الصهاينة يخشون زوال دولتهم
مما يدلل على أنه بات يمثل نمطاً فكرياً متصاعداً، أن كثيراً من النخب الصهيونية باتت تعبر عن مخاوفها من إمكانية انهيار الكيان الصهيوني.
فقد نقلت قناة التلفزة الصهيونية الثانية مؤخراً أن عدداً من كبار جنرالات الجيش والمخابرات الصهيونية المتقاعدين عبروا عن مخاوفهم من إمكانية انهيار المشروع الصهيوني بسبب تطرف القيادة الحالية وبسبب التحولات التي يشهدها الإقليم ،والتي قد تشكل مفاجأة لدوائر صنع القرار في تل أبيب.
وقد نقلت القناة عن رئيس الموساد الأسبق مئير داغان قوله إنه لم يكن قلقاً على مصير الكيان الصهيوني كما هو الآن، متهماً رئيس الوزراء الحالي بنيامين نتنياهو بالمسؤولية عن الأوضاع الخطيرة التي وصلت إليها الأمور.
وفي السياق نفسه تبدي الدوائر الصهيونية وقادة المنظمات اليهودية العالمية قلقاً كبيراً إزاء نتائج استطلاع يدلل على تراجع ثقة المستوطنين الصهاينة بقدرة كيانهم على الصمود والبقاء.
فبحسب نتائج دراسة واسعة النطاق أجرتها "النقابة الصهيونية العالمية" تبين أن أكثر من ربع الصهاينة لا يثقون بقدرة كيانهم على البقاء.
وأشارت صحيفة "ميكور ريشون" الصهيونية إلى أن أكثر ما أثار الدهشة والصدمة لدى الجهة التي نظمت الاستطلاع أن هذه النتيجة تأتي في ظل التفوق غير المسبوق للكيان الصهيوني، وفي ظل حالة التفكك التي يحياها العالم العربي وتراجع مستوى المخاطر على تل أبيب.
لكن عند التدقيق في النتائج الأخرى للاستطلاع يتبين أن السبب الرئيس وراء تهاوي الثقة وانعدام اليقين لدى الصهاينة يرجع بشكل خاص إلى فشلهم في تطبيع الشعب الفلسطيني مع الاحتلال، وللرفض الإسلامي الشعبي للكيان الصهيوني واستعداد قطاعات كبيرة من المسلمين في أرجاء العالم لاستهداف المصالح الصهيونية انتصاراً لفلسطين وقضيتها.
فبحسب نتائج الاستطلاع تبين أن 59% من الصهاينة يخافون من السفر للخارج خشية أن يتم المس به، ودلل الاستطلاع على أن 69% من الصهاينة يحرصون على عدم إظهار أي سلوك يدلل على أنهم يهود أثناء وجودهم في الخارج، وتبين أن الأغلبية الساحقة منهم عندما يسافرون للخارج يحرصون على عدم التحدث بالعبرية مع بعضهم أو عبر الهواتف النقالة أثناء وجودهم في الخارج خشية أن يدلل ذلك على كونهم صهاينة وهو ما قد يفضي إلى المس بهم.
لكن الخوف من التداعيات السلبية للقمع الصهيوني للشعب الفلسطيني لا يقتصر على الصهاينة الذين يقطنون الكيان الصهيوني، بل يتعداه إلى الجاليات اليهودية في أرجاء العالم؛ فقد أصدر رئيس الجالية اليهودية في مدينة "مارسيه" الفرنسية موريس عمار تعليماته لأعضاء جاليته بعدم اعتمار القبعة الدينية أثناء تحركهم في شوارع المدينة خشية أن يتم التعرض لهم من قبل العرب والمسلمين الذين يحتجون على القمع الصهيوني للشعب الفلسطيني.
من ناحية أخرى قال ألون بن دافيد "معلق الشؤون العسكرية في قناة التلفزة العاشرة": إن الانطباع السائد في قيادة الجيش الصهيوني هو أن انتفاضة القدس ولدت لتبقى طويلاً.
وهاجم بن دافيد المستويات العسكرية والسياسية في تل أبيب لأنها لا تقول الحقيقة للجمهور الصهيوني، وأضاف: "إن أحداً من المستوى السياسي والعسكري غير قادر على مصارحة الجمهور بالحقيقة والاعتراف أمامه بعدم وجود حل أمني نهائي يمكن أن يضمن عودة الهدوء في الضفة الغربية".
ومما زاد الأمور تعقيداً حقيقة أن قيادات الجيش الصهيوني تقر بأن الإجراءات العسكرية والاحتياطات الأمنية التي أمرت الحكومة الصهيونية بفرضها لمواجهة عمليات المقاومة الفلسطينية تفضي إلى نتائج عكسية.
ونقل الصحافي الصهيوني بن كاسبيت عن القادة العسكريين الصهاينة قولهم: إن المعضلة التي تواجه تل أبيب تكمن في عدم وجود بنك أهداف يمكن توجيه ضربات له بشكل يفضي إلى التأثير على وتيرة عمليات المقاومة.
وحسب كاسبيت، فإن ما يثير الإحباط لدى القادة العسكريين في تل أبيب حقيقة أنه لا يمكن التأثير على المقاومين الفلسطينيين لأنهم ينفذون العمليات ويتحركون بدون قيادة أو بنى تنظيمية أو إمكانيات لوجستية، وهو ما يقلص هامش المناورة أمام الجيش.
ويسود اعتقاد لدى النخب الأمنية الصهيونية أن مطالبة القيادات السياسية والعناصر الحزبية اليمينية بفرض مزيد من العقوبات الجماعية على الفلسطينيين، مثل: محاصرة المدن والبلدات والقرى الفلسطينية في أرجاء الضفة الغربية سيفضي إلى إذكاء نار المقاومة.
وحسب تقديرات القيادات العسكرية الصهيونية، فإن إقامة الحواجز العسكرية في محيط التجمعات السكانية الفلسطينية يمكن أن يستحث الفلسطينيين لتنفيذ عمليات مقاومة، على اعتبار أن هذا السلوك يمثل استفزازاً لقطاعات واسعة من الجمهور الفلسطيني وتوفير الظروف التي تسمح بانضمام مزيد من الشباب الفلسطيني لعمليات المقاومة.
ويبدو رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأكثر شعوراً بالإحباط بسبب عجز الأجهزة الأمنية عن توفير حلول للواقع الأمني.
ويعي نتنياهو بأنه لا يمكنه توجيه النقد لجهاز المخابرات الداخلية "الشاباك" المسؤول عن مواجهة المقاومة الفلسطينية، لأن جميع منفذي العمليات هم أشخاص لا ينتمون لأطر تنظيمية، ومن ثم لا يمكن الحصول على معلومات مسبقة حول تحركاتهم وإحباطها.
من ناحية ثانية تبدي النخب الأمنية الصهيونية قلقاً كبيراً إزاء إمكانية مغادرة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس لساحة الأحداث.
ويبدو من خلال الجدل الصهيوني الكثيف حول هذه المسألة أن محافل التقدير الإستراتيجي في تل أبيب ترجح أن يغادر عباس المشهد السياسي خلال العام الجاري، دون أن تكشف عن الصورة التي يمكن أن يغادر بها المشهد.
وقد أجمعت النخب الأمنية على أن الكيان الصهيوني سيكون أكثر المتضررين من غياب عباس.
فقد قال الجنرال بولي مردخاي "منسق شؤون الأراضي المحتلة في الحكومة الصهيونية": إن غياب عباس عن المشهد في هذه الأثناء يمثل أخباراً سيئة لإسرائيل؛ لأنه يعني منح غطاء سياسي لعمليات المقاومة الجارية.
وقال مردخاي في اجتماع أمني عقد الخميس الماضي: إن أي زعيم سيخلف عباس في منصبه سيكون أكثر تطرفاً منه، وسيتبنى مواقف سياسيةً تضفي شرعية سياسية على عمليات المقاومة.
وانتقد مردخاي بشدة المسؤولين الصهاينة الذين يهاجمون عباس، مشدداً على أن هؤلاء المسؤولين يضرون بالمصلحة الصهيونية.
وأضاف مردخاي: "الوزراء والساسة الذين يوجهون النقد لعباس سيشتاقون إليه عندما يتبين لهم أنه كان أهم ضمانات الاستقرار في الضفة".
من ناحية ثانية تبين أنه ليس فقط الكيان الصهيوني معني بوضع حد لانتفاضة القدس، بل إن هناك قوى إقليمية معنية بالتوصل لهذه النتيجة؛ فقد كشف وكيل وزارة الخارجية الصهيونية الأسبق أوري سافير النقاب عن أن زعيم الانقلاب في مصر عبد الفتاح السيسي سيدعو لعقد مؤتمر في شرم الشيخ بمشاركة إسرائيل والأردن لمواجهة "الإرهاب" وللمساعدة في حل الصراع الفلسطيني الصهيوني.
وأكد سافير في مقال نشره موقع "يسرائيل بلاس" أن مسؤولاً في وزارة الخارجية المصرية أبلغه أن السيسي يخشى من إمكانية تفجر انتفاضة فلسطينية شعبية مسلحة تعزز من وجود وحضور حركة حماس على حساب السلطة الفلسطينية وحركة "فتح".
ونوَّه سافير إلى أن مؤتمر شرم الشيخ سيبحث فرص التوصل لحل للصراع بين الكيان الصهيوني والفلسطينيين على اعتبار أن بقاء الصراع قائماً يمثل فرصة تسمح بتزايد قوة حركة حماس.