ما وراء القلق الصهيوني من ترامب وكلنتون؟
مع اقتراب موعد إجراء الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة، فأن الكيان الصهيوني يبدو في حالة انعدام يقين بشأن المرشح الأفضل الذي يمكن أن يخدم المصالح الصهيونية كما تراها حكومة اليمين المتطرف، التي يقودها بنيامين نتنياهو.
فعلى الرغم من المرشحة الديموقراطية هيلاري كلنتون قد خرجت عن طورها في طمأنة الصهاينة بأنها ستحرص على تعزيز روابط التحالف بين واشنطن وتل أبيب، وحرصت على تضمين مذكراتها الشخصية التي صدرت في العام 2014 تصوراً للصراع الفلسطيني الصهيوني يتماهى مع تصور اليمين الديني في تل أبيب، إلا أن التأييد الواسع وغير المتوقع الذي حظي به منافسها المرشح الديموقراطي الليبرالي بيرني ساندرز، الذي تبنى خطاً نقدياً غير مسبوق تجاه الكيان الصهيوني، جعل بعض مستويات صنع القرار في تل أبيب تخشى أن يفرض أنصار ساندرز على كلنتون تبني سياسات أكثر تشدداً تجاه تل أبيب.
وتخشى بعض الدوائر الصهيونية أن تضطر كلنتون، في حال انتخبت رئيسة للولايات المتحدة، أن تأخذ بعين الاعتبار مواقف ساندرز وأنصاره، من الكيان الصهيوني، سيما في كل ما يتعلق بالموقف من المستوطنات اليهودية والسلوك الصهيوني تجاه الشعب الفلسطيني.
وهناك في تل أبيب من لا يستبعد أن تفضي الضغوط التي قد يمارسها أنصار ساندرز إلى اجبار كلنتون على تأييد مشاريع قرار في المحافل الدولية تضر بالكيان الصهيوني وتمس بمصالحه.
وتبدي المستويات الرسمية في تل أبيب والدوائر اليهودية الأمريكية قلقاً كبيراً إزاء التحولات التي طرأت على مواقف قطاعات واسعة من أعضاء وأنصار الحزب الديموقراطي الأمريكي من الكيان الصهيوني وصراعه ضد الشعب الفلسطيني.
ووترى هذه المستويات وتلك الدوائر أن تعاظم مظاهر انخفاض التأييد للكيان الصهيوني في أوساط الحزب يستدعي من اللوبيات اليهودية، وعلى وجه الخصوص منظمة "أيباك" إعادة النظر في آليات عملها داخل الولايات المتحدة بشكل يفضي إلى تغيير الواقع الحالي.
وترى الدوائر الصهيونية أن أبرز مؤشر على انخفاض التأييد لتل أبيب وتعاظم التعاطف مع الفلسطينيين داخل الحزب الديموقراطي تمثل في اضطرار كلنتون للموافقة على أن يشكل مؤيدو منافسه بيرني سندرز ثلث عدد أعضاء اللجنة المكلفة بإعداد برنامج الحزب السياسي عشية الانتخابات الرئاسية.
وعلى الرغم من أن ممثلي معسكر سندرز لم يفلحوا في تمرير بند في البرنامج يدعو إلى رفض تواصل الاحتلال الصهيوني للأراضي الفلسطينية ويدعو لإزالة المستوطنات "غير الشرعية"، إلا أن الدوائر اليهودية الأمريكية منزعجة جداً من نجاح مجموعة سندرز في تضمين البرنامج بند يدعو لإقامة دولة فلسطينية "تضمن استقلال وسيادة واحترام الفلسطينيين".
وترى تل أبيب ترى في مجرد اضفاء شرعية على تمثيل هذه المجموعة في مؤسسات الحزب الديموقراطي "أمرا بالغ الخطورة".
وقد جاء هذا التطور بعد شهر على إعلان نتائج الاستطلاع الذي أجراه معهد "بيو" الأمريكي، والذي أظهر أن تأييد الديموقراطيين الليبراليين للفلسطينيين زاد منذ العام 2014 من 21% إلى 40%، في حين انخفض التأييد للكيان الصهيوني في أوساطهم من 39% إلى 33%. وهذه المرة الأولى التي يحصل فيها الفلسطينيون على دعم أكثر من الصهاينة من قبل أية مجموعة أمريكية.
في الوقت ذاته، فأن الصهاينة يتوجسون أيضاً من مستقبل تعاطي ترامب معهم، على الرغم من إعلانه المتكرر عن دعمه المطلق للكيان الصهيوني ولتأكيده أنه بصدد القيام بزيارة "تضامنية" لتل أبيب قبل موعد الانتخابات.
فهناك في تل أبيب من يحذر من التوجهات "الانعزالية" لترامب، ويرى أنها قد تفضي إلى المس بالمكانة الإستراتيجية للكيان الصهيوني.
وعلى الرغم من أن صحيفة "هارتس" قد كشفت مؤخراً النقاب عن أن السفارة الصهيونية في واشنطن ساعدت ترامب في تحديد النقاط المتعلقة بالكيان الصهيوني، التي يتوجب أن يتضمنه خطابه الانتخابي، إلا أن بعض النخب الصهيونية اليمينية تحديداً تحذر من أن انتخاب ترامب قد يمس بالمصالح الصهيونية بشكل كبير.
وحذرت الكاتبة الصهيونية اليمينية كارولين كليغ من أنه على الرغم من أن ترامب قد يتبنى سياسات أكثر راحة لتل أبيب، إلا أن فوزه سيكون مقترناً بتعاظم تأثير اليمين الأمريكي المتطرف، الذي يدعو للانعزالية، مما سيفضي إلى تراجع مكانة الولايات المتحدة مما يعني تراجع مكانة الكيان الصهيوني الإقليمية والدولية.
وترى كليغ أن كثير من دول العالم تتجاوب مع المصالح الصهيونية لأنها تدرك أن مثل هذه الخطوة يمكن أن تسهم في تحقيق مصالحها لدى واشنطن، لذا فأن تراجع مكانة الولايات المتحدة الدولية سيقنع الدول لعدم الاهتمام بالمصالح الصهيونية.
واشارت كليغ إلى أن النقاشات التي شهدها مؤتمر نظمه مؤخراً الأخوان تشارلز وديفيد كوك، وهما أكبر المتبرعين للحزب الجمهوري، لمناقشة السياسات الأمنية للإدارة الأمريكية القادمة، وشاركت فيه نخب جمهورية ويسارية، قد دلل على أن المزيد من النخب الجمهورية تجاهر بدعوتها لانغلاق أمريكا على ذاتها.
وأشارت كليغ إلى أن المتحدثين الجمهوريين في المؤتمر قد دعوا إلى اعادة الاعتبار للسياسات التي تبنتها الولايات المتحدة في ثلاثينيات القرن الماضي، قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، والمتمثلة في تقليص تدخل واشنطن في شؤون العالم إلى أكبر قدر ممكن.
ونوهت كليغ إلى أن المفارقة تمثلت في أن القاسم المشترك بين النخب الجمهورية والديموقراطية التي تحدثت في المؤتمر قد تمثل في الدعوة إلى انهاء التحالف القائم بين إسرائيل والولايات المتحدة.
وذكرت كليغ أن من بين المتحدثين في المؤتمر كانت ميري سولتر، التي كانت تشغل ثالث أهم منصب في وزارة الخارجية الخارجية، عندما كانت كلنتون وزيرة للخارجية.
وترى كليغ أن توجه نتنياهو لبناء شراكة إستراتيجية مع روسيا لا يهدف فقط إلى توفير الظروف التي تضمن الحفاظ على المصالح الصهيونية في سوريا، بل أيضاً لمواجهة تبعات أي تحول محتمل على نسق العلاقة بين الولايات المتحدة وتل أبيب.
وعلى الرغم من أن كليغ تؤكد أن الشراكة مع روسيا لا يمكن أن تعوض تراجع التحالف مع واشنطن، فأنها في المقابل تشير إلى أن المنطلقات الواقعية للسياسة الروسية تسمح لتل أبيب بهامش مناورة واسع في الساحتين الدولية والإقليمية.
وتدلل كليغ على ما ذهبت إليه من خلال الإشارة إلى ما دار في لقاء الرئيس الروسي فلادمير بوتين ونتنياهو في موسكو مؤخراً، حيث أشارت إلى أن بوتين لم يبد أي اهتمام يذكر بالقضية الفلسطينية ولم يربط بين سلوك إسرائيل تجاه الفلسطينيين ومستقبل العلاقة معها، كما يفعل الغرب بشكل عام.