تركيا والسعودية.. عينان في رأس واحد
مثلت الزيارة الأخيرة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المملكة العربية السعودية بناء على دعوة مسبقة من الملك سلمان بن عبد العزيز تغيراً في محور العلاقات بين الدولتين اللتين تمثلان عمقاً هاماً للمنطقة العربية بشكل خاص والإسلامية بشكل عام.
زيارة أردوغان للمملكة كشفت عن أهمية تعميد العلاقة بين البلدين، وتحمل في طياتها رسائل عدة وملفات جوهرية، خصوصاً في ظل المرحلة التي تعيشها المنطقة بعد انتعاش حركة الحروب في كلٍّ من سوريا والعراق وليبيا واليمن.
ومن يتابع حجم المؤامرة الكبيرة التي تحشد لها القوى العظمى لإسقاط النموذجين التركي والسعودي، يشعر بأهمية هذا التقارب الذي بدا واضحاً خلال الأشهر الماضية بين السعودية وتركيا، وحرص الطرفين على دمج الجهود لمواجهة هذا الخطر المحتمل، تارة من الشرق الروسي، وأخرى من الجار الفارسي، ومرات من الحليف النذل "أمريكا وأخواتها".
إذن فهو لقاء تاريخي وبالغ الأهمية، وزيارة ترسم ملامح حلف جديد بين المملكة العربية السعودية وتركيا لمواجهة روسيا في سوريا والأطماع الإيرانية في المنطقة.
ولعل ما يقرب بين الدولتين أكثر مما يبعدهما؛ فكلاهما متفقتان حول كثير من الملفات، كالملف السوري واليمني والملف الروسي، وملف الحرب على الإرهاب، وملفات أخرى اقتصادية وسياسية، ولذلك جاء تشكيل "المجلس الاستراتيجي" خلال زيارة أردوغان للسعودية، والذي يهدف إلى التعاون في المجالات الأمنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية والتجارية والاستثمارية والطاقة والتعليم والشؤون الثقافية والطب وغيرها من المجالات، وسيدير المجلس وزيرا الخارجية في البلدين بمشاركة مسؤولين من وزارات ومؤسسات وقطاعات أخرى.
وجاء تشكيل المجلس الاستراتيجي بعد الإعلان عن تشكيل تحالف إسلامي للحرب على الإرهاب يضم 34 دولة بقيادة المملكة العربية السعودية ومشاركة ومساندة كبيرة من تركيا، ودول مهمة في المنطقة، وَفقاً للرؤية العربية في الحرب على الإرهاب، وليس الرؤية الناقصة التي تتبعها أمريكا ودول الغرب، والتي لم تضمِّن أيّاً من حركات العنف الشيعية تحت قائمة الإرهاب.
التوافق الكبير في المواقف التركية والسعودية يجعل هذا اللقاء مهماً ومؤثراً لتفاصيل ما بعده من أحداث، فقد جمع اللقاء بين أردوغان الرجل القوي، وسلمان الحازم، وبالتأكيد أن الإعلان عن حلف "تركي سعودي" سيسهل أمر تشكيل تحالف جديد بنطاق أوسع وَفقاً لمصالح المنطقة، وبناء على رؤية ما تريده دول المنطقة وليس ما يريده الغرب.
إذا نجحت تركيا والسعودية في تقديم رؤية جديدة لإعادة رسم التحالفات في المنقطة، فإن صعود ظهير إقليمي قوي مناصر للقضايا العربية الاستراتيجية سيكون متاحاً وسيشكل تحولاً جذرياً في صناعة موقف عربي إسلامي قوي ومتماسك نظراً للكثير من التشابه في الأيديولوجيا واللغة والمصير الواحد المشترك.
ولعل من الجيد استغلال هذا التوجه التركي لإرساء قواعد جديدة ذات بعد إيديولوجي في التعامل مع العالم الإسلامي، فهي تدعم السنة في كٍّل من العراق وسوريا، وخسرت كثير من علاقاتها مع إيران وروسيا دفاعاً عن فصائل الثورة السورية السنية.
وبالتأكيد أن عودة دور مصر الغائب سيكون له تأثير أكبر إذا تم حل الإشكال الحادث بعد عزل الرئيس محمد مرسي وموقف تركيا المتصلب من النظام الجديد، وفي حال عادت مصر، سيكون أمامنا حلف ثلاثي (تركيا، السعودية، مصر) ومن خلفهما دول مجلس التعاون الخليجي ودول عربية أخرى كالسودان، وعندها نستطيع القول إن هذا الحلف سيشكل حاجز صد أمام الدور الإيراني المدمر في المنطقة العربية، ومنطلقاً للتحول نحو الاستقرار.