وثائق "بنما" تفضح فساد السلطة الفلسطينية
تحول الفلسطينيون إلى مادة للتندر في سائل الإعلام الصهيونية في أعقاب ما كشفته وثائق "بنما" من أدلة إضافية على حجم الفساد الذي تورطت فيه عائلة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.
وما لم تجرؤ عليه وسائل الإعلام العاملة في مناطق السلطة، تناولته بتوسع وسائل الإعلام الصهيونية، حيث عمدت إلى إعداد تحقيقات حول مظاهر الفساد المالي في السلطة، سيما في الدائرة المحيطة بعباس.
فحسب هذه الوثائق، فقد تبين أن طارق نجل عباس يملك أسهماً بقيمة مليون دولار في شركة "الاستثمارات العربية الفلسطينية" (APIC)، التي تحتكر عملياً معظم الاستثمارات في مناطق السلطة.
ويستدل من الوثائق أن طارق عباس يعمل عضو مجلس إدارة لهذه الشركة، ورئيس مجلس إدارة لإحدى الشركات التابعة لها، وهي شركة "SKY" للعلاقات العامة.
ومما ركزت عليه وسائل الإعلام الصهيونية، سيما صحيفة هآرتس هو أن نجل عباس قد حصد ملايين الدولارات من خلال تعامله من "هيئة الإغاثة الأمريكية"، من خلال قيام شركاته بمشاريع في مناطق السلطة الفلسطينية.
وضمن المشاريع التي نفذتها شركات طارق عباس حملات ترويج لتحسين صورة الولايات المتحدة في مناطق السلطة الفلسطينية!
وقد أظهرت الوثائق أن "صندوق الاستثمار الفلسطيني"، الذي يتبع مباشرة لمحمود عباس يسيطر على نسبة كبيرة من أسهم (APIC).
وتنضم وثائق "بنما" إلى سلسلة طويلة من الوثائق والتحقيقات التي سلطت الضوء على فساد محمود عباس وعائلته. فقد سلط تحقيق أجرته مجلة "فورين بوليسي" قبل عامين الأضواء على الشركات الاحتكارية التي يملكها طارق عباس وشقيقه ياسر؛ حيث أشارت المجلة إلى أن الأخوين عباس يملكان شركة مسؤولة عن تأمين المشتريات للسلطة الفلسطينية، وشركة أخرى متخصصة في توزيع الكثير من البضائع، وضمنها المواد الغذائية والسجائر ذات الماركات العالمية.
وقد سبق لوثائق "ويكيليكس" أن تعرضت لبرقية أرسلتها القنصلية الأمريكية في القدس المحتلة أظهرت أن قيمة رصيد "صندوق الاستثمار الفلسطيني"، الذي يتحكم فيه عباس تفوق المليار دولار، حيث أشارت البرقية إلى أن عباس يُعَد المتصرفَ الوحيدَ بهذا الصندوق؛ حيث إنه يعين أعضاء مجلس إدارته. المفارقة أن هذا الصندوق يفترض أن يكون مستقلاً وأن يخدم مصالح الجمهور الفلسطيني.
ويمكن مما تقدم الولوج للاستنتاجات التالية:
أولاً: على الرغم من أن مظاهر فساد عباس وعائلته والكثير من مؤسسات السلطة واضحة للعيان إلا أن الدول المانحة تغض الطرف عنها من أجل تأمين ضمان أن تواصل السلطة المهمة الرئيسة التي شكلت من أجلها، وهي حفظ الأمن الإسرائيلي وقمع إرادة الشعب الفلسطيني. فعلى سبيل المثال تعاقدت وكالة التنمية الأمريكية مع شركة "SKY" التي يملكها طارق عباس من أجل الترويج للولايات المتحدة وهي التي دفعت لجيب عباس ملايين الدولارات، بمعنى أن الأمريكيين على دراية كبيرة بمظاهر الفساد الذي تورط فيه عباس.
ثانياً: لقد قدمت وثائق بنما المزيد من الأدلة على تهاوي المسوغات التي يسوقها محمود عباس لتبرير قمعه لإرادة شعبه وعمله الدؤوب ضد المقاومة الفلسطينية ومواصلته التعاون الأمني ومحاولته الادعاء بأن هذا السلوك يأتي ضمن حرصه على مصالح الشعب الفلسطيني. فعباس معني بالتعاون الأمني وقمع إرادة شعبه من أجل أن تواصل عائلته وأبناؤه نهب الأموال وتكديس الثروات. فمن الواضح أن إسرائيل لا يمكنها أن تسمح بجعل مناطق السلطة بيئة مناسبة لاستثمارات عائلة عباس في حال لم يكن ذلك نتاج نجاح السلطة في تأمين المستوطنات. وبالمناسبة فإن الحرص على جعل السلطة وسيلة للتكسب والثراء يقف وراء سعار التطبيع مع الكيان الصهيوني.
ثالثاً: تتضخم حسابات عائلة عباس وأبنائه في البنوك على حساب الشعب الفلسطيني، الذي تعيش نسبة كبيرة من أبنائه تحت خط الفقر، بمعنى أن فساد عباس ودائرته المقربة هو أحد الأسباب التي أفضت إلى الأزمات الاقتصادية التي يعيشها الفلسطينيون.
رابعاً: يمارس عباس قمعاً شديداً، ويُظهر فجور الخصومة في حال تجرأ أحد من مسؤولي السلطة أو قيادات حركة فتح وتناول مظاهر فساد عائلته. فعلى سبيل المثال، لم يتفجر الخلاف بين عباس ومحمد دحلان، إلا بعد أن تعرض الأخير في جلسات خاصة لمظاهر فساد أبناء عباس. وبسبب هذا "الجرم" تم طرد دحلان من حركة فتح وتم صياغة لائحة اتهام كبيرة ضده. صحيح أن مظاهر فساد دحلان لا تقل بشاعة عن مظاهر فساد عباس، إلا أن الأخير لا يبدي أي قدر من الصبر إزاء أية محاولة للتعرض لفساد عائلته.
خامساً: إن إحداث تحول في مسار القضية الوطنية الفلسطينية يتطلب إنهاء حقبة عباس بأسرع وقت ممكن، حيث إن عباس يتحرك ضمن اعتبارين أساسيين، وهما: ضمان ألا ينتهي به المطاف إلى مصير ياسر عرفات نفسه في حال لم يتمكن من احتواء مقاومة شعبه ضد الاحتلال، وأن يواصل مراكمة الثروات.
سادساً: يتوجب فضح عباس وإبراز مظاهر فساده المالي وتجاوز تأثير بطش أجهزته الأمنية المسخَّرة لحماية الاحتلال بشكل أساس وقمع من يعترض على سلوكه. للأسف، فعلى الرغم من أن كثيراً من التحقيقات قد كشفت عمق فساد عباس، إلا أنه لم يتم توجيه الرأي العام الفلسطيني نحو هذه القضية المهمة.
سابعاً: على الرغم من أنه يتوجب العمل بكل الخطوات اللازمة من أجل إنهاء حالة الانقسام الداخلي، فإنه من الواضح أن ما كشفته وثائق "بنما" يدلل على أن هناك في السلطة من يجني مكاسب كبيرة من خلال تواصل هذا الانقسام، على اعتبار أن الواقع الحالي يمثل بيئة حاضنة لانعدام الشفافية والرقابة. صحيح أن ممارسة الحكم تحت قيود الاحتلال تعد وصفة مناسبة لاستشراء الفساد والمحسوبية لجميع الأطراف في الساحة الفلسطينية، لكن من الواضح أن عباس غير معني بتغيير التوازنات في جسم السلطة بشكل يهدد منظومة الفساد.