منذ أن بدأت حركة طالبان الإسلامية حكم أفغانستان
شنت الإدارة الأمريكية في عهد "جورج بوش" الابن حرباً إعلامية عليها لكي
تسقط حكمها، وتوأد في بدايتها أي تجربة حكم إسلامية تعد خطراً حقيقياً على أمريكا
والغرب وكل من عادى المسلمين، وتعيد إلى الأذهان ذكرى حملات الصليبين ضد الأمة التي
تجسد كراهية تاريخية للإسلام والمسلمين أينما وجودوا.
وبعد هجمات 11سبتمبر حشد "بوش" خلفه
أوروبا و أطلق حرباً على الشعب الأفغاني تحت ذريعة مطاردة عناصر تنظيم القاعدة،
وحركة طالبان. وبعد عشر سنوات لا زالت الإدارة الأمريكية تحصد المرارة نتيجة
تورطها في هذه الحرب، فإن دراسة نشرتها جامعة براون الأمريكية الأسبوع الماضي أشارت إلى
أن الحروب التي خاضتها الولايات المتحدة إثر هجمات 11 سبتمبر 2001 أسفرت عن ما لا
يقل عن 225 ألف قتيل وبلغت كلفتها المادية 3700 مليار
دولار على الأقل.
وبحسب بيانات الدراسة فإن الإحصاءات تشمل
الحرب على أفغانستان والعراق، بالإضافة إلى الغارات التي تشنها الطائرات الأمريكية
على أفغانستان. وتبين الدراسة أن قتلى الجيش الأمريكي في هذه الحروب بلغ 6000 آلاف قتيل فيما بلغ عدد قتلى حلفاء أمريكا
1200 قتيل، و10000 جندي عراقي، و8800 جندي أفغاني، و3500 جندي باكستاني، و2300 من
موظفي الشركات الأمنية الخاصة "المرتزقة".
ولكن الفاتورة الأكبر دفعها المدنيون خلال تلك
الحروب حيث أزهقت الحروب الأمريكية أرواح 125 ألف
عراقي جراء العمليات الحربية، و35 ألف قتيل باكستاني و12 ألف قتيل أفغاني.
وبحسب الوصف الأمريكي فإن عدد ( الإرهابيين)
الذين قتلوا في تلك الحروب بلغ ما بين 20 و51 ألفاً. ويبدو أن الباحثين ركزوا على
الخسائر العسكرية والمدنية خلال الأعمال الحربية، ولم يشملوا بها الخسائر بالأرواح
في ظل الاحتلال الأمريكي للعراق وأفغانستان والتي تجاوزت المليونين ضحية من القتلى
وأربعة ملايين من الجرحى والمعاقين..
وأودت هذه الحروب بحياة 186 صحافياً و266 موظف
إغاثة إنسانية في العراق وأفغانستان والباكستان. وأما المهاجرون من اللاجئين
والنازحين هرباً من أتون الحرب الأمريكية على العراق وأفغانستان فقد بلغ عدد هؤلاء
النازحين أكثر من 8 ملايين شخص غالبيتهم من العراق وأفغانستان.
خسائر مالية
اندفاع "بوش" الابن نحو تحقيق
أحلامه بالقضاء على معاقل الإسلاميين، وخلق صورة ذهنية لإنسان مجرم أدت بالاقتصاد
الأمريكي إلى الهلاك فقد قدرت الدراسة السابقة أن نفقات هذه الحرب حتى نهاية 2010
بلغت 3700 مليار دولار أي حوالي ربع الدين العام الأمريكي.
ونشر مجلس العلاقات الخارجية الأمريكي على
موقعه الإلكتروني عام 2008 دراسة أظهرت نتائجها عمق الأزمة الاقتصادية التي خلفتها
الحرب الأمريكية، حيث قالت الدراسة إن النفقات الحربية المتعلقة بحالة العراق
وأفغانستان كان تأثيرها على الاقتصاد الأمريكي بعكس الحالات السابقة المتعلقة
بالحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام. وذكرت أن الحرب أدت إلى تباطؤ الاقتصاد
وزيادة معدلات البطالة، كذلك مدة الحرب أثرت بشكل سلبي في متوسط دخل الفرد، وعكست
تأثير سلبي على القوة الشرائية في البلاد.
ويؤكد معظم خبراء الاقتصاد الأمريكي أن الحرب في
العراق وحرب أفغانستان قد حطمتا الأسطورة القائلة بأن الاقتصاد الأمريكي سينتعش
ويصبح أكثر قوة عندما ترتفع النفقات الحربية. وأجمعوا على أن الحرب أدت إلى ارتفاع
في أسعار النفط بشكل غير مسبوق أضرّ كثيراً بالاقتصاد الأمريكي.
وكذلك تزايد المخاطر التي أدت إلى قيام شركات
التأمين برفع رسوم التأمين وقد ترتب على ذلك ارتفاع جانب التكاليف غير المنظورة في
كل قطاعات الاقتصاد الأمريكي.
وأثرت الحرب بحسب نتائج الدراسة على تدهور
قيمة الدولار الأمريكي أمام العملات الأخرى بشكل غير مسبوق، ولأول مرة في تاريخ الاقتصاد الأمريكي يجد
البنك المركزي الأمريكي (بنك الاحتياط الفيدرالي) نفسه عاجزاً عن التدخل لحماية
الدولار في البورصات والأسواق المالية العالمية.
وبذلك فإن أمريكا رائدة الرأسمالية العالمية
التي دعت إلى اقتصاد حر تجد نفسها اليوم مضطرة إلى التدخل في اقتصاديات القطاع
الخاص لتنقد نفسها من الهلاك، وتتخلي عن حرية التجارة وفرض القيود عليها على النحو
الذي يتناقض مع المبادئ التي تنادي بها. وكذلك فإن الحرب أجبرت الإدارة الأمريكية
على فرض قيود على الهجرة وحركة الأفراد وهذا معناه تخلي أمريكا عن أحد أهم ركائز
العولمة.وفرض القيود على الأسواق وهذا معناه التخلي عن الليبرالية الاقتصادية.
وتقول الدراسة إن انخفاض قيمة الدولار بمعدلات
أكبر قد يجبر أمريكا على التخلي عن مبدأ تحرير سعر الصرف وتقوم بتحديد السعر هي،
وهو أمر سوف يجعل وضع الدولار أشبه بوضع الدينار العراقي خلال فترة صدام والدينار
الليبي والروبل السوفييتي، وبلا شك سوف يؤدي مثل هذا الإجراء إلى انهيار الأسواق
والبورصات الأمريكية والعالمية المرتبطة بها.
إحصاءات العام الحالي
بدأت الدول المشاركة في التحالف الذي قادته
الإدارة الأمريكية تعلن انسحاب قواتها تباعاً، والنتيجة واضحة أن كل سنوات الحرب
لم تستطع القضاء على حركة طالبان كما ادعت أمريكا مسبقا، فيوم السبت بدأ حلف
(الناتو) بفتح تحقيق في حادثة قيام مسلح يرتدي زي الجيش الأفغاني بإطلاق النار على
جنود من قوات الاحتلال الأجنبي الذي فقدت أربعة من جنودها ، لترتفع حصيلة خسائره
البشرية في يوليو/تموز الجاري إلى 31 جندياً.
وبحسب قوات ( الناتو) فإن الهجوم يعد واحداً
من أربعة استهدفت جنودها خلال السبت. ووفقاً لما نشرته شبكة سي ان ان
الأمريكية فإن 52 جندياً أمريكياً ومن التحالف قتلوا بمثل هذا النوع من
الهجمات منذ عام 2005،" وقد سقط الكثير منهم خلال العام الماضي.
وكان من أكثر الهجمات دموية، تلك التي قام
خلالها طيار في سلاح الجو الأفغاني بفتح النار على قوة أمريكية، ما أسفر عن مقتل
ثمانية من الجنود الأمريكيين بجانب متعاقد أمني في مطار كابول الدولي في مارس/آذار
الماضي.
وبالعودة إلى
الخسائر البشرية التي تكبدتها قوات الاحتلال الأجنبي السبت، لقي جندي مصرعه
بهجوم بقنبلة، كما لقي اثنان مصرعهما أثناء هجمات مختلفة في جنوب وشرق أفغانستان،
لتصل حصيلة خسائر القوة، السبت، إلى عشرة قتلى، منذ الخميس.
وشهد الأسبوع الفائت مقتل ستة جنود فرنسيين،
من بينهم عضو من القوات الخاصة، بهجوم للمسلحين.
وبلغت حصيلة خسائر قوات الإحتلال في أفغانستان
خلال الشهر الجاري 31 قتيلاً من بينهم 14 جندياً أمريكياً على الأقل، و311 قتيلاً
منذ مطلع العام، من ضمنهم 218 جندياً أمريكياً.
وعلى جانب موازٍ، ذكرت بعثة الأمم المتحدة
لتقديم المساعدة في أفغانستان،الخميس، أن استخدام الأجهزة المتفجرة من جانب المجاهدين
الأفغان، تسبب بارتفاع "دراماتيكي" في عدد القتلى المدنيين الأفغان في
النصف الأول من العام الجاري.
ورصدت البعثة الأممية، في تقرير نصف سنوي حول
تطورات الوضع بأفغانستان، زيادة بنسبة 15 في المائة في أعداد القتلى المدنيين في
الدولة الآسيوية.
و خلال الأسبوع الماضي أعلن الرئيس الفرنسي "نيكولا
ساركوزي" أثناء زيارته إلى أفغانستان بأن سيسحب ألف جندي فرنسي من أصل أربعة
ألاف موجودين في أفغانستان.