مفكرون يهود: انتفاضة القدس حرب على الغرب
في مسعى واضح لكسب تعاطف الغرب، تصر نخب اليمين الصهيوني على تصوير انتفاضة القدس على أنها بمثابة "حرب عالمية" يشنها المسلمون على الغرب وأن الكيان الصهيوني يلعب دور "رأس الحربة" فيها.
وقد تجاهل الكتاب المفكرون اليمينيون حقيقة أن الانتفاضة تمثل مقاومة الشعب الفلسطيني ضد آخر استيطان إحلالي على وجه الكرة الأرضية، وأخذوا يصورون هذه المقاومة على أنها مجرد "توجه إسلامي للتوسع على حساب الغرب".
وعلى الرغم من ضحالة هذا الطرح وعدم تماسكه، فإن بعض النخب اليمينية حاولت تصوير الأحداث على أنها مجرد تعبير عن تأثر الفلسطينيين بما يحدث في العالم العربي ومحاولة لتقليد ما تقوم به حركات الجهاد العالمي.
ويمثل هذا الطرح استغفالاً للوعي العالمي، حيث أن الفلسطينيين شنوا موجات مقاومة وانتفاضتين ضد الاحتلال قبل وقوع التحولات الجارية في العالم العربي وقبل ظهور هذه الحركات.
وقد كان من الواضح أن الهدف من هذا الطرح هو محاولة تسويق الموقف الصهيوني في الغرب ومنح دور وظيفي لهذا الكيان من خلال تصوير الانتفاضة على أنها جزء من "حرب دينية" يشنها المسلمون ضد الغرب، وضمنهم الكيان الصهيوني.
وستعرض "البيان" هنا لنماذج من هذا الخطاب المتهالك، الذي تتم ترجمته ويحاول الصهاينة تسويقه في الغرب. فقد دعا المستشرق الصهيوني مردخاي كيدار إلى شن حرب لا هوادة فيها ضد الانتفاضة بصفتها "تعبيراً عن روح الجهاد الإسلامي الخطيرة.
وفي مقال نشره موقع "عروشت شيفع" الأحد الماضي، قال كيدار إن خسارة الكيان الصهيوني للمواجهة الحالية يعني "عودة لخيبر وتجلياتها، عندما ذبح المسلمون مئات اليهود في المدينة"، مشيراً إلى أن هذه الحادثة تعد مثالاً جاذباً للاقتداء بالنسبة لمئات الملايين من المسلمين في جميع أرجاء العالم.وحذر كيدار من أن الفشل في هذه المواجهة يعني السماح للمسلمين بما لم يقوموا به في المدينة وبما قام به هتلر خلال الحرب العالمية الثانية.
وأضاف كيدار: "علينا أن ندرك أن العرب يتعاملون مع من يطلب السلام كمن يسعى لتأمين حياته بعد أن خسر المعركة، مما يجعل اليهود أمام خيارات صعبة"، مشدداً على أن ذلك يوجب "علينا تحقيق انتصار لا غبار عليه، واضح وضوح الشمس في رابعة النهار".
وأضاف: "علينا أن نعض على شفاهنا وندفن أمواتنا وفي الوقت ذاته نوجه أعتى الضربات لإعدائنا وعقولهم من أجل تقنيطهم من إمكانية الانتصار علينا، علينا ألا نكتفي بالدفاع، بل علينا اتباع إستراتيجية الهجوم، فالهجوم هو خير وسيلة للدفاع".
ودعا كيدار دوائر صنع القرار في تل أبيب إلى شن حملة دعائية لإيضاح طابع المعركة وعرضها على أنها حرب بين الإسلام والجهادي والحضارة الغربية الذي يدافع الكيان الصهيوني عنه.
وأضاف:"علينا إقناع شعوب أوروبا بأنه في حال نجح الفلسطينيون الإسلاميون بالانتصار علينا، فأن روح الجهاد ستنتقل إلى أوروبا وستقع أوروبا تحت الاحتلال الإسلامي مجدداً"، زاعماً أن اليهود في الكيان الصهيوني "يدافعون بأجسامهم ودمائهم عن أوروبا والحضارة الغربية".
وفي ذات السياق، وتحقيقاً لنفس الهدف، هاجم الكاتب الصهيوني مردخاي كرفل كل أولئك الذين يطلقون على أحداث المقاومة "انتفاضة" قائلاً: "إنها روح الجهاد العالمية التي تسري هنا، وستحرق الجميع".
وفي مقال نشره موقع "عروتش شيفع"، الذي يمثل التيار الديني الصهيوني، أضاف كرفل إن الحديث عن القضية الفلسطينية والصراع مع العرب "مجرد محاولة لإخفاء الحقيقة المتمثلة في أننا نواجه الإسلام الذي يريد أن يعيد الاعتبار لذاته هنا".
وواصل كرفل محاولاته استثارة تعاطف الغرب قائلاً: "هؤلاء الفلسطينيين الذين ينضمون للعمليات ضدنا يريدون أن يكونوا شهداء وأبطال، هم يتأثرون بما يحدث خارج الحدود في أرجاء العالم العربي".
وفي محاولة لاقناع الغرب بـ "عدالة" الموقف الصهيوني، زعم كرفل أن نجاحات الفلسطينيين في حربهم ضد الكيان الصهيوني سيتحمل تبعاتها الأوروبيون مستقبلاً، حاثاً على أكبر دعم غربي للكيان الصهيوني.
وحسب منطق كرفل، فأن ما يفاقم خطورة الأحداث الجارية حالية حقيقة "توظيف" المسجد الأقصى واستغلال مكانته الدينية الكبير في نفوس المسلمين من أجل "تحريضهم" على الكيان الصهيوني.
وتجاهل كرفل حقيقة مخططات التنظيمات اليهودية للمس بالحرم القدسي الشريف واصرار وزراء ونواب صهاينة على تدنيسه ومجاهرتهم بسعيهم لتغيير الواقع فيه بشكل جذري.
وطالب كرفل السلطات الصهيونية بضرورة اقتحام مدن الضفة الغربية في حال سقطت السلطة أثر أحداث الانتفاضة، مبرراً ذلك بضرورة الحرص على عدم السماح "لروح الجهاد بأن تسيطر على بعد مئات الأمتار من المستوطنات اليهودية"، على حد تعبيره.
من ناحيته اعتبر الكاتب اليميني نداف شرغاي أن الانتفاضة الحالية تعد محاولة من قبل "الإسلام المتطرف لإعادة اليهود للعيش في الشتات".وفي مقال نشرته صحيفة "يسرائيل هيوم" في عددها الصادر الجمعة الماضي، حذر شرغاي من مغبة إبداء أية مظاهر ضعف في مواجهة الانتفاضة على اعتبار أنه تهدف إلى "كسر روح الصمود لدى اليهود"، محذراً من أن أية موجات هجرة عكسية ستنتج بعد هذه الأحداث سيعد انتصاراً كبيراً لـ "الإسلام والجهاد".
وقال:"هدف الانتفاضة واضح هو إعادة هذه الأرض لولاية دار الإسلام، هذا ما يتوجب أن يفهمه اليهود والغرب، والنتيجة ستكون واضحة ولا حاجة لمزيد من الكلمات".
وطالب شرغاي بإجراءات إدارية واقتصادية جديدة لتمكين الصهاينة من "الصبر والتحمل والانتصار" في هذه المواجهة.وعلى نفس المنوال، قال الصحافي أرييه سيغل أن الانتفاضة الحالية تمثل المرحلة الأولى من الحرب العالمية الثالثة التي يشنها الإسلام على الغرب.
وفي مقال نشرته صحيفة "ميكور ريشون" اليمينية الخميس الماضي، تجاهل سيغل دور الاحتلال كمحرك للانتفاضة ، واعتبر كل أشكال المقاومة الفلسطينية مجرد تعبير عن رفض الإسلام للحضارة الغربية التي يمثلها الكيان الصهيوني في المنطقة.
وحذر سيغل من أن فشل الصهاينة في هذه الحرب يعني أن يكون مصيرهم كمصير اليهود عشية الحرب العالمية الثانية، مشدداً على أن الصهاينة مطالبون بالصمود و"الانتصار".