• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
العلاقات الصينية السودانية .. إلى أين؟!

العلاقات الصينية السودانية .. إلى أين؟!




 

الأناضول:

قبل عقود كانت ديباجة "صُنع في الصين" تعني الجودة عند عموم السودانيين، وكان هذا جلياً حتى في الأمثال الشعبية، لكن اليوم باتت تعني قلة الجودة، إن لم تكن الرداءة، وهو ما يشكك فيما تصفه الحكومة بـ"الشراكة الاستراتيجية" مع بكين، كترياق لما تعانيه من عزلة غربية تخنق اقتصادها، وفق خبراء.

مطلع الشهر الجاري، قام الرئيس السوداني، عمر البشير، بزيارة إلى بكين، هي الأبعد له، منذ 2011، استمرت 6 أيام، وقّع خلالها حزمة اتفاقيات ضمن وثيقة شراكة، رأى خبراء أن تعزيزها لن يكون حلاً للأزمة الاقتصادية، التي تحتاج لحل سياسي، يتمثل في تسوية النزاعات الداخلية وإصلاح العلاقات الخارجية مع الدول الغربية.

ومع وصول البشير، إلى السلطة عام 1989، وتبنيه أيدلوجيا إسلامية مناهضة للغرب، سارعت الدول الغربية وعلى رأسها واشنطن، للتضييق عليه.

ولم تكتف حكومة البشير في مهدها بترديد شعارات مثل "الطاغية الأمريكان"، بل استضافت زعماء جماعات إسلامية معادية للغرب، مثل مؤسس تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، عام 1991، وهو ما مهد إدراج الخرطوم على القائمة الأمريكية للدول الراعية "للإرهاب" في 1993.

تبع ذلك، فرض عقوبات أمريكية قاسية على السودان عام 1997، وسط دعم لخصومه السياسيين، وحركة التمرد التي كانت تقاتل جنوب البلاد، ذو الأغلبية المسيحية، مقابل الأغلبية المسلمة في الشمال.

وتحت وطأة العقوبات الأمريكية التي حظر بموجبها التعامل التجاري والمالي مع السودان، وعزلت اقتصاده عن السوق العالمي، اتجهت الخرطوم شرقاً لتوثيق علاقتها مع الصين التي بدأت تبرز وقتها كقوة اقتصادية عالمية.

وأول ما ترتب على ذلك، كان منح الصين، حق استكشاف وإنتاج النفط الذي تعطلت عمليات استخراجه بعد انسحاب الشركات الغربية وعلى رأسها "شيفرون" الأمريكية من عموم السودان.

وبالفعل نجحت بكين في استخراج النفط، من حقول في الجنوب البلاد، بعد أن أنفقت مليارات الدولارات في تجهيز البنية التحتية اللازمة لتشغيل القطاع النفطي، وصدّرت أول شحنة منه في العام 1999.

وبعدها بدأ الاقتصاد السوداني في الازدهار، بعد سنوات من التردي الذي لازم قطاعات حيوية مثل الزراعة والصناعة والنقل، بسبب العقوبات الأمريكية التي حرمت البلاد من مدخلات الإنتاج من آليات وقطع غيار، علاوة على حظر الحركة المصرفية من وإلى السودان.

ومع توفر عملات صعبة للخزينة العامة من عائدات النفط الذي كان يصدر للصين، وسعت الخرطوم شراكتها التجارية مع بكين، لتصبح أكبر شريك تجاري لها، فضلاً عن كونها ثاني أكبر شريك تجاري لها في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا (لاحقا تراجعت إلى المرتبة الثالثة) .

ورغم أن الحكومة كانت ولا تزال تجادل بأن شراكتها مع بكين عوضت الكثير من خسائرها جراء العزلة الغربية، إلا أن أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم، حاج حمد، يقول إن "هذه الشراكة كانت على الدوام لصالح الصين أكثر منها لصالح السودان".

فالصين عندما دخلت السوق السوداني "وجدته خالياً من المنافسين، وهو ما ترتب عليه تدني جودة منتجاتها على نقيض منتجاتها ذات الجودة القياسية التي تصدرها إلى الدول الغربية بما فيها الولايات المتحدة".

ويؤيد أستاذ الاقتصاد بالجامعات السودانية، محمد إبراهيم كبج، ما ذهب إليه حمد، ويضيف له سبباً آخر، وهو أن "سياسات الحكومة كانت على الدوام تضخمية، ما أضعف القوة الشرائية للجنيه السوداني، ولم يعد بالإمكان سوى استيراد السلع الرخيصة من الصين".

وغالبية السلع المستوردة في الأسواق السودانية من الآليات الثقيلة إلى المعلبات الغذائية تأتي من الصين، حيث يبلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين نحو 5 مليارات دولار، وفقاً لبيانات وزارة المالية.

ويشير حمد إلى أنه "حتى القروض التي منحتها الصين لتشييد مشاريع بنية تحتية لازمتها شروط، بأن تنفذ هذه المشاريع شركات صينية، ما يوضح ضخامة مكاسب بكين على حساب الخرطوم".

ولا تقتصر المآخذ على شراكة الخرطوم مع بكين على جودة المنتجات بل تتعداها إلى عدم انخراط الصين في استثمارات حيوية بالبلاد، وتركيزها على قطاع النفط، الأمر الذي حول اقتصاد السودان إلى "اقتصاد ريعي يعتمد على مصدر واحد"، بحسب ما قاله كبج للأناضول.

وتزيد الاستثمارات الصينية في السودان على 11 مليار دولار، أغلبها في قطاع النفط، وفقاً لإحصائيات نشرتها وزارة المالية، العام الماضي.

ويضيف كبج: "لو استثمرت الصين في قطاعات إنتاجية حيوية مثل القطاع الزراعي بموارده الطبيعية الضخمة لما تعرضت البلاد للأزمة الاقتصادية التي تلت انفصال الجنوب وفقدان عائدات النفط".

وتلقى الاقتصاد السوداني ضربة موجعة بانفصال جنوب السودان عام 2011، واستحواذه على 75 % من حقول النفط كانت تمثل أكثر من 50 % من الإيرادات العامة، ونحو 80 % من مصادر العملة الصعبة.

ومع انفصال جنوب السودان بموجب استفتاء شعبي أقره اتفاق سلام أنهى عقوداً من الحرب الأهلية، وصلت معدلات التضخم إلى أرقام قياسية، وفقدت العملة الوطنية ثلاث أضعاف قوتها الشرائية، ما اضطر الحكومة لتبني خطط تقشفية على دفعات ألبّت عليها الشارع.

ولا يرى أستاذ العلوم السياسية، حاج حمد، أن الخرطوم قد استفادت من شراكتها مع الصين بدليل أنها "لم تستخدم حق النقض (الفيتو)، في كل القرارات التي أصدرها مجلس الأمن الدولي ضد السودان".ويشير حمد إلى "اكتفاء الصين بالامتناع عن التصويت عندما قرر مجلس الأمن الدولي إحالة ملف الحرب الأهلية في إقليم دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية عام 2005 ".

وترتب على قرار مجلس الأمن، إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحق الرئيس البشير، بتهمة "ارتكاب جرائم حرب، وجرائم ضد الإنسانية، وإبادة جماعية في العامين 2009 و2010".وبسبب الملاحقة الجنائية، اقتصرت زيارات البشير الخارجية في الأعوام الماضية على دول عربية وأفريقية حليفة.

ومن القرارات التي يستدل بها حمد أيضاً هي "عدم معارضة الصين لقرار مجلس الأمن الدولي عام 2007 نشر قوات حفظ سلام دولية عوضاً عن القوات التابعة للاتحاد الأفريقي في إقليم دارفور، حيث يحارب الجيش 3 حركات مسلحة منذ 2003" .

ووقتها توسطت الصين لإقناع الخرطوم الرافضة للقوات الأممية بالقبول بقوات مشتركة بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي، نُشرت فعلياً مطلع العام 2008، ولا تزال الحكومة تتحفظ على وجودها بالإقليم.

وكانت المرة الوحيدة التي استخدمت فيها الصين حق النقض (الفيتو) لصالح الخرطوم، عندما كان مجلس الأمن بصدد إصدار إدانة للسودان على خلفية طرده لموظفين كبيرين يتبعان لبعثة الأمم المتحدة، نهاية العام الماضي.

ومع تفاقم الأزمة الاقتصادية الناجمة عن فقدان عائدات النفط التي ذهبت لدولة جنوب السودان الوليدة، نشطت حكومة الخرطوم زيارات مسؤولييها إلى بكين، وكان من أبرز نتائجها حصول الخرطوم على قرض صيني بقيمة 1.5 مليار دولار، مطلع العام 2013، قال وزير المالية، علي محمود، حينها إن المبلغ سيستخدم "لسد عجز الميزانية، وتعزيز ميزان المدفوعات".

وتُوجت هذه المساعي بزيارة الرئيس البشير إلى الصين مطلع الشهر الجاري، والتي استمرت 6 أيام، وقّع خلالها مع نظيره الصيني، على حزمة اتفاقيات ضمن وثيقة شراكة وصفها وزير الخارجية إبراهيم غندور، الذي رافق البشير، ضمن عدد من وزرائه بأنها "استراتيجية".

وشملت الاتفاقيات منح الصين حق استخراج النفط من حقول جديدة لمضاعفة إنتاج البلاد الحالي الذي يبلغ نحو 140ألف برميل يومياً، علاوة على عقود لاستخراج الغاز الطبيعي.

 ومن الاتفاقيات، تزويد السودان على مدار ثلاث سنوات طائرتي "إيرباص"، وثلاث طائرات نقل داخلي، إلى جانب 9 بواخر، وقطارين، مع تشييد خط سكة حديد بطول ألف كيلو متر.

وبفعل العقوبات الأمريكية، تدهور قطاع النقل الجوي في السودان، وكذلك شبكة السكة الحديد التي تُعد من أطول الشبكات في أفريقيا بطول يزيد عن 5 أآلاف كيلو متر.

ومن مكاسب زيارة البشير للصين، وفقاً لتصريحات مسؤولين، تجاهل بكين لمطالبة واشنطن عدم استقباله على خلفية ملاحقة المحكمة الجنائية له، حيث كانت زيارة الرجل هي الأبعد له منذ 2011.

لكن أستاذ العلوم السياسية حاج حمد، يرى أن هذه الاتفاقيات "لن تحدث تحولاً في الاقتصاد، لأنه لم يطرأ جديد على شكل التعاقدات، كما أن التركيز لا يزال قائماً على النفط".

بينما يجزم الخبير الاقتصادي كبج بأن "تعزيز الشراكة مع الصين لن يكون حلا للأزمة الاقتصادية التي تحتاج لحل سياسي يتمثل في تسوية النزاعات الداخلية وإصلاح العلاقات الخارجية مع الدول الغربية".

 

أعلى