{وينزل الغيث} بين الخوف والطمع
الْحَمْدُ لله
الْعَزِيْزِ الْحَكِيْمِ {يُنَزِّلُ
الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوْا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ
الْحَمِيْدُ} [الْشُّوْرَىْ:28] وَيُرِي عِبَادَهُ بَعْضَ مَظَاهِرِ قُدْرَتِهِ
لِيُعَظِّمُوهُ {يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ
وَهُوَ الْعَلِيْمُ الْقَدِيْرُ} [الْرُّوْمُ:54] نَحْمَدُهُ فَهُوَ أَهْلُ الْحَمْدِ، مِنْهُ
الْفَضْلُ وَإِلَيْهِ، وَالْخَيْرُ بِيَدَيْهِ، وَالشَّرُّ لَيْسَ إِلَيْهِ،
وَهُوَ {خَيْرٌ حَافِظَاً وَهُوَ
أَرْحَمُ الْرَّاحِمِيْنَ} [يُوَسُفَ:64] وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا
شَرِيْكَ لَهُ؛ لَهُ الْحِكْمَةُ الْبَاهِرَةُ فِيْ قَدَرِهِ، وَلَهُ الْحُجَّةُ
الْبَالِغَةُ عَلَى خَلْقِهِ؛ فَإِنْ أَعْطَاهُمْ فَبِجُودِهِ، وَإِنْ مَنَعَهُمْ
فَبِعَدْلِهِ، وَإِنْ عَافَاهُمْ فَبِعَفْوِهِ، وَإِنْ عَاقَبَهُمْ
فَبِظُلْمِّهِمْ {وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ
أَحَدَاً} [الْكَهْفِ:49] وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ
وَرَسُوْلُهُ؛ أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِالله تَعَالَىْ وَأَتْقَاهُمْ لَهُ؛ كَانَ
إِذَا رَأَىَ آَيَةً مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكَوْنِيَّةِ تَأَرْجَحَ قَلْبُهُ
بَيْنَ الْخَوْفِ وَالْرَّجَاءِ، يَخَافُ أَنْ تَكُوْنَ عَذَابَاً، وَيَرْجُوْ مَا
فِيْهَا مِنْ الْرَّحْمَةِ، قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا:«كَانَ
رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ يَوْمُ الْرِّيحِ وَالْغَيْمِ
عُرِفَ ذَلِكَ فِيْ وَجْهِهِ وَأَقْبَلَ وَأَدْبَرَ فَإِذَا مَطَرَتْ سُرَّ بِهِ
وَذَهَبَ عَنْهُ ذَلِكَ»صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَىَ
آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ الْدِّيِنِ.
أَمَّا بَعْدُ:
فَاتَّقُوا الله رَبَّكُمْ وَعَظِّمُوْهُ.. تَأَمَّلُوْا أَسْمَاءَهُ وَصِفَاتِهِ
وَمَعَانِيَهَا الْعَظِيْمَةَ، وَتَفَكَّرُوْا فِيْ أَفْعَالِهِ الْحَكِيمَةِ،
وَتَدَبَّرُوْا الْقُرْآَنُ حِيْنَ تَّقْرَءُوْنَ تَفَاصِيْلَ مَخْلُوْقَاتِهِ
وَأَفْعَالِهِ وَأَقْدَارِهِ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ مِمَّا يُحْيِّ الْقُلُوْبَ وَيَزِيْدُهَا
عُبُوْدِيَّةً لله تَعَالَىْ وَتَعْظِيمَاً وَإِجْلَالَاً {فَتَبَارَكَ اللهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِيْنَ} [الْمُؤْمِنُوْنَ:14] {وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيْرَاً} [الْفُرْقَانَ:2]
{صُنْعَ الله الَّذِيْ أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} [الْنَّمْلِ:88]
{الَّذِيْ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} [الْسَّجْدَةِ:7] {مَا تَرَىَ فِيْ خَلْقِ الْرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} [الْمَلِكُ:3].
أَيُّهَا
الْنَّاسُ: الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عَبِيْدٌ لله تَعَالَىْ،
لَا قِيَامَ لَهُمْ إِلَّا بِأَمْرِهِ عَزَّ وَجَلَّ.. خَلَقَهُمْ وَدَبَّرَهُمْ؛
فَفِيْ أَرْضِهِ يَمْشُوْنَ، وَتَحْتَ قَهْرِهِ يَعِيْشُوْنَ، وَبِأَمْرِهِ
يَسِيْرُوْنَ، وَفِيْ سُلْطَانِهِ يَتَحَرَّكُوْنَ، وَمِنْ رِزْقِهِ يَأْكُلُوْنَ،
لَا حَوْلَ لَهُمْ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِالله الْعَزِيْزِ الْحَكِيْمِ..
إِنْ
اسْتَبْطَئُوا رِزْقَهُ ضَّجِّرُوْا وَيْئسُوا، وَإِنْ قَطَعَهُ عَنْهُمْ
هَلَكُوْا وَبَادُوْا، وَإِنْ رَأَوْا بَوَادِرَهُ فَرِحُوْا وَطَمِعُوْا، فَهُمْ
بَيْنَ الْطَّمَعِ وَالْخَوْفِ يَتَقَلَّبُونَ {هُوَ
الَّذِيْ يُرِيْكُمُ الْبَرْقَ خَوْفَاً وَطَمَعَاً وَيُنْشِئُ الْسَّحَابَ
الْثِّقَالَ} [الْرَّعْدُ:12] وَإِذَا كَانَ الْغَيْثُ وبَوَادِرُهُ وَمَا
يُصَاحِبُهُ وَمَا يَنْتُجُ عَنْهُ آَيَاتٍ تَدُلُّ عَلَى قُدْرَةِ الله
تَعَالَىْ؛ فَإِنَّ خَوْفَ الْبَشَرِ مِنْهُ، وَطَمَعَهُمْ فِيْهِ آَيَةٌ تَدُلُّ
عَلَى عَجُزِهِمْ وَضَعْفِهِمْ.. يَطْلُبُوْنَ رِزْقِ الله تَعَالَىْ فَإِذَا
رَأَوْا بَوَادِرَهُ خَافُوَا، فَمَا أَقَلَّ حِيْلَتَهُمْ! وَمَا أَشَدَّ
ضَعْفَهُمْ! تِلْكَ الْآَيَةُ الْعَظِيْمَةُ فِيْهِمْ دَلَّ الْقُرْآَنُ عَلَىَ
أَنَّهَا مِنْ آَيَاتِ الله تَعَالَىْ {وَمِنْ
آَيَاتِهِ يُرِيْكُمُ الْبَرْقَ خَوْفَاً وَطَمَعَاً} [الْرُّوْمُ:24]. فَيَا
لله الْعَظِيْمِ، مَا أَشَدَّ عَجَزْنَا، وَمَا أَحْوَجَنَا إِلَىَ رَبِّنَا،
وَقَلِيْلٌ مِنَّا شَكُوْرٌ.
إِنَّ
الْبَشَرَ يَفْرَحُوْنَ بِالْسَّحَابِ الْثِّقَالِ، وَيَسْتَبْشِرُوْنَ بِبَرْقِهِ
وَرَعْدِهِ، وَلَكِنَّهُمْ يَخَافُوْنَهُ، وَيَعِيْشُوْنَ تِلْكَ اللَّحَظَاتِ
بَيْنَ الْطَّمَعِ وَالْخَوْفِ، فَلِمْ يَخَافُوْنَ؟ وَمِمَّ يَخَافُوْنَ؟!
إِنَّهُمْ
يَخَافُوْنَ مَظْهَرَ الْكَوْنِ وَقَدْ تَغَيَّرَ، فَحَجَبَتْ جِبَالُ الْمُزْنِ
عَيْنَ الْشَّمْسِ، وَأَظْلَمَتِ الْأَرْضُ، وَهَزَّ الْرَّعْدُ بِصَوْتِهِ
أَرْجَاءَ الْكَوْنِ يُسَبِّحُ الله تَعَالَىْ، وَأَضَاءَ الْبَرْقُ يَكَادُ
يَخْطَفُ الْأَبْصَارَ، فَتَسْرِيْ فِيْ الْقُلُوْبِ مَسَارِبُ مِنَ الْخَوْفِ
يَكْتُمُهَا الْنَّاسُ بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ، وَيَتَجَلَّدُوْنَ مُظْهِرِينَ
فَرَحَهُمْ، وَكُلَّمَا اشْتَدَّتْ ظُلْمَةُ الكَوْنِ، وَقَوِيَ صَوْتُ
الْرَّعْدِ، وَتَتَابَعَ الْبَرْقُ، وَحُرَّكَتِ الرِّيَحُ كُلَّ سَاكِنٍ؛
ازْدَادَ الْخَوْفُ، وَوَجِلَ الْعِبَادُ مُؤْمِنُهُمْ وَكَافِرُهُمْ.. بَرُهُمْ
وَفَاجِرُهُمْ؛ ذَلِكَ أَنَّ تَغَيُّرَ أَحْوَالِ الْكَوْنِ، وَاضْطِرَابَ
نِظَامِهِ، مِمَّا يَبْعَثُ الرَّهْبَةَ فِيْ الْقُلُوْبِ، وَيُثِيْرُ الْرُّعْبَ
فِيْ الْنُّفُوْسِ، لَكِنَّ خَوْفَ الْمُؤْمِنِيْنَ يَكُوْنُ مِنْ رَبِّهِمْ جَلَّ
وَعَلَا وَمِنْ عُقُوْبَتِهِ؛ جَرَّاءَ ذُنُوْبِهِمْ، فَيَنْطِقُونَ مَعَ
الْرَّعْدِ مُسَبِّحِيْنَ لله تَعَالَىْ وَمُعَظِّمِينَ.
عَجَبَاً
لِأَمْرِ الْبَشَرِ يَخَافُوْنَ الْغَيْثَ وَهُمْ يَطْلُبُوْنَهُ، وَيَفْزَعُوْنَ
مِنْهُ وَهُمْ يَسْتَسْقُونَ لِنُزُولِهِ.. فَلِمَاذَا إِذَنْ يَسْتَسْقُونَ؟ وَمِمَّ
يَخَافُوْنَ؟
إِنَّهُمْ
يَسْتَسْقُونَ لِبَقَاءِ حَيَاتِهِمْ؛ فَشَرَابُهُمْ وَطَعَامُهُمْ فِيْ غَيْثِ
رَبِّهِمْ لَهُمْ، وَهَذَا هُوَ طَمَعُهُمْ فِيْهِ، لَكِنَّهُمْ يَخَافُوْنَ
الْغَرَقَ، فَإِذَا تَتَابَعَ الْمَطَرُ تَأَذَّوْا مِنْهُ وَقَدْ يَغْرَقُونَ، وَالْمَطَرُ
قَدْ يُلْحِقُ الْأَذَى بِالْنَّاسِ {وَلَا جُنَاحَ
عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذِىً مِنْ مَطَرٍ} [الْنِّسَاءِ:102] فَالبَشَرُ
لَا غِنَى لَهُمْ عَنِ الْغَيْثِ لَكِنَّهُمْ يُرِيْدُوْنَهُ بِمِقْدَارٍ، فَمَا
أَضْعَفَ حِيْلَتَهُمْ، وَمَا أَكْثَرَ اشْتِرَاطَهُمْ عَلَى رَبِّهِمْ.
إِنَّ
الْبَشَرَ يَعْلَمُوْنَ أَنَّ قَوْمَاً مِنَ الْسَّابِقِيْنَ وَالْحَاضِرِيْنَ
أُغْرِقُوا بِالْمَطَرِ، وَالْمُؤْمِنُوْنَ يَقْرَءُوْنَ قِصَصَ بَعْضِهِمْ فِيْ
الْقُرْآَنِ الْكَرِيْمِ، فَيَخَافُوْنَ أَنْ يُصِيْبَهُمْ مَا أَصَابَ
غَيْرَهُمْ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِيْ الْمُعَذَّبِيْنَ مَنْ
الْسَّابِقِيْنَ {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا}
[الْعَنْكَبُوْتِ:40].
وَمَنْ
أَرَادَ مَعْرِفَةَ أَوْصَافِ الْهَلَاكِ بِالْغَرَقِ فَلْيَقْرَأْ قِصَّةَ قَوْمِ
نُوْحٍ فِيْ سَوْرَتِي هُوْدٍ وَالْقَمَرِ؛ فَإِنَّ فِيْهَا مَشَاهِدَ تَخْلَعُ
الْقُلُوْبَ، وَتَسْتَدِرُّ الْدُّمُوْعَ، وَتَقُوْدُ إِلَى الْخَشْيَةِ {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ الْسَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ *
وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونَاً فَالْتَقَىْ الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ}
[الْقَمَرَ:12] تَخَيَّلُوْا حِيْنَ تُشْرِعُ الْسَّمَاءُ أَبْوَابَهَا
لِيَنْهَمِرَ الْمَاءُ عَلَى الْنَّاسِ بِغَزَارَةٍ تَجْعَلُ الْأَرْضَ
تَتَفَجَّرُ عُيُوْنَاً مِنْ كَثْرَةِ الْمَاءِ، وَإِذَا مَا اسْتَمَرَّ ذَلِكَ
تُحَوَّلَ إِلَى طُوْفَانٍ يُغْرِقُ الْمَدَرَ وَالْوَبَرَ، وَيَجْرُفُ مَا
أَمَامَهُ، وَيَمْلَأُ الْأَوْدِيَةَ وَيُغَطِّي الْجِبَالَ..
تَأَمَّلُوْا
هَذَا الْوَصْفَ الَقُرْآنيَّ الْعَجِيْبَ فِيْ قِصَّةِ غَرَقِ قَوْمِ نُوْحٍ
عَلَيْهِ الْسَّلَامُ {وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِيْ
مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَىْ نُوْحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِيْ مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ
ارْكَبْ مَّعَنَا وَلَا تَكُنْ مَّعَ الْكَافِرِيْنَ * قَالَ سَآَوِي إِلَىَ
جَبَلٍ يَعْصِمُنِيْ مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ الله
إِلَّا مَنْ رَّحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِيْنَ}
[هُوْدٍ:42-43] وَحِيْنَ انْتَهَتْ مُهِمَّةُ الْمَطَرِ بِإِغْرَاقِ
الْمُكَذِّبِيْنَ كَانَتْ أَوَامِرُ الْرَّبِّ جَلَّ وَعَلَا {وَقِيْلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِيْ مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ
أَقْلِعِيْ وَغِيْضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَىَ الْجُوْدِيِّ
وَقِيْلَ بُعْدَاً لِلْقَوْمِ الْظَّالِمِيْنَ} [هُوْدٍ:44].
وَكَانَتْ
هَذِهِ الْحَادِثَةُ آَيَةً لَنَا نَعْتَبِرُ بِهَا كُلَّمَا تَلَوَّنَا آَيَاتِ
قِصَّةِ نُوْحٍ عَلَيْهِ الْسَّلَامُ {وَقَوْمَ
نُوْحٍ لَّمَّا كَذَّبُوُا الْرُّسُلَ أَغْرَقْنَاهُمْ وَجَعَلْنَاهُمْ لِلْنَّاسِ
آَيَةً} [الْفُرْقَانَ:37].
عَجَبَاً
لِلْبَشَرِ يَطْلُبُوْنَ الْسُّقْيَا وَيَخَافُوْنَ الْغَرَقَ.. عَجَبَاً لَهُمْ
حِيْنَ يَرَوْنَ الْسُّحُبَ فَيَطْمَعُوْنَ وَّيَخَافُوْنَ.. عَجَبا لِأَمْرِهِمْ
حِيْنَ يَسْتَسْقُونَ عِنْدَ الْجَدْبِ، ثُمَّ يَسْتَصْحُونَ عِنْدَ الْغَرَقِ..
يَتَبَاشَرُوْنَ بِالْغَيْثِ فِيْ مُقَدِّمَاتِهِ، ثُمَّ لَرُبَّمَا عَزَّى
بَعْضُهُمْ بَعْضَاً فِيْ نِهَايَاتِهِ.. هَذَا الْضَّعْفُ كُلُّهُ فِيْهِمْ
وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَشْكُرُوْنَ اللهَ تَعَالَىْ إِلَّا قَلِيْلَاً،
وَيَكْفُرُونَهُ كَثِيْرَاً..
وَفِيْ
الْعَهْدِ الْنَّبَوِيِّ وَقَعَ ذَلِكَ فَعَجِبَ الْنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
مِنْ ضَعْفِ الْنَّاسِ وسَأَمِهِمْ وَقِلَّةِ حِيْلَتِهِمْ وَدَعَا لَهُمْ؛ كَمَا رَوَىَ
أَّنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ:«أَصَابَتِ الْنَّاسَ سَنَةٌ عَلَى عَهْدِ
الْنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَبَيْنَا الْنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم
يَخْطُبُ فِيْ يَوْمِ جُمُعَةٍ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ الله،
هَلَكَ الْمَالُ وَجَاعَ الْعِيَالُ فَادْعُ اللهَ لَنَا، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَمَا
نَرَىْ فِيْ الْسَّمَاءِ قَزَعَةً فَوَالَّذِيْ نَفْسِيْ بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا
حَتَّىَ ثَارَ الْسَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ
مِنْبَرِهِ حَتَّىَ رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَىَ لِحْيَتِهِ صلى الله
عليه وسلم فَمُطِرْنَا يَوْمَنَا ذَلِكَ وَمِنْ الْغَدِ وَبَعْدَ الْغَدِ
وَالَّذِي يَلِيْهِ حَتَّىَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى، وَقَامَ ذَلِكَ
الْأَعْرَابِيُّ أَوْ غَيْرُهُ فَقَالَ: يَا رَسُوْلَ الله، تَهَدَّمَ الْبِنَاءُ
وَغَرِقَ الْمَالُ فَادْعُ اللهَ لَنَا (وَفِيْ رِوَايَةٍ:ادْعُ اللهَ أَنْ
يَصْرِفَهُ عَنَّا فَقَدْ غَرِقْنَا) -بِالْأَمْسِ يَطْلُبُوْنَهُ وَالْيَوْمَ
يَصْرِفُوْنَهُ!!- فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: الْلَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَلَا
عَلَيْنَا فَمَا يُشِيْرُ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةٍ مِنَ الْسَّحَابِ إِلَّا
انْفَرَجَتْ وَصَارَتْ الْمَدِيْنَةُ مِثْلَ الْجَوْبَةِ (أَيْ: الْحُفْرَةِ
الْمُسْتَدِيْرَةِ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا الْفُرْجَةُ فِيْ الْسَّحَابِ، أَيْ:
صَارَ الْسَّحَابُ مُحِيْطَاً بِالْمَدِيْنَةِ وَهِيَ صَحْوٌ) (وَفِيْ رِوَايَةٍ:
فَقَالَ يَا رَسُوْلَ الله تَهَدَّمَتِ الْبُيُوْتُ فَادْعُ اللهَ يَحْبِسْهُ
فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ: حَوَالَيْنَا وَلَا عَلَيْنَا، فَنَظَرْتُ إِلَىَ
الْسَّحَابِ تَصَدَّعَ حَوْلَ الْمَدِيْنَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيْلٌ) وَسَالَ
الْوَادِيْ قَنَاةُ شَهْرَاً وَلَمْ يَجِئْ أَحَدٌ مِنْ نَاحِيَةٍ إِلَّا حَدَّثَ بِالْجَوْدِ»رَوَاهُ
الْشَّيْخَانِ. فَمَا كَانَ بَيْنَ اسْتِسْقَائِهِمْ وَاسْتِصْحَائِهِمْ إِلَّا
أُسْبُوعَاً، فَكَيْفَ لَوْ مُطِرَ الْنَّاسُ شَهْرَاً وَشَهْرَيْنِ، أَوْ سَُنَةً
وَسَنَتَيْنِ؟!
وَقَدْ
جَاءَتْ رِوَايَاتٌ عِدَّةٌ فِيْ وَصْفِ حَالِ الْنَّاسِ لِمَا زَادَ الْمَطَرُ
أَسُوْقُ بَعْضَهَا لَكُمْ فَقَارِنُوا بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا أَصَابَ بَعْضَنَا
مِمَّنْ كَانُوْا خَارِجَ مَنَازِلهِمْ فِيْ مَطَرِ الْأَيَّامِ الْمَاضِيَةِ،
فَفِيْ رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ قَالَ أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:«فَمُطِرْنَا فَمَا
كِدْنَا أَنْ نَصِلَ إِلَىَ مَنَازِلِنَا»، وَفِيْ رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ:
«فَخَرَجْنَا نَخُوْضُ الْمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازِلَنَا» وَفِيْ رِوَايَةٍ
لِمُسْلِمٍ:«وَمَكَثْنَا حَتَّى رَأَيْتُ الْرَّجُلَ الْشَّدِيْدَ تَهُمُّهُ
نَفْسُهُ أَنْ يَأْتِيَ أَهْلَهُ» وَفِيْ رِوَايَةٍ لِلَّنَّسَائِيِّ: «فَمَا
صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ حَتَّى أَهَمَّ الْشَّابَّ الْقَرِيْبَ الْدَّارِ
الْرُّجُوْعُ إِلَى أَهْلِهِ فَدَامَتْ جُمُعَةً فَلَمَّا كَانَتِ الْجُمُعَةُ
الَّتِيْ تَلِيْهَا قَالُوْا: يَا رَسُوْلَ الله تَهَدَّمَتِ الْبُيُوْتُ
وَاحْتَبَسَ الْرُّكْبَانُ، قَالَ: فَتَبَسَّمَ رَسُوْلُ الله صلى الله عليه وسلم
لِسُرْعَةِ مَلَالَةِ ابْنِ آَدَمَ، وَقَالَ بِيَدَيْهِ: الْلَّهُمَّ حَوَالَيْنَا
وَلَا عَلَيْنَا فَتَكَشَّطَتْ عَنِ الْمَدِيْنَةِ».
إِنَّهَا
نَفْسُ الْأَعْرَاضِ الَّتِيْ أَصَابَتْ مَنْ كَانُوْا خَارِجَ مَنَازِلِهِمْ،
يُفَكِّرُوْنَ فِيْ الْرُّجُوْعِ إِلَىَ أَهْلِيْهِمْ، وَأَصَابَهُمْ الْذُّعْرُ
وَالْمَلَلُ مِنْ رَحْمَةِ الله تَعَالَىْ فَكَيْفَ لَوْ رَأَوْا عَذَابَهُ؟!
وَالْجَامِعُ بَيْنَ الْوَصْفَيْنِ: ضَعْفُ بَنِي آَدَمَ وَعَجْزُهُمْ، وَقِلَّةُ
حِيْلَتِهِمْ.. كَانَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيْزِ فِيْ سَفَرٍ مَعَ
سُلَيْمَانَ بْنِ عَبْدِ الْمَلِكِ فَأَصَابَتْهُمْ الْسَّمَاءُ بِرَعْدٍ وَبَرْقٍ
وَظُلْمَةٍ وَرِيْحٍ شَدِيْدَةٍ حَتَّى فَزِعُوْا لِذَلِكَ، وَجَعَلَ عُمَرُ
يَضْحَكُ فَقَالَ لَهُ سُلَيْمَانُ: مَا يُضْحِكُكَ يَا عُمَرُ، أَمَا تَرَى مَا
نَحْنُ فِيْهِ؟ فَقَالَ لَهُ: يَا أَمِيْرَ الْمُؤْمِنِيْنَ، هَذِهِ آَثَارُ
رَحْمَتِهِ فِيْهَا شَدَائِدُ مَا تَرَىَ فَكَيْفَ بِآْثَارِ سَخَطِهِ
وَغَضَبِهِ؟!
الْلَّهُمَّ
فَارْحَمْ ضَعْفَنَا، وَاجْبُرْ كَسْرَنَا، وَتَجَاوَزْ عَنْ زَلَّاتِنَا،
وَأَفِضْ عَلَيْنَا مِنْ بَرَكَاتِكَ، وَعَامِلْنَا بِعَفْوِكَ وَرَحْمَتِكَ
وِجُودِكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِيْنَ.. وَأَقُوْلُ قَوْلِيْ هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ
الله لِي وَلَكُمْ...
الْخُطْبَةُ الْثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ
لله حَمْدَاً طَيِّبَاً كَثِيْرَاً مُبَارَكَاً فِيْهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا
وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ،
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ
وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آَلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَوْمِ
الْدِّيِنِ..
أَمَّا
بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَىْ وَأَطِيْعُوْهُ {وَاتَّقُوا
اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِيْنَ} [الْبَقَرَةِ:223].
أَيُّهَا
الْنَّاسُ: الْرَّاصِدُونَ لِأَحْوَالِ الْأَرْضِ وَمَا
يَجْرِي فِيْهَا مِنْ تَغَيُّرَاتٍ فِيْ بَاطِنِهَا وَظَاهِرِهَا وَفِيْ
أَجْوَائِهَا يُقِرُّونَ بِالْزِّيَادَةِ الْمُضْطَّرِدَةِ لِلْحَوَادِثِ
الْكَوْنِيَّةِ الْمُؤَثِّرَةِ فِيْ تَرْكِيْبِ الْأَرْضِ مِنْ زَلَازِلَ
وَبَرَاكِيْنَ وَفَيَضَانٍ وَغَيْرِهَا. وَهَذَا مِصْدَاقُ مَا جَاءَ فِيْ
أَحَادِيْثِ آَخِرِ الْزَّمَانِ، وَعَلَامَاتِ قُرْبِ الْسَّاعَةِ، وَهَذَا
يَسْتَوْجِبُ الْخَوْفَ مِنَ الْعَذَابِ، وَالاسْتِعْدَادَ بِالْعَمَلِ لِيَوْمِ
الْمَعَادِ، فَكُلُّ مَوْعُوْدٍ قَرِيْبٌ وَلَوْ تَبَاعُدَهُ الْنَّاسُ {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ *
يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَا وَالَّذِينَ آَمَنُوا
مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الحَقُّ أَلَا إِنَّ الَّذِينَ
يُمَارُونَ فِي السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} [الشُّورى:17-18]
وَلَا
بُدَّ أَنْ نُوْقِنَ بِأَنَّ مَا يُقَدِّرُهُ اللهُ تَعَالَىْ عَلَى الْنَّاسِ
وَإِنْ بَدَا ضَرَرُهُ لِبَعْضِهِمْ فَفِيْهِ خَيْرٌ لِغَيْرِهِمْ، قَالَ بَعْضُ
الْمُفَسِّرِيْنَ فِيْ قَوْلِ الله تَعَالَىْ {هُوَ
الَّذِيْ يُرِيْكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَطَمَعَاً} [الْرَّعْدُ:12]: كُلُّ
شَيْءٍ يَحْصُلُ فِيْ الْدُّنْيَا فَهُوَ خَيْرٌ بِالْنِّسْبَةِ إِلَى قَوْمٍ
وَشَرٌّ بِالْنِّسْبَةِ إِلَى آُخَرِيْنَ؛ فَكَذَلِكَ الْمَطَرُ خَيْرٌ فِيْ حَقِّ
مَنْ يَحْتَاجُ إِلَيْهِ فِيْ أَوَانِهِ، وَشَرٌّ فِيْ حَقِّ مَنْ يَضُرُّهُ
ذَلِكَ إِمَّا بِحَسَبِ الْمَكَانِ أَوْ بِحَسَبِ الْزَّمَانِ.
هَذَا؛
وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْتَّعَدِّي عَلَى الله تَعَالَىْ نَفْيَ حِكْمَتِهِ فِيْ
أَفْعَالِهِ سُبْحَانَهُ، أَوْ تَجْرِيْدَ الْحَوَادِثِ الْكَوْنِيَّةِ مِنْ أَقْدَارِهِ
عَزَّ وَجَلَّ؛ كَمَا يَفْعَلُهُ مَنْ يَنْسِبُونَ الْأَحْدَاثَ الْكَوْنِيَّةَ
إِلَى تَغَيُّرَاتٍ فِيْ الْطَّبِيْعَةِ، فَمَنْ غَيَّرَهَا؟ وَمَنْ قَدَّرَهَا؟
وَمَنْ أَصَابَ الْعِبَادِ بِهَا؟!
أَوْ
أُوْلَئِكَ الَّذِيْنَ يَنْفُونَ عَنِ الْسَّرَّاءِ وَالْضَّرَّاءِ مَعَانِيَ
الْرَّحْمَةِ وَالْعَذَابِ، وَيَسْتَدْرِكُوْنَ عَلَى الله تَعَالَىْ فِيْ
أَفْعَالِهِ، وَيَعْتَرِضُونَ عَلَى أَقْدَارِهِ، قَائِلِيْنَ: لَمْ أَصَابَتْ
هَؤُلَاءِ دُوْنَ أُوْلَئِكَ؟ لَمْ أَصَابَتْ الضُّعَفَاءَ دُوْنَ الْأَقْوِيَاءِ؟
لَمْ أَصَابَتِ الْأَبْرَارَ دُوْنَ الْفُجَّارِ؟ لَمْ أَصَابَتْ دِيَارَ
الْمُسْلِمِيْنَ وَسَلِمَتْ مِنْهَا دِيَارُ الْكَافِرِيْنَ؟
كُلُّ
هَذِهِ الْأَسْئِلَةِ اسْتِدْرَاكٌ عَلَى الله تَعَالَىْ، وَاعْتِرَاضٌ عَلَى
مَقَادِيْرِهِ، وَضَعْفُ إِيْمَانٍ بِحِكْمَتِهِ سُبْحَانَهُ، وَجَهْلٌ فَاضِحٌ
بِوَاقِعِ الْبَشَرِ، وَعَدَمُ عِلْمٍ بِسُنَنِ الله تَعَالَىْ فِي مُعَامَلَتِهِ
لِخَلْقِهِ.
إِنَّ
الْبَشَرَ كُلَّهُمْ ظَالِمُوْنَ لِأَنْفُسِهِمْ، مُقَصِّرُوْنَ فِيْ شُكْرِ
رَبِّهِمْ، وَلَوْ أَخَذَهُمْ جَمِيِعَاً كَانَ ذَلِكَ عَدْلَاً مِنْهُ
سُبْحَانَهُ، وَلَكِنَّهُ يَعْفُو عَنْ كَثِيْرٍ، وَيُذَكِّرُهُمْ عَذَابَهُ،
وَيُخَوِّفَهُمُ بِآَيَاتِهِ؛ فَقَدْ يُصِيْبُ بِهَا كُفَّارَاً عُقُوْبَةً
لِبَعْضِهِمْ، وَتَخْوِيْفَاً لِبَعْضِهِمْ، وَقَدْ يُصِيْبُ بِهَا مُؤْمِنِيْنَ
عُقُوْبَةً لَهُمْ عَلَى مَعَاصِيْهِمْ، وَتَخْوِيْفَاً لِغَيْرِهِمْ، وَقَدْ
يُصِيْبُ بِهَا أَبْرَارَاً صَالِحِيْنَ ابْتِلَاءً لَهُمْ، وَتَخْوِيْفَاً
لِغَيْرِهِمْ، وَفِيْ الْآَيَةِ الْوَاحِدَةِ مِنَ آَيَاتِهِ سُبْحَانَهُ
تَجْتَمِعُ الْرَّحْمَةُ وَالْعَذَابُ وَالِابْتِلَاءُ وَالْتَّخْوِيْفُ
وَالْإِنْذَارُ؛ وَذَلِكَ أَدُلُّ عَلَى حِكْمَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ فِيْ
أَفْعَالِهِ {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ
وَهُوَ الْحَكِيْمُ الْخَبِيْرُ} [الْأَنْعَامِ:18] {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23].
إِنَّ
ظُلْمَ الْعِبَادِ يُوْجِبُ الْعُقُوْبَاتِ، وَالظُّلْمُ قَدْ يَكُوْنُ ظُلْماً
لِلْنَّفْسِ بِالْمَعَاصِيْ وَالْجُرْأَةِ عَلَيْهَا، وَالْدَّعْوَةِ إِلَيْهَا،
وَالْمُجَاهَرَةِ بِهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ سَبَبٌ لِلْعَذَابِ، كَمَا أَنَّ
الْظُّلْمَ يَكُوْنُ لِلْغَيْرِ بِبَخْسِ الْحُقُوْقِ، وَالْغِشِ فِيْ
الْمُعَامَلَاتِ، وَتَضْييْعِ الْأَمَانَاتِ، وَأَكَلِ أَمْوَالِ الْنَّاسِ
بِالْبَاطِلِ. وَالْكَوَارِثُ حِيْنَ تَقَعُ فَهِيَ تَكْشِفُ شَيْئاً مِنْ فَسَادِ
الْذِّمَمِ، وَتَضْيِيْعِ الْأَمَانَةِ، وَالْغِشِّ فِيْ بِنَاءِ الْجُسُوِرِ
وَالطُّرُقِ، وَتَصْرِيْفِ الْمِيَاهِ؛ لِيَذُوقَ الْنَّاسُ بَعْضَ مَا عَمِلَ
الْظَلَمَةُ وَالْمُرْتَشُونَ فِيْهِمْ، وَمَا هُمْ إِلَا مِنْهُمْ؛ فَلَعَلَّهُمْ
يَأْخُذُوْنَ عَلَى أَيْدِي الْسُّفَهَاءِ، وَيَتَعَاوَنُوْنَ عَلَى بَسْطِ
الْعَدْلِ وَمَنْعِ الْظُّلْمِ، وَالْقِيَامِ بِحُقُوْقِ الله تَعَالَىْ فِيْ
أَنْفُسِهِمْ وَحُقُوقِ العِبَادِ عَلَيهِمْ، وَالْنُّصْحِ لَبِلادِهِمْ
وَأُمَّتِهِمْ؛ فَإِنَّ الْفَسَادَ وَالْظُّلْمَ إِذَا اسْتَشْرَىْ فِيْ أُمَّةٍ
أَدَّى إِلَى انْهِيَارِهَا وَاضْطِرَابِ أَحْوَالِهَا.{إِنَّ
اللهَ لَا يَظْلِمُ الْنَّاسَ شَيْئَاً وَلَكِنَّ الْنَّاسَ أَنْفُسَهُمْ
يَظْلِمُوْنَ} [يُوْنُسَ:44].
وَصَلُّوْا
وَسَلِّمُوْا عَلَى نَبِيِّكُمْ...