"داعش" وأطماع طهران في الأردن
يبدو أن إيران قد ألقت شباكها مؤخراً في الأردن، لاستهدافه أمنياً -وغزوه عسكرياً -بعد وصولها إلى طريق مسدود مع النظام الملكي هنالك، كون طهران تسعى من زمن قصي لوضع قدم لها في الأردن، بهدف تحقيق مكاسب سياسية واجتماعية وجغرافية، وذلك عن طريق استخدام تنظيم (داعش) والورقة الأمنية بعد فشلها في النفاذ إلى البلد، عن طريق المجاملات الدبلوماسية والإغراءات والعروض الاقتصادية ونافذة السياحة الدينية.
اللافت للمراقب والمتابع للوضع الداخلي، يدرك أن طهران قد شرعت منذ فترة ليست بالقصيرة في تنفيذ مخططاتها تجاه الأردن، بعد ظهور ما يسمى بتنظيم الدولة (داعش) في الجوار، حتى إذا ما استطاعت الوصول إلى أهدافها، تأتى لها أن تبرئ نفسها تماماً من مسؤولية أي عملية إرهابية، ويتم إلصاق التهمة بتنظيم (داعش)، كما حدث في هجوم مكتب المخابرات في البقعة ونقطة خدمات اللاجئين في الرقبان، وفي أحداث قلعة الكرك مؤخراً.
وعلى الرغم من أن السلطات الأردنية لم تكشف بعد عن هوية المهاجمين في الأحداث، التي شهدتها (مدينة الكرك) مساء الأحد 18 ديسمبر كانون أول 2016م، واكتفائها بالتعبير عن وجود خلايا نائمة، فقد سارع التنظيم إلى تبني العملية عبر بيان نشرته "وكالة أعماق" شبه الرسمية التابعة لما يسمى تنظيم (داعش) يعلن فيه مسؤوليته عن الهجوم، والذي أسفر عن مقتل عشرة بينهم أربعة من قوى الأمن الأردنية وثلاثة من قوى الدرك، ومواطنان مدنيان بالإضافة إلى سائحة كندية، كانت موجودة في (قلعة الكرك)، حيث حصل الهجوم.
على الصعيد الأمني، ليست حادثة الكرك الأولى ولن تكون الأخيرة، فقد تعرض الأردن منذ مطلع العام ال جاري2016م، لحدوث هجمات مباغتة ومتعددة، وشهد ارتفاع في منسوب الأحداث الأمنية هنالك، ليسجل بذلك رقماً غير مسبوق في عدد الهجمات الإرهابية، التي يسارع في العادة ما يسمى بتنظيم الدولة (داعش) إلى إعلان مسؤوليته عنها، بصورة ملفتة.
عملياً، يشكل الهجوم المفاجئ الذي تعرضت له مدينة (الكرك) الواقعة جنوب الأردن، نقطة تَحوّل في مسار الأحداث، وعلامة فارقة وضع البلد برمّتها في عين العاصفة، بعد أن ظلّلت الأردن في منأى عن أي تهديد أمني جِدّي ووجودي لها، طيلة السنوات الساخنة، التي شبّت فيها الحرائق شرقاً في العراق، وجنوباً في سوريا.
كل الروايات للواقعة وتفاصيلها التي حدثت في الكرك مؤخراً وتناقلتها معظم وسائل الإعلام تطابقت إلى حد ما، وأشارت في مجملها إلى توافر عنصر الحسّ الأمني لآحاد المقيمين الأجانب، عن طريق (الصُدفة)، كما يقال باللغة الدارجة "العاميّة"، والتقصير والغياب الأمني من جانب السلطات.
خلاف المعلومات الأمنية المتطابقة ذاتها، التي أكدت في سياق تقريرها التفصيلي أن الكشف عن الخلية الإرهابية جاء بناءً على بلاغ قدمه مقيم يمني يشي بوجود حركة مشبوهة ورائحة بارود تصدر من أحد الشقق السكنية، كان استأجرها أفراد الخلية قبل نحو شهرين في منطقة القطرانة (85 كيلومتراً جنوب عمّان) التابعة لمحافظة الكرك الجنوبية.
وبعيداً عن الاستغراق في عملية التحليل، ودون المُضِيّ في توكيد إعلان (داعش) مسؤوليتها عن العملية وخروجاً من الأخذ بتعبيرات السلطات الأردنية التي عزت ما جرى إلى وجود خلايا نائمة في البلد، فإن الأردن كثيرًا ما عبَّر عن مخاوفه من أطماع إيران، بل إنّ "دائرة المخابرات العامة الأردنية خصصت قسماً خاصاً لمكافحة التشيع، وهو مُواز في عمله لقسم مكافحة التنصير".
وبرغم سياسة النأي بالنفس التي يتبعها النظام من الأزمة في سوريا، لم يسلم الأردن من تهديدات ومخاطر تحدق به على حدوده الشمالية مع سوريا على امتداد نحو 350 كيلو متر، فما يقرب من سبعة آلاف من ميليشيات "حزب الله" و"قوات الباسيج" و"الحرس الثوري" و"فيلق القدس" وغيرهم، يقتربون بشكل يومي من حدود الأردن الشمالية حسب ما ذكر موقع "أردن الإخبارية" وذلك لتسريع وصول قوات النظام السوري إلى معبر الجمرك القديم مع المملكة، فضلاً عن السيطرة على الطريق الواصل بين دمشق والحدود الأردنية.
وفي وقت سابق صرح في مارس /آذار 2015م قائد "فيلق القدس" في الحرس الثوري الإيراني الجنرال قاسم سليماني أن الأردن ضمن قائمة الدول التي تتحكم فيها طهران، وقال سليماني حسب ما نقلت عنه وكالة الأنباء الطلابية الإيرانية (إيسنا)، إنه تتوافر في الأردن إمكانية اندلاع ثورة إسلامية تستطيع إيران أن تتحكم فيها و"توجهها ضِدّ العدو".
ونشر موقع المنار الالكتروني التابع لـ "حزب الله" حليف النظامين السوري والايراني على لسان قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الايراني قاسم سليماني أن "بلاده حاضرة في لبنان والعراق، وأن هذين البلدين يخضعان بشكل أو آخر لإرادة طهران وأفكارها"، مشيراً إلى أن "إيران بإمكانها التحكم في هذه الثورات لتوجهها نحو العدو، وأن هذه الإمكانية متوافرة في الأردن".
كما نشر مركز المزماة للدراسات والبحوث، بدولة الإمارات العربية، في وقت سابق وثيقة مرسلة وموقعة من قائد فيلق القدس 'قاسم سليماني' إلى نوري كامل جواد المالكي، رئيس الوزراء العراقي السابق، حسبما جاء في الوثيقة، التي تكشف المساعي الإيرانية في محاولة تخريب الأمن، ونقل الفتنة والفوضى إلى الأردن.
تظهر الوثيقة أن قائد فيلق القدس "قاسم سليماني" طالب نوري المالكي الحفاظ على حالة الفوضى في الموصل أكبر المحافظات العراقية بنسبة السكان، وذلك لأن هدوء هذه المدينة يقلق المرجعيات في إيران حسب كلام سليماني، وقد تم إرسال هذه الرسالة في تاريخ 4 رجب 1435هجري الموافق 3 مايو/ أيَّار 2014م.
الوثيقة المنشورة تفصح عن قادة إيران البارزين الذين يعتبرون أنفسهم سيطروا بشكل كامل على جميع المحافظات الجنوبية في العراق، وضمنوا ولاءها للمرجعية الإيرانية، ولكنهم لا يعتبرون أن الحرب قد انتهت حتى يسيطروا بالكامل على "ديالى" و"سامراء" و"الأنبار"، وتطالب الوثيقة نوري المالكي بالحفاظ على الفوضى في "الموصل"، والهدف من وراء ذلك هو الوصول إلى الحدود الأردنية، بغرض إدخال الفوضى والفتنة لزعزعة أمن واستقرار الأردن.
وبالعودة والرجوع إلى الوراء قليلاً، فإن هذه الوثيقة المرفقة تثبت بالدليل القاطع أن النظام الإيراني هو المسؤول عن الأحداث الإرهابية التي ضربت الأردن مؤخراً، وأعلن تنظيم (داعش) مسؤوليته عنها بعد فترة صمت وسكوت، وهو ما يشير إلى أمرين:
الأمر الأول: إما أن تكون عناصر تنظيم (داعش) قد نفذت الهجمات والعمليات الإرهابية بشكل واقعي وعملي، ولكن بتدبير وتخطيط وإشراف ورعاية إيرانية.
الأمر الثاني: أن تكون إيران نفسها تقف خلف تنفيذ هذه الهجمات، دون أن تعلن مسؤوليتها، وحين لم تعلن أي جهة مسؤوليتها عن ذلك، يستغل ما يسمى بتنظيم الدولة (داعش) الفرصة لاستغلال هذه الأحداث وتوظيفها إعلامياً، ليثبت أنه مازال قوياً وقادراً على الانتقام والتحرك على الأرض، فقام بإعلان مسؤوليته عنها.
ويرى العديد من الخبراء والمراقبين أن السلطات الأردنية على دراية بالمخططات الإيرانية التي تحاك ضد المملكة، وأن الأردن موجود على لائحة أهداف إيران الإرهابية منذ سنوات، خصوصاً تلك الخطط الموجودة على أجندة الخلايا والأفراد التابعة لفيلق القدس الإيراني، وتنظيم (داعش).
لذلك، فإن الأردن يعتبر بدرجة رئيسية الطرف الأول الذي يدفع اليوم ثمن غياب الدولة في سوريا، جرّاء سيطرة قيادات إيرانية وقيادات تابعة لحزب الله على الجنوب السوري، إضافة إلى سيطرة وانتشار عناصر من تنظيم "داعش" ، صاروا على الحدود.
وقد تواترت أخبار الركبان حول ما يسمى بـ تنظيم الدولة (داعش)، في كونها مُخترقة من قبل إيران، وأنها تسيطر على قرار أجزاء واسعة منها، ويكفي في هذا الإطار الاستماع إلى الكثير من شهادات أهل السنة بالعراق عن قتل واستهداف (داعش) قادة ورموز السنة من العلماء والمجاهدين والساسة ومصادرة السلاح السني، وإيقاع الظلم والضرر عليهم وتدمير البنية التحتية لمناطقهم، عدا عن ذلك كله يتم تسليم هذه المناطق للحشد الشيعي!
أما اختيار (الكرك) واستهداف القلعة على وجه التحديد، فهو يأتي لضرب السياحة والاقتصاد، وفيما لو كانت نجحت العملية، فإن أولى نتائجها سوف يفضي إلى زرع مشكلة داخلية بمهاجمة المسيحيين في موسم أعيادهم، والعمل على تغيير المزاج الكركي الرافض للغزو الايراني والشيعي للمدينة، التي يسعى المشروع الايراني لـ غزو الاردن منها تحت شعار (السياحة الدينية).
والذي يظهر أن الهدف من صنع إرهاب (داعش) وتخليقه في مدينة الكرك، يرمي إلى تحويل الغضب الكركي من إرهاب إيران في سوريا والعراق إلى إرهاب (داعش) في الكرك، بحيث يمكن لطهران تمرير مشروعها بتخليق بؤرة شيعية في الأردن على غرار بؤرة "حَيّ السيّدة زينب" في دمشق، والتي تحولَّت لمبرر وشماعة للغزو الاحتلال الايراني العسكري لسوريا.
وقد استفاق الأردن في 21 يونيو/ حزيران 2016م على هجوم إرهابي جبان استهدف موقعاً عسكرياً متقدماً لخدمات اللاجئين السوريين في منطقة الرقبان في شمال شرق المملكة قرب الحدود السورية، والذي أسفر عن استشهاد وإصابة عدد من قوات حرس الحدود الأردنية، كما تعرض مكتب للمخابرات الأردنية في مخيم البقعة شمال عمان لهجوم إرهابي قبيل الساعة السابعة من صباح يوم الاثنين 6 يونيو/ حزيران، ما أسفر عن مقتل خفير وعامل مقسم و3 ضباط صف من حرس المكتب.
وفي الثالث من إبريل/ نيسان 2015 م اعتقلت السلطات الأردنية عراقيا نرويجياً يدعى خالد كاظم الربيعي (49 عاماً) يعمل لصالح فيلق القدس الإيراني، وكان يهدف إلى تنفيذ عمليات إرهابية من شأنها زعزعة أمن واستقرار الأردن، وتم ضبط 45 كيلوغراماً من المتفجرات من مادة الـ(RDX) شديدة الانفجار كانت مخبأة في منطقة ثغرة عصفور في محافظة جرش شمال المملكة.