في فاصل جديد من التضييق على المسلمين في الهند، أقدمت السلطات الهندية على اعتقال عدد من المسلمين لمجرد تعبيرهم العلني عن محبتهم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بشعارات مثل "نحن نحب الرسول" و "فداك أبي وأمي يا رسول الله.
يمرّ المسلمون في الهند
بمرحلة عصيبة من تاريخها الحديث. فموجات الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
لم تعد أصواتاً فردية متفرقة، بل غدت تياراً منظماً تحميه بعض المنصات الإعلامية،
وتغذّيه قوى سياسية وفكرية، حتى صار من الطبيعي أن تُقال الكلمات الجارحة بحق خير
البرية أمام ملايين الناس بلا حياء ولا خوف من رادع. لكن الأكثر إيلاماً من ذلك أنّ
المسلمين الذين ينهضون ليدافعوا عن نبيّهم صلى الله عليه وسلم بالكلمة الطيبة
والشعار الصادق يُعاملون وكأنهم ارتكبوا جرماً، فيُساقون إلى السجون وتُسجّل ضدهم
القضايا الجنائية
قضية اعتقال مسلمين
في الهند بسبب التعبير عن حب النبي صلى الله عليه وسلم
تشهد الهند في أيامنا هذه
جدلاً واسعاً بعد أن أقدمت السلطات على تسجيل قضايا واعتقال عدد من المسلمين لمجرد
تعبيرهم العلني عن محبتهم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم بشعارات مثل
"نحن نحب
الرسول"
و
"فداك أبي
وأمي يا رسول الله.
وبحسب منظمات حقوقية، فقد
بدأت أولى القضايا في مدينة كانفور
لولاية أترابراديش الهند، ثم امتدت إلى ولايات أخرى، حيث سُجّل ما لا يقل عن 21
بلاغاً ضد المسلمين، وطالت الاتهامات أكثر من 1,300 شخص، فيما جرى اعتقال العشرات،
خاصة في ولاية أوتار براديش.
هذه الحادثة تفتح الباب
أمام تساؤلات عميقة حول وضع الحريات الدينية في الهند، ومدى التزام الدولة بحماية
الحقوق الأساسية لجميع مواطنيها دون تمييز.
في شهر ربيع الأول خرجت
موجة عفوية من التعبير عند المسلمين في الهند. لم يحملوا السلاح، ولم يرفعوا راية
سياسية، بل كتبوا ببساطة على الطرقات وعلى حساباتهم:
"نحن نحبّ الرسول"
"فداك أبي وأمي يا رسول الله"
كانت هذه العبارات بمثابة
دموع مكتوبة على الجدار، أو صرخات مكتومة في وجه الظلم. لكنها قوبلت بالعنف، إذ
سارعت الشرطة إلى اعتقال المئات، وسُجّلت دعاوى
ضد أكثر من مائة وخمسين شخصاً، وكأن التعبير عن حبّ الرسول صلى الله عليه وسلم
جريمة في بلدٍ يزعم احترام حرية التعبير!
الحبّ الذي لا يُسجَن
إنّ السلطات قد تستطيع أن
تسجن أجساد الناس، وأن تصادر أوراقهم ولافتاتهم، لكنها لا تستطيع أن تنزع من قلوبهم
حبّ النبي صلى الله عليه وسلم. ذلك الحبّ الذي لا تحدّه قوانين ولا تقيّده قيود،
لأنه جزء من هوية المسلم وكيانه الداخلي.
المسلم الهندي
– مهما كان وضعه الاجتماعي، ومهما غرق في هموم
الدنيا أو المعاصي – يحمل في قلبه جذوة لا تخبو، هي حبّ محمد صلى الله عليه وسلم. هذا
الحبّ ليس شعوراً طارئاً، بل هو الفطرة التي نشأ عليها المسلم منذ أن تعلّم أول
كلمة في بيته، وسمع أول أذان في طفولته، وفتح عينيه على اسم النبي صلى الله عليه
وسلم في صلاته.
|
إنّ حملات الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهند لن تُضعف
الأمة، بل ستزيدها ارتباطاً بنبيها الكريم. وإنّ اعتقال المئات بسبب شعار
"فداك أبي وأمي يا رسول الله" لن يرهب المسلمين |
والمفارقة أن الذين يريدون
انتزاع هذا الحب يزيدونه رسوخاً. كلّما اشتدّت الإساءة، ازدادت عاطفة المسلمين تجاه
رسولهم صلى الله عليه وسلم. وكلما اشتدّت القوانين في قمع الشعارات، كثر ترديدها في
الصدور والقلوب، وإن لم تُكتب على الجدران.
بين المعصية
والإيمان: سرّ خفي
وقد يسأل سائل: كيف يكون
المسلم غارقاً في المعاصي، وربما بعيداً عن الدين في مظهره، ومع ذلك يحمل هذا القدر
من الحبّ للنبي صلى الله عليه وسلم؟ والجواب أنّ حبّ الرسول صلى الله عليه وسلم ليس
مجرّد مسألة سلوكية أو التزام ظاهري، بل هو عقدة القلب ومفتاح الإيمان.
قال النبي صلى الله
عليه وسلم:
"لا
يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من نفسه وماله وولده والناس أجمعين."
فإذا كان هذا الحبّ هو
معيار الإيمان، فإنه قد يبقى في القلب، حتى لو ضعفت بقية أركان الدين. قد يفرّط
المسلم في بعض عبادته، لكنه لا يفرّط في حبّ النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه آخر خط
دفاع عن هويته، وآخر ما يبقى له حين يفقد كل شيء.
شاهد من التاريخ: قصة
اختر شيراني
ولعلّ خير شاهد على هذه
الحقيقة ما رواه الكاتب والخطيب الكبير شورش كاشميري في أحد مقالاته عن شاعر
الرومانسية في الهند أختر شيراني.
كان شيراني شاعراً مرهف
الحس، لكنه غارق في حياة اللهو والخمر. يصفه شورش بقوله:
"أختر شيراني كان مدمنا
بالخمر، محبّاً للسهر والهوى، سيّد الرومانسية في شعره."
يروي شورش أنه في إحدى
ليالي لاهور، جلس شيراني في فندق شهير، وقد اجتمع حوله بعض الشباب الشيوعيين
الأذكياء. وكان شيراني قد شرب كأسين من الخمر حتى ارتجف جسده وفقد وعيه.
بدأ هؤلاء الشباب يطرحون
عليه الأسئلة عن الشعراء والفلاسفة:
·
سألوه عن شاعر أردي كبير فيض أحمد فيض، فتجاهل.
·
وعن عن شاعر رومانسي جوش، فقال: إنه مجرد ناظم.
·
وعن الشاعر سردار الجعفري، فتبسّم.
·
وعن الشاعر فراق، تمتم ثم صمت.
·
وعن الشاعر ساحراللُدهيانوي، وكان جالساً، فقال: "دعوه يتمرّن بعد".
·
وعن ظهير الكاشميري قال: "سمعت باسمه".
·
وعن أحمد نديم القاسمي قال: "إنه تلميذي".
ثم انتقل الحديث إلى
الفلاسفة:
أرسطو وسقراط.
فقال الشيراني في
نشوة الخمر:
"دعوني! سلوني من نحن قبل
أن تسألوني عنهم. لو كانوا اليوم أحياء لكانوا يجلسون في مجالسنا، فما حاجتنا أن
نصدر فيهم أحكاماً!"
كانت عيناه تلمعان حُمرة
من أثر الخمر، ولسانه يتعثّر بالكلمات. وإذا بأحد هؤلاء الشباب، وقد غلبه الكبر
وسوء الأدب، يوجه السؤال المباشر:
"وما رأيك بمحمد صلى الله
عليه وسلم ؟"
وهنا وقع الانقلاب الكبير
.
فقد ارتعش الشيراني السكران كأنما
صعقته صاعقة، ثم رفع كأس البلور وضربه على رأس السائل، وصاح بصوت متهدّج:
"أيها الشقي! أتسأل عاصياً
مثلي عن مقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ أتريد من فاسقٍ مثلي أن يتكلم في
حقه؟! ما أجرأك! ما أوقحك!"
ثم فجأة انهمرت دموعه،
وأخذ يبكي بكاءً شديداً حتى شهق شهقات طويلة. وقال:
"كيف جرؤت أن تذكر هذا
الاسم الطاهر على لساني الملوّث؟! في أي قلبٍ وُجدت؟ وأي دين عندك؟"
ثم أخرجوا الشاب من
المجلس، وقام شيراني بنفسه وترك المكان، وقضى ليلته كلها باكياً يقول
:
"لقد صار هؤلاء الناس
يريدون أن يسلبوا مني آخر ما تبقى في حياتي: حبّ الرسول صلى الله عليه وسلم. نعم،
أنا مذنب، ولكني لن أسمح لهم أن يجعلوني كافراً!"
الدرس المستفاد
هذه القصة المؤثرة تكشف
لنا أنّ حتى السكران العاصي الذي ضيّع حياته في اللهو، ظلّ يحمل في قلبه جمرة
الإيمان التي اشتعلت بمجرد أن ذُكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم أمامه بسوء. فكيف
بالمسلمين الذين يعيشون اليوم في الهند ويُعتقلون فقط لأنهم كتبوا عبارة: "نحن نحبّ
الرسول صلى الله عليه وسلم "؟
إنها المفارقة الكبرى:
السلطة تعتقل الكلمات، لكنّها لا تستطيع أن تعتقل الحب. والأعداء يسيئون إلى النبي
صلى الله عليه وسلم، لكنهم في الحقيقة يزيدون هذا الحبّ رسوخاً وانتشاراً.
خاتمة
إنّ حملات الإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الهند لن تُضعف الأمة، بل
ستزيدها ارتباطاً بنبيها الكريم. وإنّ اعتقال المئات بسبب شعار "فداك أبي وأمي يا
رسول الله" لن يرهب المسلمين،
بل سيجعلهم أكثر يقيناً أنّ حبّ النبي صلى الله عليه وسلم هو هويتهم الراسخة التي
لا مساومة عليها.
حبّ الرسول صلى الله عليه
وسلم ليس شعاراً سياسياً ولا ردّة فعل عاطفية مؤقتة، بل هو حياة المسلم وروحه. وقد
أثبت التاريخ
– كما في
قصة اختر شيراني
– أنّ هذا
الحبّ يبقى متأججاً حتى في قلب العاصي والفاجر. فكيف يُتصور أن يُنتزع من قلب
المؤمن الصادق؟
ولهذا فإن كل محاولة
لإخماد هذه العاطفة مصيرها الفشل. فحبّ محمد صلى الله عليه وسلم عند المسلمين في
الهند هو آخر ما يملكون، وآخر ما يتخلّون عنه، وهو جذوة لا تنطفئ.