• - الموافق2024/11/24م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
لقطات من دليل الرجل السياسي

الكاردينال جول مازارين-المؤلف


كتاب دليل الرجل السياسي للكاردينال جول مازارين من الكتب المختصرة التي توصف بأهميتها البالغة للسياسي والحقوقي، لكنني بعد قراءة الكتاب، واستحضار بعض المشاهد والذكريات، أراه مهماً لمن يكثرون التعامل مع الساسة؛ خاصة من المستقيمين والصادقين وذوي النوايا الطيبة، حتى لا يكتشف الواحد منهم أنه كان في حدث ما مطية أو جسرا.

 يقع الكتاب في (164) صفحة من القطع المتوسط، وصدرت طبعته الثانية عام 2000 بترجمة وتقديم د. خضر خضر أستاذ العلاقات الدولية في كلية الحقوق بالجامعة اللبنانية في طرابلس، وترجمته موفقة، ويوجد سقط طباعي لبضع كلمات تدرك بالسياق، وهو من منشورات جروس برس وقد أخبرني الناشر أنهم على وشك إصدار طبعة جديدة.

 ينتمي المؤلف لأسرة إيطالية فقيرة، حتى أنه كان يرهن سرواله أحيانا، ودرس الحقوق في أسبانيا بصعوبة، وانتظم في سلك جنود البابا، ثم انعطف من العسكرية للديبلوماسية مما غير حياته جوهريا. وبدأ العمل الديبلوماسي سكرتيراً لبعثة البابا في فرنسا، وكانت له نجاحات ديبلوماسية؛ لكن البابا لم يوافق على جعله سفيراً له فيها، فارتحل إلى باريس مخلفاً وراءه أهله وذكرياته، وكان قد ارتبط بعلاقات وثيقة مع الكاردينال ريشيليو رئيس وزارة لويس الثالث عشر.

وفي فرنسا استقبله ريشيليو بحفاوة ومنحه الجنسية الفرنسية، وصار وزير دولة للملك لويس الثالث عشر، لكنه كان أكثر من ذلك بالنسبة للملكة آن التي ظلت عقيماً فترة طويلة قبل أن تنجب لويس الرابع عشر بعد عام من دخول مازارين للبلاط الملكي! وبعد وفاة رويشيلو أصبح مازارين الوزير الأول وعضواً في مجلس الوصاية على العرش، وبعد وفاة لويس الثالث عشر صار السيد المطلق للسياسة الفرنسية لمدة سبعة عشر عاما، وكان يمارس مع الملكة آن وبمهارة فائقة دوراً مزدوجا مابين الوزير الأول والعشيق.

وهكذا أصبح الفتى الفقير الذي رهن سرواله يوما ما عاهل فرنسا غير المتوج؛ بل ومنافساً على   الكرسي البابوي، وأكسبته هذه السنوات الطوال خبرة ومعرفة صاغها في قالب جميل كدليل لوصي العرش لويس الرابع عشر، وضمنها خلاصة فكره وممارساته السياسية، وقد انتشر هذا الدليل في أوروبا في عهد لويس الرابع عشر، وتأخرت ترجمته الفرنسية إلى القرن العشرين.

من وصاياه المدونة فهم الخديعة وتطوير وسائل استخدامها، ومحادثة الناس بطريقة تفكيرهم حتى لايستطيع أحد الإحاطة بتفكير السياسي، فعالم الدين يتحدث السياسي معه كولي تقي، بينما يكون ليبرالياً متحرراً مع الليبراليين، ولا يستغرب منه التمسح بحب آل البيت إن حضره شيعي أو صوفي! ومع النساء يكون نصيراً لحقوقهن وكأنه لا يظلم النساء أبدا.

كما يحث على نقد الذات ومحاسبتها وتعرف أخطائها، ومراجعة المواقف والكلمات، وكل ذلك بهدف إصلاح العيوب الشخصية. ويؤكد كثيراً على حفظ الأسرار عن أي أحد حتى لا تفتضح أو يهتك سترها مجتهد بالبحث والتفتيش. وأوصى من يملك نفوذاً على الكبار وتأثيراً عليهم ألا يُظهر ذلك حتى لاينسب له شيء، وياله من ماكر!

ثم عرى صفات منافقي البلاط وخبثهم وكذبهم، ولم تمنعه هذه الصفات الخسيسة من الدعوة لاستثمارهم وحلبهم حتى آخر قطرة، ومن جف منهم تماماً عن العطاء فسلة القمامة تستوعبه مع جملة المستبعدين لقذر أو انتهاء الصلاحية.

وكتب عدة وصايا حول تقليل الظهور للجماهير، واكتساب الأصدقاء، والمحافظة على الوقار العام، وإدارة الوقت، وكبح جماح الغضب، مع حث أكيد على القراءة والرياضة وإلقاء الخطابات مكتوبة مراجعة غير مرتجلة، فالسياسي المرتجل قد يقع في عثرات لا تجبر. وكرر فوائد استخدام المال بدناءة لصالح السياسي، وأوصى بكتابة القرارات الكبيرة بصيغ غامضة محتملة حتى يفسرها ويطبقها حسبما يناسبه.

ثم تكلم عن سياسة العقاب، ويالله ما أمكرهم وأخبثهم، فم يسبح ويد تذبح كما قيل، ثم سطوة وقسوة بيد الغير، ليظهر السياسي ملاكاً عادلا يخفف العقوبة القاسية لأقل منها، ويلغي الضرائب أو ينقصها، فالخير منه دوما، والشر من معاونيه؛ وكأنه في حل من اختيارهم وتمكينهم وترك متابعتهم أو محاسبتهم.

ومن وصاياه نصاً: "وإذا ماكانت لديك النية بإصدار قوانين جديدة، أثبت ضرورتها للحكماء، وحضر المشروع معهم. أو قم، بكل بساطة، بإثارة الضجة بأنك استشرتهم، واستمعت إليهم. ثم دون أن تأخذ نصائحهم بعين الاعتبار، اتخذ القرارات التي تناسبك".

ومنها نصاً -بتصرف صياغي يسير-:"وإذا ماغرق الشعب في فوضى عنيفة، اتخذ وسطاء من الناس الجيدين الذين يعيدون الشعب إلى الفضيلة عن طريق تذكيره بالله والتقوى، لأن هذه المشاعر وحدها التي تلين الأفئدة. وروج الإشاعة بأن قادة الثورة يسعون لمصلحتهم الشخصية ويهدفون للطغيان،...".

 والكتاب بجملته مختصر، وماتع، ويحوي عدداً من الوصايا والتجارب، وبغض النظر عن الموافقة عليها من عدمه، إلا أننا بحاجة لفهم طرائق تفكير هؤلاء القوم كي نحسن التعامل معهم، لأجل خير الناس والبلدان، أو للتحرز من كيدهم على أقل تقدير.

:: موقع مجلة البيان الالكتروني

 

أعلى