عملية تل أبيب تعصف بحسابات الصهاينة
لم يكن لوزير الحرب الصهيوني الجديد أفيغدور ليبرمان أن يتوقع أن يقف أمام هذا الاختبار بهذه السرعة وبعد أقل من شهر على توليه المنصب.
فقد كان ليبرمان مرتاحاً للتقديرات الأمنية والاستخبارية التي تؤكد أن انتفاضة القدس قد لفظت أنفاسها وأن دافعية الفلسطينيين لمواصلة عمليات المقاومة في هذه المرحلة قد شارفت على الانتهاء.
فعلى مدى أسبوع قبل تنفيذ عملية "تل أبيب" البطولية ظلت وسائل الإعلام الصهيونية تتحدث عن "موت" انتفاضة القدس، وراح الجنرالات والخبراء الأمنيون والمستشرقون الصهاينة يتبارون فيما بينهم في رصد الأسباب التي أفضت إلى "موت" الانتفاضة.
وراح الكثير من المعلقين الصهاينة يوزعون شهادات "التقدير والثناء" على قادة الجيش وجهاز المخابرات الداخلية "الشاباك"، الذين أسهموا في تحقيق هذه النتيجة.
وقد تباهى جهاز الاستخبارات العسكرية "أمان" بأنه طور "آليات رصد" استخبارية تمكن من التعرف على من يخططون لتنفيذ العمليات الفردية واعتقالهم قبل أن يشرعوا في ذلك.
وقد منحت الصحف الصهيونية الكثير من المساحات لضباط كبار في "أمان" للحديث عن "انجازهم" الذي تبين أنه لم يكن أكثر من وهم.
من هنا، فقد أفضت العملية إلى نسف حسابات الصهاينة رأساً على عقب، حيث أن كلاً من المستوى السياسي والمؤسسات الأمنية باتت مطالبة بصياغة رواية أخرى لتبرير ما حدث للرأي العام، حيث أن عملية "تل أبيب" ليست فقط مجرد عملية نفذت ضد هدف للاحتلال، بل أن طابع العملية أصاب القادة الصهاينة بالحرج الشديد.
فقد نفذت هذه العملية في قلب مدينة تل أبيب، وبجوار مبنى وزارة الحرب، الذي يعد أكثر المؤسسات حساسية في الكيان الصهيوني.
في الوقت ذاته، فأن البطلين الذين نفذا العملية قدما من أقصى جنوب الضفة الغربية، وتحديداً من بلدة "يطا"، وهذا يعني أنهما تجاوزا عشرات الحواجز العسكرية، فضلاً عن دخولهم مركز تجاري يحظى بحراسة خاصة، دون أن تكتشف الأسلحة التي بحوزتهم.
لكن مما لا شك فيه، فأن أكبر معضلة كشفت عنها عملية تل أبيب تتمثل في مستوى الدافعية العال لتنفيذ عمليات في أوساط الشباب الفلسطيني، وأن التراجع الذي حدث في مستوى العمليات كان مرده الإجراءات المشتركة التي يتخذها الكيان الصهيوني والسلطة الفلسطينية.
فقد أدركت المؤسسة الأمنية الصهيونية أنه كلما تسنت الظروف لتنفيذ عمليات، فأن المزيد من الفلسطينيين سيستغلون هذه الفرصة لتنفيذها بدون تردد.
ومما لا شك فيه أن عملية "تل أبيب" تمثل بشكل خاص تحدياً لوزير الحرب الصهيوني الجديد أفيغدور ليبرمان، الذي قدم نفسه على أنه المؤهل للقضاء على المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة في زمن قياسي.
وعلى الرغم من أن ليبرمان حرص على إطلاق تصريحات "معتدلة" نسبياً بمجرد أن تولى مقاليد الأمور في الوزارة، إلا أن تنفيذ العملية أصابه بحرج شديد، حيث أن الجميع بات يطالبه بأن يثبت جدارته كوزير للحرب.
لكن ليبرمان، مثله مثل جميع قادة الأجهزة الأمنية يدرك أن الخيارات التي تقف أمامه محدودة بشكل كبير، حيث أن منفذي العملية لا ينتمون إلى تنظيم، مما يعني أنه لا توجد بُنية تنظيمية بإمكان الجيش والمخابرات الإسرائيلية تفكيكها.
في الوقت ذاته، فأن المؤسسة الأمنية الصهيونية تعي تماماً أن نجاح عملية "تل أبيب" سيفضي إلى تشجيع المزيد من الشباب الفلسطيني على محاولة تنفيذ عمليات مماثلة. ومما يعزز هذا الاحتمال حلول شهر رمضان، الذي يزيد من مستوى الدافعية الدينية لتنفيذ العمليات المقاومة. لكن رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو وليبرمان معنيان بأن يثبتا للجمهور الصهيوني أنهما صارمان وأن هذه العملية لن تمر بدون رد مناسب. ويتضح من خلال النقاشات التي أجريت في المجلس الوزاري المصغر لشؤون الأمن أن ردود الفعل تشمل: فرض حصار مطبق على بلدة "يطا"، الغاء تصاريح دخول الفلسطينيين في هذه البلدة للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، ومنع إعادة جثث الشهداء، وتدمير منازل منفذي العمليات.
لكن النخب اليمينية، والقواعد الجماهيرية للأحزاب المشاركة في الائتلاف لا ترى أن هذه الإجراءات تكفي وتطالب بعقوبات جماعية أكثر شمولية وقسوة.
وفي المقابل، فأن صناع القرار السياسي في تل أبيب يعون أن الإقدام على فرض عقوبات جماعية كما تطالب قوى اليمين في تل أبيب سيفضي فقط إلى تعاظم الدافعية لتنفيذ عمليات. وعلى الرغم من تجذر هذه القناة، إلا أنه من المعروف أن اعتبارات السياسة الداخلية ذات تأثير كبير على القرارات الأمنية التي يتخذها القادة الصهاينة، سيما وأن نتنياهو معني بالحفاظ على موقعه في رئاسة الوزراء، في حين أن ليبرمان خرج عن طوره من أجل الظفر بمقعد وزير الحرب، لأنه يعتقد أن هذا المنصب سيمنحه الفرصة للوصول إلى رئاسة الوزراء.
من هنا، فأنه في حال حدثت المزيد من العمليات، فأن هامش المناورة المتاح أمام ليبرمان ونتنياهو سيتقلص، وسيقدمان على خطوات أكثر تظاهرية من أجل استرضاء قواعد اليمين، وهذا ما قد يوفر المزيد من الوقود لاشتعال الأرض.
ومما يزيد الأمور تعقيداً أن هناك احتمال كبير أن تقدم التنظيمات الإرهابية اليهودية على تنفيذ عمليات إرهابية كبيرة ضد الفلسطينيين ومقدساتهم.
فلم يتورع قادة في حزب "الليكود" الحاكم عن التحريض المباشر على المس بالمسجد الأقصى، كما فعل النائب عن حزب الليكود في البرلمان الحاخام يهودا غليك، الذي تعهد بعدم السماح ببقاء المسجد الأقصى ومسجد القبة المشرفة.
من هنا، فأن أي جريمة يمكن أن تقدم عليها التنظيمات الإرهابية اليهودية، ستمثل وصفة لتحقق كل سيناريوهات الرعب التي حذرت منها المؤسسة الأمنية الصهيونية بعد اندلاع انتفاضة القدس.