمية تخرج علينا من خلال شفافية الوثائق "بأنها هرَبت طن ونصف من الذهب الخالص من أموال الشعب ، وأن أبناء " الزعيم" أفسدوا الحياة السياسية والاقتصادية حينما استأثروا بكل الثروات و الإتاوات التي كانوا يحصلونها من الشركات والأعمال التجارية المختلفة .الشاهد في هذا الأمر أن أمريكا بالفعل الراعي الرسمي للاستبداد في عالمنا العربي والإسلامي للأسباب الآتية :
الأول : أن "الأحرار" الوطنيون لن يقبلوا باستنزاف ثروات شعوبهم دون مقابل ، ولن يقبلوا باستنزاف ثروات شعوبهم دون مقابل ولن يقبلوا بتحيز أمريكا لإسرائيل ولن يتعاونوا مع معها ضد مصالح شعوبهم من اجل كرسي او منصب زائل .
الثاني : أن أمريكا بعد سقوط الاتحاد السوفيتي وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 م ، وخلو مقعد العدو الاستراتيجي استبدلته بعدو جديد هو ( الإسلام في شكله الشامل والحقيقي الذي يتقدمه الإطار السياسي المتوارث المتمثل في دولة الخلافة التي تجمع المسلمين تحت راية واحدة في ظل منظومته المتميزة المناهضة للفكر السياسي الأميركي والغربي برمته مثل "البيعة والشورى وأهل الحل والعقد" ، والداعية إلى حماية العقيدة الإسلامية والدفاع عن الإسلام والمسلمين ، لذلك فهي تغمض العين عن بطش واستبداد هؤلاء الزعماء طالما أنهم يقضون على كل من يقف خلف الراية التي أسموها ( التطرف التشدد الإسلامي )
الثالث : أن أمريكا تريد صياغة العالم عبر نموذج فكري واحد لا يقبل التنوع أو الاختلاف على الرغم من ادعاءها أنها راعية التعددية السياسية والاقتصادية والدينية والثقافية الخ ، فلابد ان تصب العالم العربي والإسلامي في قالب العالمة والليبرالية ولابد ان تسير شعوب هذا العالم خائفة مخزية تستجدي المعونات والقروض وتظل تحت طائلة "الديون المستدامة" من خلال شعار "التنمية المستدامة" فتصبح ذليلة بين البنك الدولي وصندوق النقد الدولي
الرابع : توجيه القوي العسكرية للدول الإسلامية لضرب بعضها بعضا وللدعوات الانفصالية ( كانفصال جنوب السودان ) ، ولحماية الكيان الصهيوني ، وان تقف حارسة ومتفرجة عندما تقوم إسرائيل بضرب الفلسطينيين ( كما في حرب غزة ) أو حرب لبنان 2006 وغيرها من الحروب.
المراجع والمصادر :
1- راجع تقرير مؤشر الديمقراطية 2010 م في الإيكونوميست ولواشنطن بوست أن مصر احتلت المركز137 عالميا من إجمالي 167 دولة وأنها الأكثر استبدادا