• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
أمريكا والصين.. المحاربون المترددون

أمريكا والصين.. المحاربون المترددون

فورين بوليسي ـ  إيفان فيجينباوم

19 أكتوبر 2010 م

 

أمريكا والصين، كلاهما يعتمد على الآخر بصورة عميقة، حيث وصل التبادل التجاري في السلع بين البلدين إلى رقم فلكي ناهز الثلاثمائة وستة وستين مليار دولار في عام 2009، ولكن هناك العديد من الزعماء النافذين في كلا البلدين يرون أن هناك أسباب عديدة تدعو إلى القلق في تلك العلاقة الشائكة بين المارد الأمريكي والتنين الصيني. ففي موسم الانتخابات الحالية بالولايات المتحدة انتشرت ملصقات دعائية تلقي بلائمة فقدان الوظائف الأمريكية على عاتق العلاقة التجارية مع الصين، أما في بلاد التنين الأصفر فهناك العديد من السياسيين ـ من بينهم النجم الصاعد وانج يانج رئيس الحزب الشيوعي والذي يحكم محافظة جوانجدونج الجنوبية الصينية المزدهرة ـ والذين يشعرون بالقلق من أن "النموذج التقليدي الصيني يعتمد بصورة مكثفة على الطلب الخارجي"، وهو مؤشر ينذر بالمخاطر. وفي آخر المؤشرات على ذلك التوتر المتنامي، مرر الكونجرس الأمريكي مشروع قانون الشهر الماضي يطالب بأن تدفع الصين ثمن سياساتها النقدية الحالية، وكل المؤشرات في الوقت الراهن تشير إلى زيادة التوترات التجارية والمالية بين هذين العملاقين الاقتصاديين في العالم.
فأي حرب تجارية شاملة بين الولايات المتحدة والصين سوف تكون كارثية، ولكن لحسن الحظ أن احتمالات نشوبها لا تزال بعيدة، فصناع القرارات في كلا الجانبين يبدو أنهم خلصوا إلى أن نزاعاتهم التجارية يمكن إدارتها بدون تقويض شامل للعلاقات الأمريكية الصينية؛ فهذا الصراع التجاري من المتوقع أن يستمر، ولكنه سرعان ما سيصبح نمطًا جديدًا في العلاقات ما بين واشنطن وبكين.
ولكن ما الذي يشعل ذلك التوتر المتزايد في قضايا التجارة؟ البطالة وبطء النمو في الولايات المتحدة هما جزءًا من القصة، ولكن هناك أربعة عوامل أخرى تشكل بصورة كبيرة العلاقات الاقتصادية الامريكية الصينية، وسوف تضمن أن ذلك الصراع سوف يستمر في المستقبل.
أول تلك العوامل هو زيادة التنافس بين الشركات الأمريكية والصينية لأن الصين أصبحت ترفع من قيمة وكفاءة منتجاتها في مجموعة موسعة من القطاعات التجارية، من السيارات الكهربائية إلى الطاقة الشمسية إلى القطارات فائقة السرعة، أسرع مما توقع الكثيرون في الولايات المتحدة. كما أن الصين تهدف إلى أن تكون التقنية منتجًا محليًا وليس سلعة مستوردة من الخارج وأن تتنافس بتلك القيمة المضافة عالميًا، لذا فإنها بذلك تجبر المؤسسات الأمريكية على مواجهة تلك التغيرات المتسارعة في المشهد التنافسي التجاري بين البلدين.
فالصين استطاعت أن تقدم أحدث التقنيات في قطاراتها فائقة السرعة، كما أنها تسعى لاجتذاب العقود التجارية في الأسواق المتقدمة مثل أستراليا وكاليفورنيا، ففي السابق كانت الشركات الأمريكية تعقد مقايضات مع الصين: تقديم التقنية الأمريكية في مقابل وصول شركاتها إلى الأسواق الصينية، ولكنها الآن يجب أن تضاعف جهودها من أجل منافسة الشركات الصينية على الحصة السوقية الصينية.
ويقول الكثيرون في الصين، ليس فقط رئيس الوزراء وين جياباو، أن الصين وصلت متأخرة في مجالات الثورة الصناعية والمعلوماتية، لذا فإنهم عازمون على ركوب الموجة التقنية القادمة، وأصبحت الصين ـ مثلها مثل الكثير من البلدان في السابق ـ تستخدم سياساتها الحكومية لدعم أهدافها الطموحة، مثلاً في تفضيل الشركات المحلية في المناقصات الحكومية وتقديم معاملات مالية تفضيلية للشركات الناشئة محليًا مثل شركة الطائرات التجارية الصينية، والتي سرعان ما ستنافس شركة بوينج العالمية في صناعة طائرات الركوب النفاثة ذات القطر النحيل.
فالمحصلة هي أن الشركات الأمريكية باتت تواجه تحديات متزايدة من الصين، ولأجل مكافحة تلك التحديات فإنها اتخذت خطوتين، الأولى عن طريق رفع القيمة المضافة لمنتجاتها بصورة أسرع من الوتيرة المعتادة ـ مثل شركة آبل على سبيل المثال التي رفعت قواعد اللعبة ونجحت بذلك في اختراق أسواق مثل اليابان التي كانت تعد في السابق "بلاد العجائب" فيما يتعلق بإليكترونيات المستهلك المنتجة محليًا. والخطوة الثانية عن طريق الشركات متعددة الجنسيات التي مقرها الولايات المتحدة، والتي تتحالف مع الدبلوماسيين الغربيين لمكافحة السياسات السوقية التمييزية، في إطار جهودها لتحييد ملعب المنافسة في الصين. وبالرغم من أن خفض الصين لقيمة عملتها يحتل مساحات واسعة من مناقشات الكونجرس وصغار المصنعين، إلا أن الشركات الأمريكية تشتكي بصورة متزايدة من المناخ التجاري في الصين، وهي مشكلة لن تزول حتى لو اختفت قضية خفض قيمة العملة الصينية.
وهناك اتجاه ثاني، يعتبر نتيجة لتزايد المنافسة، وهي أن التحالفات القديمة التي وفرت في السابق ثقلاً موازنًا للعلاقات الأمريكية الصينية تنهار الآن؛ ففي الصين تنقسم جماعات المصالح حول كافة القضايا الاقتصادية تقريبًا: المصدرون الصينيون، أصحاب البنوك، القادة السياسيين، والذين تكتلوا في السابق حول القضايا المتعلقة بالتجارة، أصبحوا الآن في تناقض كبير، وبالتبعية فإن البنك المركزي الصيني أطلق ثورة لعملته في يونيو بالرغم من التفاؤل من وزارة التجارة الصينية وتكتلات التصدير. فجماعات المصالح الصينية منقسمة حول معايير مكافحة الإغراق والأساليب التجارية الحمائية، كما أن جماعات المصالح الصينية انقسمت ايضًا بشأن وصول الشركات الأجنبية إلى قطاعات حساسة في الدولة، مثل شراكة شركة "شل" مع شركة "بتروشاينا" لاستكشاف الغاز الطفلي في إقليم سيشوان.
وفي الوقت الراهن، وبالرغم من حقيقة أن العديد من الشركات الأمريكية تعمق من علاقاتها مع الصين، فإن التحالف السياسي التجاري السابق الذي ساعد بكين على الحصول على مكانة تجارية طبيعية ودائمة في التسعينيات أصبح في نزاع كبير، وربما يكون من شبه المستحيل أن يماثل ذلك التحالف الذي عمل من أجل الترويج لروابط تجارية وثيقة في عهدي كلينتون وبوش، وهناك مناطق جديدة من الصراعات التجارية بدأت في الظهور، مثلما هو الحال في مجالات الطاقة النظيفة، والتي يمكن أن تفرز مجموعات جديدة من المترددين. وفي الأسبوع الماضي فقط، فإن الولايات المتحدة فتحت تحقيقًا حول دعم الصين لمنتجي الطاقة النظيفة بناء على إصرار تحالف عمال الحديد، مما يمثل تحديًا كبيرًا من الصين.
والاتجاه الثالث هو التسامح المتزايد تجاه التوترات التجارية في كل من واشنطن وبكين بعيدًا عن السياسة، وتلك الثقة في عدم تطور الصراعات جعلت كلا الحكومتين أكثر جموحًا في ملاحقة الصراعات التجارية، ولكن ذلك يعني أيضًا أن الصين والولايات المتحدة استطاعا بصورة كبيرة أن يفصلا القضايا الأمنية، مثل كوريا الشمالية وإيران، عن التفاصيل الدقيقة للفقرة 301 و421 الخاصة بنزاعات الوصول إلى الأسواق. ومن غير المتوقع أن تنها العلاقة بين الجانبين، حتى في مواجهة الانهيار الكبير في قضايا مكافحة الإغراق، حيث إن كلا الحكومتين تعملان على فصل مختلف القضايا عن قائمة القضايا الثنائية التي تزداد تعقيدًا.
بكين، والتي أصبحت أكثر ارتياحًا في إجراءات نزاعها حول منظمة التجارة العالمية (وقد تعلمت بأن تدعم النظام من أجل مكاسبها الخاصة)، أصبحت الآن مستعدة لمواجهةالنزاعات الأمريكية في العديد من تلك القضايا، فقد قامت بالتحقيق في مختلف قضايا مكافحة الإغراق التي رفعها منتجون صينيون، وأصغت أذنها إلى المجموعات المتزايدة من تكتلات التجار الصينيين، وتحقق الآن في قضايا رسوم الاستيراد في دعم الولايات المتحدة ماليًا لأكبر ثلاث شركات أمريكية مصنعة للسيارات.
وأخيرًا فإن طلبات الولايات المتحدة إلى دخول السوق الصيني الذي يبلغ حجمه 1.3 مليار مستهلك تزداد من حيث النطاق والكثافة، وبخاصة مع تهديد سياسات الابتكار الوطنية الصينية للملكية الفكرية لشركات التقنية الأمريكية. وأصبحت المطالبة بالوصول إلى الأسواق الآن من كلا الجانبين، فالصين التي كانت معارضة للضغوط الأمريكية سوف تصبح الآن أكثر معارضة كلما يتم حجب المستثمرين الصينيين من دخول الأسواق الأمريكية.وبوضع كل تلك القضايا مع بعضها البعض، فإن تلك العوامل الأربعة تضمن أن العلاقات التجارية الأمريكية الصينية من المؤكد أنها ستصبح أكثر توترًا في الشهور والسنوات القادمة.
ولكن تلك العلاقات الأمريكية الصينية من الممكن أن تهدأ إذا ما تم حلها عبر منظمة التجارة العالمية وعن طريق الآليات الأخرى التي تعتمد على القوانين التجارية. فالعلاقة الثنائية بين البلدين مختلفة للغاية، فكلا الجانبين لديه حوافز قوية بألا يتم السماح للمشكلات التجارية بأن تقوض كافة أوجه التعاون الأخرى، كما أنه من الجدير بالإشارة إلى أنه لا توجد نية لأي شركة أجنبية للهروب من الصين، حتى تلك الشركات التي من المتوقع أن تخسر بسبب سياسات الإبداع الوطنية الصينية التي تتغافل الملكية الفكرية للشركات الأجنبية.
وفي الوقت الراهن فإن الصين لديها سببان وجيهان للإبقاء على العلاقة الإجمالية مع واشنطن جيدة، أحدهما أن اقتصاد الصين لم "ينفصم" حتى الآن عن اقتصاد الولايات المتحدة، فالصين تستمر في إدارة فوائض تجارية كبيرة مع الولايات المتحدة، وبسبب ثبات سعر صرفها، فمن المتوقع أن تزداد ارتباطًا بالولايات المتحدة وسياساتها النقدية مع تراكم احتياطات الصين من الدولارات. والسبب الآخر أن الصين لديها خيارات تجارية واستثمارية أكثر بكثير مع المزيد من البلدان مقارنة بما كان عليه الحال في السابق، فالصين تستطيع الآن أن تخفف الصراع مع الولايات المتحدة بصورة أسهل بكثير، لذا فإن بكين بحاجة إلى إدارة الصراع مع واشنطن باعتباره تهديدًا استراتيجيًا لأمنها التجاري.
 


http://www.foreignpolicy.com/articles/2010/10/19/reluctant_warriors?print=yes&hidecomments=yes&page=full

أعلى