اليمن.. دراماتيكية سقوط الرئاسة بيد الحوثيين !
تبدو عجلة
الأحداث وتسارعها جملة في اليمن شبيهة بمسرح تراجيدي، تسيل على خشبته المزيد من
بركات الدماء التي قد تصل إلى تحت أقدام المتفرجين في الداخل والخارج على السواء
وهم يصفِّقون بغباء وبلاهة، ظناً منهم أنها صبغة حمراء أو مجرد " فيمتو " حد تعبير
الإعلامي اليمني الفكاهي والساخر" عبدو الجندي " .
وقد تسارعت
الأحداث بوتيرة دراماتيكية، وانفجر الوضع عسكرياً مؤخراً بين الحوثيين وقوات الحرس
الرئاسي، في محيط دار الرئاسة جنوبي العاصمة صنعاء، واستمرت أصوات الانفجارات
والاشتباكات بالرشاشات والمدفعية تُسمع حتى مساء اليوم، عند المدخل الغربي لدار
الرئاسة ومواقع الحرس الرئاسي في" تبة النهدين"، لتصل الاشتباكات إلى جوار منزل
الرئيس اليمني في شارع الستين. ووفق الأرقام الأولية للضحايا، فقد قُتل نحو عشرة
أشخاص وأصيب عشرات آخرون جراء المواجهات، التي تسببت أيضاً بهدم عدد من المنازل
وإغلاق المداخل المؤدية إلى المنطقة. في ظل هجوم عسكري حوثي مكمّل لخطوة خطف مدير
مكتب الرئيس اليمني، أحمد عوض بن مبارك، منذ أيام، بحجج رفض مسودة الدستور وتقسيم
البلاد إلى ستة أقاليم، إلى ما هناك من تبريرات ضرورية لمحاولة إسباغ الشرعية على
الانقلاب العسكري ــ السياسي الحوثي المستمر منذ شهور.
وقبلها لم يكن
سقوط صنعاء مفاجئاً للمراقبين والمتابعين باهتمام للأوضاع السياسية في اليمن، فمسار
الأحداث وتواليها التي سبقته يقود إليه، وبإمكانك أن تضع بداية ونقطة المسار حيث
شئت : صعدة، أو دماج، أو عمران، وستجد أنه يأخذك جنوباً نحو العاصمة صنعاء، وأبرز
علامات هذا المسار كان التمدد العسكري المستمر للجماعة، بالتوازي مع العملية
السياسية وقبول الرئيس هادي منصور لفكرة التفاوض مع عبدالملك الحوثي، زعيم الجماعة،
تحت ظلال هذا التمدد.
ولم يكتفِ
الرئيس هادي بذلك، بل قبل أن يبعث لـ عبدالملك الحوثي بلجان وطنية تتفاوض معه،
فشكلت اللجان تلو اللجان ، ليتولى المهمة في نهاية المطاف المبعوث الأممي، جمال بن
عمر وهو سياسي باهت، يبحث عن أي حضور، بأي ثمن، وبعبارة أخرى، كان رئيس الدولة هو
الذي ذهب إلى صعدة «عاصمة الحوثي» بحثاً عن مخرج ،ولم يأتِ الحوثي إلى عاصمة
الدولة.
والغريب أن
الرئيس لم يأبه، أو لم ينتبه إلى أن في هذا تنازلاً مسبقاً وخطراً من الدولة لفصيل
مسلح ،فالتقط الحوثيون الإشارة، مقصودة أو غير ذلك ،ويمكن أن يكون التفاوض مع
الدولة غطاء لاستمرار التقدم نحو العاصمة وهو ما حصل بالفعل، والأغرب أنه، قبل ذلك
وأثناءه، ظل الرئيس هادي يندد على مدى أكثر من سنة بالتدخل الإيراني، ويؤكد وجود
أدلة قاطعة عليه، وفي الوقت نفسه كان يتفاوض مع الجماعة، مع معرفته أنها عميلة
لإيران.
كما أن يوم"21
سبتمبر" شق التاريخ السياسي اليمني إلى نصفين، ولن يكون ما قبل ذلك اليوم كما بعده،
ومن الصعب أن يغادر الذاكرة، وستتوارثه الأجيال، فهذا يوم سيطرت فيه حركة مسلحة
صغيرة على كامل مؤسسات الدولة بما فيها المؤسسة العسكرية، وفرضت واقعا مغايرا على
الأرض، وأعادت تشكيل الخريطة السياسية كما تهوى وبقوة السلاح.
ورغم تتابع
اللجان الرئاسية إلى صعدة لإقناع زعيم الحوثيين بحل سلمي فإنها فشلت، في حين كان
الشارع اليمني يتوزع بين مؤيد لإصرار الحوثي على إلغاء الجرعة السعرية، ومتوجس من
تحركاته العسكرية، وبين الأمرين وقف حزب الإصلاح حائرا بين عدو حوثي يذكره عشرات
المرات في كل خطاب، ويغالي في تحميله مسؤولية كل فساد وإرهاب، ورئيس يبدو محايدا
إزاء تآكل قيمة الدولة.
لقد سقطت
الرئاسة اليمنية في أيدي مسلحي جماعة أنصار الله (الحوثيين) في وقت بات الرئيس،
عبدربه منصور هادي، في حكم المعزول عمليّاً، ويعيش اليمن ساعات حاسمة مفتوحة على
احتمالات عديدة.
وخلصت جماعة
"أنصار الله" (الحوثيين)، في اليمن، إلى المرحلة النهائية من التصعيد، لاستكمال
الانقلاب على المؤسسات والدولة الذي بدأته في سبتمبر/أيلول الماضي بالسيطرة على
صنعاء، واتجهت أنظارها هذه المرّة إلى الرئيس، عبدربه منصور هادي، رداً على قراره
بانتشار الجيش في صنعاء، وتفكيك النقاط العسكرية لـ"اللجان الشعبية" (القوة
العسكرية للحوثيين) وأظهرت تطورات الساعات الأخيرة أن هادي بات هدفاً مقصوداً على
وشك السقوط، في ظل جهود سياسية تحاول احتواء الموقف، وسط غموض حول مصيره السياسي.
وفي محاولة
لتهدئة الأوضاع، أعلن وزير الداخلية اليمني، اللواء جلال الرويشان، بدء سريان وقف
إطلاق النار في صنعاء، ابتداء من الرابعة والنصف من بعد ظهر أمس، الإثنين، وذلك
بناء على قرار لجنة أمنية شكّلها هادي برئاسة مستشاره عن الحوثيين، صالح الصماد.
وأوضح الرويشان،
في تصريح نقلته وكالة الأنباء اليمنية الرسمية، أن اللجنة الرئاسية باشرت عملها في
متابعة وقف إطلاق النار في مختلف الأماكن. إلا أنه لا توجد تأكيدات بالالتزام بوقف
إطلاق النار من الحوثيين، الذين اتهموا الحرس الرئاسي بالاعتداء عليهم.
وقالت الوزيرة
السقاف إن وسائل الإعلام الرسمية باتت مختطفة وتحت سيطرة الحوثيين، وإن وسيلة
الإعلام الرسمية التابعة للحكومة أصبحت قناة "عدن" الفضائية وحسابها الشخصي في موقع
"تويتر". وكان التلفزيون الرسمي، قناة "اليمن" الفضائية، قد بث خبراً عاجلاً،
منسوباً إلى مصدر رئاسي، بأن هادي وجّه بإيقاف إطلاق النار ودعا إلى اجتماع يضم
مختلف المكونات.
وبالتوازي مع
انفجار المواجهات المسلّحة، تحركت الوساطات والمفاوضات السياسية، من خلال لجنة
تألفت من مستشاري الرئيس اليمني السياسيين عن القوى السياسية وممثلين عن الحوثيين،
هدفت لتهدئة الوضع والوصول إلى توافق حول أبرز نقاط الخلاف، وتتمثل بشكل أساسي،
بموضوع مسودة الدستور وعدد الأقاليم، بالإضافة إلى ضغوط الحوثيين من أجل تعيينات في
مواقع بالدولة وقيادة السلطة المحلية في محافظة مأرب.
وتشترط جماعة
"أنصار الله" تغيير مسودة الدستور لإطلاق سراح مدير مكتب الرئيس اليمني المختطف
لديها، أحمد عوض بن مبارك، وتهدئة الأوضاع العسكرية، وتسعى تحديداً لإلغاء التقسيم
إلى ستة أقاليم.
وعلى الرغم من
أن هذه النقاط المعلن حولها الخلاف، إلا أن وصول الأمر إلى مواجهات مسلّحة في
الدائرة الضيقة للدولة ممثلة بدار الرئاسة، أمر قرأه كثيرون بأنه توجّه جدي من
الجماعة المسيطرة على صنعاء وعدد من المحافظات للإطاحة بهادي، خصوصاً مع تزامنه مع
لهجة حادة في خطاب الحوثيين تُلقي بالمسؤولية على الرئيس وتصبّ عليه الاتهامات.
واحتضن منزل
المستشار السياسي للرئيس، عبدالكريم الإرياني، اجتماعاً لقادة الأحزاب السياسية
بمشاركة الحوثيين مساء الأحد، من دون أن يتم الإعلان عن نتائج رسمية للاجتماع. وكان
الصماد، قد دشّن الأزمة الأخيرة، بتصريح، قبل أيام، أعلن فيه أنه سيتوارى عن المشهد
وأن "الوضع سيخرج عن السيطرة".
وعلى الرغم من
التطورات غير المسبوقة والتي تهدد موقع الرجل الأول في الدولة، إلا أن مواقف القوى
السياسية الأخرى بدت حذرة، بسبب علاقات هادي المتدهورة مع القوى ومثلها علاقاته مع
الحوثيين.
سيناريوهات
وتوقعات
ويطرح مراقبون
عدداً من السيناريوهات خلال الساعات المقبلة، إذا ما أُعلن رسميّاً سقوط هادي، أول
هذه السيناريوهات إعلان مجلس عسكري من زعيم أنصار الله عبدالملك الحوثي، ويمكن أن
تلاقي هذه الخطوة اعتراضاً من أطراف محلية وإقليمية ودولية، في حين يتبدى السيناريو
الثاني في إعلان مجلس عسكري أو مدني أو مختلط، بالتنسيق بين الحوثيين والرئيس
السابق علي عبدالله صالح، ويحتمل أن يكون وزير الدفاع الحالي محمود الصبيحي على
رأسه.
أما السيناريو
الثالث، فقد يكون إعلان مجلس عسكري أو عسكري مدني مشترك، بدعم من صالح وقوى أخرى،
ويحتمل أن يكون على رأسه اللواء، محمد الصوملي، رئيس هيئة الحفاظ على الجيش والأمن،
أو أو اللواء، الصبيحي، وزير الدفاع أو إعلان أكثر من مجلس عسكري أو مدني من
الأطراف المتعددة.
ويبقى سيناريو
أخير، في احتمال إعلان انتقال السلطة مؤقتاً، إلى رئيس مجلس النواب (البرلمان)،
يحيى الراعي، وفقاً للدستور أو إعلان مجلس عسكري يفوض رئيس مجلس النواب بتولي
السلطة مؤقتاً.
وفيما يتعلق
بمصير الرئيس هادي المحاصر، حاليّاً، في منزله غرب العاصمة، تذهب أغلب التوقعات إلى
احتمال إبرام تسوية معه تضمن مغادرته البلاد سالماً مقابل تنازله عن المنصب، فيما
باتت أقل التوقعات تداولاً بقاء هادي في منصبه بعدما بات معزولاً وغير مسيطر حتى
على وسائل الإعلام الرسمية.
لكن بعض
المحلّلين لا يستبعدون سعي الحوثيين إلى إبقاء هادي رئيساً شكليّاً، ليتسنى لهم
المزيد من التغلغل تحت مظلة مشروعيته. (1)
ولولا أن هادي
يتخذ من منزله الخاص مقراً له منذ انتخابه في عام 2012، لكان أيضاً بالإمكان القول،
إن الرئيس اليمني قد تم إسقاطه بسقوط دار الرئاسة.
وحتى منزل هادي
الذي يقيم فيه في شارع الستين لم يكن بمنأى عن الاشتباكات، إذ جرت اشتباكات على
مقربة منه، وهو ما دفع وزيرة الإعلام اليمنية، نادية السقاف، إلى القول عبر "تويتر"
إن "الرئيس اليمني يتعرض لهجوم من مليشيات مسلحة تود الإطاحة بالحكم"، فيما استمر
حصار مقر رئاسة الحكومة.
وعمد الحوثيون،
قبيل ساعات من كلمة زعيم الجماعة، عبد الملك الحوثي، مساء أمس الأول، إلى إسقاط دار
الرئاسة بعد أن تجددت المواجهات في حوالي الرابعة والنصف عصراً، أي بعد مرور 24
ساعة على بدء سريان وقف إطلاق النار حيث سُمع دوي انفجارات هزت العاصمة ولم تتوافر
تفاصيل عن عدد الضحايا.
وقد كان
المسلحون يحاصرون قائد الحماية الرئاسية اللواء، صالح الجعيملاني، قبل أن يغادر
القصر ويسلمه للمسلحين، وسط أنباء عن عمليات نهب في دار الرئاسة.
وتعد دار
الرئاسة المقر الافتراضي للرئيس، وتتألف من مجموعة مبانٍ ووثائق ومعدات ومطار صغير
ودوائر خاصة بالرئاسة والأمن. كما يحوي لواء عسكريّاً فيه أحداث الدبابات والأسلحة.
ولا يستبعد
مراقبون أن تشهد الساعات القادمة تطورات دراماتيكية، قد يعلن فيها رسميّاً انتهاء
نظام الرئيس الانتقالي، عبدربه منصور هادي، الذي تسلم البلاد خلفاً لعلي عبدالله
صالح في فبراير/شباط 2014.
ولم تخل تطورات
الأمس من أصابع اتهام موجهة إلى صالح بالتورط في الأحداث، ولا سيما بعد أن علمت
"العربي الجديد" أن عسكريين ضباطاً وجنوداً ممن تم تسريحهم من الجيش وكانوا محسوبين
على الرئيس السابق شاركوا في اقتحام الرئاسة خلال اليومين الماضيين. وحتى اللحظة لا
يمكن الجزم إذا ما كانوا قد انضووا رسميّاً في الجماعة أم أنهم تحركوا بالتنسيق مع
صالح، وهو الأمر الذي سيتضح خلال الفترة المقبلة. (2)
وتزامنت هذه
التطورات مع تعثر جهود الإفراج عن مدير مكتب رئاسة الجمهورية، أحمد عوض بن مبارك،
المختطف لدى الحوثيين، منذ السبت الماضي. وكانت مصادر، قريبة من الرئاسة، أعلنت،
مساء الاثنين، اتفاقاً وشيكاً مع الجماعة لإطلاق سراحه تعثر في اللحظات الأخيرة
لأسباب غير معروفة.
وكانت قيادة
السلطة المحلية في، شبوة، جنوب البلاد، والتي ينتمي إليها بن مبارك، أعلنت إيقاف
شركات النفط عن عملها احتجاجاً على اعتقاله من الحوثيين.
ولم يعد التوصل
إلى اتفاق أمراً جديداً. ولا يتوقع المراقبون من مثل هكذا خطوة أن تضع حدّاً
للأزمة، والسبب في ذلك هو اختلال موازين القوى وغياب مؤسسات الدولة، إذ إن أي اتفاق
له نتيجته المتوقعة مسبقاً، وهي أن يصب في تمكين الحوثيين أكثر في مؤسسات الدولة،
على حساب القوى الأخرى والرئيس الذي كان قد فقد جزءاً كبيراً من سلطته لصالح
الجماعة منذ اجتياحها صنعاء في سبتمبر/أيلول الماضي.