صعود اليمين يرجح تفجر انتفاضة جديدة
يرى قادة اليمين الصهيوني المحتفين بنصرهم الكبير وغير المتوقع أن نتائج الانتخابات التي جرت مؤخراً تمنحهم تفويضاً صريحاً بتصفية القضية الوطنية الفلسطينية مرة وللأبد.
وتمثل المطالب التي صدرت عن قادة اليمين الصهيوني في الواقع آليات عمل تهدف إلى تحقيق هذا الهدف. فعلى سبيل المثال يطالب الوزير نفتالي بنات، قائد حزب "البيت اليهودي"، الذي يمثل التيار الديني الصهيوني في الحكومة بتضمين البرنامج العام للحكومة الجديدة بنداً يدعو إلى ضم مناطق "ج" في الضفة الغربية للكيان الصهيوني، مع العلم أن هذه المناطق تشكل أكثر من 60% من مساحة الضفة الغربية.
ولا تقتصر المطالبة بضم مناطق "ج" للكيان الصهيوني على حزب "البيت اليهودي"، بل أن أوساطاً داخل حزب الليكود الحاكم تبنت موقف بنات، على اعتبار أن مثل هذه الخطوة تعبر عن إرادة الناخب الصهيوني.
فقد قال الوزير يسرائيل كاتس، رئيس سكرتارية حزب الليكود إن يتوجب على حكومة الليكود الجديدة أن تطبق سياساتها بشكل صريح والتي تقوم على التشبث بالحق في ضم "أراضي دولتنا إسرائيل التاريخية لها بدون منح أي أحد في العالم أي اعتبار".
واعتبر كاتس أن سياسات الحكومة الإسرائيلية تمليها "إرادة الناخب الإسرائيلي وليس توجيهات الرئيس الأمريكي باراك أوباما"، محذراً من مغبة عدم إدراك الإدارة الأمريكية دلالات الفوز غير المتوقع لنتنياهو.
وفي السياق، قالت محافل مهمة في التيار الديني الصهيوني إنها تتوقع أن تفي قيادات الأحزاب اليمينية الصهيونية بتعهداتها بشأن تغيير الوضع القائم في المسجد الأقصى.
وأعادت هذه المحافل للأذهان حقيقة أن كثيرين من ممثلي الأحزاب الصهيونية تعهدوا بالسماح لليهود للصلاة في الحرم بشكل قانوني. وتوقعت قناة التلفزة الإسرائيلية العاشرة أن يستأنف عناصر المجموعات الدينية اليهودية حملاتهم لتدنيس المسجد الأقصى.
ويذكر أن الأحزاب اليمينية الصهيونية بشقيها العلماني والديني تفاوتت في تعهداتها للجمهور الصهيوني بشأن مستقبل التعاطي مع المسجد الأقصى.
فقد تعهدت بعض هذه الأحزاب بتمرير مشاريع قوانين تضمن التقاسم الزماني في الحرم، بمعنى أن يتم تقسيم مواعيد الصلاة في المكان بين اليهود والمسلمين.
في حين أن بعض الأحزاب اقترحت تقسيماً مكانياً بحيث يستولى اليهود في مسجد قبة الصخرة وما حوله بزعم أن الهيكل يتواجد أسفلها. وقد وصلت بعض القيادات الدينية المحسوبة على حزب "البيت اليهودي" إلى حد المطالبة بالسيطرة اليهودية المطلقة على المسجد بشكل كامل وعدم السماح للمسلمين بدخوله مطلقاً.
في الوقت ذاته، أعلن نتنياهو بأنه سيعمل على إرساء حقائق استيطانية على الأرض تحول دون السماح بإقامة الدولة الفلسطينية، من خلال تكريس مشروع "القدس الكبرى"، الهادف لجلب مليون يهودي للإقامة في القدس المحتلة ومحيطها.
وكشف نتنياهو عن مخطط يعكف عليه يقوم على منع اقتراب مدينة بيت لحم من القدس، عبر تعزيز البناء الاستيطاني في المنطقة الفاصلة بين المدينتين.
في أوضح مؤشر على نيته توظيف نتائج الانتخابات في إعادة صياغة مؤسسات الكيان الصهيوني بما يخدم أيدلوجيته، أعلن اليمين الصهيوني نيته الحد من سلطات الجهاز القضائي ومنعها من التدخل لإحباط القرارات والإجراءات العنصرية التي يتخذها الكيان الصهيوني ضد فلسطينيي الداخل والفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة.
وأعلن يورام ليفين، رئيس كتلة حزب الليكود الحاكم في الكنيست إن الكتل اليمينية ستحرص على تمرير مشاريع قوانين تقلص من قدرة المحكمة العليا للتدخل في القرارات الصادرة عن الحكومة، مشدداً على أن الحكومة تعبر عن "إرادة الشعب" وليس المحكمة العليا، التي لا يحق لها أن تصدر أي قرار يتعارض مع سياسات الحكومة.
ويذكر أن المحكمة العليا في الكيان الصهيوني ترفض التدخل في القرارات التي يتخذها الجيش والحكومة الصهيونية والمتعلقة بمصادرة الأراضي وتدمير البيوت الفلسطينية، بحجة أن الأمر يخضع لاعتبارات "الأمن القومي"، ومع ذلك، فأن قوى اليمين تريد تصفية هامش المناورة المتاح أمام المحمة بشكل كامل.
وذكرت قناة التلفزة الصهيونية الأولى أن كتل اليمين تريد تقليص هامش المناورة أمام المحكمة العليا لكي ينحصر اختصاصاتها في القضايا التي لا تتعلق بالقضايا السياسية والأمنية والتشريعية ذات العلاقة بطابع "الدولة اليهودي"، وهو ما يعني منع المحكمة من الاعتراض على القوانين العنصرية التي يخطط البرلمان الجديد لاصدارها.
وفي سياق مختلف، بدت النخب الصهيونية تعبر عن يأسها من إمكانية إزاحة اليمين عن سدة الحكم في الكيان الصهيوني في يوم من الأيام بسبب تجذر قوته الاجتماعية والسياسية.
وقال الكاتب رون فوكسمان في مقال نشرته صحيفة "معاريف" إن ما بات مؤكداً أن اليمين الصهيوني أقوى من أن يتم انتزاعه من كراسي الحكم بسبب انجراف المجتمع الصهيوني بثبات نحو اليمين والتطرف.
وأضاف فوكسمان، ذو التوجهات اليسارية: "علينا أن نعترف بالحقيقة المرة التنافس على الحكم بات خاسراً، علينا أن نقر بأن الفيلم انتهى تماماً وأنه لا حاجة لتضليل الجمهور وقواعد اليسار، المجتمع الصهيوني لا يرى إلا في اليمين قيادته السياسية".
وفي سياق متصل، قال الصحافي الصهيوني أمنون أبراموفيتش، كبير المعلقين في قناة التلفزة الثانية أن تفجر الأوضاع الأمنية حالياً في الضفة الغربية سيمثل ضربة "إستراتيجية" من العيار الثقيل للكيان الصهيوني، سيما بعد تعزز حكم اليمين المتطرف في تل أبيب.
وخلال تعليق بثته القناة ، أوضح أبراموفيتش أنه في ظل تعاظم مظاهر القطيعة من الولايات المتحدة على خلفية تنصل نتنياهو من التزامه بحل الدولتين، ومع تواتر الدعوات في أوروبا لفرض مقاطعة ضد الكيان الصهيوني بسبب سياساتها، فأن انفجار الأوضاع الأمنية واندلاع انتفاضة في الضفة الغربية سيقلص من هامش المناورة أمام القيادة الصهيونية الجديدة القديمة.
وفي ظل مخاوف من انفجار الأوضاع الأمنية، يعكف جيش الاحتلال حالياً على إجراء مناورة جديدة لم يكشف النقاب عنها قبل في أرجاء متفرقة من الضفة الغربية
وأكدت محافل عسكرية صهيونية إن هناك أساس للاعتقاد أن الأمور مرشحة للانفجار خلال الأشهر القريبة القادمة. ونوهت المحافل إلى أن قيادة المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال المسؤولة عن الجهد الحربي في الضفة الغربية تواصل إجراء تدريبات ومناورات في أرجاء متفرقة من الضفة استعداداً لمواجهة هذا الاحتمال.
وأشارت المحافل إلى أن قرار قيادة السلطة الفلسطينية التوجه للمحافل الدولية وقرار الكيان الصهيوني بوقف تحويل عوائد الضرائب لخزانة السلطة يزيد من احتمالات الانفجار. وزعمت المحافل أن الجيش والأجهزة الاستخبارية الصهيونية تشتبه بدور الذراع العسكري لحركة حماس في قطاع "كتائب عز الدين القسام"، بالتوجيه لتنفيذ عمليات عسكرية ضد أهداف الاحتلال داخل الضفة.
ويذكر أن جهاز المخابرات الداخلية الصهيونية "الشاباك" قد كشف مؤخراً النقاب عن قيامه بتفكيك خلية تابعة لحركة حماس تعمل في قلقيلية نجحت في إيجاد "بنية لتنفيذ عمليات تفجير داخل الكيان الصهيوني.
من ناحيتها نقلت صحيفة "يديعوت أحرنوت" عن محافل العسكرية تحذيراتها من التداعيات "بالغة التعقيد" لقرار إسرائيل تجميد تحويل عوائد الضرائب للسلطة الفلسطينية، والتي بلغت قيمتها الآن أكثر من 1. 7 مليار دولار.
وأكدت المحافل أن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس يبدو ملتزماً بالحفاظ على الهدوء الأمني، مستدركة أن قدرته على مواصلة ضبط الأمور غير مضمونة سبب التداعيات السياسية وخيبة أمل الفلسطينيين من المواقف التي عبرت عنها الحكومة الصهيونية مؤخراً.
وأشارت المحافل إلى أن الجيش الصهيوني يحاول تقليص الأضرار الناجمة قرار وقف تحويل عوائد الضرائب عبر السماح بأعداد كبيرة من الفلسطينيين بدخول الكيان الصهيوني للعمل.