حديث رئيس الأركان الوردي
بقلم: يوسي يهوشع
يديعوت أحرونوت
ليس من الواضح ما الذي جعل رئيس أركان الجيش
الإسرائيلي يوجه مثل تلك الرسالة التفاؤلية لسكان المناطق الجنوبية، وذلك عندما
كان استمرار قرار وقف إطلاق النار الهش محل شك.
الصيف حار هذا العام والخريف سرعان ما سيأتي
والمطر سيغسل الغبار الذي خلفته الآليات العسكرية الإسرائيلية والحقول ستصبح خضراء
وسوف يزهر الجنوب باللون الأحمر- ويقصد المعنى الإيجابي للكلمة - بلون شقائق
النعمان والأزهار الأخرى وسيتحقق الاستقرار هنا في الجنوب لسنوات عديدة
قادمة" هذه هي رسالة بيني غانتس رئيس أركان الدفاع الإسرائيلي التي وجهها يوم
الأربعاء الى سكان المناطق الجنوبية.
ليس من الواضح ما هو نوع الخداع والتضليل الذي
يمارسه رؤساء المنظومة الدفاعية عندما يسمحون لسكان المناطق المحاذية للحدود مع
غزة بالعودة الى منازلهم الأسبوع الماضي.
لقد كان استمرار وقف إطلاق النار الهش والمشتت
أمرا فيه ريبة, مما جعل حديث غانتس يبدو وكأنه طائشٌ ومتهورٌ بعض الشيء عند
استرجاع ما حدث، وفي الغالب يعتبر استجابة الى رغبة الجمهور الإسرائيلي للعودة الى
حالة الاستقرار إضافة الى شوقهم إلى العودة غلى منازلهم والشعور بالأمن فيها.
إن أولئك الذين يعرفون غانتس يدركون بأنه
مسئول يتمتع بخبرة وقدرة على التعامل مع الصعوبات وبأنه لا يندفع نحو إطلاق شعارات
طائشة كالتي تقول:"سيتم تدمير جميع الأنفاق خلال يومين الى ثلاثة أيام".
هناك عادة متبعة ومعروفة جيداً لدى الجيش
تتمثل في ترك الاستنتاجات والأحكام إلى النهاية, لذا ليس من الواضح ما الذي جعله
ينهي القتال بسرعة كبيرة ويطالب سكان الجنوب بالعودة إلى منازلهم بالرغم من أن
تقييم جيش الدفاع الإسرائيلي تمثل في أنه يمكن لحماس أن تفاوض في القاهرة وتستأنف
إطلاق النار باتجاه إسرائيل في نفس الوقت. إن هذا التقييم نفسه للموقف يثير
إمكانية نشوب حرب استنزاف ضد الكيان وعلى الأغلب ضد المناطق الجنوبية منه وذلك عن
طريق استخدام أسلحة حماس المعروفة والرخيصة والتي لا حصر لها في الغالب ألا وهي
قذائف الهاون.
لقد لاحظت أجهزة استخبارات الجيش في الآونة
الأخيرة تغييراً في اتجاهات عمليات الجناح العسكري لحماس، وذلك باتجاهه نحو زيادة
استخدام قذائف الهاون بدلاً من الصواريخ, فالصواريخ من الممكن أن تعترضها القبة
الحديدية، وبالنسبة لحماس فإن هذا السلاح يعتبر الأكثر فعالية وإلى حد بعيد.
ليس هناك حلٌ دفاعيٌ حقيقيٌ لاعتراض قذائف
الهاون التي أزهقت أرواح وجرحت العشرات من الإسرائيليين خلال عملية الجرف الصامد،
ففي غالب الأحيان لم تنطلق صفارات الإنذار لتنذر بقذائف الهاون قبل سقوطها, ولهذا
السبب تركز حماس جهودها لإطلاق المزيد من قذائف الهاون وذلك من أجل أن تنهك سكان
التجمعات السكانية المحاذية لغزة والذين بدأوا باستعراض العلامات الأولى للخرق.
كما أن أحد الأدلة الذي يشير إلى ذلك هو أزمة الثقة التي تعصف فيما بين السكان
وبين القادة السياسيين والعسكريين.
نعود الآن إلى غانتس, علينا أن نسأل: هل كان
لديه أسباب واقعية وملموسة لكي يعتقد بأن إطلاق الصواريخ لن يتجدد صباح يوم الجمعة
وتحديدا عندما وجه حديثه الرزين قبل يومين من ذلك؟ وهل يدرك أيضا أن كلماته التي
تحدث بها عبر التلفاز ربما سوف تتحلل الى عوامل تقييم موقف حماس وتؤثر في سياسة
المساومة التي تتبعها في مفاوضات القاهرة؟
ربما من الممكن أن ينسب ذلك الحديث إلى غانتس
على أنه مواطن عادي والذي ربما قد نسي للحظة مركزه كرئيس أركان. لقد أظهر أمنيات
الجمهور الإسرائيلي والذي بحاجة ماسة الى الهدوء بعد شهر من القتال في منتصف
الإجازة الصيفية. ربما يكون من الأفضل لو اختار كلمات أخرى, فكلماته يحللها
الأعداء بدقة.
ربما
وأكثر من أي شيء آخر كانت كلمات رئيس الأركان عن الغبار الذي سَيُغسل وشقائق
النعمان التي ستزهر تشير إلى أمرٍ واحدٍ مقلقٍ ألا وهو أن جيش الدفاع الإسرائيلي
لا يعرف حقيقة كيف يقدر نية حماس بشكل صحيح, فهو لم يعرف نيتها قبل القتال ولا
أثناء القتال كما أنه ربما لا يعرف الآن كيف يقدر نية الأعداء.