انتقلت تونس في هذه الفترة الزمنية إلى تحولات
كبيرة في تفاصيل الحياة اليومية للإنسان العادي أكثر من التحولات السياسية.. فتونس
التي عاشت تحت قبضة نظام كان يطارد النساء في الشوارع لتعرية رؤوسهن، اليوم تعيش
واقعاً جديداً يمكن للإنسان المسلم الحفاظ فيه على تدينه فقد سقطت رموز العلمانية
التي كانت تسيطر وتفرض على الناس أسلوب الحياة التي تريد.
حاول النظام منذ أيام "الحبيب بورقيبة"
أن يجعل تونس رمزاً للعلمانية فحارب الحجاب في المعاهد الدراسية، وطرد المصلين من
المساجد، وأمر بالتحقيق معهم بل وفي أحيان أخرى أصدر بطاقات للراغبين في أداء صلاة
الفجر في المساجد. ووضع المعارضة الإسلامية في السجون وقتل المئات منهم..اقتحم
رجال الأمن البيوت وفتشوها وصادروا ممتلكات الناس باسم القانون، حتى الكتب الدينية
مثل (رياض الصالحين) و (تفسير ابن كثير) و(شرح العقدية الطحاوية)، كانت حرب ضروس
بين الإسلام في نفوس أهله ونظام علماني تم استيراده لإكمال مرحلة استعمار انتهت في
منتصف القرن الماضي، فبعد أن انتهى استعمار الأرض، حاولوا استعمار القلوب والعقول
للسيطرة على إرادة المجتمع.
ويقول "محمد منصور" محامي تونسي: (
كانت فترة الحكم السابقة فترة لإنهاء وجود الإسلام في قلوب الناس، ونشر أسلوب حياة
غربي، وليس ذلك فحسب في الوقت الذي كنا نعيش فيه حالة محاربة التدين، كنا نشهد قمع
كثير، لكن كان تعتيم إعلامي شديد، آلاف الشباب وضعوا في السجون لأنهم ذهبوا إلى
المساجد أو عملوا مع الجماعات الإسلامية).
تونس والثورة الإسلامية
بعد الثورة عادة تونس تنبض بالحياة، فبدأ
الناس يرممون المساجد و المصليات وبدأت مرحلة تغيير جذري في حياة الكثيرين، وظهرت
العيد من الجمعيات الإسلامية وكذلك جامعة الزيتونة الذي يفكرون في إعادته إلى دوره الذي غيب عنه.
يضيف "منصور" إنه يذهب إلى صلاة
الفجر هذه الأيام دون النظر خلفه، ولا يفكر في الخوف أبداً.
ويقول تقرير تونسي إن مساجد صفاقس أيضاً شهدت
بعد الثورة عودة قوية للدروس الدينية التي يقدمها دعاة بعد صلاة المغرب، وأضفت هذه
الدروس التي تسبقها تلاوة ما تيسّر من آيات الذكر الحكيم عبر مُكبرات الصوت قبل
الغروب أضفت أجواء روحانية على المدينة.
أيضاً تكونت لجان لتسيير المساجد وتنظيم العمل
الدعوي بداخلها، لكن بعض المساجد مازالت تشهد مشاكل بين اللجان المنتخبة حديثاً
والإطار القديم من مؤذنين وأئمة رفضوا إشراك اللجان الجديدة خاصة من الشباب في
تسيير في شؤون المساجد كالسماح للشبّان ذي الأصوات الجميلة بالآذان والصلاة.
وخرج آلاف التونسيين في مسيرات حاشدة جابت
شوارع العاصمة تونس للمطالبة بحرية الدعوة إلى الإسلام في المساجد ورفع الحصار عن
الإسلاميين الذين اضطهدوا في عهد الرئيس السابق "زين العابدين بن علي" .
وقال احد الإسلاميين الذين شاركوا في المسيرة "نريد
حريتنا في المساجد والدعوة إلى الله. نريد كمسلمين أن يتركونا مع الناس. إذا كنتم
تتكلمون عن حرية الفكر والتعبير فاتركونا مع الناس وسنرى من ينتصر".
ورغم قرار وزارة الداخلية رفع الرقابة على
الفضائيات الدينية والمساجد منذ سقوط "بن علي" منعت الوزارة الصلاة خارج
المساجد في الشوارع والأماكن العامة.
وأخلت الحكومة سبيل نحو 1800 سجين سياسي بعد
إقرار العفو التشريعي العام بعد 14 من يناير كانون الثاني الماضي اغلبهم اسلاميون
حكم عليهم بمقتضى قانون الإرهاب خلال عهد "بن علي".
وقال "حسن السالمي" إمام وخطيب جامع
المنار في تونس : ( نرفض أن يأتي احد السياسيين ويستعمل المنبر داخل المسجد لخدمة
أغراض سياسية وتوجهاته السياسية. لا بد أن يخرج المسجد عن السياسة. اعتقد أن هذا
خطأ. الناس محتاجون إلى تربية.. لم يتم تربيتهم منذ 23 سنة. كانوا مهمشين ومبعدين
عن المنبع الصافي ولذلك لا بد من أن نعيد الاعتبار إلى المسجد) .
وطلبت عدة جماعات إسلامية كانت محظورة في عهد "بن
علي" تراخيص لتشكيل أحزاب سياسية أملاً في المنافسة في الانتخابات المقبلة.
وقال "نبيل المناعي" الأمين العام
لحزب التحرير : ( وجود حزب التحرير هو استجابة لآية قرآنية.. إلى حكم شرعي.. {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون
عن المنكر وأولئك هم المفلحون } .
فهذا خطاب من الله سبحانه وتعالى للمسلمين بأن
يؤسسوا أو أن يوحدوا. وهذا تلقاه في معنى أمة ولتكن منكم.. أي من المسلمين.. أمة..
مجموعة تدعو إلى الخير.. تدعو إلى الإسلام وتقوم بالعمل السياسي الذي هو فيه الأمر
بالمعروف والنهي عن المنكر وما إلى ذلك. فوجودنا استناداً للشرع وليس نتيجة لرخصة
او ترخيص) .
وقال "علي العريض" رئيس الهيئة
التأسيسية لحركة النهضة الاسلامية في تونس : ( نحن نقوم بعملية تعبئة وإعلام
واستماع إلى مشاغل أبناء الحركة والى مشاغل المواطنين. هذه الاجتماعات فيها
اجتماعات داخلية داخل أبناء الحركة لتركيز التنظيم الجهوي والمركزي والمحلي. وفيها
اجتماعات عامة يحضرها كامل المواطنين) .
وهذه الحركة المتسارعة للعمل الإسلامي في تونس
تضغط بقوة على التيارات العلمانية وبقايا النظام السابق، لذلك هم يحاولون الزج
باسم الإسلام في أي جريمة تحدث في بلادهم، من أجل تشويه صورة المسلمين، وكان ذلك
مثالاً جلياً حينما استخدموا بعض المراهقين وألبسوهم أثواباً بيضاء ولحى وجعلوهم
يهاجموا بعض الندوات والمؤسسات.
ويفرحك المنظر كثيراً حينما تشاهد برنامج
تعليم القرآن الكريم للكبار في تونس، فتشهد أطيافاً عمرية مختلفة متشوقون لإتمام
هذا البرنامج، الذي يعد تجربة فريدة في تونس حيث يسعى القائمون عليه إلى تخريج
عشرات الحافظين لسورة البقرة في 40 يوماً.. بعد ان حرموا لعقود من هذه النعمة
العظيمة.