الحشد الشعبي.. شيطان جديد يستبيح العراق
هي ميليشيا شيعية مسلحة تضم عدّة فصائل ومجموعات تشكّلت بدعوى حمل السلاح التي أطلقها المرجع الشيعي علي السيستاني ونوري المالكي، لحمل السلاح والقتال إلى جانب القوات الحكومية عقب سيطرت تنظيم الدولة على مدينة الموصل وتمدّده لمناطق أخرى بمحافظات الأنبار وديالى وصلاح الدين ومناطق في شمالي بابل وحزام بغداد، فأطلق المرجع الشيعي علي السيستاني فتوى “الجهاد الكفائي” ودعا رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، المواطنين الشيعة لحمل السلاح والقتال إلى جانب القوات الحكومية لوقف تقدّم التنظيم نحو العاصمة بغداد، بعد هروب القطاعات العسكرية من وحداتها تاركةً أسلحتها ومعداتها.
وتشكلت قوات الحشد في ظرف أيام، والتحق الآلاف من الشيعة بمعسكرات التدريب السريعة، ثم جرى توزيعهم على مناطق التوتر، وسارعت الحكومة إلى تسليحها وتذليل جميع العقبات التي تقف في طريق تشكليها.تتكوّن ميليشيا الحشد من فصائل شيعية مسلحة، ومنها ميليشيا بدر التي ينتمي وزير الداخلية محمد الغبان إليها ويقودها المدعو هادي العامري، وميليشيا عصائب أهل الحق، وكتائب حزب الله، وسرايا السلام التابعة للتيار الصدري وغيرها، وكلّها ذات سوابق في اقتراف جرائم بحق العراقيين “السنّة” خلال السنوات الماضية من خطف وقتل وتطهير طائفي.
وبيّن عضو اللجنة القانونية بمجلس النواب سليم شوقي أن “تنظيم إجراءات الحشد تكون عن طريقة مديريات الأمن الوطني في المحافظات المرتبطة بمستشارية الأمن الوطني، ويشرف عليها مجلس الوزراء بشكل مباشر”.
وحظيت الميليشيا منذ اليوم الأول لتشكيلها بدعم حكومي غير محدود، يتمثل بالتسليح والاحتفاء الاعلامي، إضافة إلى غض الطرف عن جرائمها في المناطق السنية، والدفاع المستميت عنها في جميع المحافل واللقاءات السياسية والإعلامية من جانب السياسيين الشيعة.
اكتسبت صبغة رسمية في 21 كانون الأول الحالي، بعد اعتماد هيئة الحشد الشعبي كجهة وحيدة مخولة لإدارة هذه القوات، ولا يحق لأحد التدخل في أمور ميليشيا الحشد أو محاسبتها غير هذه الهيئة.وأصدر مجلس الوزراء العراقي مرسوما اعتبر أن لقتلى الحشد امتيازات ومخصصات مماثلة “لشهداء” القوات المسلحة، فيما ذهبت وزارة حقوق الإنسان للتأكيد على أنهم جزء من المنظومة العسكرية العراقية الرسمية.
ويحظى الحشد أيضا بغطاء مذهبي واسع، حيث انتقدت مرجعية النجف ومرجعيات شيعية أخرى ما وصفته بـ”الحملة المسعورة” ضد مقاتلي الحشد الشعبي.
مستشار الأمني الوطني بالوكالة فالح الفياض كشف عن أن هيئة الحشد تضم 60 ألف عنصرا، بينما أكد مصدر مطّلع رفض الكشف عن هويته، بأن العدد المسجل يصل لأكثر من 70 ألف عنصر، غير أن مصادر من
ومُنحت ميليشيا الحشد الشعبي سلطة مطلقةً وحرية في العمل والممارسات، دون أن يتمكّن أعلى ضابط في الجيش أو مسؤول حكومي من ردعها ومحاسبتها، أو على الأقل وقف انتهاكاتها، لا بل جعلتها الحكومة رقيباً على ضباط القوات الحكومية ومنتسبيها، ولها الكثير من المقرات والثكنات العسكرية، فضلاً عن أنها تمتلك سجوناً خاصة بها، تحتجز فيها مخطوفيها وتعمل على تعذيبهم هناك.
وبدلاً من أن تأخذ ميليشيا الحشد دورها في الهدف الذي تم تشكيلها لأجله، راحت تمارس أدوارا أخرى لاتقل خطورة عن تلك التي مارستها شقيقاتها من الميليشيات من قتل وتهجير وفتك بالمواطنين “السنّة” الآمنيين وفق أسس طائفية مقيتة, ثم جاءت عمليات السلب وسرقة السيارات وتفجير وإحراق المساجد والمنازل في المناطق السنّية، ووجهت جهات سياسية منهم محافظ صلاح الدين رائد الجبوري، بالإضافة إلى شخصيات عشائرية من تلك المناطق نداءات استغاثة لوقف انتهاكاتها.
في البدء، رفضت المرجعيات الدينية والأطراف السياسية الشيعية جميع الاتهامات التي وُجهت للحشد، ونعتت متهميها بـ”الدواعش”، إلا أن سيل المقاطع المرئية والصور التي تثبت ارتكابها لجرائم ترقى لمستوى الإبادة الجماعية، أجبرها على إطلاق نداءات لميليشياتها تطالبها بعدم تفجير المنازل والتعدي على حياة المواطنين.
وتوالت الروايات على ما يقوم به عناصر تلك المليشيات من ممارسات بحيث يستطيع صبي حدث السن ان يفرض على قيادات الجيش ما يريد دون أن تمتلك تلك القيادات القدرة على كبح جماح تلك العناصر.
وبحسب مراقبين فإن ممارسات الحشد الشعبي الطائفية جاءت لتضيف دليلا على الخطأ الفادح الذي ارتكبته الدولة العراقية بالسماح لها بتشكيل هكذا قوات بدلا من تعزيز قدرات الجيش العراقي والقضاء على عمليات الفساد الفضائي التي نخرت جسد المؤسسة العسكرية التي باتت تحت رحمة هذه المليشيات الطائفية.
حكومة رئيس الوزراء السابق نوري المالكي أعلنت أنها ستدفع لعناصر الحشد رواتب شهرية بمبلغ 700 ألف دينار اي مايعادل 600 دولار بالإضافة إلى بدل طعام بملغ 125 الف مايعادل 100 دولار -بحسب قادة ميدانيين – فضلا عن تجهيزهم بالسلاح وبسيارات للنقل مواد غذائية أخرى.
وبالرغم من تأكيدات عناصر الحشد على أنهم خرجوا للدفاع عن الوطن والمقدسات ولا يريدون مقابل ذلك منصباً أور راتباً، إلا أنهم خرجوا بمظاهرات في أكثر من مناسبة وبمناطق مختلفة منها قضاء الخالص والمقدادية في ديالى، للمطالبة بصرف رواتبهم التي تأخرت عنهم قليلاً، مهددين بترك السلاح والعودة لمنازلهم، بيمنا أكدت مصادر مطّلعة أن العديد من عناصر الحشد قاموا بسرقة الأسلحة التي وزعتها عليهم الحكومة وعادوا لمنازلهم لاسيما في حزام بغداد.
ووجّهت شخصيات دينية وسياسية وعشائرية “سنّية” اتهامات عديدة لميليشيا الحشد، بارتكاب جرائم طائفية بحق أبناء المكون السنّي ومناطقهم، والسعي لإحدث تغيير ديموغرافي في المناطق السنّية لصالح المكون الشيعي.
وخلال المؤتمر العربي “لمكافحة الإرهاب” الذي عُقد في أربيل يوم (18-12-2014م)، بحضور شخصيات دينية وسياسية واجتماعية وعشائرية “سنّية”، طالب الحاضرون بوقف الانتهاكات الميليشياوية ووضع حدٍ لممارساتها الطائفية ضد المدنيين.
منظمة العفو الدولية هي الأخرى اتهمت ميليشيا الحشد الشعبي بقتل عشرات المدنيين السنة “بإعدامات عشوائية”، وأضافت أن ممارساتهم تصل لمستوى “جرائم الحرب”، وأشارت المنظمة الدولية إلى أن حكومة حيدر العبادي التي تدعم وتسلح هذه المجموعات تغذي دوامة جديدة وخطرة من انعدام القانون والفوضى الطائفية في البلاد.
وذكر تقرير لموقع “بلومبيرغ فيو” حمل عنوان “الميليشيات المدعومة من إيران تحصل على أسلحة أميركية”.وبحسب الصحيفة فإن الحكومة العراقية، التي مُنحت مليار و200 مليون دولار على شكل خدمات تدريب ومساعدات ومعدات عسكرية الشهر الماضي، تعطي هذه المعدات للميليشيات الشيعية المتأثرة بشكل كبير بإيران، والمُتهمة بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان داخل العراق.
أعضاء في لجنة الأمن والدفاع النيابية – رفضوا ذكر أسمائهم – أشاروا إلى “وجود شبهات فساد في مرافق هيئة الحشد، فيما يتعلق بقضايا الرواتب والأرزاق المجهزة لعناصر الحشد، بالإضافة إلى وجود آلاف الأسماء الوهمية التي تكلف الدولة مبلغا طائلا.
وهو ما أكده الأمين العام لميليشيا (كتائب حزب الله – المجاهدون) في العراق، عباس المحمداوي، في تصريح صحفي يوم (11 يناير 2015) والذي دعا فيه مدير الحشد الشعبي إلى مراجعة الأعداد المسجلة في قوائم الحشد للتأكد من أنّ أغلبها أرقام وهمية، مشدّداً على أنه يملك وثائق تثبت ذلك.
بينما كشف مصدر عسكري حكومي، لـ”البيان” يوم (9-12-2014م)، عن ضبط نساء داخل معسكر لميليشيا الحشد في قضاء أبو غريب غربي بغداد، جرى استقدامهن للممارسة الرذيلة مع العناصر الميليشياوية. ولفت المصدر إلى أن حالات عديدة مشابهة، جرى ضبطها في مناطق متفرقة، بضمنها مناطق جنوبي بغداد وأطراف مدينة تكريت، غير أن القادة العسكريين لا يمكنهم محاسبتهم.
وأمام التحذيرات التي أطلقها مراقبون ومختصون بالشأن الأمني، بخصوص توسّع نفوذ وسلطة الميليشيات الشيعية، وتحول الكثير منها لعصابات للسرقة والسطو المسلح والاختطاف، والخوف من خروجها على القانون بشكل علني وانتشار الفوضى في المناطق العراقية في حال اصطدمت يبعضها، فإنّها تبقى التحدّي الأبرز أمام حكومة العبادي ومن سيخلفه، في القدرة على إنهائها والسيطرة على تصرفاتها الطائفية.