• - الموافق2024/11/22م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
شهر رمضان .. وقفات وأحكام(2-2)

شهر رمضان .. وقفات وأحكام(2-2)

تحدث الكاتب في الحلقة السابقة عن مسائل مهمة عن الصيام ، فأشار إلى حكم الصيام وحكمته وفضله ، وتطرق إلى أحكام الصيام من ثبوت دخوله وشروط وجوبه وصحة صيامه وفرضه ومفطراته ، وفي هذه الحلقة يتابع مساءل أخرى تهم الصائمين .

-البيان-

ثامناً : مسائل القضاء :

1- الحائض والنفساء يجب عليهما القضاء بالإجماع [1] ؛ فعن معاذة رحمها الله قالت : سألتُ عائشة رضي الله عنها فقلت : ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ قالت : أحروريةٌ [2] أنتِ ؟ قلت : لست بحرورية ، ولكني أسأل .   فقالت : (كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) [3] .

2- المسافر يجوز له الفطر ولو لم يكن عليه مشقة بالصيام لقوله تعالى{ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أََوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أََيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ اليُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ العُسْرَ } [البقرة : 185] .

وعن حمزة بن عمرو الأسلمي رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله أجد بي قوة على الصيام في السفر فهل عليّ جناح ؟فقال رسول الله : (هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه) [4]  .

3- من أفطر متعمداً في رمضان بغير عذر فهو آثم إثماً عظيماً ؛ وعليه التوبة إلى الله ، ويجب عليه قضاء ما أفطر على القول الراجح وهو قول الجمهور [5] .

والدليل على وجوب القضاء :

أ - حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : (من ذرعه القيء وهو صائم فليس عليه قضاء ، ومن استقاء فليقضِ) [6]  .

ب - قوله -صلى الله عليه وسلم- للمُجامع في نهار رمضان بعد أن ذكر له الكفارة : (وصم يوماً ، واستغفر الله) [7]  .

أما إذا كان الإفطار بالجماع فيجب مع القضاء الكفارة وهي عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً لحديث أبي هريرة رضي الله عنه في الصحيحين .

4- المريض الذي شق عليه الصوم : يجوز له الفطر ؛ بل قد يجب إذا ترتب على صيامه إلحاق ضرر به ، ويقضي ما أفطر ، ومثله في الحكم الحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما [8]  .

5- العاجز عن الصيام عجزاً مستمراً كالشيخ الكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه ، فهذا لا يجب عليه الصوم ، ويجب عليه أن يطعم مكان كل يوم مسكيناً ، فعن عطاء سمع ابن عباس رضي الله عنه يقرأ : { وَعَلَى الَذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [البقرة : 184] ، قال ابن عباس : (ليست بمنسوخة ، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فليطعما مكان كلّ يوم  مسكيناً) [9] .

6- الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة إذا بلغا الهذيان وعدم التمييز ، لا يجب عليهما الصيام ولا الإطعام ؛ لسقوط التكليف .

الوقفة الخامسة : سنن الصيام :

1- تأخير السحور ؛ لحديث أنس رضي الله عنه عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : (تسحرنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ثم قام إلى الصلاة . قلت : كم كان بين الأذان والسحور ؟ قال : قدر خمسين آية) [10]  .

2- تعجيل الفطر لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر) [11] .

3- أن يفطر على رطب ؛ فإن لم يكن فعلى تمرات ، فإن لم تكن فعلى ماء .

لحديث أنس رضي الله عنه قال : كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي ، فإن لم يكن فعلى تمرات ، فإن لم تكن تمرات حسا حسوات من ماء) [12] .

4- لم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- دعاءٌ عند الإفطار إلا ما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنه : كان رسول الله إذا أفطر قال : (ذهب الظمأ ، وابتلت العروق ، وثبت الأجر إن شاء الله) حديث حسن [13] .

5- أهم السنن وآكدها أكل السحور لقوله : (تسحروا فإن في السحور بركة) [14] ، وقال : (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السّحَر) [15].

6- أن يكون في سحوره تمر لقوله : (نعم سحور المؤمن التمر) [16] .

7- أن يقول لمن سابه أوشاتمه : إني امرؤ صائم .

8- والسنّة في عدد ركعات التراويح أن لا تزيد عن إحدى عشرة ركعة ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : (ما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة) [17] ، والزيادة جائزة لحديث ابن عمر رضي الله عنهما قال : إن رجلاً قال : يا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كيف صلاة الليل ؟ قال : مثنى مثنى ، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة) [18]  .

الوقفة السادسة : زاد الصائم : ينبغي أن يكون شعار المؤمن في رمضان قوله تعالى : { وَتَزَوَّدُوا فَإنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى } [البقرة : 197] ، وأن يقتدي بحال النبي -صلى الله عليه وسلم- في رمضان كما في حديث ابن عباس رضي الله عنه قال : (كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود الناس ، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل ، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان ، فيدارسه القرآن ، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير من الريح المرسلة) [19]  .

وإليك أخي المسلم بعض ميادين المسابقة في الخيرات في رمضان :

1- قيام الليل : فلا تخلو ليلة من قيام ليحصل على الأجر الوارد في قوله : (من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه) [20] ، وأن يصلي  التراويح مع الإمام حتى ينتهي لحديث أبي ذر رضي الله عنه قال : صُمنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- رمضان فلم يقم بنا شيئاً من الشهر حتى بقي سبع ، فقام بنا حتى ذهب ثلث الليل ، فلما كانت السادسة لم يقم بنا .

فلما كانت الخامسة قام بنا حتى ذهب شطر الليل .

فقلت : يا رسول الله : لو نفلتنا قيام هذه الليلة .

قال : فقال : (إن الرجل إذا صلى مع الإمام حتى ينصرف حُسبَ له قيام ليلة) .

قال : فلما كانت الرابعة لم يقم ، فلما كانت الثالثة جمع أهله ونساءه والناس فقام بنا حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح . قال : قلت : وما الفلاح ؟ قال : السحور .

ثم لم يقم بنا بقية الشهر [21]  .

وقد قام النبي -صلى الله عليه وسلم- بأصحابه ثلاث ليال ولم يخرج الرابعة خشية أن يفرض عليهم .

وليس معنى ذلك أن يقتصر على صلاة التراويح فقط ؛ فإن أمكنه أن يصلي من آخر الليل وحده فهو من تمام القيام .

2- قراءة القرآن : قال : (اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم  القيامة شفيعاً  لأصحابه) [22]  .

وقال عليه الصلاة والسلام : (من قرأ حرفاً من كتاب الله فله به حسنه والحسنة بعشر أمثالها) [23]  .

3- تفطير الصائمين : قال : (من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئاً) [24]  .

4- العمرة : قال : ( ... فعمرة في رمضان تعدل حجة) وفي رواية : (حجة معي) [25]  .

5- الصدقة : والنصوص في فضلها مستفيضة من الكتاب والسنة ، وقد  اختصها الله تعالى ؛ فكأن المتصدق يقرض الله ؛ ومَنْ أعظمُ وأجزل وفاءً من الله ؟ قال تعالى : { مَن ذَا الَذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ }   [الحديد : 11] وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله : (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يقبل الله إلا الطيب فإن الله يقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فُلُوّه ، حتى تكون مثل الجبل) ، وهي من أسباب دخول الجنة كما قال : (يا معشر النساء تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار) [26] ، واعلم أخي المسلم أن الصدقة لا تنقص المال ، كما ثبت من حديث أبي هريرة مرفوعاً : (ما نقصت صدقة من مال) [27]  .

وتأمل معي الحديث التالي : الذي يبين سبب تراجع الكثيرين وترددهم في الصدقة ؛ فعن بريدة رضي الله عنه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (ما يُخرج رجلٌ شيئاً من الصدقة حتى يَفك بها لحيي سبعين شيطاناً) [28]  ، وبعد هذا العرض المؤثر من نصوص الصدقة أدعوك يا أخي ألا تترك أيّ فرصة للصدقة : على فقير ، أو بناء مسجد ، أو طبع كتاب ، أو غير ذلك ، في البيت ، أو المسجد ، أو في اللجان الخيرية ، حتى تلك الصناديق التي تشاهدها في بعض المحلات التجارية ، ولو أن تضع شيئاً يسيراً لتدحر بها شياطين الجن والإنس ، وتكفر سيئاتك ، وتثقل موازينك يوم القيامة ، فتراها كالجبال العظيمة ، وتفوز كل يوم بدعاء الملائكة ؛ كما ثبت في حديث أبي هريرة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما : اللهم أعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً) [29]  .

وما أجمل أن يكون المسلم واسطة خير في الصدقة والزكاة بين الناس ومن يستحقها . عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : (الخازن المسلم الأمين الذي يُنفِّذ ما أُمر به كاملاً موفوراً طيباً بها نفسه فيدفعه إلى الذي أمر له به أحدُ المتصدقين) [30] .

محاذير وتنبيهات :

1- يمسك بعض الناس قبل الفجر بوقت (عشر دقائق مثلاً) احتياطاً ، وهذا لم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم- ولا أصحابه ؛ فهو غير مشروع .

2- بعض المؤذنين يحتاط للناس فيؤذن قبل الوقت وهذا خطأ ، والصواب أن يؤذن عند دخول الوقت ؛ فهذا هو المشروع ، وحتى لا يغتر بأذانه بعض النساء في البيوت فيصلين قبل الوقت .

3- بعض الناس في رمضان يصلون بعد الأذان بوقت يسير ؛ والأوْلى أن يتأخروا بوقت تطمئن نفوسهم بدخول الوقت ؛ فقد ثبت أن عدداً من التقاويم غير دقيقة وأنها تسبق دخول الوقت بنحو ربع إلى ثلث ساعة .

4- هذا شهر الصيام وبعض الناس يجعله شهر الطعام ، فتضيع الأوقات الطويلة وخصوصاً على المرأة في صنع ألوان الطعام .

5- الحذر من الوقوع في المحرمات وخصوصاً ما يتفنن به شياطين الإنس من أفلام ومسلسلات .

6- ينبغي على المرأة المسلمة أن تحذر الخروج إلى الأسواق متطيبة ، أو متبرجة ، أو بدون حاجة ، أو بدون محرم ، وكم يتألم المؤمن من امتلاء الأسواق بالنساء ليالي رمضان وخصوصاً في العشر الأواخر منه .

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

 


(1) حكاه ابن حزم في مراتب الإجماع ، ص 47 .

(2) يقال لمن اعتقد مذهب الخوارج : حروري ؛ نسبة إلى حروراء ، وهي بلدة قرب الكوفة ، وكان أول اجتماع للخوارج بها للخروج على عليّ فاشتهروا بالنسبة إليها ، انظر : فتح الباري ، 1/502 .

(3) أخرجه البخاري ، ح/321 ، ومسلم واللفظ له ، ح/335 .

(4) أخرجه مسلم ، ح/1121 .

(5) أخرجه أبو داود ، ح/2363 ، وابن ماجة ، ح/1676 ، وأحمد 2/ 498 ، والدارقطني وقال : رواته ثقات كلهم ، (2/184) وصححه الحاكم ووافقه الذهبي في التلخيص (1/427) وصححه ابن تيمية في حقيقة الصيام ص 14 ، وقال أحمد شاكر : (إسناده صحيح) ، (شرح المسند 10/111) وصححه الألباني في الإرواء (4/51) .

(6) أخرجه أبو داود ، ح/2376 ، وابن ماجة بلفظ : (وصم يوماً مكانه) ، ح/1671 ، ومالك ، ح/29 وغيرهم ، قال النووي : (رواه البيهقي بإسناد جيد) (المجموع 3/76) وصححه أحمد شاكر في شرح المسند (6/147) والألباني في الإرواء (4/90) .

(7) انظر بداية المجتهد (1/302) .

(8) انظر : مجالس شهر رمضان ، ص 33 ، 36 .

(9) أخرجه البخاري ، ح/4505 .

(10) أخرجه البخاري ، ح/922 .

(11) أخرجه البخاري ، ح/1957 ، ومسلم ، ح/1098 .

(12) صحيح أبي داود ، ح/2356 .

(13) صحيح أبي داود ، ح/2357 .

(14) أخرجه البخاري ، ح/1923 ، ومسلم ، ح/1095 .

(15) أخرجه مسلم ، ح/1096 .

(16) صحيح أبي داود ، ح/ 2345 .

(17) أخرجه مسلم ، ح/738 .

(18) أخرجه البخاري ، ح/1137 .

(19) متفق عليه .

(20) متفق عليه .

(21) صحيح أبي داود ، ح/1375 .

(22) أخرجه مسلم ، ح/804 .

(23) صحيح الترمذي ، ح/3087 .

(24) صحيح النسائي ، ح/811 .

(25) متفق عليه .

(26) متفق عليه .

(27) أخرجه مسلم ، ح/2588 .

(28) السلسلة الصحيحة ، ح/1268 .

(29) أخرجه البخاري ، ح/1442 .

(30) أخرجه البخاري ، ح/1438 .

 

أعلى