• - الموافق2024/11/23م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
الأوهام والحقائق في سياسة إيران

الأوهام والحقائق في سياسة إيران

لقد قامت ثورة إيران عام 1979 بقيادة الخميني، وقد استبشر المسلمون عامة بهذه الثورة، وكان يمكن أن تكون ثورة معبرة عن الأمة الإسلامية، لكن الخميني أصر أن يجعلها ثورة خاصة بالشيعة، وفي خدمة المذهب الشيعي، وقد اتضح ذلك عندما وضع في الدستور الإيراني أن "دولة إيران ملتزمة" بـ"المذهب الجعفري الإثني عشري"، وقد رفض الخميني رجاء قيادات العمل الإسلامي في العالم الإسلامي التي طلبت عدم اعتماد النص السابق، لكنه رفض طلبهم، وأصر على موقفه، أصبحت الجمهورية الإيرانية دولة خادمة للمذهب الشيعي، خاصة بالشيعة في العالم الإسلامي.

لكن الخميني حرص على أن يخرج دولته بصورة عصرية فاعتمد الانتخاب والتصويت، وجعل رئيس الجمهورية يأتي عبر صناديق الاقتراع، وحدد مدة رئاسته بأربع سنوات، ويمكن أن يبقى لدورتين فقط، كما جعل هناك برلمانًا ينتخبه الشعب ويحاسب الحكومة، لكنه جعل إلى جانب ذلك مجالس أخرى ترعى الجانب الديني من مثل مجلس صيانة الدستور، ومجلس تشخيص مصلحة النظام إلخ..، وأهم شيء في النظام الذي وضعه الخميني أنه جعل المرشد الأعلى هو الشخصية الرئيسية التي يدور حولها النظام جميعه بكل أطيافه ومؤسساته وهي التي تحدد السياسة الخارجية، وتقود الجيش والاستخبارات إلخ... وهناك أوهام وحقائق تشتمل عليها سياسة إيران في العالم، وتقوم عليها، فما هي هذه والأوهام؟ وماهي هذه الحقائق التي تقوم عليها سياسة إيران وتدور حولها؟

وإن أولى الأوهام التي توصف بها سياسة إيران هو اتهامها بأنها ذات توجه فارسي، والتهجم عليها بأنها تخدم العرق الفارسي، وأنها تبطن مجوسية حاقدة على الإسلام، والحقيقة أن هذا الاتهام باطل، وقد جاء هذا الاتهام من قبل التيار القومي العربي لاستنهاض العرب في مواجهة الفرس أثناء الحرب العراقية الإيرانية، والتي امتدت ثماني سنوات بين عامي 1980- 1988، والحقيقة أن إيران دولة شيعية تتبنى المذهب الشيعي الجعفري الإثني عشري، وتخطط لنشر هذا المذهب بكل ما تستطيع من قوة في مختلف المناطق، وتدافع عن الطوائف الشيعية في كل البلدان، وتتواصل معها، وتفعلها، و ترسم لها المخططات التي تعزز مكانة إيران في المنطقة والعالم، وتسعى إلى أن يصبح الشيعة أكثر من السنة، وأن يكونوا جسم الأمة الرئيسي، وتعتبر إيران هذه المرحلة فرصتها التاريخية من أجل تحقيق هذا الحلم، لذلك فإن اتهام إيران بأن سياستها الخارجية تقوم على توسيع النفوذ الفارسي باطل، والحقيقة أن سياستها تقوم على توسيع النفوذ الشيعي. ونشر المذهب الشيعي، وتمكين الطوائف الشيعية في الدول التي يتواجد فيها الشيعة

وثاني الإيهامات التي تقوم عليها سياسة إيران هو ادعاؤها أنها تسعى إلى الوحدة الإسلامية، وهي من أجل تحقيق هذه الفكرة تدعو إلى مؤتمرات سنوية من أجل هذه الوحدة الإسلامية، وتدعو عددًا من علماء السنة المتعاطفين معها، لكن هذه الدعوة إلى الوحدة الإسلامية هي من إيهامات السياسة الإيرانية، وقد اتضح ذلك من خلال إصرارها على نشر المذهب الشيعي، في كل بلدان العالم العربي والإسلامي، وقد أدت محاولة نشر التشيع هذه إلى تمزيق الأمة الواحدة عوضًا عن توحدها، وأثارت الخصومات والصراعات للبلد الواحد، وتسببت في تمزيق النسيج الاجتماعي لهذا البلد، كما أدى هذا الاصطراع إلى الانصراف عن مواجهة العدو الخارجي الرئيسي وهو: المشروع الغربي الصهيوني، وقد وصل الصراع الطائفي في بعض البلدان إلى حد الاقتتال بالسلاح كما حدث في اليمن بين الحوثيين الذين تمدهم إيران بالسلاح والمال وبين أبناء اليمن الآخرين، وفي العراق حيث أمدت إيران الشيعة هناك بالسلاح والأموال والعتاد، وكانت حصيلة ذلك مقتل عشرات الآلاف من الشيعة والسنة، واضطراب الأحوال في العراق وعدم الاستقرار، وأدى ذلك الاقتتال إلى الفرز الطائفي وإلى ترجيح انقسام العراق إلى ثلاثة دول: أكراد في الشمال، سنة في الوسط، شيعة في الجنوب.

ومما يؤسف له أن الصراع الطائفي الذي أثارته إيران في العالمين: العربي والإسلامي، يصب في مصلحة المشروع الصهيوني الأمريكي الذي يسعى إلى تفتيت المنطقة وتجزيئها.

من الجدير بالذكر أن المفكرين الاستراتيجيين الأمريكيين يرون أن مذهب أهل السنة والجماعة مذهب دوغمائي جامد، ويستدلون على ذلك بأن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قادها أناس من السعودية وهي أقدم حليف لأمريكا في المنطقة، لذلك هم يرون أن أحسن وسيلة لزعزعة المذهب السني وخلخلة تماسك أهل السنة، تكون من خلال إحداث صدمة لهم بالمذهب الشيعي، وذلك لأن المذهبين سيتقاطعان المجالات والأفكار والمفردات ذاتها، لذلك فإن خير وسيلة لتمزيق الأمة الواحدة، وتفتيت ترابطها: هو إحداث تصادم بين جناحي الأمة: الشيعي والسني.

ويعتبر بعض السياسيين الأمريكيين وعلى رأسهم ديك تشيني نائب رئيس الجمهورية الأمريكي في عهد بوش الابن أن الشيعة بالنسبة للسنة، يقابلون البروتستنت بالنسبة للكاثوليك والأرثوذكس، ويعتبرهم –ديك تشيني- المتنورين في المجال الإسلامي، ويجب أن يأخذوا دورهم في تطوير الإسلام والمسلمين، كما قام البروتستنت بذلك في أوروبا في مجال المسيحية في العصور الحديثة.

لذلك فإن إيران عندما تقوم بنشر المذهب الشيعي في المناطق السنية كمصر وبلاد الشام والمغرب والجزائر وتونس ووسط أفريقيا، وفي بعض بلدان آسيا إلخ.. إنما تخدم المخطط الصهيوني الأمريكي الذي يسعى إلى إحداث التفتيت الطائفي والزعزعة الثقافية والخلخلة الاجتماعية في العالمين العربي والإسلامي.

وثالث الأوهام الرائجة عن سياسة إيران هو أنها ضد السياسة  الأمريكية والحقيقة أنها تتعاون معها في السر والعلن، فتتعاون معها في السر كما حدث في فضيحة إيران غيت وذلك أثناء الحرب العراقية الإيرانية والتي امتدت لثماني سنوات، أما في العلن فقد ساعدتها على احتلال أفغانستان في عام 2001، وعلى احتلال العراق في عام 2003 وقد صرح بذلك عدد من قادة إيران العسكريين والسياسيين من جهة، وقد وجهت إيران الفصائل الشيعية التي كانت تقيم عندها وترعاها مثل المجلس الأعلى لقيادة الثورة، والذي كان يقوده عبد العزيز الحكيم للتعاون مع المحتلين الأمريكان أثناء غزوهم للعراق من جهة ثانية.

ومن الواضح أن خصومة أمريكا لإيران تتركز حول مشروعها النووي، لأن أمريكا لا تريد لأي دولة أن تكون أقوى من إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، لكنها لا تمانع أن تكون إيران أقوى من الدول العربية، لذلك فإن أمريكا تلجم إيران في مواجهتها لإسرائيل، لكنها تطلق يدها فيما يتعلق بالدول العربية من أجل تمزيق وحدتها وإشعال الاقتتال الطائفي بين عناصرها.

ورابع الأوهام التي تروجها السياسة الإيرانية هو أنها تسعى إلى تحرير القدس ونصرة القضية الفلسطينية، وهذا ما يسوقه الإعلام الإيراني، لكن الحقيقة أن إيران تسعى إلى استغلال القضية الفلسطينية من أجل تجميل صورتها، ومساعدتها على فتح القلوب والعقول، وتسهيل قبول أقوالها وأفعالها في المجالات التي تدعو إليها، كما فعلت الأحزاب القومية العربية في الستينات حين استغلت القضية الفلسطينية، عندما يستولي على السلطة يبدأ ببيان، وكانت الأحزاب القومية عندما تعمل انقلابًا وتستولي على السلطة، وتذيع بيانًا عن هذا الانقلاب، تبدأ ذلك البيان بتمجيد القضية الفلسطينية، وأنها عملت الانقلاب من أجل تحرير فلسطين، ودحر دولة العدو الصهيوني، ولكنها في النهاية دمرت القضية الفلسطينية، وانهزمت أمام إسرائيل في حرب عام 1967، واحتلت إسرائيل أضعاف ما أخذته عام 1948، فأخذت الضفة الغربية من الأردن، والجولان من سورية، وسيناء من مصر

وتكرر إيران الفصل نفسه، فمن خلال تبني إيران القضية الفلسطينية في لبنان أصبحت الطائفة الشيعية هي الطائفة الأولى في لبنان، وأصبحت تملك جيشًا احتل بيروت الغربية في وقت سابق من عام 2008، كما وجهت هذا الجيش ليساعد سورية على قتل شعبها، ونقول لو أن إيران صادقة في مواجهتها لإسرائيل لما سمحت لأمريكا بأن تحل الجيش العراقي الذي كان يشكل عماد الجبهة الشرقية في مواجهة إسرائيل، وكان القوة الرئيسية لمقاتلة إسرائيل بعد انسحاب الجيش المصري من المواجهة لإسرائيل بعد توقيع مصر لمعاهدة السلام مع إسرائيل عام 1979.

أعلى