• - الموافق2024/04/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
اعتقال عمران خان.. هل يغير قواعد اللعبة السياسية؟

عمران أظهر قدرًا من العزوف عن الارتماء التام في الحضن الأمريكي المعتاد لاسيما عندما صرح في يونيو 2021 لموقع "أكسيوس" الأمريكي، أنه لن يسمح لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) باستخدام قواعد في باكستان للقيام بعمليات داخل أفغانستان

 

 

أصدرت الشرطة الباكستانية مؤخرا مذكرة اعتقال ضد رئيس الوزراء السابق عمران خان، وكانت الشرطة قد وجهت اتهامات لعمران خان ضمن بنود قوانين مكافحة الإرهاب بسبب اتهامه الشرطة والقضاء باحتجاز وتعذيب مساعده المقرب.

فما دلالة مذكرة الاعتقال هذه سواء تم تنفيذها أم لا؟ وما تأثيرها على قواعد اللعبة السياسية في باكستان؟ وما مسار هذه اللعبة السياسية و آفاقها المستقبلية؟

وللإجابة على هذا السؤال لا بد من استحضار خلفية بداية اشتداد الصراع بين عمران خان وخصومه وسنبدأ من ذروتها القصوى عندما تم عزل عمران خان من رئاسة الوزراء في أبريل الماضي عبر سحب الثقة من حكومته في البرلمان الباكستاني، ومنذ استقلال باكستان عام 1947 وحتى اليوم فإنه لا يوجد رئيس وزراء واحد أكمل مدة حكمه الدستورية وهي خمس سنوات إلا أن عمران خان هو أول رئيس وزراء باكستاني يتم عزله عبر حجب الثقة عنه في البرلمان.

 

لقد جاء عمران خان بوعود كبيرة للخروج بالدولة من حالة الفقر والتعقيدات الاقتصادية والنهوض بالتعليم والصحة وكبح التضخم ومكافحة البطالة لكن اصطدم بحقيقة أن مشكلات الواقع الاقتصادي أشد تعقيدًا مما توقع بل إن صعوبات حل بعض الجوانب قد بلغت مبلغًا مستعصٍ على الحل

ومنذئذ ترددت سرديات متعددة حول السبب الحقيقي لعزل عمران خان، فهناك سردية يروجها عمران خان وأنصاره وهي المرتكزة على أن العزل تم بناء على رغبة وضغط أمريكي لأن الولايات المتحدة تريد حكومة باكستانية تابعة لها، بينما اعتبر عمران خان وانصاره أن حكومته تمردت على التبعية للولايات المتحدة.

بينما هناك سردية أخرى رددتها المعارضة التي أطاحت بعمران خان وهي الفشل الاقتصادي وتفاقم المشكلات الاقتصادية لباكستان مما يبرر سحب الثقة من عمران خان وحكومته.

وهناك سردية ثالثة تعتبر أن السبب الرئيس لإزاحة عمران خان جاءت بسبب اختلاف عمران خان مع قائد الجيش قمر جاويد باجوا في عدة قضايا ومنها الاختلاف على منصب رئيس الاستخبارات الداخلية فايز حميد حيث يريد عمران خان الإبقاء عليه بينما أراد جاويد عزله.

فأي هذه السرديات تنطبق على الواقع وما أثرها على مستقبل التحولات السياسية في باكستان؟

لقد جاء عمران خان بوعود كبيرة للخروج بالدولة من حالة الفقر والتعقيدات الاقتصادية والنهوض بالتعليم والصحة وكبح التضخم ومكافحة البطالة لكن اصطدم بحقيقة أن مشكلات الواقع الاقتصادي أشد تعقيدًا مما توقع بل إن صعوبات حل بعض الجوانب قد بلغت مبلغًا مستعصٍ على الحل، ففي حين تمكن من تخفيض العجز في الحساب الجاري بنحو 70% في 2019 فإن النمو انخفض من 5.6% (2018) إلى 3.3% في 2019، كما أن التضخم ارتفع، ثم جاءت جائحة كورونا في 2020 لتضاعف جراح الاقتصاد الباكستاني.

 

لا شك أن أغلب مواطني باكستان – بما فيهم النخب - يدركون أن الولايات المتحدة حليف غير مأمون ويكرهون الهيمنة الأمريكية لكنهم لا يريدون أن يتخلصوا من الهيمنة الأمريكية ليقعوا تحت هيمنة أشد قمعًا وطغيانًا وهي الهيمنة الصينية والروسية

إذن فسردية الأزمة الاقتصادية التي التحفت بها المعارضة لسحب الثقة من عمران خان في برلمان باكستان هي حقيقة، ولكنها ليست وحدها بل إن عمران خان رغم ممارسته البرغماتية تجاه الولايات المتحدة فإنه نحى تجاه الشرق بقوة حيث زاد من عمق العلاقات الوثيقة الموجودة أصلاً مع الصين، كما اتجه لتوثيق العلاقة مع روسيا الاتحادية بما في ذلك العلاقات الاقتصادية وإنشاء خط غاز "باكستان ستريم" لنقل الغاز الروسي، كما أنه عقد صفقات سلاح بـ 6.4 مليارات دولار مع الصين في 2018، كما عقد صفقة سلاح مع روسيا في 2019 بـ9 مليارات دولار، لكن الخطوة الأخطر كانت موافقته على مشروع طريق الحرير الصيني، وهو ما اعتبرته واشنطن إجهاض لمحاولاتها احتواء الصين دوليًا.

عمران أظهر قدرًا من العزوف عن الارتماء التام في الحضن الأمريكي المعتاد لاسيما عندما صرح في يونيو 2021 لموقع "أكسيوس" الأمريكي، أنه لن يسمح لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA) باستخدام قواعد في باكستان للقيام بعمليات داخل أفغانستان.

ولا شك أن أغلب مواطني باكستان – بما فيهم النخب - يدركون أن الولايات المتحدة حليف غير مأمون ويكرهون الهيمنة الأمريكية لكنهم لا يريدون أن يتخلصوا من الهيمنة الأمريكية ليقعوا تحت هيمنة أشد قمعًا وطغيانًا وهي الهيمنة الصينية والروسية.

ومن ناحية أخرى فإن ممارسة باكستان العناد الكامل مع الغرب هو موقف غير ممكن واقعيًا لوجود موانع قوية جدًا عديدة، فعلى المستوى الاقتصادي نجد أن صادرات باكستان إلى الغرب تمثل 56% من مجموع صادراتها الخارجية، بواقع 20% إلى الولايات المتحدة، و28% إلى الاتحاد الأوروبي و8% إلى المملكة المتحدة، هذا فضلاً عن اعتماد الاقتصاد الباكستاني على المعونات المدنية والعسكرية والقروض من الولايات المتحدة وحلفائها ومن المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة.

بينما لا تزيد حصة الصين في الصادرات الباكستانية عن 10%، وأما روسيا الاتحادية فلا تكاد تستوعب 1% فقط من صادرات باكستان.   

وعلى المستوى العسكري فالأمر لا يقل صعوبة لأن التسليح الباكستاني قائم بشكل أساسي على السلاح الأمريكي ومرتبط في الإمداد اللوجستي التسليحي في صيانته وقطع غياره وذخائره على الولايات المتحدة، وحتى لو تم أخذ قرار بتغيير التسليح وهو فرض جدلي- فالأمر يحتاج أكثر من عقد من الزمان كما سيتكلف أكثر من مائة مليار دولار لأن الأمر سيبدو كما لو أنك ستنشيء جيشا من جديد، فضلاً عن تخلف تكنولوجيا تصنيع السلاح الشرقي عن نظيره الغربي في المستوى التقني.

هذا كله يأتي فضلاً عن التقنيات المؤسسية التي يحتاجها أي رئيس وزراء باكستاني من أجل تنفيذ سياساته من التوجه للشرق أو للغرب، فهو يحتاج للدولة العميقة ممثلة في مؤسسة وزارة الخارجية ومؤسسة الجيش بقيادتها المتنفذة، فكيف له أن ينخلع من الفلك الأمريكي والأوروبي ويصيغ منظومة جديدة للعلاقات الخارجية ترتكز على توجه جديد مشرقي دون تعاون مؤسسات الدولة العميقة هذه؟!

 

عمران خان عادة ما يطلق شعارات حماسية تدغدغ عواطف الجماهير إلا أنه سياسي برغماتي وسبق أن تفاهم مع مؤسسة الجيش الباكستاني التي يعرف الجميع أنها الثابت الأساسي واللاعب الأول في السياسة الباكستانية كما سبق وتفاهم مع الولايات المتحدة نفسها أحيانًا

وأيًا كان توصيف الأحداث التي انتهت بعزل عمران خان عن رئاسة الوزراء فإن عمران خان منذ عزله وهو يجول باكستان طولاً وعرضًا ملقيًا سلسلة من الخطابات النارية التي تدعو إلى انتخابات مبكرة منتقدًا الحكومة والجيش انتقادًا لاذعًا، كما أنه نظم العديد من الفاعليات والمظاهرات الجماهيرية الواسعة ضغطًا على الحكومة ومن ورائها قيادة الجيش التي تساندها.

وفي يوليو أذهل حزب عمران خان "حركة الإنصاف الباكستانية" منافسيه عندما نجح في الفوز في الانتخابات المحلية مما أعطاه السيطرة على مجلس إقليمي مهم وكثيف سكانيًا في البنجاب، متفوقًا على حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية بينما كان من المتوقع أن يفوز حزب الرابطة بسهولة.

وبدا هذا الفوز بالانتخابات الفرعية كإشارة إلى استمرار جماهيرية عمران خان في صناديق الاقتراع، وتوضيح لما يمكن أن يحدث إذا أجريت الانتخابات المبكرة التي يسعى إليها.

وفي الطرف الآخر فخصوم عمران خان لم يتوقفوا عن محاولة الضغط عليه وعلى حزبه ومن ذلك على سبيل المثال أن الهيئة المسئولة عن تنظيم الإعلام في باكستان منعت القنوات التلفزيونية من بث خطابات عمران خان على الهواء واتهمته بإطلاق خطابات تحض على الكراهية ضد مؤسسات الدولة، وأيضًا تم قطع الاتصال بموقع يوتيوب في باكستان وقت بث خطابات عمران خان.

وجرى اعتقال أقرب مساعدي عمران خان وهو شهباز جيل، وأعلن عمران خان أنه تعرض للتعذيب على أيدي شرطة إسلام آباد بعد اعتقاله بتهمة إثارة الفتنة، وتعهد عمران خان إثر ذلك باتخاذ إجراءات ضد قائد الشرطة والقاضي الذي حاكم جيل.

ثم جاءت أخيرًا خطوة صدور مذكرة اعتقال ضد رئيس الوزراء السابق عمران خان نفسه.

ومن الطبيعي أن نعتقد أن قواعد اللعبة السياسية في باكستان لم تتغير فالجيش كما هو يمسك بزمام الأمور، والأحزاب المعارضة لعمران خان متحدة في مساندة رئيس الحكومة شهباز شريف وستظل متحدة ما دام ضغط عمران خان وحزبه مستمرًا ضدها أما لو خف ضغطه فمن المتوقع أن تستيقظ عوامل الخلاف والتفكك المتأصلة بجذور عميقة في جسد الأحزاب الباكستانية وحينها يمكن لحزب عمران خان انتهاز الفرصة والعودة للحكم.

عمران خان عادة ما يطلق شعارات حماسية تدغدغ عواطف الجماهير إلا أنه سياسي برغماتي وسبق أن تفاهم مع مؤسسة الجيش الباكستاني التي يعرف الجميع أنها الثابت الأساسي واللاعب الأول في السياسة الباكستانية كما سبق وتفاهم مع الولايات المتحدة نفسها أحيانًا، وبالتالي فليس مستبعدًا أن يعقد صفقة ما مع الجيش ويعود للحكم مرة أخرى سواء قريبًا أو على المدى المتوسط وسواء تم تنفيذ قرار اعتقاله أم لم يتم.

وعلى كل حال فإن عمران خان بتكتيكاته الجماهيرية المبتكرة الناجحة والفعالة صار رقمًا صعبًا في الحياة السياسية الباكستانية ولو امتدت حياته لسنوات أخرى (عمره الآن 69 عامًا) فقد يكتسب مزيدًا من الخبرات قد تمكنه من تغيير قواعد اللعبة السياسية في باكستان وحل عقد المشكلات الاقتصادية المتشابكة والمتجذرة في الدولة النووية الوحيدة بين الدول الاسلامية.

أعلى