فتاوى في الصيام
الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله ، وصحبه أجمعين
، وبعد :
فهذه طائفة من أحكام الصيام ، مجموعة من كلام أهل العلم ، من المتقدمين والمتأخرين
، بطريقة السؤال والجواب .
س : ما هو فضل الصيام ؟
ج : في ذلك آيات وأحاديث كثيرة ، منها قوله تعالى : {
إنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ }
قال أهل التفسير : هم الصائمون .
وقال -صلى الله عليه وسلم- :
»
إن في الجنة باباً يقال له الريان : يدخل منه الصائمون يوم القيامة ، لا يدخل منه
أحد غيرهم ، يقال : أين الصائمون ؟ ، فيقومون
فيدخلون منه ، فإذا دخلوا أغلق فلم يدخل منه أحد
«
(وفي رواية : من دخل شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبداً) [صحيح الجامع الصغير ، رقم 2121
، وانظر صحيح الترغيب 1/410] .
وفي الصحيحين ، قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم- :
»
قال الله عز وجل ، كل عمل ابن آدم له (وفي مسلم : يضاعف الحسنة بعشر أمثالها ، إلى
سبعمائة ضعف) إلا الصوم ، فإنه لي وأنا أجزي به ، والصيام جنة
«
(وفي رواية صحيحة : يستجن به العبد من النار) .
وفي حديث يحيى بن زكريا :
»
وأمركم بالصيام ، ومثل ذلك كمثل رجل معه صرة مسك في عصابة ، كلهم يجد ريح المسك ،
وإن خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك
«
[صحيح الجامع الصغير رقم (1720) ] .
س : ما حكم من صام
رمضان
استشفاء من مرض أو تخفيفاً للوزن ؟
ج : إن اقتصرت نيته على هذا فليس له في الآخرة من نصيب ، قال تعالى :
{مَن كَانَ يُرِيدُ العَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا
مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً
مَّدْحُوراً ، ومَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وهُوَ مُؤْمِنٌ
فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُوراً }
[الإسراء/18-19] .
ويجب أن تكون نية المؤمن مطابقة لحديث رسول الله-صلى الله عليه وسلم- :
»
من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما
تقدم من ذنبه
«
[صحيح الترغيب 1/415] وينبغي على الدعاة أن يبينوا للناس معنى كلمة (احتساباً)
ويدعوا ذكر الفوائد الدنيوية للمؤلفة قلوبهم .
س : كيف يحكم بدخول شهر
رمضان
؟
..
ج : بأحد أمرين : - الأول : رؤية هلاله ، لقوله
تعالى : {
فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ }
فإذا أعلن ثبوته مصدر موثوق وجب العمل بذلك .
- الثاني :
إكمال شعبان ثلاثين يوماً ، ولا مانع من توالي شهرين أو أكثر في السنة الهجرية كل
منها 29 يوماً أو 30 يوماً .
س : إذا أسلم الكافر ، أو بلغ الصبي ، أو شفي المريض ، أو أقام المسافر ، أو طهرت
الحائض ، أثناء النهار في
رمضان
فماذا يجب عليهم من جهة الإمساك والقضاء ؟
ج : إذا أسلم الكافر ، أو بلغ الصغير ، أثناء النهار لزمهما إمساك بقية اليوم وليس
عليهما قضاؤه ، ولا قضاء الأيام التي قبله من الشهر ، لأنهما لم يكونا من أهل
الوجوب عند الإمساك .
- وإذا شفي المريض ، أو أقام المسافر ، أو طهرت الحائض ، فالأحوط الإمساك بقية
اليوم (للخلاف في المسألة) وعليهم قضاء هذا اليوم ، وما فاتهم قبله .
والفرق بين القسمين : أن القسم الأول تحقق لديهم الشرط أما القسم الثاني فقد زال
عنهم المانع .
س : متى يؤمر الصبي بالصيام ؟
ج : قال الخرقي : وإذا كان الغلام عشر سنين ، وأطاق الصيام أخذ به .
قال ابن قدامة : واعتباره بالعشر أولى ، لأن النبي -صلى الله عليه وسلم- أمر بالضرب
على الصلاة عندها ، واعتبار الصوم بالصلاة أحسن لقرب إحداهما من الأخرى ،
واجتماعهما في أنهما عبادتان بدنيتان من أركان الإسلام ، إلا أن الصوم أشق فاعتبرت
له الطاقة ، لأنه قد يطيق الصلاة من لا يطيقه . [المغني مع الشرح 3/90] .
فما بالك أيها الأخ المسلم بمن يمنع أولاده من الصيام رحمة بهم بزعمه ! !
س : رجل بلغ من الكبر عتياً ، وأصبح لا يعرف أولاده ، ولا الجهات الأصلية ، فماذا
عليه في الصوم ؟
.
ج : إذا كان الواقع ما ذكر ، فليس عليه صلاة ولا صيام ولا إطعام .
وإذا كان يعود إليه عقله أحياناً ، ويذهب أحياناً ، فإذا عاد إليه صام ، وإذا ذهب
عنه سقط عنه الصيام .
س : ما حكم الصيام للمريض ؟
ج : إذا ثبت بالطب أن الصوم يسبب هلاك المريض فلا يجوز له الصيام ، أما إن ثبت أن
الصوم يجلب المرض له أو يضر بالمريض بزيادة مرضه أو تأخير شفائه أو يؤلمه أو يشق
عليه الصيام ، فالمتسحب له أن يفطر ثم يقضي .
س : شخص مصاب بقرحة في معدته ، ونهاه الطبيب عن الصيام مدة خمس سنوات . فما الحكم
؟
ج : إذا كان الطبيب الذي نهاه عن الصوم ثقة مأموناً خبيراً في طبه ، فيتعين السمع
والطاعة لنصحه ، وذلك بإفطاره في رمضان حتى
يجد القدرة والاستطاعة على الصوم ، لقوله تعالى : {
فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }
فإذا شفي من مرضه ، تعين عليه صوم أشهر رمضان
التي أفطرها .
س : ما حكم العاجز عن الصيام عجزاً كلياً لمرض لا يرجى شفاؤه أو لكبر سنه ؟
ج : عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً ، نصف صاع من قوت البلد ، (مثال : قرابة1 . 5
كغ من الأرز) يدفعها في أول الشهر كما فعل أنس رضي الله عنه ، ويجوز أثناءه أو في
آخره .
س : رجل مريض أخبره الأطباء أن شفاءه ممكن ، فهل يجزئه الإطعام ؟
ج : لا يجزئه الإطعام ، ويجب عليه الانتظار حتى يشفى ثم يقضى .
س : رجل مريض ينتظر الشفاء ليصوم ، فمات ، فماذا عليه ؟
.
ج : ليس عليه شيء لأن الصيام حق لله تبارك وتعالى ، وجب بالشرع ومات من يجب عليه
قبل إمكان فعله فسقط إلى غير بدل كالحج .
س : شخص صام جزءاً من
رمضان
ثم عجز عن إكمال الباقي ، فماذا يعمل ؟
ج : إن كان عجزه لأمر طارئ يزول ، انتظر حتى يزول ثم يقضى ، وإن كان عجزه لأمر دائم
، فإنه يطعم عن كل يوم مسكيناً كما تقدم .
س : ما حكم الصوم للمسافر ؟
ج : إذا شق عليه الصوم في السفر فالأفضل أن يأخذ بالرخصة فيفطر . وإن لم يشق عليه
صام والفطر جائز .
س : متى يفطر الصائم ؟
ج : في ذلك حديثان :- الأول : حديث أنس رضي الله عنه أنه أفطر على دابته قبل أن
يخرج وقد تهيأ للرحيل .
- الثاني : حديث ابن عباس رضي الله عنهما في الصحيحين ، قال : خرج رسول الله-صلى
الله عليه وسلم-حتى بلغ عسفان ، ثم دعا بماء فرفعه إلى يديه ليراه الناس ثم أفطر .
فالأحوط أن لا يفطر المسافر إلا إذا خرج من بلدته وفارق البيوت .
س : رجل قرر في إحدى الليالي من
رمضان
أن يسافر غداً في النهار ، فهل يجوز له أن يبيت نية الإفطار ؟
ج : لا يجوز له ذلك ، بل ينوي الصيام ، لأنه لا يدري ما يعرض له ، فقد لا يستطيع
السفر ، فإذا سافر أفطر إن شاء كما تقدم .
س : رجل أراد مواقعة أهله في
رمضان
، فسافر من أجل ذلك ؟
ج : فعله حرام ، لأنه قصد التحايل ، وهو آثم ولا يجوز له الفطر
{
يُخَادِعُونَ اللَّهَ وهُوَ خَادِعُهُمْ }
.
س : هل يجوز الإفطار في المطار ؟
ج : إن كان المطار داخل البلد أو في حدودها فإنه ينتظر حتى تقلع الطائرة وتبتعد ،
ثم يفطر ، وإن كان المطار خارج البلد ، جاز له الفطر في المطار .
س : غربت الشمس في المطار فأفطرنا بعد الصيام ، فلما أقلعت الطائرة وارتفعت رأينا
الشمس مرة أخرى ، فما حكم الصيام ؟
ج : الصيام صحيح ، لأنه عليه الصلاة والسلام قال :
»
إذا أقبل الليل من هاهنا ، وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم
«
[ متفق عليه ] .
س : من صام في بلد ، ثم سافر إلى بلد آخر ، صام أهله قبله أو بعده ، فماذا يفعل ؟
ج : يفطر بإفطار أهل البلد الذين ذهب إليهم ، ولو زاد على ثلاثين يوماً (بالنسبة
له) لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- :
»
الصوم يوم تصومون ، والفطر يوم تفطرون
«
[رواه الترمذي وهو حديث صحيح ] . لكن إن لم يكمل تسعة وعشرين فعليه إكمال ذلك الشهر
(بعد يوم العيد) ، لأن الشهر لا ينقص عن تسعة وعشرين يوماً .
س : صامت امرأة ، وقبل الغروب بلحظات خرج منها الدم ، فما حكم صيامها ؟
ج : إن خرج فعلاً ، فقد بطل الصوم وهي مأجورة ، وتقضي بدلاً منه ، أما إن أحسَّت به
داخل الجسم ولم يخرج ، أو خرج بعد الغروب ، فصيامها صحيح .
س : امرأة طهرت قبل الفجر في
رمضان
، ولم تغتسل إلا بعد الفجر ، وكذلك رجل أصبح جنباً ولم يغتسل إلا بعد الفجر ، فما
حكم صيامهما ؟
ج : صيام المرأة المذكورة صحيح ، وكذلك صيام الجنب ، لحديث عائشة رضي الله عنها
المتفق عليه :
»
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدركه الفجر وهو جنب من أهله ، ثم يغتسل ويصوم
«
. وكذلك النفساء مثل الحائض في الحكم إذا طهرت قبل الفجر . ولكن يجب التعجيل
بالاغتسال لإدراك صلاة الفجر .
س : هل يجوز للمرأة استعمال حبوب لمنع الحيض في
رمضان
؟
ج : يجوز أن تستعمل المرأة أدوية لمنع الحيض في رمضان
إذا قرر أهل الخبرة الأمناء من الأطباء ومن في حكمهم أن ذلك لا يضرها . وخير لها أن
تكف عن ذلك ، وقد جعل الله لها رخصة في الفطر ، إذا جاءها الحيض في
رمضان وشرع لها قضاء الأيام التي أفطرتها ورضي
لها بذلك ديناً .
س : شخص لم يدر أن
رمضان
قد دخل ، إلا في صباح اليوم التالي ، فماذا يعمل ؟
ج : يمسك ذلك اليوم ، ويقضي يوماً بدلاً منه ، لقوله -صلى الله عليه وسلم- :
»
لا صيام لمن لم يفرضه من الليل
«
[صحيح الجامع الصغير رقم (7516) ] .
س : ما هي المفطرات ؟
ج : ذكر شيخ الإسلام رحمه الله : أن من المفطرات ما يكون من نوع الاستفراغ :
كالجماع والاستقاءة ، والحيض والاحتجام . ومنها ما يكون من نوع الامتلاء : كالأكل
والشرب (وما في معناها كالحقن المغذية) ومن الخارجات نوع لا يقدر على الاحتراز منه
: كالأخبثين ، وإذا خدعه القيء والاحتلام في النوم ، وخروج الدم من الجروح ،
والاستحاضة ، بخلاف ما إذا استقاء عمداً أو استمنى عمداً . [ الفتاوى25 /265] .
والمفطرات (ما عدا الحيض والنفاس) لا تفسد الصوم إلا إذا فعلها الشخص مختاراً غير
مكره ، ذاكراً غير ناسٍ ، عالماً غير جاهل .
س : ما حكم قطرة العين والأذن ؟
ج : لا تفطر كما ذكر أهل العلم ، وكذلك : الطيب والكحل ، وأخذ الدم للتحليل ،
والرعاف ، والحقنة الشرجية ، والإبر غير المغدية ، والغبار ، وذوق الطبّاخ للطعام
دون دخوله إلى جوفه ، ومن تمضمض فدخل الماء رغماً عنه إلى جوفه ، ودواء الربو الذي
يؤخذ بطريق الاستنشاق ، وبلع الريق . وكذلك السواك فهو جائز في جميع أجزاء النهار .
س : ما حكم التقبيل في نهار
رمضان
؟
ج : إذا عرف الشخص من نفسه أنه إذا قبّل لا يخرج منه شيء ، جاز له التقبيل ، كما
ورد في الصحيحين أنه -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل وهو صائم ،أما إذا كان يعلم من
عادته أنه سينزل ، أو لا يضمن نفسه ، فلا يقبل ، لأنه إذا أنزل عند التقبيل أو
اللمس فقد فسد صيامه .
س : ما حكم بقايا الطعام في الفم ، وفتات السواك ، واستخدام معجون الأسنان ؟
ج : إذا طلع الفجر عليه فعليه إخراج بقايا الطعام من فيه ولايجوز بلعها .
وكذلك لا يجوز بلع فتات السواك ، وإذا وصلت إلى حلقه رغماً عنه ، فليس عليه شيء .
وكذلك الدم الخارج من اللثة لا يفطره إذا بلغ جوفه دون قصد . أما بالنسبة لمعجون
الأسنان فإنه لا يخلو من حالين :
أحدهما : أن يكون قوياً ، ينفذ إلى المعدة ولا يتمكن الإنسان من ضبطه ، فهذا محظور
عليه ، ولا يجوز له استعماله ، وعلى الأقل فهو يكره .
أما إذا كان يمكنه أن يتحرز منه ، فإنه لا حرج عليه في استعماله ..
س : ما حكم الأكل والشرب أثناء الأذان ؟
ج : إن سمع الأذان وعلم أنه يؤذن على الفجر ، وجب عليه الإمساك ، وإن كان يؤذن قبل
طلوع الفجر ، لم يجب عليه الإمساك حتى يتبين له الفجر ، وإن كان لا يعلم حال المؤذن
هل أذن قبل الفجر أو بعده ، فالأولى والأحوط أن يمسك إذا سمع الأذان ، ولا يضره لو
شرب أو أكل شيئاً حين الأذان لأنه لم يعلم بطلوع الفجر ، لكن عليه أن يحتاط
بالتقويمات التي تحدد الوقت بالساعة والدقيقة .
س : ماذا يفعل من غربت الشمس وهو يقود سيارته ، وليس عنده ما يفطر به ؟
ج : ينوي الفطر بقلبه ، ولا يفعل كبعض الجهال : يمص أصبعه أو يبلع ريقه .
س : لم يخبر أمه بطلوع الشمس شفقة عليها حتى يتسنى لها الشرب ، فما الحكم ؟
ج : الأحوط أن تعيد الصيام ، ويستغفر هو ويتوب .
س : إذا رأى شخص صائماً يأكل ناسياً ، فهل يجب عليه أن يذكره ؟
ج : نعم يجب عليه ذلك لعموم قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح :
»
إذا نسيت فذكروني
«
ولأنه بالنسبة للمشاهد يعتبر منكراً يجب تغييره ، ولأنه من باب التعاون على البر
والتقوى .
س : ما حكم التهنئة بدخول شهر
رمضان
؟
ج : لا حرج في ذلك .
نسأل الله أن يعيننا وإخواننا المسلمين على صيامه وقيامه كما يحب ويرضى ، والله
تعالى أعلم .
المصادر :
- المغني مع الشرح الكبير - الجزء الثالث .
- مجموع الفتاوى لابن تيمية - الجزء الخامس والعشرون .
- مجالس شهر رمضان -للشيخ محمد بن صالح العثيمين .
- مجلة البحوث الإسلامية - العدد الرابع عشر .
- فتاوى مجلة الدعوة .
- فتاوى نور على الدرب - للشيخ عبد العزيز بن باز .
- فتاوى نور على الدرب - للشيخ محمد بن صالح بن عثيمين .