ما وراء استهداف البارجات الأمريكية في باب المندب؟
لم يتضح بعد الهدف الحقيقي من قصة استفزازات الحوثيين للمدمرة الأمريكية "ما يسون"
(USS
Mason)،
وقبل ذلك صحة استهداف "السفينة الإماراتية"، في "مضيق باب المندب"، هل هو من قبيل
ابتزاز المملكة العربية السعودية وصناعة فخ للتحالف العربي بإنهاكه في حرب إقليمية
أم الضغط لإيقاف نجاحاته العسكرية في شمال اليمن ضد تحالف الانقلاب في اليمن" صالح
والحوثيين"، بهدف إمضاء تسوية سياسية سريعة تضمن تحقيق أجندة الحوثيين وإيران؟
غير أن تصريحات مسؤول في وزارة الدفاع الأمريكية قد كشفت في الجملة جانب من قصة
الاستهداف المشاعة بين الحوثيين والولايات المتحدة في "مضيق باب المندب"، مساء
السبت، ونشرته قناة
NBC
الأمريكية، في أنه: " لا يزال من غير الواضح حقيقة إن كان هناك بالفعل صواريخ أطلقت
مستهدفة القطعة البحرية أو أن هناك خللاً ما بأنظمة الرصد الرادارية على متن
المدمرة الأمريكية "ما يسون" (USS
Mason)،
وستكشف في الحقيقة خلال الأيام القادمة الجزء المتبقي
من أبعاد قصة الاستهداف المُثَارَة في الكثير من وسائط ووسائل الإعلام العالمية.
لكن من المعلوم قطعاً أن الإدارة الأمريكية، قالت في وقت سابق:" إن وقوفها إلى جانب
التحالف العربي ليست شيكاً على بياض وأنها سوف تراجع تعاونها مع التحالف "، بل قامت
في أغسطس 2016م، قبل شهرين ونصف تقريباً من الآن، بسحب مستشاريها العسكريين من
الرياض، وهي اليوم وبشكل علني تتقدم نحو اليمن لتدير الصراع والاقتتال على الأرض عن
كثب وتلقي بظلالها على المشهد كفاعل ظاهر ومباشر.
والمثير للقلق هو احتمال أن تكون الإدارة الأمريكية ترغب في توسيع دورها العسكري في
اليمن، وأن يتبع ذلك تدخل دفاعي وعسكري محدود لها يؤدي إلى تدويل الأزمة اليمنية،
بصورة ما تتيح لإيران وحلفائها وأدواتها في اليمن (صالح والحوثيين)، لتوسيع رقعة
الحرب لإنهاك التحالف العربي، وإطالة أمد الحرب بتوسيع دائرة الأطراف ومسرح
العمليات بشكل مفتوح يعطي ذريعة للحوثيين وإيران بردات فعل انتقامية أوسع نطاقاً.
في المقابل ثَمَّة احتمالات وتقديرات أخرى تتعلق بمحاولة "واشنطن" الضغط على جميع
الأطراف بالتلويح بقدرتها على ضبط مجريات الأحداث والصراع في اليمن، والتأثير على
حلفاء إيران وأدواتها (صالح والحوثيين)، وبالتالي فرض الرؤية الأمريكية للحل
السياسي، والذي يميل لتمكين الأقلية الطائفية الشيعية الحوثية بحسب "مبادرة جون
كيري"، في الوقت الذي يحذر فيه مراقبون بِشَدّة من تدخل الولايات المتحدة الأمريكية
على خط الأزمة اليمنية، حتى لا يتكرر السيناريو السوري في اليمن.
ويبدو أن دعوة "واشنطن ولندن" في مؤتمر صحفي لهما مساء اليوم الأحد 16 أكتوبر
2016م، لوقف فوري وغير مشروط لإطلاق النار في اليمن، يأتي في إطار فرض الرؤية
الأمريكية للحل السياسي، يسبق ذلك الدخول في هدنة معلنة عن طريق الدفع بالمبعوث
الأممي "ولد الشيخ"، للتواصل مع الأطراف اليمنية في العاصمة صنعاء والرياض، وهذا في
واقع الأمر ما يحلم به الحوثيون، وسيتحقق لهم من خلاله ما لم تحققه أربع جولات من
المفاوضات.
والسيناريو المتوقع فيما يظهر للضغط الدولي الماثل للعيان يتمثل بصورة رئيسية في
إلغاء وتجاوز القرار الدولي والأممي 2216 وانسحاب التحالف العربي، وتشكيل حكومة
يمنية يشارك فيها الحوثيون بسلاحهم، وتثبيت الواقع العسكري الذي فرضوه، ومن ثم يأتي
التطرق للتفاصيل بعد ذلك، وفي هذه الأثناء حتماً سيصوت مجلس الأمن بالإجماع لأنها
إرادة دولية تماماً كتوافق روسيا وأمريكا والغرب في الشأن السوري، والحال في اليمن
كما يقول مراقبون: لن يكون مثل لبنان " الثلث المعطل" فحسب، بل سيتجاوز ذلك في جعل
اليمن شرطي المنطقة مثل شاه إيران.
والشيء الملفت أن يترافق هذا الضغط الدولي الذي تم ابتداؤه بدحرجة قصة الاستهداف
المثارة في وسائل ووسائط الاعلام العالمية بين أمريكا والحوثيين في "مضيق باب
المندب" مع النجاحات التي تحققت للحكومة الشرعية والمقاومة الشعبية في شمال اليمن
على قوى الانقلاب، في محاصرة المعقل الرئيس للحوثيين، من جهة الشمال "البقع" والشرق
"الجوف" ومن الجنوب تنتظرهم جبهة "صنعاء" و"نهم " و"أرحب"، بحيث لم يتبقى لهم سوى
الغرب، الغرب الساحل والدول.
وقد بدأت بالفعل نتائج التحرش بالسفن والبارجات الامريكية في عمق البحر الأحمر و"
مضيق باب المندب " تظهر للعلن من خلال الموقف الأمريكي والبريطاني، بالدعوة لإيقاف
الحرب باليمن دون شروط، وهو موقف لإنقاذ المليشيا وإبقاء ذراع إيران في اليمن
والمنطقة لتنفيذ أجندتهم، وهم لا يهدفون بدعوتهم إيقاف الحرب إطلاقاً، بل الهدف
إنقاذ وحماية الحوثيين وإطالة أمد الحرب في اليمن.
وبقدر ما تكشف قصة استهداف السفينة الاماراتية والمدمرات الأمريكية من قبل الحوثيين
وقوات صالح قبالة "باب المندب" حالة التدويل للملف اليمني والوضع الأمني والسياسي،
فإنها تكشف في الوقت ذاته والواقع قطعاً حالة التنسيق والتخادم والتناغم وليس
العداوة بين الولايات المتحدة الأمريكية والانقلاب في اليمن، بهدف وضع وإبقاء "باب
المندب" تحت الحماية الدولية. !!
لكن الطريف والظريف في قصة الاستفزاز والاستهداف المزعومة من قبل الحوثيين للمدمرات
الأمريكية في السواحل اليمنية، التي أشيعت في وسائل الإعلام العالمية اليومين
الماضيين هو مفاخرة الحوثيين باستهداف السفينة الإماراتية قبل أيام قبالة السواحل
اليمنية، ونفيهم القاطع في أكثر من صعيد باستهداف المدمرة الأمريكية
"ما يسون" (USS
Mason)،
فتقوم إيران بإرسال 40 سفينة إلى السواحل اليمنية، وترسل أمريكا ثلاث سفن حربية
لتعزز تواجدها ونفوذها في المنطقة ، وتشيع خبر استهداف الحوثيون لها غير مرة
بتصريحات رسمية لمسؤولين في وزارة " البنتاغون" ثم تتراجع وتعدل عنها!