ماذا تريد إيران من العراق؟!
العراق اليوم عراق دموي مخضب تختلط فيه الأشلاء
والدماء: تفجيرات يذهب ضحيتها العشرات ولا تترك مدينة سواء في الشمال أو الجنوب فضلا
عن وسط العراق إلا وقد نالها نصيب من هذه الأعمال الدموية التي لا ترحم، اغتيالات تخلف
قتلى من جميع الطوائف والأعراق: علماء دين، رجال شرطة، قضاة، مسؤولين في الحكم، أبرياء
ليس لهم أثر في شيء؛ بالإضافة إلى جنود الجيش الصفوى التابع للحكومة التي تديرها إيران.
والأطراف المتحاربة والمتصارعة لا يبدو أنها تملك
أفقا سياسيا للحل، وتصر على الوصول إلى أقصى درجات القوة للحسم دون النظر إلى مآلات
الأمور وحجم الخسائر والأضرار التي لحقت بهذا البلد. وفي هذا الخضم المائج تطل علينا
الرأس الإيرانية تريد أن تضع قدما لها في هذه الأرض المستباحة تساعدها في ذلك عوامل
كثيرة على الساحة الإقليمية والدولية والمحلية. وللبحث في الدور الإيراني الذي تلعبه
في العراق لا بد من تتبع حقيقة ما تريده إيران وتسعى لتحقيقه في العراق وإستراتيجيتها
للوصول إلى ما تسعى له، و رصد المتغيرات المؤثرة على تلك الإستراتيجية، ومن أولويات
ما يشغل تفكير دوائر صنع القرار الإيراني وتسعى له:
1 - بوابة
مهمة لتحقيق الحلم الفارسي بإقامة إمبراطورية شيعية في العالم الإسلامي؛ هذا الهدف
الذي يمثل حلم إيران الشيعية منذ حدوث ما يعرف بثورة الآيات.وفي وثيقة في عهد خاتمي
نفسه أوضحت الغاية العظمى لهذه الدولة الشيعية؛ فقد أرسل مجلس شورى الثورة الثقافية
الإيرانية رسالة إلى المحافظين في الولايات الإيرانية، وكتب عليها: (سري للغاية)، كان
مما جاء فيها: «الآن بفضل الله، وتضحية أمة الإمام الباسلة قامت دولة الإثني عشرية
في إيران بعد عقود عديدة، ولذلك فنحن وبناء على إرشادات الزعماء الشيعة المبجلين نحمل
واجبا خطيرا وثقيلا وهو تصدير الثورة؛ وعلينا أن نعترف أن حكومتنا فضلا عن مهمتها في
حفظ استقلال البلاد وحقوق الشعب فهي حكومة مذهبية، ويجب أن نجعل تصدير الثورة على رأس
الأولويات. لكن نظرا للوضع العالمي الحالي والقوانين الدولية كما اصطلح على تسميتها
لا يمكن تصدير الثورة، بل ربما اقترن ذلك بأخطار جسيمة مدمرة. ولهذا فإننا من خلال
ثلاث جلسات وبآراء شبه إجماعية من المشاركين وأعضاء اللجان وضعنا خطة خمسينية تشمل
خمس مراحل، ومدة كل مرحلة عشر سنوات لنقوم بتصدير الثورة الإسلامية إلى جميع الدول،
ونوحد الإسلام أولا؛ لأن الخطر الذي يواجهنا من الحكام الوهابيين وذوي الأصول السنية
أكبر بكثير من الخطر الذي يواجهنا من الشرق والغرب؛ لأن هؤلاء (أهل السنة والوهابيين)
يناهضون حركتنا، وهم الأعداء الأصليون لولاية الفقيه والأئمة المعصومين، حتى إنهم يعدون
اعتماد المذهب الشيعي مذهبا رسميا ودستورا للبلاد أمرا مخالفا للشرع والعرف.
وإن سيطرتنا
على هذه الدول تعني السيطرة على نصف العالم، ولإجراء هذه الخطة الخمسينية يجب علينا
بادئ ذي بدء أن نحسن علاقاتنا مع دول الجوار، ويجب أن يكون هناك احترام متبادل وعلاقة
وثيقة وصداقة بيننا وبينهم حتى إننا سوف نحسن علاقتنا مع العراق بعد الحرب؛ وذلك أن
إسقاط ألف صديق أهون من إسقاط عدو واحد. إن الهدف هو فقط تصدير الثورة؛ وعندئذ نستطيع
رفع لواء هذا الدين الإلهي وأن نظهر قيامنا في جميع الدول، وسنتقدم إلى عالم الكفر
بقوة أكبر، ونزين العالم بنور الإسلام والتشيع حتى ظهور المهدي الموعود ».
ويعترف الباحث الشيعي اللبناني هاني فحص بأن التوجهات
الإيرانية ذات أفق يتعدى جغرافيتها الوطنية. هذا الهدف كامن في جميع تصرفات القيادات
الإيرانية، وهم لا يعلنون عنه، ويخططون له ويرسمون الاستراتيجيات لتحقيقه كما تدل الوثيقة
السابقة، وتدل عليه أيضا ممارساتهم عندما استدعت الضرورة إظهاره كما يحدث في تحديد
موعد المظاهرات في يوم واحد واختيار مظاهرات الأكفان، كما حصل بالتوازي في مظاهرة حزب
الله في لبنان ومظاهرة المعارضة الشيعية في البحرين فإنهما رسالة مكشوفة بأن كلمة السر
جاءت من طهران وتحديدا من المرشد علي خامنئي.
وثمة معلومات عن أن فحوى الخطب التي ألقيت والصور
التي رفعت في المظاهرات ومنها «صورتا المرجع الشيعي العراقي السيستاني و آية الله الخميني»
كانت من ضمن خطة معدة سلفا بكل تفاصيلها، وإلا فكيف يمكن فهم التوافق المفاجئ لشيعة
إيران ولبنان والبحرين و باكستان على تحديد ذلك اليوم ؟
2 - مخزن نفطي هام يضاف للثروة النفطية الإيرانية
لتصبح الحصيلة ثروة هائلة في أيدي الإيرانيين؛ حيث يبلغ احتياطي نفط العراق ما يقارب
112.5 مليار برميل مكتشف حتى الآن، ويتوقع أن يوجد خزين آخر يقدر ب 250 مليار برميل
غير مكتشف. ويقول رعد القادري المتخصص في الشؤون العراقية في مؤسسة (بتروليوم فاينانس):
«النفط العراقي كنز القرن الميلادي الحادي والعشرين». وهو لا يعني بطبيعة الحال إنتاج
العراق حاليا من النفط الخام، وقد أصبح دون 4٪ من مبيعات السوق العالمية، إنما يعني
الاحتياطي النفطي العراقي الذي يحتل المرتبة الثانية بعد السعودية، ويمثل زهاء 12٪
من الاحتياطي العالمي المعروف، وسترتفع هذه النسبة وإن لم يتم اكتشاف المزيد من الحقول
النفطية العراقية؛ ذلك أن الاحتياطي الموجود حاليا في مناطق أخرى غير منطقة الخليج
آخذ في النضوب تدريجيا، ومن المتوقع أن ينتهي كلية خلال فترة لا تتجاوز 15 عاما، ويسري
هذا بالترتيب على النفط الأمريكي فالأوروبي، ولا يتوقع أن يبقى الاحتياطي النفطي في
منطقة بحر قزوين فترة زمنية أطول.
ويقول
الباحث نبيل شبيب: إن البئر العراقية كانت وما تزال تعطي من النفط الخام يوميا أكثر
من 13 ألف برميل في غالب الحالات، أي ما يعادل ما تعطيه 900 بئر أمريكية، وأضعاف ما
تعطيه الآبار السعودية والكويتية والإيرانية بنسب تتراوح بين 50 و 600٪. وتنتج إيران
حاليا ما يزيد قليلا عن 4 ملايين برميل يوميا في حين بدأ إنتاجها يتناقص سنويا بمعدل
250 ألفا إلى 300 ألف برميل.
وتحتل إيران المركز الثالث في احتياطي النفط
(90 بليون برميل)، ويتراوح الإنتاج الإيراني بين (3 5 و 4) ملايين برميل يوميا.
3 - عمق استراتيجي طبيعي لإيران، وخط دفاع أول
ضد اجتياحها أو احتوائها ومحاولة تغيير نظامها. وعلى مدى التاريخ كان العراق الباب
الرئيسي للحملات العسكرية التي اجتاحت إيران (بلاد فارس)، وزاد من خطورة هذه الجبهة
حديثا أن الثروة النفطية الإيرانية بمجملها تتركز على الحدود العراقية الغربية والجنوبية.
وجاءت الحرب العراقية ضد إيران غداة انتصار ما أطلق عليه ثورة الخميني لتؤكد الأهمية
الاستراتيجية لهذا الهدف.
4 - ورقة
سياسية في سوق المساومات على الساحة الدولية: فإيران لها مشروعها النووي الطموح، ولها
مشروعها الإمبراطوري، ولن تتخلى عنهما بسهولة؛ ولذلك تسعى إيران بكل قوة لامتلاك أوراق
على الساحة الدولية تقايض بها استمرارها في هذين المشروعين. ومنذ الاحتلال الأمريكي
للعراق في أبريل 2003 م لعبت إيران دورا انتهازيا في المسألة العراقية، وسعت بانتظام
إلى اعتبار دعمها للمحتلين الأمريكيين، ودورها هناك ورقة للمساومة مع الأمريكيين وخاصة
السعي لامتلاك السلاح النووي؛ فالمسألة النووية الإيرانية لم تعد تحتمل كثيرا من التأجيل.
أو كما قالت واشنطن تايمز الناطقة باسم المحافظين الأمريكيين المتطرفين: (الوضع لم
يعد يطاق).
ومن أوراقها أيضا إرسالها للانتحاريين؛ فقد ذكرت
مصادر إيرانية أن الاجتماع الأول لمنظمة تكريم الاستشهاديين في إيران أنهى أعماله بقرار
يقضي بإيفاد المئات من الانتحاريين إلى العراق وبعض الدول العربية لتنفيذ عمليات انتحارية
ضد المواطنين الغربيين إضافة إلى أصدقاء أميركا حسب قول أحد مسؤولي المنظمة. كل هذا
يشغل تفكير دوائر صنع القرار الايراني وبالتحديد قاسم سليماني الذي يمتلك أعلى نفوذ
في حكومة نوري المالكي، والتي تريد لحق العراق بإيران وتخضعه لولاية الفقيه، وجعل العراق
الحديقة الخلفية لإيران تستخدمه كساحة لتصفية حساباتها مع خصومها متى شاءت.