• - الموافق2024/11/21م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
من جوتشي إلى النووي..ما سر التقارب بين روسيا وكوريا الشمالية؟

أثارت زيارة الزعيم الكوري الشمالي لروسيا العديد من الأطروحات السياسية عن دوافع تلك الزيارة في ذلك الوقت، وسر الحوافة البالغة التي تلقها "كيم جونج أون" في روسيا، وما هي المصالح المشتركة التي تمخضت عنها تلك الزيارة خاصة أن النظامين الروسي والكوري الشمالي يت


قام الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونج أون، بزيارة لروسيا في 13 سبتمبر 2023م، استمرت أسبوعًا واحدًا التقى خلالها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير الدفاع سيرجي شويجو، واصطحب معه مسؤولين عسكريين كبار من بينهم مكلفين بإنتاج الأسلحة وتكنولوجيا الفضاء، وناقش خلالها التعاون العسكري والعديد من الملفات الساخنة التي اقد لهيبها مضاجع الأعداء المشتركين في الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان، وبات القلق باديًا على العالم من صراع دموي رهيب قد بدت ملامحه بين التحالفين.

 

روسيا وكوريا الشمالية حافظتا على تحالف تاريخي وثيق، لكنهما أصبحتا أكثر قربًا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ تعرض كلا الجانبين لعقوبات وعزلة إلى حد كبير على الساحة العالمية، وكانت الحرب في أوكرانيا سببًا في زيادة هذا التقارب بين موسكو وبيونج يانج

الزيارة المطولة لكيم جونج أون إلى روسيا، تحتمل الكثير من التفسيرات، وتفتح الباب على مصراعيه لمزيد من التكهنات عن أسباب هذا التقارب الكبير، وسر هذه الزيارة في ذلك التوقيت.

ما الذي تريده روسيا؟

إن هذا الاحتفال الرسمي الروسي بزيارة الرئيس الكوري الشمالي من قبل أعلى المستويات السياسية والعسكرية في روسيا لها ما يبررها على مختلف الأصعدة، السياسية والعسكرية والايديولوجية...

فعلى الصعيد السياسي، يحاول النظام الروسي كسر العزلة السياسية التي فرضها الغرب على بلاده في أعقاب الغزو العسكري لأوكرانيا في فبراير من عام 2022م، حيث أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة عدة قرارات تدين العدوان الروسي على أوكرانيا؛ وعلى إثر ذلك فرضت الاقتصادات المتقدمة في العالم عقوبات شاملة ضد روسيا، ولم يبقى إلى جوارها الا عدد محدود من الدول منهم: إريتريا، وسوريا، ونيكاراغوا، وبيلاروسيا، ومالي، وكوريا الشمالية.

 وصحيح أن روسيا وكوريا الشمالية حافظتا على تحالف تاريخي وثيق، لكنهما أصبحتا أكثر قربًا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ تعرض كلا الجانبين لعقوبات وعزلة إلى حد كبير على الساحة العالمية، وكانت الحرب في أوكرانيا سببًا في زيادة هذا التقارب بين موسكو وبيونج يانج، حيث تبنت الأخيرة الرواية الروسية بحذافيرها، وسايرت موسكو في كل ما تقوم به، سواء من حيث شن الحرب، وما رافقها من الاعتراف بجمهوريتي لوهانسك ودونيتسك، ثم ضمهما رفقة مقاطعتي خيرسون وزابروجيا.

وكانت كوريا الشمالية ضمن دول قليلة اعترضت على كل القرارات الدولية التي تدين روسيا وترفض كل ما تقوم به في أوكرانيا، ولعل في الكلمات التي استخدمها الزعيم الكوري الشمالي في لقائه مع الرئيس الروسي تلخيصًا لكل ذلك، حيث اعتبر أن روسيا تخوض حربًا "مقدسة" ضد قوى "الشر" وأن بلاده مع روسيا في حربها تلك ضد "الإمبريالية"، معرباً عن ثقته في تحقيقها النصر، وتأييده لكل القرارات الروسية على هذا الصعيد.

وقد وصف مقدم البرامج بالتلفزيون الرسمي، فلاديمير سولوفيوف، وهو أحد أبرز المقربين من إدارة الرئيس فلاديمير بوتين، خلال بث برنامج Full Contact الروسي، الحال الراهن بأن روسيا لم تعد تملك حاليًا على الساحة الدولية إلا حليفين: إيران وكوريا الشمالية

وعلى الصعيد العسكري، فإن القمة بين الرئيسين الروسي والكوري الشمالي تأتي في إطار رغبة روسيا في الحصول على ذخيرة من كوريا الشمالية لتكملة مخزونها المتضائل لحربها في أوكرانيا؛ نظرًا لأن كوريا الشمالية تعتمد في أسلحتها النارية على أنظمة الأسلحة السوفيتية إلى حد كبير، وهذا ما يجعل الذخائر الكورية الشمالية متوافقة إلى حد كبير مع الترسانة الروسية.

 

 فأيديولوجية كوريا الشمالية المعروفة بـ"جوتشي" والتي حافظت من خلالها على نظام اقتصادي قادر على مقاومة نظام العقوبات الاقتصادية العالمية، والتأقلم مع مستويات المعيشة المنخفضة هي تلكم النقطة المحورية التي يبحث عنها النظام الروسي

وتمتلك كوريا الشمالية مخزونات كبيرة من الدبابات وقذائف المدفعية والصواريخ غير الموجهة التي يُمكن استخدامها في الأسلحة التي تعود إلى الحقبة السوفيتية والتي لا تزال روسيا تستخدمها لشن هجماتها على أوكرانيا.وتُعد كوريا الشمالية أيضًا إحدى الدول التي تمتلك مخزونًا كبيرًا من الدبابات التي تعود إلى الحقبة السوفيتية، مثل T-54 وT-62، وتستطيع كوريا الشمالية توفير قطع الغيار لها

وعلى الصعيد الأيدلوجي، فإن روسيا تريد أن تجعل من نمط الحياة في كوريا الشمالية أنموذجًا أمام الشعب الروسي، على اعتبار أن الشعب الكوري الشمالي منقطع الصلة تمامًا عن كل ما هو غربي في أسلوب ونمط الحياة، وهو ما تبغيه روسيا بكل تأكيد اتساقًا مع عزلتها عن العالم الغربي، حيث تعمل وسائل الإعلام الحكومية حاليًا على إقناع المواطنين الروس بأن عليهم أن يبادروا في تقليد كوريا الشمالية عوضًا عن التطلع إلى الغرب.

فأيديولوجية كوريا الشمالية المعروفة بـ"جوتشي" والتي حافظت من خلالها على نظام اقتصادي قادر على مقاومة نظام العقوبات الاقتصادية العالمية، والتأقلم مع مستويات المعيشة المنخفضة هي تلكم النقطة المحورية التي يبحث عنها النظام الروسي ويريدها أنموذجًا للاستقلال والتميز، على أن تحذو الشعوب الروسية حذوها.

و جوتشي هو الفكر السياسي الكوري الشمالي الرسمي، وهو يبرر من ناحية نظرية حكم الفرد الواحد في عهد المؤسس كيم إيل سونغ، وذكر أول مرة بصورة رسمية في خطاب كيم خلال مؤتمر حزب العمال العام "للدعاية وإشعال الحماس" يوم 28 ديسمبر سنة 1955، وكان خطابه بعنوان "مشاريع تأسيس الاعتماد على النفس"، وقصد حينها من مصطلح (جوتشي) الاعتماد على النفس في كافة أمور الحياة لاسيما الاقتصاد والدفاع والشئون العسكرية.

ونجد تطبيقا واقعيًا لهذا النهج في الاعلام الروسي،  فخلال بث برنامج The Evening With Vladimir Solovyov يوم 14 سبتمبر 2023، قال المحلل الروسي، سيرجي ميخيف، إن شعب كوريا الشمالية منيع أمام الضغوط الغربية بفضل أسلوب حياته المتقشف. وقال إن: "نعم، الحياة في كوريا الشمالية ليست نزهة، لكنها ليست بالسوء الذي يصوره الأمريكيون،...،العقوبات الأمريكية مخيفة فقط لمن كانوا يتعاملون معهم من البداية! من لديهم حسابات مصرفية هناك، ويعيشون حياة موازية في الغرب، وما إلى ذلك". وخلال بث برنامج Karnaukhov's Labyrinth، يوم 15 سبتمبر، وصف مقدمه، سيرجي كارنوخوف، تأثير نمط الحياة الغربي على النخب والجماهير بأنه "صدمة قاصمة"، وأرجعه إلى رحيل عدد قياسي من المواطنين الأثرياء عن روسيا. وأضاف كارنوخوف: أن نهج كوريا الشمالية الآن هو السبب الرئيس الذي يجعل روسيا في حاجة إليها، حيث توجد قيم مختلفة وأسلوب حياة مختلف، وأن كوريا الشمالية حافظت على نظام واحد بل عززته، وهذا يعني أنه يمكننا الاعتماد عليهم، ويمكننا أن نذهب إلى هناك وننظر إلى حياتهم ونرى أن ما نعتبره ذا قيمة في بلدنا ليس له أي قيمة، بل طريق إلى الهلاك.

ماذا تريد كوريا الشمالية؟

والأمور لا تسير في اتجاه واحد، بل إن كوريا  الشمالية التي تعاني من عزلة دولية طويلة الأمد، تريد هي الأخرى كسر تلك العزلة والاستفادة من حاجة روسيا اليها في هذه الفترة الزمنية، وما تريده ينصب في أمرين اثنين.

المساعدات العسكرية والعلمية، فكوريا الشمالية ما زال لديها مشكلات فنية في إطلاق الأقمار الصناعية التجسسية، فهي قد حاولت مرتين من قبل إطلاق قمر صناعي تجسسي وفشلتا، المحاولة الأولى كانت في مايو 2023، والمحاولة الثانية كانت في شهر أغسطس من العام نفسه، وهناك إصرار على إعادة الكرة، ولكن بعد الحصول على المساعدات التقنية الروسية المتقدمة في هذا المجال.

 كما أن كوريا الشمالية شديدة الاهتمام ببرنامجها النووي وما يتمخض عنه من أسلحة نوعية، لم تتردد في طلب المعاونة المتقدمة من روسيا في هذا المجال، والتي من شأنها أن تسمح له بتحقيق تقدم في برنامج الأسلحة النووية الخاص به.

 و تصريحات الرئيس الروسي الواضحة بخصوص مساعدة بلاده لبيونج يانج في برنامجها الفضائي تؤشر إلى أن ثمة اتفاقات وصفقات قد عقدت بالفعل في هذا المجال، ويدعمها دلالات الأماكن التي زارها كيم، حيث كانت البداية بأحدث مركز فضائي روسي، وهو الذي شهد عقد القمة المشتركة، ثم مصانع الطائرات العسكرية والمدنية، وأسطول المحيط الهادي.

المساعدات الغذائية، وقد تحصل كوريا الشمالية أيضًا على مساعدات إنسانية تحتاجها البلاد بسبب ما تعانيه من العقوبات المفروضة عليها، حيث تواجه بيونج يانج نقصًا خطيرًا في السلع الأساسية بعد أن أغلقت الحكومة حدودها في عام 2020 لإبعاد فيروس كورونا. وقد نقلت وكالات أنباء روسية عن أندريه رودنكو، نائب وزير الخارجية الروسي، قوله، إن محادثات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون بحثت إرسال موسكو مساعدات إنسانية إلى بيونج يانج.

ولا يخفى كذلك أن هذا التحرك بين روسيا وكوريا الشمالية وثالثتهما الصين، جاء بعد تعاون ثلاثي آخر، شمل الولايات المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية، التي اجتمع قادتها في قمة بمنتجع كامب ديفيد الأميركي، أغسطس الماضي، لترتيب تحالف عسكري بينهم، وهو التحالف الذي مع المعلوم أنه موجه إلى التحالف الروسي-الصيني-الكوري الشمالي.

 


أعلى