• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
المسلمين والإنتخابات في ساحل العاج

المسلمين والإنتخابات في ساحل العاج


جاءت الانتخابات الرئاسية بساحل العاج، بعد جولات من الحوار السياسي الذي ظل معلقا بين الحكومة والمعارضة بغية إجراء انتخابات يسودها الهدوء، واتفقت الأطراف حول الاستمرار في عقد لقاء شهري من أجل مناقشة كافة المسائل مثل تمويل الأحزاب السياسية والإفراج عن المعتقلين والأرصدة المجمدة وتنظيم انتخابات هادئة، أجريت بالفعل في 25 أكتوبر 2015.

واستفادت الأحزاب التي قاطعت الانتخابات التشريعية في ديسمبر2011، بتمويل استثنائي في إطار السعي المستمر لإحلال السلام وتكريس اللحمة الاجتماعية مع توزيعه وفق سبعة معايير حددتها الحكومة .

وفي هذا السياق أعلنت الجبهة الشعبية العاجية وتحالف القوى الديمقراطية انضمامها للجنة الانتخابية المستقلة، (CEI)، بعد غياب دام سنتين بسبب ما قالا إنه غياب التوازن في اللجنة لفائدة التحالف الحاكم.

وتم عقد اجتماع بين وزير الداخلية حامد بكايوكو وممثلي المعارضة قالت في أعقابها دانيال بوني كلير المتحدثة باسم قوى المعارضة: "أن الأحزاب لن تعمل على عرقلة العملية الانتخابية وستنضم من جديد إلى اللجنة الانتخابية المستقلة، وأضافت إننا لا نسعى إلى التدمير كما أننا لسنا من دعاة الموجهات، مشيرة  إلى أن اللقاء مع الوزير كان بناء حصلوا خلاله على إجابات مطمئنة.

وكانت الحكومة العاجية قد قدمت للبرلمان مشروع قانون تغير بموجبه تشكيلة اللجنة المستقلة للانتخابات صادق عليه البرلمان في 29 أكتوبر 2014 ورفع بموجبه التشكيلة من ستة إلى تسعة هو ما أثار رضي المعارضة وما يفتح المجال أمامها للمشاركة في العمليات الانتخابية.

 وكان 33 مواطنا في المجموع قد أوعوا ملفات ترشحهم للانتخابات الرئاسية، وقوبل طلب المرشح إيسي أمارا حول عدم أهلية الرئيس المنتهية ولايته الحسن واتارا بالرفض لعدم صحة مختلف الطعون الواردة فيه .

عملية التصويت:

لقد دعي قرابة الستة ملايين ونصف المليون ناخب صباح الأحد 25 أكتوبر 2015، إلى صناديق الاقتراع، وجرت عمليات التصويت بهدوء ودون حدوث أية مواجهات أو أعمال عنف.

وكانت نسبة المشاركة في هذه الانتخابات قد بلغت 54،63%، أي ثلاثة ملايين و330 ألف ناخب، وهي أحد الرهانات الرئاسية في الانتخابات بعد ما دعا ثلاثة مرشحين – انسحبوا من العملية في اللحظة الأخيرة – وقسم من المعارضة إلى المقاطعة، واصفين الاقتراع بأنه " مهزلة انتخابية " وكان معسكر واتارا الواثق من فوزه بولاية ثانية اعتبر نسبة المشاركة عنصرا حاسما من أجل مصداقية الانتخابات. وذكر بعض المراقبين أن نسبة 54،63% " مشرفة " بعد ما كان من المتوقع تسجيل مقاطعة قوية.

نتائج انتخابات 2015:

أعلنت اللجنة الانتخابية المستقلة، (CEI)، النتائج النهائية من مساء الثلاثاء حتى صباح الأربعاء 28 أكتوبر 2015، حسب الثلاثين المنطقة المكونة منها كوت ديفوار.  وكانت الأصوات التي حصل عليها كل مرشح كالتالي:

1 – الحسن واتارا  2618229 صوتا بنسبة 83،66%.

2 – كونان كواديو سيميون 22116 صوتا بنسبة 0،71%.

3 – السيدة لاغو آجوا هنريت  27759 صوتا بنسبة 0،89%.

4 - آ في نغيسان باسكال  290780 صوتا بنسبة 9،29%.

5 – أمارا إيسي 6413 صوتا بنسبة 0،20%.

6 – باني كونان شارل 8667 صوتا بنسبة 0،28%.

7 – مامادو كوليبالي  3343 صوتا بنسبة 0،11%.

8 – كواديو كونان برتين 121389 صوتا بنسبة 3،88%.

9 – السيدة كوانغوا جاكلين كلير 12398 صوتا بنسبة 0،40%.

10 – نيانغبو كاكو  18650 صوتا بنسبة 0،6%.

وبهذه النتيجة يكون الرئيس المنتهية ولايته الحسن واتارا  قد فاز بولاية رئاسية ثانية مدتها خمس سنوات، وتعتبر النسبة  الأعلى الثانية  في تاريخ الانتخابات الرئاسية العاجية منذ العودة إلى التعددية الحزبية في عام 1990، في انتخابات توصف بأنها نزيهة وشفافة وهادئة، حيث لم خلالها ولا بعدها أي مخالفات ولا أي مواجهات أو أعمال عنف، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على النضج السياسي والثقافة الديمقراطية لدى الشعب، مما يجعل البلد يطوي صفحة العنف ويبدأ صفحة جديدة من العملية الديمقراطية، وهي الاحتكام إلى صناديق الانتخابات دون اللجوء إلى أعمال العنف.

ولقد صرح رئيس بعثة المراقبة التابعة للجماعة الاقتصادية لدول أفريقيا الغربية (CEDEAO)، أوباسانجو رئيس نيجريا السابق، بأن الانتخابات قد جرت في جو من الهدوء والسلام والشفافية، ولم يحدث أي خروقات أو مخالفات سوى بعض المشاكل المتعلقة باللوحات الإلكترونية،  وأن الانتخابات بشك عام كانت جيدة ونزيهة وشفافة ومشرفة.

عوامل فوز واتارا في الجولة الأولي للانتخابات:

واتارا في هذه الانتخابات بسجل كبير من الانجازات التي حققتها حكومته في السنوات الأربع الماضية وكان ذلك عاملا أساسيا لفوزه في الجولة الأولى من الانتخابات، نذكر منها على سبيل المثال:

1 – الأداء الاقتصادي الجيد:

لقد استطاع الحسن واتارا وحكومته انتعاش الاقتصاد خلال فترة ولايته الأولى، فقد ارتفع معدل النمو إلى 10،7% في عام 2012، ومن المتوقع أن يصل معدل النمو إلى 9،5% في عام 2015،وفقا للأرقام الرسمية، وزاد الناتج المحلي الإجمالي للفرد بنسبة تزيد على 20% في غضون ثلاث سنوات. واستعاد الاقتصاد عافيته منذ وصول واتارا إلى  السلطة في أوائل عام 2011، وكان هذا الأداء الاقتصادي الجيد حجته ضد خصومه خلال حملته الانتخابية ، حيث استطاع أن يعزز موقف البلاد كمنتج رئيسي للكاكاو بإنتاج  قياسي وصل إلى 1،7 مليون طن في عام 2014، وهو ما يمثّل 35% من الإنتاج العالمي .

واستطاع واتارا أن يكون موضع تقدير من قبل جميع مزارعي الكاكاو حيث جعل القطاع الزراعي ضمن أولوياته في الفترة الماضية، وقام بإصلاحات شاملة في القطاع الزراعي وخاصة " الكاكاو" وعرضت الحكومة على مزارعي الكاكاو سعر قياسي للكاكاو لموسم 2015 – 2016 وصل إلى 1000 فرانك سيفا للكيلو الواحد بدلا من 850 فرانك سيفا في الموسم الماضي، ومكّن المنتجين على تلقي تعويضات أكبر لثمار عملهم ، عندما قرر أن يحصل مزارع الكاكاو على 60% على الأقل من السعر في السوق الدولية بدلا من 40% سابقا .

2 – ضعف المعارضة وانقسامها:

خاضت المعارضة انتخابات 2015، وهي تعاني من ضعف شديد وانقسامات حادة، مما جعل لواتارا فرصة حقيقية للفوز في الانتخابات في الجولة الأولى، فيما يتعلق بالجبهة الشعبة الإيفوارية، (FPI)، حزب الرئيس السابق، انقسم إلى جبهتين:

أ -  جبهة المعتدلين بزعامة آفي نغيسان الرئيس الحالي للحزب، وهذه الجبهة اختارت سبيل التفاوض مع السلطة الحاكمة  ورأت عدم مقاطعة الانتخابات ويجب الخوض في العملية الانتخابية وتقديم مرشحا للحزب في الانتخابات الرئاسية.

ب – جبهة الصخور (المتطرفين)، بزعامة عبد الرحمن سنغاري، وهذه الجبهة اختارت عدم التفاوض السلطة الحاكمة، وقاطعت الانتخابات بشرط الإفراج عن الرئيس السابق لوران باغبو الذي يخضع للمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية.

وتجدر الإشارة إلى أنه بالنظر إلى نتائج الانتخابات ونسبة الأصوات التي حصل عليها آفي نغيسان مرشح الجبهة الشعبية الإيفوارية، (290780 صوتا بنسبة 9،29%)، يدل على أن جبهة الصخور (المتطرفين)، يمثلون الأغلبية داخل الجبهة الشعبية الإيفوارية، وأن دعوتها لمقاطعة الانتخابات قد لقيت قبولا واسعا لدى أنصار لوران باغبو. أما عن الائتلاف الوطني التغيير(CNC)، فهو الآخر يعاني من انقسامات على الزعامة،  فلم يستطع قيادات هذا الائتلاف أن يتفقوا على مرشح واحد  لخوض الانتخابات، مما جعل كل من القيادات الأربع  ترشيح نفسه كمستقل، وبعد انطلاق الحملة الانتخابية رسميا من قبل اللجنة الانتخابية المستقلة، (CEI)، في 9أكتوبر2015، بجميع  مناطق البلاد، كان

ذلك اختبارا حقيقيا لصمود وشعبية المعارضة الإيفوارية، حيث أبرزت هذه الحملة ضعف المعارضة، ولا سيما بعد انسحاب اثنين من المرشحين، فإنها شكلت اختبارا صعبا لمرشحي المعارضة الإيفوارية التي تعاني من انقسامات عميقة وسيادة  " الأنا " في السعي للوصل إلى السلطة .

وخير دليل على ذلك، فإن الحملة الانتخابية التي انطلقت ب 10 مرشحين تم قبولهم من قبل المجلس الدستوري الايفواري، (CCI) جرت بثمانية مرشحين بعد انسحاب مرشحين من التحالف الوطني من أجل التغيير،(CNC)، المعارض.

ويتعلق الأمر هنا بإعلان إيسي أمارا، وزير الخارجية الأسبق (1990-1999) “تعليق” مشاركته في السباق نحو القصر الرئاسي، وهو القرار الذي علله بعدم رغبته في التواطؤ في ما أسماه “مهزلة انتخابية”. كما أن هذا القرار قد يعزى أيضا، وحسب مبرراته، إلى “رفض السلطة للحوار مع المعارضة”، قائلا إنه لا يريد أن يلعب “دورا صوريا في انتخابات لا تعبر رهاناتها عن تطلعاتنا للسلام…”.

كما يتعلق الأمر بمنافس آخر للحسن واتارا، وهو البروفيسور مامادو كوليبالي، الرئيس السابق للجمعية الوطنية الإيفوارية، ومرشح حزب الحرية والديمقراطية من أجل الجمهورية،Liberté et Démocratie pour la République (LIDER)، أحد الأحزاب السياسية المكونة للتحالف الوطني من أجل التغيير.

حيث كتب كوليبالي في صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) مساء الجمعة ،“لن أشارك في هذه الانتخابات المتلاعب بها. ما يمثل دولة حق وقانون في البلدان الغنية تقابله دولة استبدادية للإيفواريين المساكين. لا”، مضيفا “أعتبر أن الانتخابات الإيفوارية تتعرض لإفشال متعمد من طرف من أنيطت بهم مهمة تنظيمها ديمقراطيا، وأعني هنا اللجنة الانتخابية المستقلة والحكومة”.

وأعلن الوزير الأول الإيفواري السابق شارل كونان باني، الجمعة، سحب ترشحه للانتخابات الرئاسية المقررة يوم الأحد، احتجاجا على "مسار جائر فُرض على الإيفواريين".

وقال باني إن ترشحه لأعلى منصب في الدولة نابع من رغبته في إنجاح الديمقراطية والحوار في البلاد وداخل الحزب الديمقراطي لكوت ديفوار (PDCI).

ويعد كونان باني المرشح الثالث الذي ينسحب من السباق الرئاسي بعد وزير الخارجية الإيفواري السابق، أمارا إيسي ورئيس الجمعية الوطنية السابق البروفسور مامادو كوليبالي اللذين قالا إنهما لن يباركا "مهزلة انتخابية".

وتجدر الإشارة، أنّ  موقف هؤلاء الأعضاء المؤسسين للتحالف الوطني من أجل التغيير، يجسد بوضوح هشاشة المعارضة الإيفوارية في الوقت الراهن، وقد اعتبره كثير  من المراقبين للشأن السياسي الايفواري،  بمثابة شعور مسبق بهزيمة “مؤكدة” في هذه الانتخابات .

وحسب هؤلاء المراقبين، فإن الانسحاب من اللعبة الانتخابية أفضل من تلقي هزيمة يمكن أن تكون قاسية بل ومهينة لأنها قد تضع حدا لمشوارهم السياسي، لاسيما في مواجهة خصم كبير من قبيل مرشح تجمع الهوفوتيين من أجل الديمقراطية والسلم،(RHDP)، الرئيس المنتهية ولايته الحسن واتارا، وهو ما أدّى بالفعل إلى فوزه بالانتخابات في الجولة الأولى .

3 - استعادة الثقة :

إن أزمة ما بعد الانتخابات التي حدثت  في ساحل العاج في عام 2010، دفعت العديد من المنظمات والمؤسسات الدولية إلى مغادرة أبيدجان. ومنذ وصوله إلى السلطة كان واتارا  قادرا على استعادة ثقتهم . وعاد بنك التنمية الأفريقي BAD، إلى مقره في أبيدجان في صيف عام 2014، بعد 11 عاما من المنفى في تونس. من جانبها، أعلنت المنظمة الدولية للكاكاو في أوائل أكتوبر عام 2015 نقل مقرها من لندن إلى أبيدجان بحلول مارس عام 2016. وهذه العودة من المؤكد أن تشجع العديد  من الشركات الجديدة للإقامة في كوت ديفوار.

4 - وضع ساحل العاج على مسار العمل والنمو:

يصفه الموظفون " بالعامل الذي لا يكلّ ولا يملّ" الذي حوّل كوت ديفوار إلى الأعمال العظيمة، الطرق والمدارس والمستشفيات والكثير من البنى التحتية. ولكن بناء الجسر الثالث على بحيرة أبيدجان، (جسر هنري كونان بيدييه  pont HKB)، يعتبر من أعظم أعماله في ولايته الأولى. وقالت إحدى معارضيه: " أنا لم أصوّت له في عام 2010، ولكن يجب أن نعترف أنه عمل وحقّق انجازات كثيرة  والبلد في أفضل حال، فلنتركه يعمل"، وعلى الرغم من هذه الإنجازات، يعترف واتارا، على أنه لا يزال هناك الكثير الذي يتعين القيام به. ويستغرق وقتا لاستكمال مشاريعه. وعد أيضا  على محاربة الفساد  الذي شجب من قبل الهيئة العليا للحكم الرشيد، و التي أنشئت في ظل حكمه في عام 2013، حيث ذكرت هذه المؤسسة أنّ "الفساد أصبحت هو القاعدة، وهو مستشري في كل قطاع  ولا يستثنى منه أي نشاط".

تحديات واتارا في الولاية الثانية:-

يبدو أن أزمة ما بعد الانتخابات التي عانت منها ساحل العاج هي بمثابة " نقطة تتويج" لعقد من الصراع السياسي العسكري الذي رافق التاريخ الأخير لهذا البلد. فالانتخابات الرئاسية في عام 2010، التي كان جميع العاجيين وكثير من الأفارقة يتمنون من قلوبهم أن تكون حجر الزاوية لعملية الخروج من الأزمة، وإن كانت شرطا أساسيا لإقامة سلام دائم في البلاد، إلا أنه ثبت أنها أصبحت مصدرا للتوترات الشديدة، وذلك بعد رفض لوران باغبو تسليم السلطة إلى الحسن واتارا مما أدخل البلاد في مواجهات بين القوات المولية لواتارا والقوات الموالية لباغبو،

وهذه المواجهات بين القوتين قد تسببت في أضرار واسعة النطاق وفقدان حياة بشرية، ونزوح عدد كبير من السكان على حد سواء في الداخل والخارج. وبعد معارك عنيفة في أبيدجان وضواحيها، تم القبض على لوران باغبو، ليكون ذلك نهاية رسمية لأزمة ما بعد الانتخابات التي استمرت أكثر من أربعة أشهر.

وبعد مرور أربع سنوات على تولي واتارا السلطة ما زال يواجه العديد من التحديات تتمثل الآتي:

1 -  الأمن وسيادة القانون:

إذا كان سقوط نظام باغبو قد أغلق نهائيا الفصل الأخير من أزمة ما بعد الانتخابات في ساحل العاج ، فإن من الملاحظ أن البلاد لا تزال تعاني من العنف وانعدام الأمن المتزايد، حيث كان السكان المدنيين خاصة في أبيدجان  وفي غرب البلاد ضحايا لأزمة حقوق الإنسان، وذلك عندما تم فتح السجون وفرار المجرمين، ووجود مليشيات ومرتزقة، وكذا انتشار الأسلحة بصورة غير مشروعة، وتدمير مراكز الشرطة خلال معركة أبيدجان، كل ذلك أدى إلى  وجود فراغ أمني حقيقي في أبيدجان وضواحيها، حيث تزايدت حالات السرقة والسطو المسلح على المنازل، وسرقة السيارات وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، مما خلق مناخ من الخوف الذي يشكل عقبة حقيقية في العودة إلى الحياة الطبيعية، فبالرغم من التحسن الكبير الذي حدث في الجانب الأمني وسيادة القانون في ولاية واتارا الأولى إلا أنه ستظل مسألة الأمن وسيادة القانون تمثل تحديا حقيقيا له في الولاية الثانية

2 - المصالحة الوطنية:

إن المصالحة الوطنية تعتبر تحديا رئيسيا آخر لحكومة الحسن واتارا  في الولاية وكذا لمعلية التحول الديمقراطي في ساحل العاج، وهو إجراء لا بد منه للسماح للمواطنين للعيش مجددا في وئام بعد أزمة ما بعد الانتخابات التي وضعت النسيج  الاجتماعي في حالة لا يرثى لها. ويحدد المعهد الولي للديمقراطية ومساعدة الدولة (IDEA)، "المصالحة : بوصفها عالمية يشمل الأدوات الأساسية مثل العدالة والحقيقة ، وتضميد الجراح والإصلاح لضمان الانتقال من ماضي منقسم إلى مستقبل مشترك".

ونظرا لهذا التعريف تظهر المصالحة الوطنية كهدف، بمعنى بعض الشيء تجاه ما تسعى.

ولقد أدت أزمة ما بعد الانتخابات إلى تفاقم الانقسام الاجتماعي الذي كان قائما في السابق. حيث اندلعت الاشتباكات بين عدة مجتمعات وإثنيات مختلفة في غرب البلاد  وفي مدن أخرى  وفي منطقة أبيدجان وضواحيها  كشفت بالفعل أن التوترات لا تزال قائمة في البلاد، و أن الناس تعيش بالفعل في مناخ من عدم الثقة. فخلال فترة أزمة ما بعد الانتخابات  حدثت عدة انتهاكات لحقوق الإنسان، وإعدامات خارج نطاق القضاء على أساس مجرد الانتماء الإثني والديني، وذلك بعد فترة من عدم الاستقرار على نطاق واسع من العداوة تجاه بعضهم بعضا.

وأمام هذا المناخ المشحون بعدم الثقة والخوف في سياق اجتماعي أضعفته الاستياء والانتقام، فإن المصالحة الوطنية في ساحل العاج شكل عمل هرقلي حقيقي لواتارا. فسارع إلى إنشاء لجنة الحوار والحقيقة والمصالحة (CDVR)، على غرار تلك التي أنشئت في جنوب أفريقيا، ويرأسها رئيس الوزراء السابق والمحافظ السابق، للبنك المركزي لدول غرب أفريقيا شارل كونان باني، وقد اعتبر هذا الإجراء بمثابة خطوة حاسمة في رحلة طويلة  نحول المصالحة بين جميع أبناء وبنات كوت ديفوار. فلا يمكن أن تتحقق إعادة أعمار البلاد وتحقيق المصالحة الوطنية إلا من خلال التعاون بين المواطنين من جميع الأطياف السياسية والمدنية والدينية.

إن المصالحة الوطنية ، ينبغي أن ينظر إليها  باعتبارها رمزا للوحدة الوطنية وأسمنت التماسك الاجتماعي، يجب أن يبدأ الجميع بالعفو عن بعضهم بعضا، ونسيان الضغائن المتراكمة. حيث أن المصالحة الوطنية في كوت ديفوار لا ينبغي أن تكون من اهتمامات الحكومة فقط، بل يجب أيضا أن تكون من اهتمامات الأحزاب السياسية، وجميع الفئات الاجتماعية والمهنية، إنها عملية طويلة المدى التي يمكن للسكان بمختلف مكوناتها الوثوق ببعضهم بعضا من جديد مرة أخرى، وخاصة منح الحد الأدنى من الثقة في مؤسسات البلاد. حيث أن المصالحة الوطنية الناجحة تمهد الطريق لعملية تحول ديمقراطي حقيقي من خلال تطوير العلاقات التعاونية اللازمة للعيش جنبا إلى جنب بشكل جيد .

وتجدر الإشارة إلى أن نسبة الغياب التي وصلت إلى 45% في الانتخابات الرئاسية 2015 ليست للإهمال" وفي هذا الصدد فينبغي لواتارا في الولاية الجديدة وضع أطر حقيقية للمصالحة الوطنية ليشمل أنصار جبهة الصخور (المتطرفين) داخل الجبهة الشعبية الإيفوارية،(FPI)، ولو بالاستمالة لكي تتحقق المصالحة والوحدة الوطنية للتوفيق من أجل التنمية المستدامة .

3 – مشكلة تماسك التحالف الحاكم RHDP

إن تماسك تجمع الهوفويتيين للديمقراطية والسلام، (RHDP)، ،

 الحاكم يعتبر من التحديات الأساسية لواتارا في السنوات القادمة وما بعد واتارا 2020، لأن أنصار الحزب الديمقراطي لكوت ديفوار (PDCI)، بقيادة الرئيس هنري كونان بيدييه، يريدون أن يكون مرشح تجمع الهوفويتيين في عام 2020، من صفوف الحزب الديمقراطي لكوت ديفوار، بينما يرى أنصار الاتحاد من أجل الديمقراطية في كوت ديفوار (UDPCI)، برئاسة ألبرت مابري تواكيوس. أنه لا أن يقدم كل حزب مرشحا له كما حدث في انتخابات الجولة الأولى  عام 2010، فالذي يصعد للجولة الثانية يكون المرشح الوحيد للتحالف، وهذا  ما ينص عليه ميثاق التحالف، وأما واتارا فيرى توحيد هذه الأحزاب إلى حزب واحد، وهو ما لا يؤيده كثير من القيادات  الشابة داخل تجمع الجمهوريين،(RDR)، حزب الحسن واتارا، وهناك أيضا جبهة حامد باكايوكو وزير الداخلية والأمن، وجبهة غيوم سورو رئيس الجمعية الوطنية الإيفوارية، فكل منهما يريد أن يكون خلفا لواتارا، فهذا التباين في الآراء داخل هذا التحالف قد يؤدي إلى عدم التماسك داخل التحالف وهو يعتبر حدّ حقيقي لواتارا في الولاية الثانية.

ولاية واتارا الثانية وتدعياتها على المسلمين:

في الحقيقة إن الأحزاب السياسية في كوت ديفوار غير قائمة على أساس الدين، كما أن ترشيح واتارا لم يتم التسويق له على أساس الإثنية، بل جاء ترشيحه بناء على تحالف بين خمسة أحزاب سياسية، تعرف بـ " تجمع الهوفويتيين من أجل الديمقراطية والسلام ، (RHDP)، وواتارا نفسه أطلق شعار " العيش المشترك" وأعلن على الملأ أنه رئيس لجميع العاجيين، وعلى الرغم من كل ذلك فإن فوز واتارا بالولاية الثانية له تداعياته الإيجابية  على المسلمين، وبخاصة الشماليين الذين لم يعودوا يتعرضون للتهميش وأعمال العنف والتمييز في تولي المناصب، التي عانوا منها كثيرا بسبب نقص البنية التحتية الأساسية والتنموية.

وإذا نظرنا نسبة التصويت حسب المناطقنجد أن نسبة التصويت في المناطق الشمالية ذات الأغلبية المسلمة، كانت عالية جدا لصالح واتارا، حيث أن هذه النسب لا تقل 85% فما فوق في جميع المناطق الشمالية بلا استثناء، وصلت في المناطق إلى 99%، وهذا يشير إلى أن المسلمين قد صوّتوا لصالح الحسن واتارا بشكل كبير، وهذا يدل على أن أهل الشمال ينتظرون الكثير من واتارا في ولايته الثانية، وذلك لتحقيق التنمية الحقيقة في المناطق الشمالية التي عانت التي عانت من التمييز والتهميش في مسار التنمية المستدامة.

والأيام القادمة ستبدي لنا ماذا يمكن لواتارا في ولايته الجديدة أن يقدمه لأهل الشمال الذين عانوا كثيرا إبان الأنظمة السابقة، وفاء لدورهم في فوزه الساحق في الجولة الأولى، واستجابة لمطالبهم التي قدمت له أثناء حملته الانتخابية.

أعلى