السلطة الفلسطينية في خدمة الليكود
حل البرلمان الصهيوني نفسه، وبات من المؤكد أن
الانتخابات ستجرى في السابع عشر من مارس المقبل. لقد أقدم رئيس الوزراء الصهيوني
بنيامين نتنياهو على تبكير الانتخابات لدافع ودوافع ذات طابع سياسي شخصي. فنتنياهو
يتابع نتائج استطلاعات الرأي العام التي تؤكد تراجع شعبيته،وبالتالي فقد قرر إجراء
الانتخابات في أسرع وقت ممكن في محاولة لوقف النزيف في شعبيته،وعلى أمل أن يقدم
على خطوات تلفت نظر الجمهور الصهيوني على قضايا تخدم مصالح نتنياهو. فعلى سبيل
المثال،اتهم بعض نواب اليسار والوسط الصهيوني نتنياهو بأنه أمر بشن الهجوم الأخير
على سوريا من أجل تحسين شعبيته في أعقاب فشله في الحرب الأخيرة على غزة. وقال عضو
الكنيست عوفر شيلح، النائب عن حزب "ييش عتيد"، الذي انسحب من الحكومة
مؤخراً، أن نتنياهو يحاول تحسين مكانته السياسية بأي ثمن،ويحاول التأثير على جدول
الأولويات "الوطني" عشية الانتخابات. ونقلت الإذاعة العبرية الاثنين
الماضي عن شيلح، العضو في لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست، قوله:
"يحاول نتنياهو تعويض ما فقده من مصداقية خلال الحرب على غزة،لقد كان يقدم
نفسه على أنه "السيد أمن"،لكن الحرب على غزة دللت على أن هذ التوصيف
أكبر منه بكثير". وقد اتهم وزير الحرب الأسبق عمير بيرتس،والنائب حالياً عن
حزب "هتنوعا" بزعامة تسيفي ليفني نتنياهو بأنه يوظف القضايا الأمنية
الحساسة بالنسبة للكيان لاعتبارات سياسية شخصية،محذراً من خطوات أخرى قد يقدم عليها
ويمكن أن تعمل على تدهور الأوضاع الأمنية في تل أبيب. ونقلت إذاعة الجيش
الإسرائيلي الإثنين الماضي عن بيريتس قوله إنه يتوجب عقد جلسة عاجلة للجنة
الخارجية والأمن للتحقيق في دوافع نتنياهو من وراء الهجوم. ومع اقتراب موعد
الانتخابات،حتى ساد فضاء الإعلام العربي السؤال التالي: "كيف ستؤثر نتائج هذه
الانتخابات على القضية الفلسطينية؟". مع العلم أنه دائماً ما يتردد هذا السؤال
عندما يقترب موعد إجراء الانتخابات العامة في الكيان الصهيوني. وعادة ما ينبثق عن
هذا السؤال العام عدة تساؤلات فرعية،على شاكلة:كيف ستؤثر نتائج الانتخابات على
مستقبل مشاريع التسوية،والاستيطان والتهويد، والانقسام الفلسطيني، والنوايا
الصهيونية تجاه غزة، وعدد لا نهائي من الأسئلة الأخرى. إن طرح هذه التساؤلات
مشروع،ومحق،فتركيبة الحكومات الصهيونية،التي تحددها نتائج الانتخابات تؤثر بالفعل
على القضية الفلسطينية،على اعتبار أن سلوك الكيان الصهيوني يعتبر الطرف الأكثر
تأثيراً على الواقع الفلسطيني،سواء على الصعيد السياسي والأمني والاقتصادي
والاجتماعي.
لكن السؤال الذي
يطرح نفسه هنا: وماذا عن سلوك الفرقاء في الساحة الفلسطينية، هل كان قدراً أن يبقى
الفلسطينيون مجرد ساحة لاستقبال التأثير من الجانب الصهيوني،أم أن لدى
الفلسطينيين،في المقابل، ما يمكنهم من التأثير على السلوك الصهيوني. المفارقة أنه على
مدى العقدين الماضيين كنا نصف كل حكومة صهيونية تتشكل بأنها الحكومة "الأكثر
تطرفاً" في تاريخ الكيان الصهيوني. بمعنى أن الوقائع تؤكد أن المجتمع
الصهيوني يتجه بجنون نحو التطرف. لكن أحداً لم يكلف نفسه عناء طرح سؤال مقابل:ما
دور السلطة الفلسطينية والنظام الرسمي العربي في دفع الصهاينة نحو التطرف؟.
لقد كان من المؤكد أن سلوك السلطة الفلسطينية يعتبر أحد
الأسباب التي تفسر اندفاع المجتمع الصهيوني نحو التطرف. فعلى الرغم من تعاقب
الحكومات اليمينية المتطرفة على الحكم في تل أبيب،وعلى الرغم من أنها واصلت التمدد
الاستيطاني في أرجاء الضفة الغربية،وحرصت على تكثيف مشاريع التهويدية في القدس ومع
أنها وفرت غطاءً لاعتداءات المستوطنين على المدنيين الفلسطينيين العزل،إلا أن
السلطة الفلسطينية وتحديداً برئاسة محمود عباس لم تقدم على أي تحرك معاكس كان يمكن
أن يدلل لرجل الشارع الصهيوني أن سلوك حكومته يسهم فقط عن الإضرار بمصالحه.بل على
العكس تماماً،فأن السلطة برئاسة عباس تقدم على كل الخطوات التي من شأنها اقناع
الصهاينة بتأييد الأحزاب اليمينية الأكثر تطرفاً وغلواً. فخذوا على سبيل المثال،ما
حدث في أعقاب اندلاع انتفاضة القدس وتفجر عمليات المقاومة،والتي نسفت مستوى الشعور
بالأمن الشخصي لدى الصهاينة بشكل غير مسبوق. وقد تسابقت النخب الصهيونية لاتهام
حكومة بنيامين نتنياهو بالمسؤولية عن تفجر هذه الموجة من العمليات بسبب سماحها
بتدنيس المسجد الأقصى وتوعد وزراء ونواب من الائتلاف الحاكم بتغيير الوضع القائم
في المسجد الأقصى وصولاً إلى تهويده بالكامل. فقد كان المؤمل من قيادة وطنية ترى
في ذاتها مسؤولة عن تحقيق مصالح الشعب الفلسطيني أن تدفع تقلص هامش المناورة أمام
الحكومة الصهيونية وتحرجها أمام جمهورها لكي يتأكد هذا الجمهور أن سياسات هذه
الحكومة لا تعود إلا بالوبال عليه. ويكفي أن يقدم رئيس السلطة محمود عباس على وقف
التعاون الأمني مع الاحتلال. لكن عباس اختار تحديداً أن يرسل تطمينات للجمهور
الصهيوني بأنه بإمكان نتنياهو وحكومته مواصلة ما يقدمون عليه من جرائم دون الخوف
من تعاظم عمليات المقاومة.ففي الوقت الذي تسن فيه إسرائيل المزيد من القوانين
العنصرية ضد المواطنين الفلسطينيين في القدس وفلسطينيي الداخل،تتباهى أجهزة الأمن
التابعة للسلطة بدورها في "قمع" انتفاضة القدس. فللمرة الثانية في غضون
أسبوع حرصت مصادر في قيادة الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة على طمأنة الرأي العام
الصهيوني أنها أقدمت على خطوات أسهمت في إضعاف وتيرة عمليات المقاومة، وحتى القضاء
عليها. ولم تجد قيادات في أجهزة السلطة الأمنية مانع من الحديث مع وسائل الإعلام
الصهيونية والإفصاح عن طابع العمليات "الوقائية" التي اتخذتها لإضعاف
وتيرة العمل المقاوم. ووصل الأمر بأن نقلت الإذاعة العبرية الأربعاء الماضي عن
"مصدر كبير" في الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة قوله إن هذه الاجهزة حرصت
بشكل واضح على منع انتقال الانتفاضة إلى مدن الضفة الغربية من خلال شن حملات
اعتقال واسعة ضد قيادات ونشطاء في حركة "حماس". وعندما لم تثق الإذاعة
بما جاء على لسان "المصدر الكبير" في أمن السلطة توجهت إلى "مصدر
كبير" في هيئة أركان الجيش الصهيوني،الذي أكد لها أن السلطة الفلسطينية لعبت
الدور الأبرز في التأثير سلباً على وتيرة عمليات المقاومة. وحسب المصدر العسكري
الصهيوني فأن الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة تتعامل مع إمكانية اندلاع انتفاضة
ثالثة كتهديد إستراتيجي على بقاء السلطة الفلسطينية ذاتها.
قصارى القول، بغض النظر عن طابع الحكومة الصهيونية التي
ستتشكل في الكيان الصهيوني بعد الانتخابات،ستواصل سلطة عباس التعاون معها، وهذا
بحد ذاته يمثل فقط مسوغاً لجذب المزيد من الأصوات لأحزاب اليمين في الحكومات
القادمة.
لكن الشيء الذي قد لم يحسب له عباس حساباً يتمثل في أن
سلوك الحكومة الصهيونية سيكون من الصلف لدرجة تجعل الشعب الفلسطيني ينتفض انتفاضة
ستطيح بأسس العلاقة بين الكيان الصهيوني وعباس وسلطته.