أثار الانقلاب الذي حدث في بوليفيا الكثير من الأسئلة فقد كان أسرع انقلاب، إذ لم يستمر إلا يومًا واحد، وشاهده الملايين على الهواء مباشرة، ، فما الذي حدث خلال يوم الانقلاب وسابقه وهل تملك الوقائع تفسيرا لمجريات هذين اليومين؟
الانقلاب العسكرية ليست حدثًا عابرًا في قارة أمريكا الجنوبية فقد شهدت القارة
الجنوبية العديد منها، من أشهرها الانقلاب العسكري في دولة تشيلي1973 حيث انقلب
الجيش في تشيلي على الرئيس المنتخب، سلفادور أليندي، وخلفه الجنرال أوغستو بينوشيه،
الذي حكم البلاد بالحديد والنار لفترة طويلة، وسبق ذلك انقلاب 1954 على رئيس
غواتيمالا المنتخب ديمقراطيًا، خاكوبو آربنز.
في بوليفيا لم تكن هذه أول مرة يطرق الانقلاب العسكري هذه الدولة الفقيرة، بل سبقه
ما يشبه الانقلاب فقد دعت المعارضة للقيام بمظاهرات واحتجاجات في أكتوبر 2019
اعتراضا على نتيجة الانتخابات التي أتت بالرئيس اليساري المناهض للسياسة الأمريكية
"إيفو مورالس". استمرت تلك الاحتجاجات 3 أسابيع بعدها أنظر الجيش الرئيس ودعاه إلى
التنازل عن السلطة حفاظا على وحدة البلاد، وهو ما استجاب له الرئيس المنتخب وأعلن
الرئيس إيفو مورالس استقالته من منصبه في 10 نوفمبر 2019.
وفي 13 نوفمبر 2019 أعلنت زعيمة المعارضة في بوليفيا "جانين أنيز"، نفسها رئيسة
مؤقتة للبلاد عقب استقالة الرئيس إيفو موراليس، ومغادرته إلى المكسيك "خوفا على
حياته".
واستغلت "أنيز"، السياسية التي تنتمي إلى اليمين، غياب أعضاء حركة موراليس عن مجلس
الشيوخ وكذلك سلسلة استقالات، لتسيطر على الموقف وتعلن نفسها رئيسة انتقالية
للبلاد.
وقالت إنها ستتولى منصب الرئيس مؤقتا لحين إجراء انتخابات جديدة، لكن موراليس أدان
هذا الإعلان ووصفها بأنها "سيناتور يميني تشجع الانقلاب".
وكان موراليس قد وصل إلى المكسيك على متن طائرة تتبع سلاح الجو المكسيكي، وقال إنه
طلب اللجوء فيها نظرا "لوجود خطر على حياته".
واجتمع مجلس الشيوخ دون النصاب القانوني لاستقالة أنصار الرئيس لحل أزمة فراغ
السلطة، وتم استدعاء الأعضاء للتصديق على استقالة موراليس وتعيين "أنيز" في منصب
الرئيس المؤقت الانتقالي.
يذكر أن "ايفو موالس" قام بقطع العلاقات مع "إسرائيل" إبان فترة حكمه، وهو الأمر
الذي ألغته زعيمة المعارضة فور قيامها برئاسة البلاد، مع كونها قائمة بأعمال
الرئاسة لفترة انتقالية وليست منتخبة مباشرة.
|
ظهر "آرس" في مقطع فيديو على التلفزيون البوليفي، محاطًا بالوزراء في
القصر وهو يقول: "ها نحن هنا، نقف بحزم في مواجهة أي محاولة انقلاب، نحن
بحاجة إلى الشعب البوليفي للوقوف معنا في وجه هذه المحاولة الانقلابية". |
بعد الأزمة السياسية البوليفية لعام 2019 التي شهدت استقالة الرئيس إيفو موراليس
وحكومته، وتحت ضغط أنصار الرئيس المستقيل والاحتجاجات المتواصلة اضطرت زعيمة
المعارضة القائمة بمنصب الرئيس "جانين أنيز" بالدعوة إلى انتخابات جديدة. وفي 19
يناير 2020، تم اختيار لويس آرس ليكون مرشح الحركة من أجل الاشتراكية (ماس) في
انتخابات 2020، وقد حقق آرس فوزا مستحقا اعترفت به زعيمة المعارضة اليمنية.
لكن بقي تدخل قائد الجيش بالضغط على الرئيس المنتخب "ايفو موالس" للتنازل عن
الرئاسة حاضرًا بقوة في وعي إدارة الرئيس الجديد لويس آرس.
لذا ما إن أعلن القائد العام للقوات المسلحة البوليفية الجنرال "خوان خوسيه زونيغا"
يوم 25 يونيو وخلال مقابلة تلفزيونية أن القوات المسلحة البوليفية ستقوم باعتقال
الرئيس السابق ايفو موالس ولن تسمح له بالترشح في الانتخابات الرئاسية 2025، حتى
شعر الرئيس لويس آرسي بخطر تدخل الجيش.
هنا سارت أقاويل أن الرئيس "آرس" أقال قائد جيش أو هو عازم على إقالته جراء
التصريحات التي أدلى بها والتي تعد تدخلا فجا في الشأن السياسي.
وفي 26 يونيو بدأت بالفعل مجموعات عسكرية وأفراد من الجيش باستخدام عدة دبابات في
محاولة لاقتحام قصر الرئاسة، وقال الجنرال العسكري "خوان خوسيه زونيغا" إنه سيتم
تشكيل حكومة ديمقراطية جديدة، والإفراج عن جميع المعتقلين السياسيين بما فيهم
الرئيسة الانتقالية السابقة ""جانين أنيز "، مضيفًا أن الجيش لا يزال يعترف بالرئيس
لويس آرسي قائدًا للجيش.
فيما أعلن الرئيس البوليفي لويس آرس عن وجود حالة من الانقلاب العسكري من بعض
القيادات، وحذر من انتشار غير نظامي للقوات في القصر الرئاسي للانقلاب على
الديمقراطية.
ووفق مقاطع فيديو انتشرت على مواقع السوشيال ميديا، ظهر الرئيس البوليفي وهو يخرج
ليواجه قائد الجيش الذي يحاول الإطاحة بحكمه، وهو يصرخ فيهم قائلا:
«انسحبوا
فورًا»
إلا أن القادة ردوا قائلين
«سلم
نفسك».
كما
ظهر "آرس" في مقطع فيديو على التلفزيون البوليفي، محاطًا بالوزراء في القصر وهو
يقول: "ها نحن هنا، نقف بحزم في مواجهة أي محاولة انقلاب، نحن بحاجة إلى الشعب
البوليفي للوقوف معنا في وجه هذه المحاولة الانقلابية".
وأضاف في رسالته أنه "لن يسمح مرة أخرى بمحاولات انقلابية لإزهاق أرواح
البوليفيين".
كما اتخذ الرئيس لبوليفي عددًا من الإجراءات منها تغيير القيادات بالقوات المسلحة
بما في ذلك تعيين قائد جديد وعدد من أعضاء القيادة للجيش بعد تنفيذ الانقلاب
العسكري، وقاموا بأداء اليمين الدستوري خلال عملية الانقلاب.
وخلال ساعات قليلة، تجمع عدد كبير من الشعب حول القصر الرئاسي، يفوق بكثير أعداد
الجنود المتواجدين، مما دفع الجنرال خوان خوسيه زونيغا الذي يشغل منصب قائد الجيش
منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2022، إلى الهروب باستخدام سيارة مدرعة.
وقال قائد الجيش المعين حديثا خوسيه ويلسون سانشيز: "أمرت جميع المتجمعين بالعودة
إلى وحداتهم". "لا أحد يريد الصور التي نراها في الشوارع."
وبعد وقت قصير من خروج المركبات المدرعة من الساحة، وخلفها مئات من العسكريين،
أقامت شرطة مكافحة الشغب حواجز خارج القصر الحكومي.
وأعقاب ذلك أظهرت مشاهد تليفزيونية عناصر من الشرطة وهم يلقون القبض على الجنرال
زونييغا بينما كان يتحدث إلى صحافيين أمام ثكنة عسكرية ويجبرونه على ركوب سيارة
للشرطة قبل أن يخاطبه وزير الداخلية جوني أغيليرا قائلاً له "أنت رهن التوقيف أيها
الجنرال".
وبذلك أسدل الستار سريعا على محاولة انقلابية في إحدى أفقر دول العالم رغم امتلاكها
كثير من الموارد والثروات، ويبدو أن سهولة المحاولة الانقلابية الأولى 2019 أدت
بقائد الجيش إلى الاستخفاف بالرئيس الحالي، وعدم اتخاذه مزيدا من الإجراءات التي
كان من الممكن أن تُنجح محاولته مثل الاستيلاء على المباني الحكومية وهيئات البث
التلفزيونية، على خلاف الرئيس آريس والذي على ما يبدو كان مستعدا للأمر بشكل أفضل
واستخذ إجراءات حاسمة وسريعة أدت بفشل المحاولة الانقلابية سريعا.
وتعد بوليفيا واحدة من أفقر البلدان في العالم، في الوقت الذي تمتلك فيه البلاد
ثروات طبيعية كبيرة ذهب كثير منها إلى نخب سياسية فاسدة وتابعة للإمبريالية
الغربية، حيث ضخت آلاف الأطنان من المعادن الثمينة خارج البلاد، وراح ضحية ذلك
ملايين السكان المحليين في عمليات التعدين هذه، كان استغلال العمالة في المناجم
مريعا لأبعد الحدود.
وتمتلك بوليفيا أكبر احتياطيات في العالم من الليثيوم. والذي يستخدم في صناعة
بطاريات السيارات الكهربائية، ويدخل في مكونات البطاريات الصغيرة التي تمد الكثير
من الأجهزة بالطاقة، ويستخدم في صناعة الزجاج والسيراميك وبطاريات جميع أنواع
الأجهزة الإلكترونية مثل الهواتف المحمولة وغيرها.