أُسست "وزارة الحرب" (Department of War) في 7 أغسطس 1789 بقرار من الكونغرس الأمريكي في عهد الرئيس جورج واشنطن، بعد التصديق على الدستور الأمريكي. كانت هذه الوزارة مسؤولة عن إدارة القوات العسكرية للدولة الناشئة، بما في ذلك الجيش البري
في 5 سبتمبر 2025، وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أمراً تنفيذياً يعيد تسمية
وزارة الدفاع الأمريكية (Department of
Defense)
إلى وزارة الحرب (Department
of War)،
مستعيداً الاسم التاريخي الذي كان مستخدماً منذ تأسيس الوزارة في عام 1789 حتى عام
1947.
هذا التغيير، الذي يبدأ كلقب ثانوي في الوثائق الرسمية والتواصل العام، يتطلب
موافقة الكونغرس ليصبح دائماً، وقد قدم بعض النواب الجمهوريين تشريعاً لدعمه.
يأتي هذا القرار في سياق حملة ترامب "أمريكا أولاً"، ويثير تساؤلات حول دلالاته
السياسية والعسكرية.
أولا السياق التاريخي
مر تسمية وزارة الدفاع الأمريكية بمراحل عديدة منذ نشأة الولايات المتحدة، تعكس
تطور الهيكلية العسكرية والسياسية للبلاد. فيما يلي نظرة شاملة على تاريخ التسمية
عبر العصور المختلفة:
وزارة الحرب (1789-1947):
أُسست "وزارة الحرب" (Department
of War)
في 7 أغسطس 1789 بقرار من الكونغرس الأمريكي في عهد الرئيس جورج واشنطن، بعد
التصديق على الدستور الأمريكي. كانت هذه الوزارة مسؤولة عن إدارة القوات العسكرية
للدولة الناشئة، بما في ذلك الجيش البري.
أول وزير للحرب كان هنري نوكس، الذي شغل المنصب منذ تأسيس الوزارة وحتى عام 1794،
بعد أن كان وزيرًا للحرب بموجب بنود الاتحاد (Articles
of Confederation)
منذ 1785.
خلال هذه الفترة، أشرفت الوزارة على العديد من النزاعات الكبرى، بما في ذلك الحرب
الثورية الأمريكية، الحروب ضد بريطانيا وإسبانيا والمكسيك، الحرب الأهلية
الأمريكية، والحروب ضد الأمريكيين الأصليين.
وزارة البحرية: في عام 1798، وبسبب الحروب البحرية (خصوصًا مع فرنسا وبريطانيا)،
أنشئت وزارة مستقلة للبحرية.
بذلك صار للولايات المتحدة وزارتان عسكريتان منفصلتان:
وزارة الحرب.. تشرف على الجيش.
وزارة البحرية .. تشرف على الأسطول البحري ومشاة البحرية.
وزارة الجوية .. في عام 1947 صدر قانون الأمن القومي (National
Security Act of 1947)
وأنشأ وزارة القوات الجوية كوزارة مستقلة.
المؤسسة العسكرية الوطنية (1947-1949):
وفي نفس العام تحديدا في 26 يوليو 1947، وقّع الرئيس هاري ترومان على قانون الأمن
القومي لعام 1947، الذي أنشأ "المؤسسة العسكرية الوطنية" (National
Military Establishment)
ككيان موحد يجمع بين وزارة الحرب ووزارة البحرية، بالإضافة إلى إنشاء القوات الجوية
الأمريكية كفرع مستقل.
كان الهدف من هذا القانون توحيد القيادة العسكرية تحت وزير دفاع واحد، وتم تعيين
جيمس فوريستال كأول وزير دفاع في 17 سبتمبر 1947. بدأت المؤسسة عملياتها رسميًا في
18 سبتمبر 1947.
هذه التسمية كانت مؤقتة، حيث كانت تهدف إلى تنسيق العمليات العسكرية في أعقاب الحرب
العالمية الثانية.
وزارة الدفاع (1949-2025):
في 10 أغسطس 1949، تم تعديل قانون الأمن القومي لعام 1947، وأُعيدت تسمية المؤسسة
العسكرية الوطنية إلى "وزارة الدفاع" (Department
of Defense).
الهدف من التسمية الجديدة، كما أشار المؤرخون، كان إبراز تركيز الولايات المتحدة
على منع الحروب في العصر النووي، بدلاً من التركيز على الحرب كما كان الحال سابقًا.
كما منحت هذه التغييرات وزير الدفاع صلاحيات مركزية أكبر، خاصة على القوات البحرية
التي كانت تتمتع باستقلالية كبيرة.
شملت الوزارة ثلاث إدارات عسكرية رئيسية: وزارة الجيش، وزارة البحرية، ووزارة
القوات الجوية، بالإضافة إلى هيئة الأركان المشتركة ووكالات أخرى.
ظلت هذه التسمية سارية حتى عام 2025، وأصبحت الوزارة أكبر جهة توظيف في العالم
بحلول يونيو 2022، مع أكثر من 1.34 مليون عضو في الخدمة الفعلية و778,000 فرد في
الحرس الوطني والاحتياط.
إعادة تسمية إلى وزارة الحرب (2025):
في 5 سبتمبر 2025، وقّع الرئيس دونالد ترامب أمرًا تنفيذيًا لإعادة تسمية وزارة
الدفاع إلى "وزارة الحرب" (Department
of War)
كتسمية ثانوية، مع خطط لجعل التغيير دائمًا بموافقة الكونغرس.
وفقًا لتقارير، يهدف هذا التغيير إلى إظهار "القوة والعزيمة" ويعكس رؤية ترامب بأن
مصطلح "الدفاع" يحمل طابعًا سياسيًا مبالغًا فيه، بينما "وزارة الحرب" يعبر عن نهج
أكثر عدوانية.
أثار هذا القرار جدلاً واسعًا، حيث اعتبر البعض أنه استعراض للقوة، بينما رأى آخرون
أنه خطوة شكلية تهدف إلى تعويض عدم قدرة ترامب على إجراء تغييرات جذرية في
الاستراتيجية الأمنية.
دلالات التسمية
التغييرات في التسمية عكست دائمًا تحولات في السياسة والاستراتيجية العسكرية. على
سبيل المثال، الانتقال من "وزارة الحرب" إلى "وزارة الدفاع" في 1949 كان مرتبطًا
بالحاجة إلى تركيز الولايات المتحدة على الردع في عصر الحرب الباردة والنووية.
إعادة التسمية إلى "وزارة الحرب" في 2025 أثارت انتقادات، حيث رأى البعض أنها تعبر
عن سياسة أكثر عدوانية، بينما اعتبرها آخرون خطوة رمزية لا تتوافق مع طموحات ترامب
لإنهاء الحروب أو الحصول على جائزة نوبل للسلام.
أولا:
التسمية بـ"وزارة الحرب" تعزز من رؤية مستقبلية هجومية أكثر عنيفة:
فقد عبر ترامب:
“الوزارة
ستحارب لتحقق النصر، لا فقط للدفاع.”
وكما عبّر وزير الدفاع الجديد، بيت هيغستيث: "سوف نهاجم، لا ندافع فقط. فاعلية
قتالية قصوى، لا قانونية فاترة. تأثير عنيف، لا تصحيح سياسي. سنُربي محاربين، لا
مجرد مدافعين".
ثانيا:
عودة إلى رموز الماضي لتحفيز الهوية العسكرية
استراتيجية ترامب تعتمد على الحنين إلى الماضي العسكري الأمريكي، معتبرا أن الوزارة
القديمة حققت انتصارات عظيمة في الحروب التي خاضتها. ويأتي قراره هذا جزءًا مما
أسماه ترامب
“تحول
في الجو العام”، ضمن
رؤيته لـ“إعادة
أمريكا عظيمة مجددًا”.
ثالثا.
مواجهة "الانحياز التقدمي"
في منظور ترامب، الاسم الجديد يمثّل رفضًا للتيارات التقدمية داخل المؤسسات
العسكرية، حيث اعتبر أن تسمية
“الدفاع”
كانت انعكاسًا لـ"التصحيحية السياسية" أو "الليونة"، من قبل اليسار الديمقراطي الذي
هيمن على المؤسسات الأمريكية.
رابعا.
استعراض للسلطة التنفيذية وسعي لتجاوز القيود
أمرٌ تنفيذيٌ بمثل هذا يعكس رغبة ترامب في إعادة تشكيل الولايات المتحدة؛ الرموز
والأطراف دون الرجوع للكونغرس. على الرغم من وجود أغلبية لدى حزبه، لكن هذا يعكس
نمط شخصية الرئيس الحالي للولايات المتحدة الذي وقع 200 أمر تنفيذي إلى الآن دون
الرجوع إلى الكونغرس.
خامسا:
دولياً، يثير التغيير مخاوف من تحول أمريكي نحو سياسة أكثر عدوانية.
خاصة مع الشراكة بين روسيا والصين التي تتحدى الهيمنة الأمريكية. قد يغير هذا الاسم
كيفية رؤية الحلفاء والخصوم للنوايا الأمريكية، مما يعزز الردع لكنه قد يزيد من
التوترات.
كما
يأتي في سياق أعمال عسكرية حديثة، مثل غارة جوية أمريكية في فنزويلا أسفرت عن مقتل
11 شخصاً، والتي انتقدتها منظمات حقوقية لانتهاكها القانون الدولي، وهو ما يتناقض
مع ادعاءات ترامب بأنه "رئيس معاد للحرب".