لا تخرقوا السفينة
بمناسبة مرور 50 عاماً على احتلال القدس الشريف نشرت الصحافة العبرية مادة إعلامية ضخمة تمجيداً لهذا "النصر" واستخفافاً بحروب العرب الوهمية التي صنعتها آلة الإعلام المصري والقومي في تلك الفترة. صحيفة هآرتس نشرت قصة جميلة من نتائج تلك الحرب كانت تشخص حالة الجيوش العربية كان محورها ذاك الشاب الذي يرتدي ملابس بيضاء في منطقة الأغوار، بدا عليه التوتر والقلق إذ اقترب منه أحد السكان في تلك المنطقة فاكتشف أنه جندي أردني بدَّل ملابسه العسكرية بـ "بدلة" مصنوعة من أكياس الطحين، لإخفاء هويته. لم تكن تلك الأكياس أكياس طحين عادية، وإنما كانت جزءاً من المساعدات الأمريكية للاجئين الفلسطينيين، وكان لا يزال يظهر على "البدلة" عنوان "هدية من الشعب الأمريكيّ للشعب الفلسطينيّ".
كان الشغل الشاغل لواشنطن منذ احتلال فلسطين إشغال الفلسطينيين بالمعابر والحدود و "كرت التموين" الذي يتحصل من خلاله اللاجئ الفلسطيني على أكياس الدقيق وبعض المؤونة التي تسد جوع أطفاله. تلك الحالة انعكست اليوم على الواقع العربي والإسلامي، وأضحت لقمة العيش هي أقصى طموح للإنسان المسلم بسبب الصراعات الداخلية التي تعيشها المنطقة، ويدفع بتأجيجها الغرب؛ فما إن انتفض الشعب السوري لدحر نظام العلويين من سوريا حتى أدخل العدو لهم مرتزقة يتسترون بستار الإسلام ثم اليوم بكل صراحة ووضوح أضحت المعركة في سوريا بين محور سني تقوده تركيا في مواجهة كردي أمريكي روسي إيراني وأضحى الشعب السوري خارج السياق. وفي فلسطين كذلك؛ بدلاً من أن تكون البندقية مشرعة لصد العدوان الصهيوني أضحت البندقية مرهونة بمداخيل السلطة الفلسطينية لتحمي أمن الصهاينة في الضفة الغربية، وينشغل الفلسطيني بقضايا مثل قضية الكهرباء ومعبر رفح والحصار والانقسام.
في عالم التواصل الاجتماعي نجد كثيراً من المتمرسين على نشر الأكاذيب والشائعات ونافخي أبواق الفتنة والتعصب الطائفي والحزبي والمذهبي، وما هم إلا جزء من تلك المؤامرة على الأمة التي تستهدف نشر القلق والخوف وزيادة الفجوة بين أبناء الدين الواحد، لا يبحث أمثال هؤلاء عما يجمع هذه الأمة مثل الدين واللغة والانتماء لقضايا عادلة؛ بل يبحثون عن توسيع رقعة الخلاف خدمة لأعداء هذه الأمة ولزيادة الانقسام داخلها.
شرعت إيران بدعم ميليشياتها على جانبي الحدود السورية والعراقية بدعم روسي كامل لتأمين الطريق بين بغداد ودمشق، وبذلك تكون اكتملت حلقات الحلم الإيراني في سوريا بتوفير ممر بري آمن بين بيروت ودمشق وبغداد، بينما في الجانب الآخر سنجد أزمة ثقة خلفت صراعات داخلية حتى على صعيد الأحزاب والجماعات الإسلامية.
تقول إحصائيات نشرتها الصحافة العبرية إن عام 2017 هو العام الذهبي في تاريخ الاستيطان الصهيوني في فلسطين فلقد صادقت حكومة اليمين اليهودي المتطرف على مشاريع هي الأكبر من نوعها منذ عام 1992م. في ليبيا كذلك أُطلق سراح سيف الإسلام القذافي أحد أنجال الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي في خطوة هي مقدمة لإطلاق سراح جميع قيادات النظام الليبي السابق برغبة من برلمان طبرق وخليفة حفتر وفايز السراج، وكل ذلك لزيادة العداء ضد الإسلاميين وضمان استمرار أثر المعركة.
معركة التصدي لتمدد الإسلام في المجتمعات الغربية هي من أشرس المعارك التي تخوضها النصرانية ضد الإسلام، سواء من خلال حملات الشيطنة المتواصلة في الإعلام الغربي أو من خلال هجمات المتطرفين النصارى أو من خلال التشريعات والقوانين التي تقيد أي نشاط للمسلمين في الغرب، وآخرها ما فضحته صحيفة "نورث جرسي" الأمريكية؛ إذ أكدت أن البلدات والمناطق الأمريكية ترفض منح تراخيص لبناء مساجد على أراضيها وتعقِّد الإجراءات الخاصة بذلك. كذلك تواصل الكاثوليكية الفلبينية بغطاء حكومي حرباً بشعة على شعب المورو في أرخبيل ميندناو؛ فمنذ أسابيع يحاصر السكان ويتم تهجيرهم بالقوة في مدينة مراوي تحت ذريعة استئصال خلايا إرهابية مرتبطة بتنظيم "داعش"، هل يعقل أن يتم تهجير أكثر من مائتي ألف مسلم من مراوي لأجل قتل وملاحقة 30 إرهابياً لا يعلم أحد عنهم شيء؟! تركستان الشرقية والهند والأحواز قصص أخرى متشابهة وإن اختلفت الوجوه، لمعاناة المسلمين حول العالم.
كل تلك القضايا أضحت من الهامش الإخباري للإعلام العربي والإسلامي والسبب تعصبنا لقومياتنا ومذاهبنا وأفكارنا وأحزابنا ومنظماتنا ولمن يدفع لنا نهاية كل شهر، لم أر في القرآن شيئاً يتحدث عن الولاء لشيء من هذه الأشياء، باستثناء الولاء لعقيدة رسولنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، وهي الطريقة الوحيدة التي يمكن أن يكون فيها حبل نجاتنا، وسر وحدتنا، وفي ذلك يقول الله تعالى: {وَأَن لَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاءً غَدَقًا} [الجن: 16].
تفاخر النبي صلى الله عليه وسلم بقبيلته ونسبه لكنه لم يفضلها على دينه وإسلامه، لأنه يعلم أن الإسلام هو سفينة النجاة التي يركبها كل مؤمن سواء كان عربياً أو أعجمياً، سواء كان إفريقياً أم آسيوياً، لذلك وجب على كل مسلم أن يكون مسدداً منتصراً لدينه وللحق والعدل والقيم التي تساعد الناس على الاجتماع لا على الفرقة، لأن إشغال الأمة المسلمة بقضايا هامشية من شأنه أن يؤخر نهضتها واستقامت مجتمعاتها.