اليمين يصادم الجيش في الكيان الصهيوني
أثار الجدل القائم داخل الكيان الصهيوني والصراعات التي بدت تتكشف معالمها بين قوى اليمين الصهيوني الممثلة في الحكومة بزعامة نتنياهو وليبرمان وبين قادة الجيش حول قضايا القدس والدولة الفلسطينية سجالا ونقاشا واسعا لم تحسم الامور بخصوصها بعد.
هذه الخلافات الكبيرة بين الجيش والإدارة السياسية المتمثلة في اليمين بدأت تظهر إلى العلن ففي الوقت الذي ينصح فيه الجيش الحكومة بضرورة التقدم في المفاوضات مع الفلسطينيين من أجل تهدئة الوضع ترفض الحكومة الأمر وتعتبره تدخلًا غير مقبول في شؤونها.
كما أن التباين الواضح في موقف الجيش الاخير تجاه البوابات الالكترونية في القدس والتعامل مع المعتصمين المضاد لموقف اليمين الصهيوني المتمثل في حكومة نتنياهو ووزرائها المتشددين زاد من حدة الخلاف.
يقول المحلل السياسي والعسكري مجدي الحلبي: "ان التصدّع في المؤسسة الصهيونية طال علاقة المستوى السياسي بالمستوى العسكري بشكل علني فالجيش الاسرائيلي لم يُخفِ معارضته للخطوات الاسرائيلية الاخيرة تجاه الفلسطينيين بعد هبّة السكاكين وعمليات الدهس والطعن واطلاق النار الاخيرة بل وأوصى بالتسهيل على حياة المواطنين الفلسطينيين في الضفة الغربية وعدم التضييق بتصاريح العمل والتبادل التجاري واقامة الحواجز هنا وهناك حيث أكد قائد الاركان الاسرائيلي في جلسات الكابنيت الامني اكثر من مرة ضرورة التسهيل وليس التعطيل وهو أمر يتعارض مع سياسة حكومة اليمين التي يقودها نتنياهو وليبرمان".
أضاف "الكابينت الأمني المصّغر يتجه نحو اليمين بشكل غير مسبوق ويتسابق اعضاؤه على الظهور بمظهر اليميني المنقذ للشعب على حساب عقاب الفلسطينيين الأمر الذي يجعل مهمة رؤساء الاجهزة الامنية والجيش والمؤسسات الفاعلة في الكيان الصهيوني صعبة لاقناع الفلسطينيين بضرورة منحهم ولو مجرد الامل بحلحلة الامور، والسير الى عملية سياسية تمنحهم نورا في نهاية النفق".
من هنا تزداد هوة الخلاف بين المؤسسة العسكرية واليمين الصهيوني المتطرف بسبب المواقف المتنافرة بين الطرفين وباتت هناك إشكالية كبيرة ربما يصعب على نتانياهو تجاوزها في المستقبل القريب وفي هذا الاطار يقول المختص في الشأن الصهيوني عدنان أبو عامر أن الفجوة بين اليمين والجيش تتسع يوما بعد يوم ويدور الحديث عن مواجهة مرتقبة بينهم وذلك على خلفية طريقة تعاطي نتنياهو مع الأحداث الفلسطينية المتمثلة في اطلاق العنان لممارسات الجيش الامنية والعسكرية التي لا طائل منها وتزيد العنف والتوتر والتي كان أخرها ممارسات الشرطة والجيش بحق المعتصمين المقدسيين أمام البوابات الالكترونية التي وضعتها الحكومة الصهيونية أمام مداخل المسجد الأقصى رغم معارضة الأجهزة الأمنية الاسرائيلية والجيش لها وابدوا تخوفاتهم الصريحة من تدهور الأوضاع الأمنية في مدينة القدس والضفة الغربية وسقوط شهداء قد يؤدي الى تفجير الاوضاع لوقت غير معلوم.
وقال: "ان أهم أسباب الخلاف بين الطرفين هو أن تحذيرات قيادة الجيش ومسؤولي الاستخبارات المتمثلة في صرخات الانذار التي يطلقها الجيش بين الحين والاخر بعدم التعاطي مع القضية الفلسطينية بسياسة القبضة الحديدية المفرطة لا تلقى أي صدى من قبل حكومة نتنياهو وتكوينها من اليمين المتطرف".
ان المتابع للشأن الصهيوني والصحافة الاسرائيلية في هذا الجانب يرى بوضوح التدهور الغير مسبوق في العلاقة بين اليمين المتطرف متمثلا في نتنياهو ووزير جيشه ليبرمان الذي يعتبر قليل الخبرة في الشأن العسكري والذي يواجه انتقادات لاذعة من قبل الجنرالات وقادة المناطق في الجيش بسبب سياساته الهوجائية فلم يعد الجيش هو العصا التي يلوح ويضرب بها اليمين معارضيه من الفلسطينيين ويدلل على ذلك ما ذكرته الصحافة الصهيونية من تصريحات لكبار ضباط في الجيش الصهيوني والموساد الذين وجهوا رسالة لنتنياهو مفادها: أنه من دون عملية السلام مع اتفاق نهائي ينهي الصراع الصهيوني الفلسطيني تسير إسرائيل نحو خسارتها وتصريح القائد السابق للمنطقة الجنوبية والعضو في المنتدى 200 وجمعية جنرالات الاحتياط آشر ليفي قوله: "أنت يا نتنياهو بسياساتك من يهدد الأمن القومي" أما العضو الآخر في المنتدى مئير داغان وقائد الموساد السابق كان أكثر قسوة من ليفي حيث قال: "في ظل ولاية نتنياهو أصبح السعي لتحقيق الحلم الصهيوني في خطر فهو يقود سياسة تدميرية على مستقبل وأمن الكيان الصهيوني لأن الواقع الذي يدافع عنه نتنياهو ونفتالي و بينيت سيؤدي إلى كارثة". وما قاله رئيس جهاز الأمن الداخلي كرمي جيلون: "إن فشل نظامنا السياسي لأنه ليس لدينا أي زعيم قادر على الارتفاع فوق الحسابات السياسية المباشرة".
هذه التصريحات تدلل بما لا يدع مجالا للشك على عدم رضى المؤسسة العسكرية في الكيان الصهيوني على سياسة حكومة نتنياهو اليمينية وأداء وزرائها الأمر الذي ينذر بتصدر الجيش للموقف واسقاط حكومة نتنياهو والذهاب الى انتخابات مبكرة تكون فيها الخبرة العسكرية للمرشح الإسرائيلي هي المبدأ والأساس ومن الممكن أن يكون الشخص الذي يضع الولاء الكامل للجيش الإسرائيلي مرشحًا فوق العادة للظفر بالمنصب.
من جهته يرى الخبير في الشئون الاستراتيجية والعسكرية صالح النعامي أن الجيش الاسرائيلي هو يد الحكومة أيا كان شكلها وانتمائها في اسرائيل فهو يدين بالولاء لأي حكومة يتم انتخابها وهو الذي ينفذ سياستها وقال: "لكن اليوم ومع السياسات القمعية والاستيطانية لحكومة اليمين المتطرفة التي يقودها نتنياهو وينفذها الجيش الاسرائيلي مستخدما أساليب قمعية ارهابية والتي تنذر بعواقب غير محمودة بدأ الجيش وقادته يدركون السياسة اللاأخلاقية التي يمارسونها".
أضاف: "إن قيادة أركان جيش الاحتلال الاسرائيلي أدركت ما يتفاعل ويتنامى أمامها من سياسات يمينية متطرفة كان اخرها وتحديدا في 20 حزيران / يونيو 2017 الهجوم الغير مسبوق الذي شنه اليمين الإسرائيلي على الإدارة المدنية لجيش الاحتلال في الضفة الغربية بعد الكشف عن قيامها بالمصادقة على ما تسمى خطة قلقيلية والتي تمنح الفلسطينيين حق البناء في منطقة "سي" الخاضعة تحت السيطرة الصهيونية أمنيا وإداريا حسب ما جاء في اتفاقية أوسلو. حيث قرر التحرك قائلا على لسان جنراله غادي ايزنكوت بعد دعوات القتل والإجهاز على الجرحى الفلسطينيين والمداهمات المتكررة وتفتيش البيوت ليلا وترويع الامنين: "إن هذا ليس سلوك جيش الدفاع الصهيوني. وهذه ليست قيم جيش الدفاع الصهيوني".
من هنا بدأ يتسع مدى الانتقادات لسياسة حكومة اليمين برئاسة نتنياهو يتضح ذلك من خلال تصريحات العديد من جنرالات سابقون تولوا مسؤوليات أمنية من العيار الثقيل أمثال موشيه يعلون وايهود براك الذين عبروا عن سخطهم من سياسات حكومة نتنياهو واقحام الجيش في تنفيذها والتي أدت الي تغيير صورة جيش الدفاع والذي أصبح ينظر اليه على انه جيش يمارس الارهاب والقتل والتدمير بحق الأبرياء والعزل.
ختاما يمكن القول ان المعطيات التي تنشرها مراكز ابحاث واستطلاع صهيونية بين حين وآخر تشير فعلا الى ما يمكن أن يقلق المؤسسة العسكرية من حيث شعبيتها فهل يمكن القول بأن الجيش الصهيوني ذاهب لمواجهة أكثر حدة ضد السياسيين اليمينيين في الكيان الصهيوني؟