الجزرة أكثر نفعاً من العصا في غزة
واصلت النخب الصهيونية توجيه انتقادات للمستوى السياسي والعسكري لفشلهما في إدارة الحرب الأخيرة على غزة.
وقال البرفسور أوري بار يوسف، الذي يعد من أبرز الإستراتيجيين الصهاينة، إن الحرب الأخيرة على غزة أثبتت عدم فاعلية اثنين من مركبات العقيدة الأمنية الصهيونية، وهما: الردع والدفاع.
وفي مقال نشرته صحيفة "هارتس" في عددها الصادر الخميس الماضي، أشار بار يوسيف إلى أن هناك ثمة إجماع بين الجنرالات المتقاعدين ومعظم قيادات العسكرية والاستخبارية بأن الحرب الأخيرة دلت على موت مفهوم الردع، مشيراً إلى أن التفوق النوعي الهائل الذي تمتع به الكيان الصهيوني على حركة حماس لم ينجح في إجبار الحركة على وقف هجماتها على العمق الصهيوني، مما جعل هذه الحرب ثاني أطول في تاريخ الحروب الصهيونية العربية.
وشدد بار يوسيف على أن التفوق التكنلوجي الصهيوني الهائل لم يمكن من توفير حلول لمشكلة الصواريخ، التي باتت تصيب كل المناطق في إسرائيل، مما يعني انهيار مفهوم الدفاع أيضاً. وأشار بار يوسيف إلى أن حركة حماس بات بإمكانها تعطيل المجال الجوي للدولة الأقوى في المنطقة، كما حدث في الحرب الأخيرة.
ونوه باريوسيف إلى أنه لم يعد أمام تل أبيب خيار سوى المزاوجة بين الحلول السياسية الاقتصادية للخروج من المأزق الحالي في مواجهة القطاع. وحث بار يوسيف دوائر صنع القرار على إعادة صياغة العقيدة الأمنية والإدراك أن تفوق الجيش ليس ضمانة لتحقيق الأمن المطلوب.
من ناحيته قال عوفر شيلح، عضو لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، ورئيس اللجنة البرلمانية التي حققت في مسار الحرب على غزة أن هذه الحرب تعد أكثر الحروب فشلاً في التاريخ الصهيوني.
وفي مقابلة أجرتها معه صحيفة "هارتس" أن الفشل في الحرب فاق مظاهر الفشل في حربي 73 وحرب لبنان الثانية. وأوضح شيلح أن الكيان الصهيوني أخفق في توقع تأثير تدهور الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة، مشيراً إلى أن الحصار الشديد لم يترك أمام حركة حماس إلا خيار المواجهة مع الصهاينة. وشدد شيلح على أنه قد تبين بؤس الرهان على خيار القوة العسكرية بدون أفق سياسي، مشيراً إلى أن تل أبيب استخدمت قوة نيران خلال الحرب على غزة أكثر كثافة مما استخدمه الأمريكيون خلال الحرب على العراق.
ومن المفارقة أنه حتى النخب اليمينية الصهيونية التي عادة ما تتبنى خطاً متشدداً في التعاطي مع الجانب العربي، باتت ترى وجوب تغيير نمط التعاطي مع قطاع غزة، وعدم تبني الحلول العسكرية التي ثبت فشلها.
فقد قال الجنرال المتقاعد عاموس جلبوع، القائد الأسبق للواء الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية "أمان" أن تحسين الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة لا يضمن فقط تقليص فرص تفجر مواجهة مع القطاع، بل أنه يمكن أن يقلص الأضرار الناجمة عن "الانتفاضة السياسية" التي تواجهها تل أبيب حالياً، سيما في أعقاب عزم فرنسا على تقديم مشروع قرار لمجلس الأمن يدعو للاعتراف بدولة فلسطين في غضون عامين.
وفي مقال نشره في صحيفة "معاريف"، حذر جلبوع ذو التوجهات اليمينية، والذي عمل مستشاراً لرئيس الوزراء الأسبق إسحاق شامير من أن اندلاع مواجهة مع حماس في ظل التوتر الكبير في العلاقات مع كل من الولايات المتحدة وأوروبا، محذراً من أن مثل هذه المواجهة ستفضي إلى تقلص مكانة الكيان الصهيوني الدولية وسيفاقم من أزمته الاقتصادية، سيما في ظل تهديد الأوروبيين بفرض عقوبات اقتصادية على تل أبيب.
واقترح جلبوع عقد مؤتمر دولي لمناقشة فرص تحسين الأوضاع الاقتصادية في القطاع بشكل جذري، وضمن ذلك إعادة إعمار ما تم تدميره خلال الحرب الأخيرة، ورفع كلي للحصار، مقابل التزام حماس بتهدئة لمدة عشر سنوات.
وحسب جلبوع، فأنه يفضل أن ترعى الولايات المتحدة والدول العربية المعتدلة هذا المؤتمر، مشدداً على أن تحسين الأوضاع الاقتصادية في قطاع غزة سيساعد تل أبيب على مواجهة الحملات الدعائية التي تشن عليها في الساحة الدولية.
وأوضح جلبوع أنه يتوجب على تل أبيب خوض غمار هذه المبادرة حتى في ظل المؤشرات على عدم تحمس النظام المصري لها. وفي سياق متصل، قال إعلامي صهيوني أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يحاول التقرب من نتنياهو بمهاجمة حركة حماس.
ويذكر أن عباس قال في مقابلة أجريت معه ونشرت مؤخراً في موقع "كل العرب" إنه يمد يده لنتنياهو ومستعد لاستئناف المفاوضات بدون قيد أو شرط. وهاجم عباس حركة حماس، داعياً العالم العربي للتدخل لإسقاط حكم الحركة تماماً كما تدخل التحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن.
وقال الصحافي الصهيوني أساف ليبرمان أن تعمد عباس التهجم على حماس في الوقت الذي يؤكد فيه استعداده لاستئناف المفاوضات مع نتنياهو بدون شروط يهدف إلى "مغازلة" نتنياهو.
وخلال حديثه في إذاعة الجيش الصهيوني أوضح ليبرمان أن عباس يحاول عدم تحطيم قواعد اللعبة مع الكيان الصهيوني، على الرغم من الإهانات التي يوجهها له قادتها.
وأعاد ليبرمان للاذهان حقيقة أن رئيس الوزراء الأسبق أرئيل شارون قد سبق له أن وصف عباس بأنه "صوص بلا ريش"، في حين وصفه وزير الخارجية الحالي أفيغدور ليبرمان بأنه "حشرة".
وفي السياق، قالت صحيفة "هارتس" في افتتاحية عددها الصادر الإثنين أن تل أبيب اختارت أن تتجاهل إعلان عباس المتصالح معها، مما يدلل على أن عباس لا يتحمل أية مسؤولية عن الجمود في العملية السياسية، معتبرة أن نتنياهو وسياساته المتشددة هي التي عقدت العلاقة مع السلطة.
ونوهت الصحيفة إلى أن عباس من خلال توجهه الشخصي لنتنياهو يعبر عن احترامه لإرادة الناخب الصهيوني، مشيرة إلى أن ردة فعل رئيس السلطة على تصريحات نتنياهو خلال الحملة الانتخابية بأنه لن يسمح بإقامة "دولة فلسطنيية" تعتبر معتدلة، مقارنة مع ردة فعل الرئيس الأمريكي باراك أوباما الذي هاجم نتنياهو على إثرها.
وفي السياق، قال الصحافي بن كاسبيت أن نتنياهو وشركاءه يعدون لعباس "حفلة" من الإهانات من خلال تضمين برنامج الحكومة الجديدة بنوداً تحرج قيادة السلطة أمام الرأي العام الفلسطيني.
وخلال مداخلته في القناة التلفزة الصهيونية العاشرة، نوه كاسبيت إلى عزم حزب "البيت اليهودي" على تضمين البرنامج الحكومي بنداً ينص على ضم مناطق "ج" التي تشكل أكثر من 60% من الضفة الغربية.
وأشار كاسبيت إلى أن بعض نواب حزب الليكود يعدون العدة لتمرير مشروع قانون أساس يلزم الحكومات الصهيونية في المستقبل بعدم الموافقة على أي تسوية تنص على إقامة دولة فلسطينية.
وفي ذات السياق، قال الصحافي عكيفا إلدار إن نواب الليكود يستعدون لتمرير جملة من القوانين لتغيير الواقع القانوني والديني في المسجد الأقصى. وفي مقال نشره موقع "يسرائيل بلس"، حذر إلدار من التداعيات بالغة الخطورة التي يمكن أن ينطوي عليها هذا التطور، محذراً من أن الأمر يمكن أن يفضي إلى اندلاع انتفاضة ثالثة.