اليمن: هدنة جديدة لاستعادة أنفاس المليشيات
مجدداً عاد المبعوث الأممي إلى اليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد بعد غياب طويل ليعلن عن هدنة جديدة تبدأ صباح الخميس لمدة 72 ساعة قابلة للتمديد تزامناً مع حالة الضغط الكبيرة التي تتعرض لها المليشيات بعد فتح جبهة البقع المؤدية إلى معقل الحوثي في صعدة.
ويبدو واضحاً أن المبعوث الأممي ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية ودول غربية مارسوا الضغط على المملكة العربية بعد اعتراف التحالف العربي باستهداف صالة عزاء للحوثيين في صنعاء متوعداً بتقديم تحقيق شامل للحادثة وتقديم تعويضات للضحايا.
كما تزامن إعلان هذه الهدنة مع لقاء اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، والتي طرحت عدة بيانات بها خطوط عريضة تتحدث عن وقف غير مشروط للقتال في اليمن، مع عدم الكشف عن الشروط التفصيلية لحل الأزمة.
وكانت تصريحات وزيري الخارجية الأمريكية والبريطانية أكثر دقة بضرورة وقف إطلاق النار في اليمن خلال أيام قليلة قادمة، كما لا يتم اغفال هذه التصريحات مع إعلان البنتاغون الأمريكي تعرض بارجات أمريكية في عرض البحر الأحمر لصواريخ من مناطق يسيطر عليها الحوثي لثلاث مرات متتالية وهو الأمر الذي نفاه الحوثي بشكل قطعي وسارع في اتهام أطراف أخرى خوفاً من ردة الفعل الأمريكية التي قصفت بالفعل على مواقع رادات تابعة للحوثي في الحديدة كرسالة تحذيرية لعدم التمادي أكثر.
وإن كان الكثير يشكك من مصداقية هذه الواقعة بل ويعتبرها البعض محاولة لتدويل القضية اليمنية ودخول الولايات المتحدة الأمريكية كطرف أساسي في الحرب وبالتالي استدعاء الأطراف المتصارعة عالميا كالروس كما حدث في سوريا.
ورغم أن الناطق باسم التحالف العربي العميد عسيري كان قد صرح قبل قرابة شهر من الآن عدم قبول التحالف بهدنة مؤقتة بطلب من الحوثي، مؤكداً أن الأمر يتطلب خطة سلام شاملة لليمن وليس مجرد هدنة مؤقتة؛ لكن الضغوطات الأمريكية والغربية أسفرت عن إقناع السعودية والتحالف العربي ومن وراءهم الحكومة اليمنية على القبول بهدنة جديدة لمدة 72 ساعة تبدأ صباح الخميس بعد إعلان الحوثي الموافقة الفورية على هذه الهدنة.
ويبدو جلياً أن الهدنة ذاهبة إلى التنفيذ خصوصاً بعد إعلان المبعوث الأممي عن بدايتها صباح الخميس وموافقة الأطراف المتحاربة عليها، لكنها بالتأكيد وبناء على تجارب سابقة لن تكون سوى فرصة سانحة لاستعادة المليشيات الحوثية لأنفاسها وإعادة ترتيب أوراقها وحصولها على فرصة لتخزين الأسلحة ونقلها من مكان إلى أخر أكثر أماناً خوفاً من استهدافها من قبل طيران التحالف.
وتعد هذه هي المرة الخامسة التي يتم الإعلان عن هدنة عسكرية في اليمن، الأولى كانت في مايو 2015، والثانية في يوليو من العام نفسه، والثالثة في 25 يوليو، أما الرابعة فكانت في إبريل الماضي.
وبناء على الهدن السابقة فإن أغلب تلك الهدن لم يكن لها أي تطبيق على أرض الواقع، فالخروقات الحوثية في تعز ومأرب والجوف والحدود السعودية كانت مستمرة رغم توقف الطيران بشكل كلي، وهو السبب الذي يدفع الحوثي لطلب الهدنة أكثر من مرة، فالهدنة بالنسبة له تعني توقف الطيران الجوي عن قصف الأهداف العسكرية، أما التحركات على الأرض فهي مستمرة ويجدها فرصة لإعادة ترتيب الأوراق وإرسال التعزيزات العسكرية للجبهات الأكثر اشتعالاً.
خمس مرات يتم الدفع بالتحالف العربي والسعودية والضغط عليها لإيقاف الطيران والتهدئة على الأرض والهدنة بدون شروط مسبقة، رغم تكرار الخروقات الميدانية من قبل الحوثيين، بل إن المؤسف أن تتحول الحكومة الشرعية إلى طرف مُدان على عكس المليشيات التي انقلبت على السلطة واستولت على الحكم بقوة السلاح وسيطرت على الوظائف بطريقة سلالية عنصرية مقيتة.
وعند البحث عن المستفيد من هذه الهدنة، يستطيع أي مطلع على الشأن اليمني أن يجد أن تلك المليشيات التي تم التضييق عليها في الجبهات هي المستفيد الأول، فالهدنة ستفتح لهم المجال لترتيب صفوفهم وتوزيع السلاح وتخزينه من جديد ونقله من مكان لآخر، ورفد الجبهات بالمقاتلين من المحافظات الهادئة، والترتيب لعمليات في الحدود وإخراج الصواريخ "البالتسية" المخزنة وتجهيزها لاستهداف المدن السعودية الحدودية والمحافظات المحررة.
ويستغرب البعض من إصرار الولايات المتحدة الأمريكية على إعلان الهدنة لمدة ثلاثة أيام رغم أنها لا تسمن ولا تغن من جوع كما يقال، كون الوضع في اليمن يختلف تماماً عن الوضع في سوريا باستثناء مدينة تعز التي فرض عليها الحصار منذ أكثر من عام ونصف، كما أن الأكثر غرابة أن يتم الإعلان عن هدنة في الوقت الذي تتحدث فيه الولايات المتحدة الأمريكية عن خطر استهداف الملاحة الدولية من قبل مليشيات الحوثي وصالح، فكيف يعلن عن هدنة والمليشيات تزيد من تهديد خطوط الملاحة في باب المندب وتستهدف سفن المساعدات كما حدث مع السفينة الإماراتية.
والشيء الذي أصبح واضحا بالنسبة للمنيين أنه كلما تقدم الجيش الوطني والمقاومة الشعبية وضيقوا الخناق على الحوثيين في الجبهات كلما سارعت الأمم المتحدة في اقناع التحالف العربي للدخول في هدنة جديدة، فلا يوجد أي معنى لإعلان هذه الهدنة بعد بداية معركة واضحة لتحرير معقل الحوثي في صعدة وتقدم الجيش نحو منفذ البقع الحدودي.
وبشكل عام، فإن هذه الهدن لن تغير من واقع الأحداث فلا تزال الأمم المتحدة تقدم مبادرات غير قابلة للحل الشامل، فالجميع يطالب بحل جذري للمشكلة بدايتها تحرير البلاد من المليشيات وعودة الحكومة الشرعية والدخول في عملية سياسية شاملة لا تلغي أحداً، أما إعلان تهدئة وحل جزئي مع بقاء أساس المشكلة وخصوصا السلاح بيد المليشيات فإنه مجرد توقيف مرحلي لعودة الحرب من جديد.
ويبقى التحدي أمام التحالف العربي والحكومة الشرعية هو سرعة الحسم في هذه المعركة، فكلما طال أمد الحرب كلما تعقدت الأزمة أكثر، وزادت الضغوطات الدولية ودعوات السلام والتهدئة التي تشجع الانقلابيين على التمادي وعدم القبول بالحلول السياسية، فقد شعروا أن موقف الدول الغربية يبدو وكأنه مساند لهم، وهو بالفعل كذلك.