بيان مجلس الأمن الذي جاء منددا بالإجراءات التركية في قبرص كان شديد اللهجة ويحمل صيغة التهديد والتلويح بالعصا الغليظة تجاه تركيا
يعتبر النزاع حول جزيرة قبرص من أهم النزاعات الساخنة حول العالم التي لم تُحل حتى
يومنا هذا، حيث تتصارع عليها قوتان تضمان قوميتان مختلفتان ومنفصلتان هما تركيا
واليونان وبينهما عداوة قديمة قدم الصراع على قبرص.
ومع تصاعُد الخلاف التركي اليوناني حول حق تنقيب تركيا عن الغاز والنفط في شرق
المتوسِّط، برزت من جديد مشكلة قبرص، فهناك قبرص التركية وقبرص اليونانية على نفس
الجزيرة، الأولى تشغل الجزء الشمالي بمساحة تصل إلى 35%، ومساحة 256 كم2 وتتبع
للسيادة التركية، والجزء الثاني الجنوبي من الجزيرة يقع في حوالي 59% من مساحتها
البالغة حوالي 9251 كم2 وهي جمهورية قبرص العضو في الاتحاد الأوروبي وتمارس
صلاحياتها على هذا الجزء من الجزيرة، وباقي مساحة الجزيرة والبالغة 244 كم2، فهي
منطقة عازلة ترابط فيها قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة على طول الخطّ
الأخضر الفاصل بين شطري الجزيرة منذ عام 1964، ويتم تمديد مدة هذه القوات كل ستة
أشهر، وتعتبر مدينة نيقوسيا هي العاصمة لكلتا البلدين، كونها منقسمة إلى قسمين:
شمالي وجنوبي، منذ أحداث عام 1963.
عادت قضية قبرص للبروز إلى الواجهة من جديد بعد صدور بيان لوزارة الخارجية التركية
بشأن قرار حكومة جمهورية شمال قبرص التركية المتعلق بفتح منطقة مرعش (فاروشا)
بالتركية السياحية المغلقة، الأمر الذي أثار حفيظة مجلس الأمن الذي ندد ببيان وزارة
الخارجية التركية الداعم لتقسيم قبرص من جديد وعودة تركيا لتعزيز مشاريعها من خلال
إعادة فتح مدينة ساحلية مهجورة في الشطر الشمالي من الجزيرة المتوسطية منذ عام
1974.
ورفض مجلس الأمن المساعي التركية للتدخل في شئون قبرص لإعادة فتح مدينة مرعش
(فاروشا) الواقعة في شرق قبرص، والتي هجرها سكّانها الأصليون القبارصة اليونانيون
منذ قرابة نصف قرن، ويريد القبارصة الأتراك اليوم بدعم من أنقرة إعادة فتحها تحت
إدارتهم، ووافق المجلس في 23 تموز / يوليو على إعلان بالإجماع يدعو إلى تسوية
النزاع القبرصي على أساس نظام فدرالي بمجتمعين ومنطقتين مع مساواة سياسية، وأدان
الأفعال أحادية الجانب للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والذي أعلن في 21 تموز /
يوليو أن بلاده ستسعى لضمان اعتراف دولي بقبرص التركية، مما تسبب في تجدد السجال
بين تركيا والاتحاد الأوروبي بشأن جزيرة قبرص، الأمر الذي قابلته واشنطن وفرنسا
بانتقادات شديدة، وأدانت خطط الرئيس أردوغان لإعادة فتح مدينة مرعش (فاروشا) ووصفتا
الخطط التركية "استفزازا".
ويثير فرض إعادة فتح المدينة قضايا لأن هذه الخطوة قد تتطلب أن يعود القبارصة
اليونانيون إما إلى مدينة خاضعة لسيطرة شمال قبرص، أو التفاوض مع الحكومة هناك
للحصول على تعويضات.
بيان مجلس الأمن الذي جاء منددا بالإجراءات التركية في قبرص كان شديد اللهجة ويحمل
صيغة التهديد والتلويح بالعصا الغليظة تجاه تركيا، في إشارة إلى أن القوى العظمى
المتمثلة في الولايات المتحدة وكلا من فرنسا وبريطانيا لن تسمع بتمرير هذه الخطط
والمساعي التركية في قبرص، حتى لو تتطلب منعها بالقوة، وهذا النهج نادرا ما يحدث في
بيانات مجلس الأمن إذ يتم غالبا تخفيف لهجة البيانات في وقت المفاوضات، للحصول على
أكبر دعم وتأييد ممكن من الأعضاء.
الخارجية التركية من جهتها اعتبرت التصريحات الصادرة عن مجلس الأمن تستند إلى
ادعاءات لا أساس لها، مؤكدة على أن مرعش (فاروشا) تتبع إلى أراضي الشق التركي من
قبرص، ونفت المزاعم التي تقول إن الفتح يشكل انتهاكا لقرارات مجلس الأمن، كما أكد
البيان على أن أي حل عادل ودائم لقضية قبرص لن يكون ممكنا إلا بتسجيل السيادة
المتساوية والوضع الدولي المتساوي للشعب القبرصي التركي.
كما رفضت تركيا تنديد مجلس الأمن بدعمها لتقسيم قبرص ومشاريعها لإعادة فتح مدينة
ساحلية مهجورة في الشطر الشمالي من الجزيرة المتوسطية، وقالت وزارة الخارجية
التركية في بيانها: نرفض "إعلان مجلس الأمن الدولي في شأن مشروع إعادة فتح مدينة
مرعش (فاروشا) التي تسيطر عليها السلطات القبرصية التركية"، ونرفض كذلك "تصريحات
دول مختلفة تستند إلى طلبات غير مبررة ولا تنسجم مع الحقائق في الجزيرة".
ومع الإصرار التركي على تعزيز وجوده وسيطرته في شمال قبرص، الذي يعتبرها امتدادا
لنفوذه والتصرف فيها بكل حرية ودون قيود، ورفض التدخل الأوروبي والأمريكي في
السيادة التركية على هذه المنطقة، والذي يقابله رفض أوروبي وأمريكي وإجماع في مجلس
الأمن على البيان شديد اللهجة والذي يحمل تهديدا مباشرا لتركيا وأردوغان برفض
الإجراءات أحادية الجانب من طرفها في قبرص تبقى السيناريوهات مفتوحة على مصراعيها
بين شد ورخي في انتظار ما ستؤول إليه الأمور ومن الأقدر على فرض شروطه وتحقيق
إرادته؟.