• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
مساجد الكونغو الديمقراطية..

مساجد الكونغو الديمقراطية.. "بركة" لغير المسلمين أيضا


مع أنّه غير مسلم، إلاّ أنّ برنار ينتظر فجر كلّ يوم صوت المؤذّن يدعو المسلمين لإقامة الصلاة، لينتصر على كسله ويبارح مخدعه بنشاط، وينضمّ إلى حشود المصلّين المتوجّهين إلى المساجد في مدينة لوبومباتشي بمحافظة كاتانغا شرقي الكونغو الديمقراطية.

صوت جهوري محبّب إلى الأنفس ينبعث صبيحة كل يوم من منارة المسجد المجاور لمنزل هذا العامل في المناجم، ليؤمّن له استيقاظا مريحا ومؤكّدا، يمنحانه أولى مؤشرات يوم عمل هانئ. "انطلاقا من مارس/ آذار وحتى نهاية الخريف من كل عام"، يقول برنار، "أصل يوميا في الموعد الصباحي المخصص للحافلة التي أستقلّها للذهاب إلى العمل"، مشيرا إلى أنّ هذا "الرفاه" يندثر خلال الشتاء، بما أنّ "الصلاة تقام في وقت متأخر".

أمثال برنار في لوبومباتشي كثيرون من المسيحيين، بل إنّ أعدادهم تبلغ الآلاف في هذه المدينة التي تعتبر عاصمة المحافظة، وإحدى أكبر المدن المنجمية في البلاد.. حشود ضخمة تنهض على صوت المؤذن، وترافق المصلّين في الطرقات، قبل أن تفترق الجموع كلّ حسب وجهته.

برنار أضاف في هذا الصدد: "نتبادل التحية حين نقابلهم (المصلّين) في ساعات الصباح الأولى وهم في طريقهم نحو المسجد، وهذا الأمر ينعكس إيجابا سواء على مستوى انضباطنا لمواعيد انطلاق وسائل النقل، أو بالنسبة لمزاجنا الذي يتعدّل آليا إثر تبادل الابتسامات والتحية"، مشيرا إلى أنّ "الاستيقاظ على صوت المؤذّن يظلّ أكثر سحرا وروعة من الرعب الذي يتسبب فيه المنبّه المثبت على مقربة من أذني".

و"الأهم من ذلك"، يقول من جانبه كارلوس موزيندا، أحد سكان الحي الصناعي بالمدينة متحدّثا عن مزايا المساجد الثلاثة التي تم تشييدها منذ أقل من عام واحد، "هو أنه لا يسعنا إسكات الصوت الذي يحثنا على الاستيقاظ بحركة من اليد".

حوالي ألفي شخص يضطرون يوميا لركوب الحافلة في تمام الساعة السادسة صباحا للوصول إلى المواقع المنجمية المنتشرة في المناطق الواقعة على مشارف لوبومباتشي، ما يعني أنّ التخلّف عن مواعيد الحافلات يشكّل مأساة حقيقية بالنسبة لهؤلاء العمال.

هيريتييه ماهامبا، أحد سكان حي "كيغوما" بالمدينة، قال معقبا عن الجزئية الأخيرة: "في السابق، كنا نعاني من أجل الاستيقاظ باكرا في الموعد وركوب الحافلة التي لا تمرّ سوى مرة واحدة في تمام السادسة صباحا، ولهذا، فإنه في صورة تخلّف المرء عن هذا الموعد، فلن يسعه أبدا الوصول إلى الموقع لأنه يقع بعيدا جدا في الأدغال، ولذلك نحن مجبرون على أن نكون في الموعد"، مضيفا أنه "من الممكن أن لا يكون المسلمون أنفسهم على وعي بالخدمة التي يقدّمونها لأكثر من ألفي شخص جميعهم على يقين بأنهم سيصلون في الموعد بفضل الآذان".

وعن هذا "المنبّه المؤكّد"، يعقّب أحد سكان الحي الصناعي، ويدعى إيف، أنّه "ورغم أنني لم أرتد يوما مكانا لعبادة المسلمين، غير أنّ الآذان دخل ضمن حياتنا وتفكيرنا وكأنه هناك اتفاق مسبق بيننا وبين المسلمين، ونحن قبلنا بذلك لأنه يصبّ في مصلحتنا".

الآذان المنبعث من مساجد لوبومباتشي لا يخدم مصلحة العمال فحسب، وإنما له مزايا لا تقل أهمية بالنسبة لطلاب المدارس والتجار، بحسب إرنست كيبوي، زعيم حيّ "هيوا بورا" بالمدينة، والذي أشار إلى أنّ "الآذان دخل ضمن حياتنا، ولكم أن تسألوا أي ساكن في الحي، فسيجيبك بأن عينيه تفتح آليا في تمام الخامسة صباحا من كل يوم، وهذا ما يمنحه متّسعا من الوقت للقيام بكل ما يريد"، لافتا إلى أن "الطلاب الذين يتعين عليهم الوصول في السابعة إلى مدارسهم يتمكّنون بيسر من ذلك، والأمر سيان بالنسبة للباعة الذين يبتغون الانتصاب في السوق".

أما من جانب المسلمين، والذين لا تتعدّى نسبتهم الـ 10 % من مجموع سكان المحافظة، أي حوالي 800 ألف نسمة (النسبة ذاتها على الصعيد الوطني، أي ما يناهز الـ 8 مليون مسلم)، فهناك إجماع على أهمية الخدمات التي تقدّمها المساجد لجميع سكان المحافظة ذات الأغلبية المسيحية.

دور محوري أكّده الحاج يوسيني ممثّل المسلمين في كاتانغا بالقول،: "إن كانت مساجدنا تقدم خدمات لجميع السكان، فهذا أمر يثير سعادتنا، رغم أن دورها لا يكمن في الواقع في إيقاظ الناس. نشعر بالغبطة لقبولنا من قبل سكان هذه الأحياء، لأنه عوض الامتعاض من الآذان بما أنه  ينطق باللغة العربية غير المستخدمة بتاتا في لوبومباتشي، واعتباره نوعا من الضجيج الضار، فإنه يساهم في إيقاظ الباحثين عن رزقهم"، مشيرا إلى أنّ "هذا الأمر دليل على القبول الذي يحظى به الاسلام في بلادنا، وأنه لاوجود لخلافات بين المسلمين والمسيحيين".

أعلى