• - الموافق2024/12/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
التكاليف والعوائد للتدخل الأمريكي في الشرق الأوسط

التكاليف والعوائد للتدخل الأمريكي في الشرق الأوسط


الإصرار الأمريكي الكبير في عهد الرئيس دونالد ترامب على إنجاز صفقة القرن وصناعة سلام من الوهم في الشرق الأوسط أثار إستهجان الكثيريين وطرح تساءلات حول ما إذا كان الرجل يحاول عبر تلك الصفقة دعم قاعدته الانتخابية الإنجيلية أو أنه يريد تسوية أزمة مزمنة للإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط، لكن فعلياً أراد ترامب أن يضمن حالة من الاستقرار لأكبر لاعب في منظومة العسكرية الأمريكية خارج حدود الولايات المتحدة وهي "إسرائيل"، وتماشياً مع هذا الإلتزام كانت سياسيات واشنطن في أواخر عهد الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما تسير بإتجاه إعادة ترتيب المنطقة تمهيداً لتقليل التدخل الأمريكي فيها وتوجت ذلك بالإتفاق الذي وقعته مع إيران ويدفع إلى تصالح أمريكي إيراني مقابل أن تقوم طهران بوقف نشاطها النووي، لكن على مايبدو فإن صعود ترامب وتأثير عائلته السياسية اليهودية عليه جعلته يندفع بإتجاه توجيه ضربة مؤلمة تعيد إيران إلى حدودها القومية وتحد من طموحتها النووية قبيل العودة إلى طاولة المفاوضات، فقد سمح للجيش الإسرائيلي بتنفيذ هجمات استهدفت إيران داخل حدودها وخارج حدودها وهو الامر الذي لم يكن مسموح به في عهد الرئيس باراك أوباما.

تريد الإدارة الأمريكية ترك المنطقة مع التوصل لتسوية تناسبها في عدة ملفات مع وجود ضمانة لحماية ما تبقى لها من مصالح في المنطقة وأبرزها ملف منطقة الخليج العربي التي تمثل رمانة الميزان لسياسيات الإدارة الأمريكية في الشرق الأوسط. مشكلة منطقة الخليج العربي أنها عالقة في أزمات متواصلة أبرزها التغول الإيراني ومحاولات الإختراق المستمرة لحدودها الجغرافية ورفع درجة المخاطرة الاقتصادية لديها عبر التهديد المستمر لممر مضيق هرمز الذي يعد أحد أهم ممرات الملاحة لناقلات النفط في الخليج، كذلك الحرب اليمنية التي لا تزال متواصلة منذ 5 أعوام وزيادة نفوذ جماعة الحوثي على حساب ضعف الهوية السياسية القومية لليمن، بالإضافة إلى الخلافات الخليجية الداخلية، فدول الخليج تمثل شريان إقتصادي كبير لكلاً من مصر والأردن وهما جزء من سياسيات الأمن القومي الأمريكي في المنطقة سواء فيما يتعلق بضمان تطبيق إتفاقات السلام مع "إسرائيل" أو الدعم اللوجستي للوجود الأمريكي في المنطقة. كذلك ترتبط منطقة الخليج إرتباطاً وثيقة بالسياسيات الأمريكية المتعلقة بمواجهة جماعات الإسلام السياسي، فبقدر ما تحاول تلك المنطقة التأقلم مع مناخ الإعتدال الأمريكي وتساهم بشكل كبير في دفع عجلة الدبلوماسية الأمريكية إلى الأمام إلا أن بيئتها الفكرية والدينية تتصادم مع ذلك الواقع، فالمملكة العربية السعودية تعد الحاضنة الأبرز للهوية الإسلامية السنية ولا يوجد بلد في العالم يخلو من تمثيل مراكز العلوم الشرعية السعودية، وأبرز مثال على ذلك ردة الفعل الشعبية الحادة التي ظهرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي لرفض التطبيع مع "إسرائيل".

لذلك خسارة ثقل دول الخليج في المنطقة سيكون إسهام كبير في وضع العصا في الدواليب الأمريكية في المنطقة، وذلك سيمثل سخاءً كبيراً تجاه التغول الإيراني في المنطقة، فبعكس دول الخليج إعتادت إيران على العيش دون الإعتماد على الدخل النفطي وعززت نفوذها عبر استئجار مليشيات مسلحة رخيصة ساهمت في حروبها في اليمن وسوريا والعراق ولبنان لذلك يمكن لأي إنسحاب أمريكي من المنطقة أن يسهم في هدم المعبد على من فيه وتتحول المنطقة خاضعة لقوة إقليمية جديدة.

 تأرجحت طموحات ترامب بين التلميح بإمكانية لقاء المرشد علي خامنئي إلى عملية قتل وتصفية قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، التي تحولت فيما بعد إلى اشتباكات أفرزت ضغط إيراني كبير ترجم إلى ضغوط على الحكومة العراقية وإنسحاب أمريكي من العراق، فهل كان الانسحاب الأمريكي جزء من تسوية سياسية تضمنت توافق بين الطرفين على تعيين رئيس المخابرات العراقية السابق، مصطفى الكاظمي رئيساً للوزراء؟!.

كذلك تقوم دول الخليج بدور فعالة فيما تصفه مجلة فوري آفير، بالحروب بالوكالة التي تخدم الدبلوماسية الأمريكية سواء على صعيد الحرب الباردة مع تركيا في الشرق الأوسط أو دعم واستقرار أنظمة سياسية تدعمها السياسة الأمريكية في المنطقة مثل الجنرال خليفة حفتر أو الرئيس السوري بشار الأسد، أو طموحات الأكراد في الشمال السوري.

يقول المسؤول الكبير في وزارة الدفاع الأمريكية "جيمس أندرسون، إن حماية المصالح الأمريكية في تلك المنطقة يتطلب أن لا تكون ملاذاً آمناً للـــ"إرهابيين" وكذلك ضمان عدم السماح لأي قوى معادية للولايات المتحدة بالهيمنة عليها، لأن لها إسهام كبير في سوق الطاقة العالمي، ولا يمكن تحقيق ذلك إلا بجلب الجهات الفاعلة في تلك المنطقة إلى حوار أمني إقليمي لضمان إلتزامهم بالسياسيات الأمريكية.

على غرار ما قاله أندرسون فإن سياسات واشنطن في المنطقة بإتجاه تحقيق عملية تحول في العلاقات الفلسطينية مع "إسرائيل" فهي تدفع إلى تهميش السلطة الفلسطينية وانتزاع أي تأثير دبلوماسي لها عبر تجاوزها بالضغط على الدول العربية للتطبيع مع "إسرائيل"، وهذا الأمر سيكون بصورة مباشرة لصالح هوية سياسية جديدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة ستدق المسمار الأخير في نعش أوسلو لصالح إنتفاضة جديدة قد تغير قواعد اللعبة وتنفي الرغبة الأمريكية الجامحة في القضاء على الهوية السياسية للنضال الفلسطيني وتحويلها إلى ملف أمني بحث يمكن إتباع نموذج أنطوان لحد في جنوب لبنان معه.

بصورة عامة هناك المنافسة الروسية القوية والفاعلة للإدارة الأمريكية في المنطقة وكذلك الصين التي تعد أبرز شريك إقتصادي لــ"إسرائيل"، وأزمة النظام السياسي الأمريكي التي لم تظهر عناوين محددة لنهايتها والتبعات الاقتصادية لأزمة كورونا التي تضغط بقوة على الأجندة الأمريكية، والعلاقات الأوروبية الأمريكية المتأزمة. كل ذلك قد يكون مؤثر فاعل في السياسيات الأمريكية في المنطقة ويفضي إلى تحولات تضعف طبيعة التدخل الأمريكي لاسيما في حال زاد حجم الانسحاب الأمريكي بعد الانتخابات الأمريكية المرتقبة في نوفمبر المقبل.  

 

 

أعلى