حين يقرأ المؤمن سيرة هذا الرجل العظيم يدرك نعمة الله عليه بالإيمان، حين ولد في الإسلام، ومن أبوين مسلمين، ونشأ في مجتمع مسلم، فعرف الإسلام وتعلمه منذ صغره، ورأى شعائره أمام عينيه، وتلك نعمة لا يدرك معناها كثير من الناس
الحمد
لله العليم الحكيم؛ يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم، نحمده حمدا كثيرا، ونشكره شكرا
مزيدا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا رب لنا سواه، ولا نعبد إلا
إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ بلغ الرسالة،
وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وتركنا على بيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك،
صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واشكروه إذ هداكم؛ فهدايته إياكم محض فضل منه ورحمة
بكم، فكم ضل عن الهدى من أناس لهم عقول تزن الجبال، وهمم تناطح السحاب، ولكنهم عموا
عن الحق، وتنكبوا الصراطـ، فكتب عليهم الشقاء ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ
أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ
عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ [الحجرات:
17].
أيها
الناس:
في التاريخ رجال قضوا أعمارهم كلها في البحث عن الحق، يتمنون الوصول إليه. منهم
أناس كانوا في فترات الرسل، ومنهم أناس كانوا بعيدين عن منبع الرسالة. ومنهم أناس
ماتوا أثناء رحلة البحث، ولكنهم عبدوا الله تعالى بما يستطيعون وما يعلمون من بقايا
آثار النبوة، ومنهم أناس أدركوا البعثة النبوية ثم أعرضوا عن الحق ﴿حَسَدًا مِنْ
عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ﴾ [البقرة:
109].
وكان من
عظماء الرجال الذين أمضوا حياتهم في البحث عن الحق زيد بن عمرو بن نفيل القرشي
العدوي رحمه الله تعالى، وهو ابن عم عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وابنه سعيد بن زيد
من العشرة المبشرين بالجنة.
أدرك
زيد النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث، وجالسه وهو شاب وزيد شيخ هرم، ورحل في
البحث عن الدين الصحيح حتى علم أنه أوان بعث نبي فاستقر في مكة؛ رجاء أن يدركه،
ولكنه مات قبل البعثة النبوية. وله أخبار كثيرة مع النبي صلى الله عليه وسلم منها
ما رواه ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
«أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ
نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحٍ، قَبْلَ أَنْ يَنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الوَحْيُ، فَقُدِّمَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ سُفْرَةٌ، فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا، ثُمَّ قَالَ زَيْدٌ: إِنِّي
لَسْتُ آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ، وَلاَ آكُلُ إِلَّا مَا
ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَأَنَّ زَيْدَ بْنَ عَمْرٍو كَانَ يَعِيبُ عَلَى
قُرَيْشٍ ذَبَائِحَهُمْ، وَيَقُولُ: الشَّاةُ خَلَقَهَا اللَّهُ، وَأَنْزَلَ لَهَا
مِنَ السَّمَاءِ المَاءَ، وَأَنْبَتَ لَهَا مِنَ الأَرْضِ، ثُمَّ تَذْبَحُونَهَا
عَلَى غَيْرِ اسْمِ اللَّهِ، إِنْكَارًا لِذَلِكَ وَإِعْظَامًا لَهُ»
رواه البخاري.
وفي
إنكاره لشرك قومه، وما كانوا عليه من الجاهلية قالت أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا:
«رَأَيْتُ
زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ قَائِمًا مُسْنِدًا ظَهْرَهُ إِلَى الكَعْبَةِ
يَقُولُ: يَا مَعَاشِرَ قُرَيْشٍ، وَاللَّهِ مَا مِنْكُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ
غَيْرِي، وَكَانَ يُحْيِي المَوْءُودَةَ، يَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا أَرَادَ أَنْ
يَقْتُلَ ابْنَتَهُ: لاَ تَقْتُلْهَا، أَنَا أَكْفِيكَهَا مَئُونَتَهَا،
فَيَأْخُذُهَا فَإِذَا تَرَعْرَعَتْ قَالَ لِأَبِيهَا: إِنْ شِئْتَ دَفَعْتُهَا
إِلَيْكَ، وَإِنْ شِئْتَ كَفَيْتُكَ مَئُونَتَهَا»
رواه البخاري معلقا مجزوما به.
وكانت
قريش تكرهه وتؤذيه بقولها؛ لأنه كان يأمرهم بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، وكان
يدعوهم إلى التوحيد، وينتقدهم في شركهم، وكان أكثرهم أذى له الخطاب والد عمر بن
الخطاب، قال ابن إسحاق:
«وَكَانَ
الْخَطَّابُ قَدْ آذَاهُ أَذًى كَثِيرًا حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ إِلَى أَعْلَى
مَكَّةَ، وَوَكَّلَ بِهِ الْخَطَّابُ شَبَابًا مِنْ قُرَيْشٍ، وَسُفَهَاءَ مِنْ
سُفَهَائِهِمْ فَقَالَ: لَا تَتْرُكُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ، فَكَانَ لَا يَدْخُلُهَا
إِلَّا سِرًّا مِنْهُمْ، فَإِذَا عَلِمُوا بِهِ أَخْرَجُوهُ وَآذَوْهُ؛ كَرَاهِيَةَ
أَنْ يُفْسِدَ عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ، أَوْ يُتَابِعَهُ أَحَدٌ إِلَى مَا هُوَ
عَلَيْهِ».
وإزاء
هذا الأذى الشديد اضطر زيد أن يهاجر عن مكة؛ فرارا من أذى المشركين له، وبحثا عن
الدين الصحيح، وفي رحلاته يبحث عن الحق. ذكر ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنها:
«أَنَّ
زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ خَرَجَ إِلَى الشَّأْمِ يَسْأَلُ عَنِ الدِّينِ
وَيَتْبَعُهُ، فَلَقِيَ عَالِمًا مِنَ اليَهُودِ فَسَأَلَهُ عَنْ دِينِهِمْ،
فَقَالَ: إِنِّي لَعَلِّي أَنْ أَدِينَ دِينَكُمْ، فَأَخْبِرْنِي، فَقَالَ: لاَ
تَكُونُ عَلَى دِينِنَا حَتَّى تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، قَالَ
زَيْدٌ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ غَضَبِ اللَّهِ، وَلاَ أَحْمِلُ مِنْ غَضَبِ
اللَّهِ شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُهُ! فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى
غَيْرِهِ؟ قَالَ: مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ زَيْدٌ:
وَمَا الحَنِيفُ؟ قَالَ: دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلاَ
نَصْرَانِيًّا، وَلاَ يَعْبُدُ إِلَّا اللَّهَ، فَخَرَجَ زَيْدٌ فَلَقِيَ عَالِمًا
مِنَ النَّصَارَى فَذَكَرَ مِثْلَهُ، فَقَالَ: لَنْ تَكُونَ عَلَى دِينِنَا حَتَّى
تَأْخُذَ بِنَصِيبِكَ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، قَالَ: مَا أَفِرُّ إِلَّا مِنْ
لَعْنَةِ اللَّهِ، وَلاَ أَحْمِلُ مِنْ لَعْنَةِ اللَّهِ، وَلاَ مِنْ غَضَبِهِ
شَيْئًا أَبَدًا، وَأَنَّى أَسْتَطِيعُ! فَهَلْ تَدُلُّنِي عَلَى غَيْرِهِ، قَالَ:
مَا أَعْلَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ حَنِيفًا، قَالَ: وَمَا الحَنِيفُ؟ قَالَ:
دِينُ إِبْرَاهِيمَ لَمْ يَكُنْ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا، وَلاَ يَعْبُدُ
إِلَّا اللَّهَ، فَلَمَّا رَأَى زَيْدٌ قَوْلَهُمْ فِي إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ
السَّلاَمُ خَرَجَ، فَلَمَّا بَرَزَ رَفَعَ يَدَيْهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي
أَشْهَدُ أَنِّي عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ»
رواه البخاري معلقا مجزوما به.
ومات زيد
وهو على التوحيد والدعوة إليه قبل مبعث النبي صلى الله عليه وسلم، وقصة ذلك يحكيها
زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ رضي الله عنه قَالَ:
«خَرَجْتُ
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا حَارًّا مِنْ
أَيَّامِ مَكَّةَ -وَهُوَ مُرْدِفِي- إِلَى نُصُبٍ مِنَ الْأَنْصَابِ، وَقَدْ
ذَبَحْنَا لَهُ شَاةً فَأَنْضَجْنَاهَا، قَالَ: فَلَقِيَهُ زَيْدُ بْنُ عَمْرِو
بْنِ نُفَيْلٍ، فَحَيَّا كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ بِتَحِيَّةِ
الْجَاهِلِيَّةِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا زَيْدُ،
مَا لِي أَرَى قَوْمَكَ قَدْ شَنِفُوا لَكَ؟ قَالَ: وَاللَّهِ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ
ذَلِكَ لَبِغَيْرِ نَائِلَةٍ لِي مِنْهُمْ, وَلَكِنِّي خَرَجْتُ أَبْتَغِي هَذَا
الدِّينَ، حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى أَحْبَارِ فَدَكٍ فَوَجَدْتُهُمْ يَعْبُدُونَ
اللَّهَ وَيُشْرِكُونَ بِهِ، قَالَ: قُلْتُ مَا هَذَا بِالدِّينِ الَّذِي
أَبْتَغِي، فَخَرَجْتُ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى أَحْبَارِ الشَّامِ فَوَجَدْتُهُمْ
يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيُشْرِكُونَ بِهِ، قُلْتُ: مَا هَذَا بِالدِّينِ الَّذِي
أَبْتَغِي، فَقَالَ شَيْخٌ مِنْهُمْ: إِنَّكَ لَتَسْأَلُ عَنْ دِينٍ مَا نَعْلَمُ
أَحَدًا يَعْبُدُ اللَّهَ بِهِ إِلَّا شَيْخٌ بِالْحِيرَةِ، قَالَ: فَخَرَجْتُ
حَتَّى أَقْدَمَ عَلَيْهِ، فَلَمَّا رَآنِي، قَالَ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ: مِنْ
أَهْلِ بَيْتِ اللَّهِ، مِنْ أَهْلِ الشَّوْكِ وَالْغَرْبِ، فَقَالَ: إِنَّ
الدِّينَ الَّذِي تَطْلُبُ قَدْ ظَهَرَ بِبِلَادِكَ، قَدْ بُعِثَ نَبِيٌّ، قَدْ
طَلَعَ نَجْمُهُ، وَجَمِيعُ مَنْ رَأَيْتُهُمْ فِي ضَلَالٍ، فَلَمْ أُحِسَّ
بِشَيْءٍ بَعْدُ يَا مُحَمَّدُ، قَالَ: وَقَرَّبَ إِلَيْهِ السُّفْرَةَ، قَالَ:
فَقَالَ: مَا هَذَا يَا مُحَمَّدُ؟ فَقَالَ: شَاةٌ ذَبَحْنَاهَا لِنُصُبٍ مِنَ
الْأَنْصَابِ، قَالَ: فَقَالَ: مَا كُنْتُ لِآكُلَ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ
اللَّهِ عَلَيْهِ، قَالَ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ: فَأَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَيْتَ، قَالَ: وَتَفَرَّقْنَا فَطَافَ بِهِ، وَأَنَا
مَعَهُ، وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، قَالَ: وَكَانَ عِنْدَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
صَنَمَانِ مِنْ نُحَاسٍ: أَحَدُهُمَا يُقَالُ لَهُ: يَسَافٌ، وَالْآخَرُ يُقَالُ
لَهُ: نَائِلَةُ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ إِذَا طَافُوا تَمَسَّحُوا بِهِمَا،
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَمْسَحْهُمَا,
فَإِنَّهُمَا رِجْسٌ، فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: لَأَمَسَّنَّهُمَا حَتَّى أَنْظُرَ
مَا يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فَمَسَسْتُهُمَا،
فَقَالَ: يَا زَيْدُ، أَلَمْ تُنْهَ؟ قَالَ: وَمَاتَ زَيْدُ بْنُ عَمْرٍو،
وَأُنْزِلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِزَيْدٍ: إِنَّهُ يُبْعَثُ أُمَّةً وَحْدَهُ»
رواه البزار وأبو يعلى واللفظ له وصححه ابن تيمية.
رحم الله
تعالى زيدا، وأسكنه الجنة، وجمعنا به فيها، إنه سميع مجيب.
وأقول
قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة
الثانية
الحمد
لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده
لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله
وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله تعالى وأطيعوه ﴿وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ
ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ﴾ [البقرة:
281].
أيها
المسلمون:
كان زيد رحمه الله تعالى من الباحثين عن الحق، المتجردين في تحريه، العازمين على
اتباعه، وكان يجتهد في عبادة الله تعالى بما بقي من آثار دين الخليل عليه السلام،
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:
«سُئِلَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
نُفَيْلٍ، فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ يَسْتَقْبِلُ الْكَعْبَةَ
وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِلَهِي إِلَهُ إِبْرَاهِيمَ، وَدِينِي دِينُ إِبْرَاهِيمَ
عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَيُصَلِّي وَيَسْجُدُ، قَالَ: ذَاكَ أُمَّةٌ وَحْدَهُ،
يُحْشَرُ بَيْنِي وَبَيْنَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ»
رواه ابن أبي عاصم والبيهقي، وقال ابن كثير: إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ حَسَنٌ.
وشهد له
النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة كما في حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
«دَخَلْتُ
الْجَنَّةَ فَرَأَيْتُ لِزَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ دَوْحَتَيْنِ»
حسنه ابن كثير والسيوطي والألباني.
وحين
يقرأ المؤمن سيرة هذا الرجل العظيم يدرك نعمة الله عليه بالإيمان، حين ولد في
الإسلام، ومن أبوين مسلمين، ونشأ في مجتمع مسلم، فعرف الإسلام وتعلمه منذ صغره،
ورأى شعائره أمام عينيه، وتلك نعمة لا يدرك معناها كثير من الناس. وإلا فإن زيدا
رحمه الله تعالى كان يحتار كيف يعبد الله تعالى، يريد أن يرضيه ولا يدري كيف!! يريد
أن يتقرب إليه بالعبادة ولا يعرف!! فهل شيء أشد على الإنسان من أن يعرف خالقه
سبحانه ولا يعرف كيف يعبده ويتقرب إليه؟! روى ابن إسحاق أن زيدا كان يقول:
«اللهم
لو أني أعلم أحب الوجوه إليك لعبدتك به، ولكني لا أعلمه، ثم يسجد على راحته».
فحري بمن
ولد في الإسلام، وقرأ آيات القرآن، وتفيأ ظلال الشريعة والأحكام؛ أن يشكر الله
تعالى على ما حباه واجتباه وهداه وأعطاه؛ إذ دين الإسلام أعظم عطية، والهداية
للإيمان أكبر هداية. بل لا هداية تعدلها أو تدانيها؛ فليشكر الله تعالى عليها،
وليتمسك بها ولا يفلتها أبدا ﴿وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى﴾ [الضحى: 7].
وصلوا
وسلموا على نبيكم...