• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
النزاع في ليبيا...ومصير مبادرة ليون

النزاع في ليبيا...ومصير مبادرة ليون

يعد الصراع من أهم مظاهر القرن الواحد والعشرون في البلاد العربية عامة والمغرب العربي خاصة، علما بأن كل صراع يحمل في طياته بذور باطنية، وثمارا يحصدها ذلك الكبت مع مرور الزمن ليتفجر الصراع على أرض الواقع، فيحصد كل من زرع له شيئين إثنين: أولا- خسائر بشرية ومادية، ثانيا : عدم الإستقرار وغياب الأمن، والمهم أن لكل صراعا أسباب وأطراف يتصارعون من أجل تحقيق أهدافا معينة، وفي المغرب العربي هناك صراعات متعددة تحدث في نفس الوقت بين كافة اللاعبين على مستويات متعددة؛ فهناك صراع حقيقي بين الكتل السياسة الإسلامية والغير الإسلامية مثل ما حدث في الجزائر سابقا أو ما يحدث اليوم في تونس، وكذلك الصراع في ليبيا اليوم بين بقايا نظام القذافي (الأزلام والثوار)، ويضاف إليهاً صراعات قبلية ومناطقية، وما يزيد الأمر تعقيداً هو التداخل بين تلك الصراعات.

ما يحدث في ليبيا هو أعظم وأكبر مما حدث في الجزائر سابقا، نظراً للتفتيت الاجتماعي والإثني والجهوي ومن فوضى قاتلة وأعمال انتقامية وهجرة قسرية وتهجير قبلي؛ إذ يسود هذا التفتيت يتعذر وجود الحكم العادل والمسؤولية والعدالة الإجتماعية، ويسيطر على الشعب هواجس الخوف المتبادل، وستمتد هذه الهواجس عقوداً طويلة وتصبح هي أساس وجود.

وتتسع الفوضى لتشمل دول الجوار إلى كل من تونس والجزائر ومصر، فالعناصر المسلحة داخل ليبيا لا تحترم الأنظمة والحكومات، وبالتالي لا تقيم وزناً للحدود بل تحتفظ بإستراتيجية إقليمية وتبحث عن قاعدة خلفية لتنفيذها، لذا نلاحظ قلق إقليمي من انعكاس الفوضى على أمنهم واستقرار بلدانهم.

فطبيعة هذه الأحداث وتراكمها في ليبيا يصب في مسار واحد يهدف إلى تفكيك فكرة الدولة في نفوس مواطنيها، ليغدو الفراغ والانهيار شيئاً طبيعياً، بل ونوعاً من الوهم بتحقيق انتصار لبعض العابثين من داخل وخارج الوطن.

والملاحظ ان اعداد مثل هذه الدول – المتفككة والمنهارة -  تتزايد. فقد حدث الانهيار والتفكك والصراع المسلح في الاتحاد السوفيتي السابق والبلقان والقوقاز وشمال ووسط افريقيا وفي أوروبا مثل ما يحدث مع إسبانيا؛ ونتج عن ذلك ظهور الكثير من الكيانات بحكم ذاتي نال بعضها الاعتراف او تسعى لنيله كدولة مستقلة ذات سيادة.

تفكيك مصطلح الدولة الفاشلة

بداية نضع كلمة على الدولة بحد ذاتها كمدخل للدخول في مضمون الموضوع، فالدولة على حسب ما إتفق عليه فلاسفة السياسة هي "الذروة التي تتوج البنيان الاجتماعي الحديث وتكمن طبيعتها التي تنفرد بها في سيادتها على جميع أشكال التجمعات الأخرى"؛ فالدولة وسيلة لتنظيم السلوك البشري وفرض المبادئ السلوكية التي ينبغي أن ينظم الأفراد حياتهم على أساسها، فهي التي تصدر القوانين وتعاقب من يخرج عليها كما أنها تملك فرض النظام لضمان طاعتها من قبل الأفراد والجماعات المندرجة تحت ظلها وبالتالي تنعم تلك المجتمعات بالإستقرار ويتحقق في ظلها الأمن والأمان.

وبهذا نجد أن كل صراع داخل الدولة –الدولة هنا معناها مؤسسات الحكم -  بين النظام الحاكم والشعب المحكوم يهدف إلى تفكيك هذه المؤسسات وبنائها، ومن ثم سقوط الدولة بهذا المعنى الإيجابى، أما بالمعنى السلبي فهو بقاء تلك الدولة بلا مؤسسات تنظم تلك المجتمعات بفرض القانون، وتحقيق العدالة، وحماية الحقوق، وبالتالي تسمى بالدولة الفاشلة على حد تعبير نعوم تشومسكي.

فالدولة الفاشلة هي بالاسم دولة ذات سيادة، ولكنها لم تعد قادرة على الحفاظ على نفسها كوحدة سياسية واقتصادية قابلة للحياة، إنها دولة أصبحت غير قابلة للحكم تنقصها الشرعية في عيون المجتمع الدولي؛ أو بالأحرى هي "الدولة التي لا يمكنها السيطرة على أراضيها، وعادة ما تلجأ للقوة، وتفشل حكومتها في اتخاذ قرارات مؤثرة، بالإضافة إلى عدم قدرتها على توفير الخدمات لأبناء شعبها، فضلاً عن فشلها في التعامل بفاعلية مع المجتمع الدولي، وعادة ما تشهد معدلات فساد وجريمة مرتفعة".

وقياسا بالحالة الليبية نجد أنها فاقت ذلك كله لتتفكك المؤسسات الحكومية وتتجزأ المنطقة الجغرافية إلى قبائل متعددة وهويات متنوعة يصعب إعادة بنائها من جديد لتصنف من ضمن الدول المنهارة مثلها مثل الصومال.

أسباب فشل حل النزاع الليبي

تعقد خريطة النزاع في ليبيا بين الكتلتين المتصارعتين على الحكم، ونتيجة لعدم توفر أرضية مشتركة لوضع حل نهائي يفصل بين ماضي وحاضر ومستقبل الشعب الليبي، وهو ما يجعل الدولة الليبية تسير نحو الإنهيار، ومن أهم الأسباب التي تعرقل مسيرة بناء السلام يحصرها "أحمد صلاح علي" في:

-          عدم وجود دولة مؤسسات في عهد القذافي مع وجود جهاز بيروقراطي مترهل وضعيف.

-          عدم وجود أى شكل من أشكال الحياة السياسية خلال عهد القذافي وقلة الخبرة السياسية.

-          عدم امتلاك رؤية لإدارة المرحلة الانتقالية.

-          حدوث تنافس وتناحر بين أعضاء المؤتمر الوطني والكتل السياسية.

-          عدم قدرة المؤتمر الوطني على السيطرة على المليشيات وفشل محاولات إنشاء جيش وطني ودمج المليشيات ونزع السلاح.

-          انعدام الأمن واستمرار عمليات التفجيرات والاغتيالات.

-          زيادة معدلات الفساد بشكل كبير.

-          عدم إحساس المواطن الليبي بالتغيير ودخول المؤتمر الوطني في نزاعات ثانوية.

-          أزمة تجديد المؤتمر الوطني لنفسه بعد انتهاء المدة المحددة له وفقاً للإعلان الدستوري وما صاحبها من فوضى سياسية وعدم التمكن من كتابة الدستور في موعده كما حدد الإعلان الدستوري.

أطراف الرئيسية المتنازعة

يمكن حصر الأطراف المتنازعة في ليبيا في إلى مجموعتين أساسيتين كالتالي:

-     قوات حفتر: تتشكل بالأساس قوات حفتر من عسكريين سابقين من بقايا جيش القذافي وقد انضمت إليه مليشيات مختلفة تعمل تحت إمرته، ويصف حفتر قواته بأنها هي الجيش الليبي الوطني، وإن كان هذا غير صحيح، قد سيطر على البرلمان المنتخب حديث ليضيف بعض الشرعية لجانبه، كما نجح في السيطرة على أغلب المناطق الشرقية؛ ويضم في صفه كل من البرلمان، لواء الصواعق والقعقاع (الزنتان)، الفدراليون، تحالف القوى الوطنية، القبائل ( ورشافة ، الترهونة، الزنتان، ورافلة، إضافة إلى مدينة زيلتين)، وأخيرا الأجهزة الأمنية الليبية والتي تضم (قوات الصاعقة الليبية وقوات الدفاع الجوي).

-     مصراته: يضم هذا المعسكر طيف متنوع من القوة مثل المؤتمر الوطني العام والحكومة الانتقالية والكتائب المسلحة  الإسلامية، وكذلك جماعة الإخوان المسلمين ومدن جبل نفوسة خاصة المناطقالأمازيغية بالإضافة إلى مدينة مصراتة ،وما تمتلكه من قدرة عسكرية ضخمة.

-          إضافة بعض التحالفات الهشة التي تتمرد على إحدى المجموعتين السابقتين.

ليبيا...من الدولة الفاشلة إلى الدولة المنهارة

يبدأ مستقبل أي دولة من وجود نظام سياسي يقيم دولة ديمقراطية حديثة ومنتجة.لذلك،لابد من التغيير السياسي بالتحول من دولة الحزب الواحد إلي النظام التعددي ومن الهويات المتصارعة إلى الهويات المندمجة في كيان واحد وتحت سلطة واحدة.وهنا تكمن المعضلة الليبية :كيف يمكن إنهاء الصراع في ليبيا بأقل خسائر وفي أسرع وقت ممكن؟ لأن أي تأجيل في إعادة فرض السلام وصنعه وبنائه يعني أكثر من الكارثة نظرا لما يحتويه هذا الصراع من تداعيات على الجزائر وتونس؛ فالنظام الليبي ينتقل الآن من مرحلة الدولة الفاشلة بعد أن فرّط في وحدة ترابه إلى مرحلة الدولة المنهارة.

وهذا ما تؤكده حرب الميليشيات في ليبيا ، والصراع داخل الحكومة الليبية بلغ أشده في ظل غياب دولة القانون في بلد التناقضات والتقلبات والتناحر الذي يتكئ على كم هائل من السلاح المليشيوي الظلامي. ليبيا تعيش أزمة سياسية واقتصادية أمنية غير مسبوقة ونزاع هوياتي متصادم، إذ شلت السلطة التنفيذية والتشريعية وعجزت النخب التي تتنازع من أجل السلطة في طرابلس، من التوصل إلى توافق حول مصير ليبيا التي تتقاذفها أمواج المليشيات صاحبة الأفق الضيق والفكر الإقصائي المتطرف، والتي تتحمل مسؤولية انعدام الأمن وتعطيل عملية إعادة بناء الدولة، وتأجيج النزاعات الفئوية التي أدت إلى سقوط ليبيا في بركان الحرب الأهلية.

المستقبل الغامض والسلام الضائع

يقوم شرط بناء المستقبل على وجود قوى سياسية واجتماعية فعّالة قادرة علي القيام بعملية بناء المستقبل سواء كانت أطراف داخلية أم إقليمية ودولية، وليبيا لا تحتاج للمبادرات النظرية  التي يطرحها ذلك المفكر والعالم والسياسي أو الدولة الجوار أو الأمم المتحدة وغيرها، فالذي يقنع نفسه بأن المجتمع يجب أن يقوم وفقا لمنطقه وإرادته هو،والذي يجهل أن المجتمع هو قائم فعلا وواقعا على ضرورات داخلية، بل تحتاج لإنطلاقة من واقع الأمر بعيدا عن المبادرات الطوباوية واليوتوبيا التي لا تسمن ولا تغني من جوع، فهي تحتاج لمبادرات جدية تحسب ألف حساب قبل أن تطرح على أرض الواقع.

 ومن بين تلك المبادرات نذكر بعثة الأمم المتحدة المتمثلة في الممثل الخاص ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا "برناردو ليون" والذي جاء بمقترح مسودّة اتفاقية من أجل تشكيل حكومة توافق وطني وإيجاد مخرج للأزمة في ليبيا، تحمل في مضمونها الفصل التام بين السلطات التي كانت – بدون وجه حق – محتكَرة في الإعلان الدستوري بيد مؤسسة واحدة هي السلطة التشريعية نظرا لإرتباط النظام القديم في يد العقيد "معمر القذافي"، هذا الفصل بين السلطات من شأنه أن  يحقق المراقبة والتوازن بحيث لا يطغى فرع من فروع الحكومة على الفرعين الآخرين، إلا أن المؤتمر الوطني العام وعدد من الأحزاب السياسية الكبرى في البلاد، إضافة إلى تجمع ساحات الثورة رفضت تلك المبادرة نظرا لإنحيازها إلى دعم المشروع اللواء المتقاعد خليفة حفتر "الانقلابي" في ليبيا.

كما أن هذه المبادرة لا تضم في طياتها جميع الأطراف المتصارعة، خاصة أن إنحياز مبادرة ليون إلى طرف  - حفتر – دون طرف، وهو ما يخدم مصالح بعض الأطراف الخارجية التي تدعم قوات حفتر، مما جعل من المؤتمر الوطني الليبي العام إلى الرفض بإجماع أعضائه المسودة ووصفها بالمخيبة للآمال وغير المتوازنة وهو ما يؤكده "ليون" في قوله: " عدم التوصل لإتفاق ومواصلة المواجهة ليسا خياراً، البلد على الحافة بالفعل"، لتبقى ليبيا تحت دائرة إدارة النزاع ويبقى الأمر بين أيدي الدول الغربية التي تسعى لإيجاد الفرصة من أجل التدخل بإسم السلام في الظاهر وبإسم المصالح في الباطن.

وبالتالي يمكن القول بأن السلام لا يتحقق بين ليلة وضحاها، بل بمسار خطي يحمل عدة خطوات لإرضاء الأطراف المتنازعة، وبناء السلم، وإلا فهي تحتاج إلى صفعة توقض جميع الأطراف من سباتهم، وإنقاذ المجتمع الليبي من همجية تلك الأطراف، لكن هذه الصفعة تكون من طرف توحد كل من تونس والجزائر والمغرب وفق الشأن المغاربي ذلك لتجنب التدخلات الخارجية التي قد تزيد الأمر سواء في ليبيا أو في دول الجوار، وليعلم الجميع أن ليبيا ليست ساحة لتصفية الحسابات بين دول المغرب العربي.

من الصعب التنبؤ بمستقبل ليبيا في ظل الفوضى العارمة التي تجتاح البلاد في الوقت الراهن، فيبدو أن هناك حالة من حالات التوازن العسكري بين أطراف الصراع ، لكن قد ينقلب التوازن إذا تدخلت القوى الإقليمية المتمثلة في الجزائر والمغرب كأهم لاعبين في المغرب العربي أو الدولية لدعم طرف علي حساب آخر، ومن الصعب حدوث تدخل دولي بقوات برية على الأرض نتيجة تعقيد الوضع ميدانياً، وكلفة هذا التدخل عسكريا وسياسيا.

أعلى