تمهيد :
من
رحمة الله (تبارك وتعالى) أن فاضل بين الأزمنة ، فاصطفى واجتبى منها ما شاء بحكمته
، قال (عز وجل) : { وَرَبُّكَ
يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ .. } [القصص : 68] وذلك
التفضيل من فضله وإحسانه ؛ ليكون عوناً للمسلم على تجديد النشاط ، وزيادة الأجر ،
والقرب من الله (تعالى) . ونظرة في واقع الكثير تنبئك عن جهل كبير بفضائل الأوقات
، ومن أكبر الأدلة على ذلك :الغفلة عن اغتنامها ، مما يؤدي إلى الحرمان من الأجر .
والأمر
الذي يحتاج إلى وقفة تأمل : التباين الكبير بين كون عشر ذي الحجة أفضل أيام الدنيا
، والعمل الصالح فيها أحب إلى الله من العمل فيما سواها ، وبين واقع الناس وحالهم
في تلك العشر ، فالكثير لا يحرك ساكناً ، والأكثر لم يقم الأمر عنده ولم يقعد ،
ومن مظاهر ذلك مثلاً هجر سُنّة التكبير المطلق وهي من شعائر تلك الأيام .
وعلى
الرغم من أن هذه الأيام أعظم من أيام رمضان
، والعمل فيها أفضل ، إلا أنه لا يحصل فيها ولو شيء مما يحصل في رمضان ؛ من النشاط في عمل الآخرة ، ولا غرو ،
فالفارق بين الزمنين واضح ، فقد اختص رمضان
بما لم تختص به العشر ، ومن ذلك : وقوع فريضة الصوم فيه ، وهي (فريضة العام) على
كل مسلم ، مع ما يكون فيها من تربية للمسلم ، وزيادة لإيمانه ، بخلاف الحج فهو
فريضة العمر .
ارتباط
رمضان بنزول القرآن فيه مما جعله شهر
القرآن ، وذلك له أثر كبير في إقبال الناس فيه على كتاب الله الكريم .
الترغيب
الخاص بقيام لياليه ، وهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- في قيام العشر ، وتحري ليلة
القدر .
وهذه
الأمور الثلاثة جعلت لرمضان جوّاً خاصًّا متميزاً تنقلب حياة النّاس فيه ، وتتغير
أيًّا كان نوع ذلك التغير .
ما
يحصل في رمضان من تصفيد الشياطين ، وفتح
أبواب الجنة ، وإغلاق أبواب النيران ، مما يكون له أعظم الأثر في انبعاث الناس
للعبادة وحماسهم لها .
فيكون
ذلك حافزاً للعلماء والدعاة والأئمة والخطباء ليخاطبوا قلوب الناس ، ما دامت مقبلة
على الخير .
كل
ذلك وغيره يجعل هذه العشر ابتلاءً وامتحاناً للناس ، فلا يحصل فيها من المعونة على
الخير كما يحصل في رمضان ، والموفق من وفقه
الله ، فشمر وجد واجتهد .
فضل عشر ذي الحجة : قد
دل على فضلها أمور [1] :
الأول : قال (تعالى) : { وَالْفَجْر وَلَيَالٍ عَشْرٍ } [الفجر : 1 ، 2] قال غير واحد : إنها عشر ذي الحجة ، وهو الصحيح [2] . ولم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء
في تعيينها .
الثاني : أن النبي -صلى الله عليه
وسلم- شهد أنها أعظم أيام الدنيا ، وجاء
ذلك في أحاديث كثيرة منها : قوله (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى
الله من هذه الأيام العشر ، فقالوا : يارسول الله ، ولا الجهاد في سبيل الله ؟
فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج
بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء) [3]
.
وقوله
: (ما من أيام أعظم عند الله ، ولا أحب إليه من العمل فيهن ، من هذه العشر ،
فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) [4] ، والمراد في الحديثين : (أن كل يوم من أيام
العشر أفضل من غيره من أيام السنة ، سواء أكان يوم الجمعة أم لا ، ويوم الجمعة فيه
أفضل من الجمعة في غيره ؛ لاجتماع الفضلين فيه) [5] .
الثالث : أنه حث على العمل الصالح
فيها ، وأمر بكثرة التهليل والتكبير .
الرابع : أن فيها يوم عرفة ويوم
النحر .
الخامس : أنها مكان لاجتماع أمهات
العبادة فيها ، وهي : الصلاة ، والصيام ، والصدقة ، والحج ، ولا يتأتى ذلك في
غيرها [6]
.
أنواع العمل الصالح في أيام العشر :
وحيث ثبتت فضيلة الزمان ثبتت فضيلة العمل فيه ، وأيضاً فقد جاء النص على محبة الله
للعمل في العشر ، فيكون أفضل ، فتثبت فضيلة العمل من وجهين .
وأنواع العمل فيها ما يلي :
الأول : التوبة النصوح :وهي الرجوع إلى الله
(تعالى) ، مما يكرهه ظاهراً وباطناً إلى ما يحبه ظاهراً وباطناً ، ندماً على ما
مضى ، وتركاً في الحال ، وعزماً على ألا يعود . وما يتاب منه يشمل : ترك الواجبات
، وفعل المحرمات . وهي واجبة على المسلم حين يقع في معصية ، في أي وقت كان ؛ لأنه
لا يدري في أي لحظة يموت ، ثم إن السيئات يجر بعضها بعضاً ، والمعاصي تكون غليظة
ويزداد عقابها بقدر فضيلة الزمان والمكان ؛ قال (تعالى) : { يَا
أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحاً } [التحريم : 8] ، وقد ذكر
ابن القيم (رحمه الله تعالى) : أن النّصْح في التوبة يتضمن ثلاثة أشياء : استغراق
جميع الذنوب ، و إجماع العزم والصدق ، و تخليصها من الشوائب والعلل ، وهي أكمل ما
يكون من التوبة [7]
.
الثاني : أداء الحج والعمرة : وهما
واقعان في العشر ، باعتبار وقوع معظم مناسك الحج فيها ، ولقد رغب النبي -صلى الله
عليه وسلم- في هاتين العبادتين العظيمتين ، وحث عليهما ؛ لأن في ذلك تطهيراً للنفس
من آثار الذنوب ودنس المعاصي ، ليصبح أهلاً لكرامة الله (تعالى) في الآخرة .
الثالث : المحافظة على الواجبات :
والمقصود : أداؤها في أوقاتها وإحسانها بإتمامها على الصفة الشرعية الثابتة عن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، ومراعاة سننها وآدابها . وهي أول ما ينشغل به
العبد في حياته كلها ؛ روى البخاري عن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- : (إن
الله قال : من عادى لي وليّاً فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب
إليّ مما افترضته عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا
أحببته : كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره
الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ،
ولئن استعاذ بي لأعيذنه ، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن ، يكره
الموت ، وأنا أكره مساءته) [8]
.
قال
الحافظ : (وفي الإتيان بالفرائض على الوجه المأمور به : امتثال الأمر ، واحترام
الآمر ، وتعظيمه بالانقياد إليه ، وإظهار عظمة الربوبية ، وذل العبودية ، فكان
التقرب بذلك أعظم العمل) [9]
.
والمحافظة على الواجبات صفة من الصفات التي امتدح الله بها عباده المؤمنين ، قال
(عز وجل) : { وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ } [المعارج : 34] ، وتتأكد
هذه المحافظة في هذه الأيام ، لمحبة الله للعمل فيها ، ومضاعفة الأجر .
الرابع : الإكثار من الأعمال الصالحة : إن
العمل الصالح محبوب لله (تعالى) في كل زمان ومكان ، ويتأكد في هذه الأيام المباركة
، وهذا يعني فضل العمل فيها ، وعظم ثوابه ، فمن لم يمكنه الحج فعليه أن يعمر وقته
في هذه العشر بطاعة الله (تعالى) ، من : الصلاة ، وقراءة القرآن ، والذكر ،
والدعاء ، والصدقة ، وبر الوالدين ، وصلة الأرحام ، والأمر بالمعروف والنهي عن
المنكر .. وغير ذلك من طرق الخير ، وهذا من أعظم الأسباب لجلب محبة الله (تعالى) .
الخامس : الذكر : وله مزية على غيره من
الأعمال ؛ للنص عليه في قوله (تعالى) : { وَيَذْكُرُوا
اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّنْ بَهِيمَةِ
الأَنْعَامِ } [الحج : 28] قال ابن عباس : أيام العشر [10] ،
أي : يحمدونه ويشكرونه على ما رزقهم من
بهيمة الأنعام ، ويدخل فيه : التكبير ، والتسمية على الأضحية والهدي [11] ،ولقوله
: (فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد) .
السادس : التكبير : يسن إظهار التكبير في
المساجد والمنازل والطرقات والأسواق ، وغيرها ، يجهر به الرجال ، وتسر به المرأة ،
إعلاناً بتعظيم الله (تعالى) .
وأما
صيغة التكبير فلم يثبت فيها شيء مرفوع ، وأصح ما ورد فيه : قول سلمان : (كبروا
الله : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر كبيراً) . وهناك صيغ وصفات أخرى واردة
عن الصحابة والتابعين [12]
.
والتكبير
صار عند بعض الناس من السنن المهجورة ، وهي فرصة لكسب الأجر بإحياء هذه السنة ،
قال : (من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي ، فإن له من الأجر مثل من عمل بها من
غير أن ينقص من أجورهم شيئاً) [13]
. وقد
ثبت أن ابن عمر وأبا هريرة كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس
بتكبيرهما [14]
.
والمراد : يتذكر الناس التكبير ، فيكبرون بسبب تكبيرهما ، والله أعلم .
والتكبير
الجماعي بصوت واحد متوافق ، أو تكبير شخص ترد خلفه مجموعة : من البدع التي ينبغي على المسلم الحريص على
اتباع سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- اجتنابها والبعد عنها ، أما الجاهل بصفة
التكبير فيجوز تلقينه حتى يتعلم ، فإن قيل : إن التكبير الجماعي سبب لإحياء هذه
السنة ، فإنه يجاب عليه : بأن الجهر بالتكبير إحياء للسنة ، دون أن يكون جماعيًّا
، ومن أراد فعل السنة ، فإنه لا ينتظر فعل الناس لها ، بل يكون أول الناس مبادرة
إليها ، ليقتدي به غيره .
السابع : الصيام : عن حفصة (رضي الله عنها)
قالت : (أربع لم يكن يدعهن النبي -صلى الله عليه وسلم- : صيام عاشوراء ، والعشر ،
وثلاثة أيام من كل شهر ، والركعتين قبل الغداة) [15] . والمقصود : صيام التسع أو بعضها ؛ لأن العيد
لا يصام ، وأما ما اشتهر عند العوام ولا سيما النساء من صيام ثلاث الحجة ، يقصدون
بها اليوم السابع والثامن والتاسع ، فهذا التخصيص لا أصل له .
الثامن : الأضحية : وهي سنة مؤكدة في حق الموسر
، وقال بعضهم كابن تيمية بوجوبها [16]
، وقد أمر الله بها نبيه -صلى الله عليه وسلم-
، فقال : { فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } [الكوثر : 2] فيدخل في الآية صلاة العيد ، ونحر الأضاحي ، فقد كان
النبي -صلى الله عليه وسلم- يحافظ عليها ، قال ابن عمر (رضي الله عنهما) : أقام
النبي -صلى الله عليه وسلم- بالمدينة عشر سنين يضحي [17] .
التاسع : صلاة العيد : وهي متأكدة جدًّا ،
والقول بوجوبها قوي [18] فينبغي حضورها ، وسماع الخطبة ، وتدبر الحكمة من
شرعية هذا العيد ، وأنه يوم شكر وعمل صالح .
يوم عرفة : وقد زاد هذا اليوم فضلاً
ومزية على غيره ، فاستحق أن يخص بحديث مستقل يكشف عن أوجه تفضيله وتشريفه ، ومن
تلك الأوجه ما يلي :
أولاً : أنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة :
روى البخاري [19] :
قالت اليهود لعمر : إنكم تقرؤون آية ، لو نزلت فينا لاتخذناها عيداً ، فقال عمر :
إني لأعلم حيث أنزلت ، وأين أنزلت ، وأين كان رسول الله حين أنزلت : يوم عرفة ،
إنا والله بعرفة ، قال سفيان : وأشك كان يوم الجمعة أم لا : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ
نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً } [المائدة : 3] . وإكمال الدين في ذلك اليوم حصل ؛ لأن المسلمين لم
يكونوا حجوا حجة الإسلام من قبل ، فكمل بذلك دينهم لاستكمالهم عمل أركان الإسلام
كلها ، ولأن الله أعاد الحج على قواعد
إبراهيم (عليه السلام) ، ونفى الشرك وأهله ، فلم
يختلط بالمسلمين في ذلك الموقف منهم أحد . وأما إتمام النعمة فإنما حصل
بالمغفرة ، فلا تتم النعمة بدونها ، كما
قال الله لنبيه : { لِيَغْفِرَ
لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ
عَلَيْكَ } [الفتح : 2] [20]
.
ثانياً : أنه يوم عيد : عن أبي أمامة أن
النبي -صلى الله عليه وسلم- قال : (يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام التشريق عيدنا
أهل الإسلام ، وهي أيام أكل وشرب) [21]
.
ثالثاً : أن صيامه يكفر سنتين :
قال عن صيامه : (يكفر السنة الماضية والباقية) [22] .
رابعاً : أنه يوم مغفرة الذنوب ، والعتق من النار :
عن عائشة (رضي الله عنها) أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال : (ما من يوم
أكثر من أن يعتق الله فيه عبداً من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم
الملائكة ، فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ ) [23] قال
ابن عبد البر : (وهو يدل على أنهم مغفور لهم ؛ لأنه لا يباهي بأهل الخطايا والذنوب
، إلا بعد التوبة والغفران ، والله أعلم) [24] .
الأعمال المشروعة فيه : أولاً : صيام ذلك
اليوم : ففي صحيح مسلم قال : ( ... صيام يوم عرفة أَحْتَسِبُ على الله أن يكفر
السنة التي قبله ، والسنة التي بعده ... ) [25] . وصومه إنما شرع لغير الحاج ، أما الحاج فلا
يجوز له ذلك . ويتأكد حفظ الجوارح عن المحرمات في ذلك اليوم ، كما في حديث ابن
عباس ، وفيه : (إن هذا اليوم من مَلَك فيه سمعه وبصره ولسانه : غُفر له) [26] .
ولا يخفى أن حفظ الجوارح فيه حفظ لصيام الصائم ، وحج الحاج ، فاجتمعت عدة أسباب معينة على الطاعة وترك
المعصية .
ثانياً : الإكثار من الذكر والدعاء : قال
النبي -صلى الله عليه وسلم- : (خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا
والنبيون من قبلي : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد
، وهو على كل شيء قدير) [27] ،
قال ابن عبد البر : (وفي الحديث دليل على أن دعاء يوم عرفة مجاب في الأغلب ، وأن
أفضل الذكر : لا إله إلا الله) [28]
. قال الخطابي : (معناه : أكثر ما أفتتح به
دعائي وأقدمه أمامه من ثنائي على الله (عز وجل) ، وذلك أن الداعي يفتتح دعاءه
بالثناء على الله (سبحانه وتعالى) ، ويقدمه أمام مسألته ، فسمي الثناء دعاء ... ) [29] .
ثالثاً : التكبير : سبق في بيان وظائف العشر أن
التكبير فيها مستحب كل وقت ، في كل مكان يجوز فيه ذكر الله (تعالى) . وكلام
العلماء فيه يدل على أن التكبير نوعان :
الأول
: التكبير المطلق : وهو المشروع في كل وقت من ليل أو نهار ، ويبدأ بدخول شهر ذي
الحجة ، ويستمر إلى آخر أيام التشريق .
الثاني
: التكبير المقيد : وهو الذي يكون عقب الصلوات ، والمختار : أنه عقب كل صلاة ،
أيًّا كانت ، وأنه يبدأ من صبح عرفة إلى آخر أيام التشريق [30].
وخلاصة
القول : أن التكبير يوم عرفة والعيد ، وأيام التشريق يشرع في كل وقت وهو المطلق ، ويشرع عقب كل صلاة وهو المقيد
.
يوم النحر : لهذا اليوم فضائل عديدة :
فهو يوم الحج الأكبر [31]
وهو أفضل أيام العام ؛ لحديث : (إن أعظم الأيام عند الله (تبارك
وتعالى) : يوم النحر ، ثم يوم القرّ) [32] وهو بذلك أفضل من عيد الفطر ، ولكونه يجتمع فيه
الصلاة والنحر ، وهما أفضل من الصلاة والصدقة [33] . وقد اعتبرت الأعياد في الشعوب والأمم أيام لذة
وانطلاق ، وتحلل وإسراف ، ولكن الإسلام صبغ العيدين بصبغة العبادة والخشوع إلى
جانب الفسحة واللهو المباح [34] .
وقد شرع في يوم النحر من الأعمال العظيمة كالصلاة ، والتكبير ، ونحر الهدي ، والأضاحي ، وبعض من مناسك الحج
ما يجعله موسماً مباركاً للتقرب إلى الله
(تعالى) ، وطلب مرضاته ، لا كما هو حال الكثير ممن جعله يوم لهو ولعب فحسب ، إن لم يجعله يوم أشر وبطر ،
والعياذ بالله .
أيام التشريق : وهي الأيام الثلاثة التالية
ليوم النحر [35]
، وهي
التي عناها الله (تعالى) بقوله : { وَاذْكُرُوا
اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ } [البقرة : 203] ، كما جاء عن ابن عباس [36] ،
وذكر القرطبي أنه لا خلاف في كونها أيام التشريق [37] .وهي
أيام عيد للمسلمين ؛ لحديث : (يوم عرفة ، ويوم النحر ، وأيام منى : عيدنا أهل الإسلام) [38] .
وقد نهي عن صيامها ، وهي واقعة بعد العشر الفاضلة ، فتشرف بالمجاورة أيضاً ، وتشترك معها بوقوع
بعض أعمال الحج فيها ، ويدخل فيها يوم النحر ، فيعظم شرفها وفضلها بذلك كله [39] .
كما أن ثانيها وهو يوم القر وهو الحادي
عشر أفضل الأيام بعد يوم النحر ، وهذه الأيام الأربعة هي أيام نحر الهدي والأضاحي على الراجح من أقوال أهل
العلم ؛ تعظيماً لله (تعالى) ، وهذا مما
يزيدها فضلاً ، وهذه الأيام من أيام العبادة والذكر والفرح ، قال فيها
النبي -صلى الله عليه وسلم- : (أيام
التشريق أيام أكل وشرب ، وذكر لله) [40]
، فهي أيام إظهار الفرح والسرور بنعم الله العظيمة ، وفي الحديث
إشارة إلى الاستعانة بالأكل والشرب على
ذكر الله ، وهذا من شكر النعم [41]
. وذكر الله المأمور به في الحديث أنواع متعددة منها :
1-
التكبير فيها : عقب الصلوات ، وفي كل وقت ، مطلقاً ومقيداً ، كما هو ظاهر الآية ،
وبه يتحقق كونها أيام ذكر لله [42]
.
2-
ذكر الله (تعالى) بالتسمية والتكبير عند نحر الهدي والأضاحي .
3-
ذكره عند الأكل والشرب ، وكذا أذكار الأحوال الأخرى .
4-
التكبير عند رمي الجمار .
5-
ذكر الله (تعالى) المطلق [43]
.
هذه
ذكرى ، أسأل الله أن ينفع بها ، وأعوذ بالله من أن يكون أهل البدع أجلد في بدعهم ،
وأنشط في باطلهم ، من أهل الحق في فعل الخير والاستقامة على السنة .
(1) انظر : (مجالس عشر ذي الحجة) للشيخ / عبد الله بن صالح الفوزان
.
(2) تفسير ابن كثير ، ج4 ص505 .
(3) أخرجه البخاري ، ح/969 ، و الترمذي ، ح/757 ، واللفظ له .
(4) أخرجه أحمد ، ج2ص75 ، 132 ، وقال أحمد شاكر : إسناده صحيح .
(5) فتح الباري ، ج2ص534 .
(6) انظر : المصدر السابق .
(7) انظر : مدارج السالكين ، ج1 ص316 ، 317 .
(8) أخرجه البخاري ، ح/6502 .
(9) فتح الباري ، ج11 ص351 .
(10) صحيح البخاري ، كتاب العيدين ، باب فضل العمل في أيام التشريق
.
(11) انظر : مجموع الفتاوى لابن تيمية ، ج24 ص225 .
(12) فتح الباري ، ج2 ص536 ، وقال الحافظ : (وقد أحدث في هذا
الزمان زيادة لا أصل لها) .
(13) أخرجه ابن ماجة ، ح/209 ، وانظر : صحيح سنن ابن ماجة ، ح/ 173
.
(14) البخاري ، كتاب العيدين ، باب العمل في أيام التشريق .
(15) انظر : المسند ، ج6 ص287 .
(16) انظر : مجموع الفتاوى ، ج23 ص162 ، 164 .
(17) المسند ، ج2 ص38 ، وقال أحمد شاكر : إسناده صحيح ، والترمذي ،
ح/1559 ، وضعفه الألباني في ضعيف سنن الترمذي ، ح/261 .
(18) انظر : الفتاوى ، ج23 ص161 .
(19) ح/4606 .
(20) انظر : لطائف المعارف ، ص486 ، 487 .
(21) رواه أبو داود ، ح/2419 ، وانظر صحيح سنن أبي داود ، ح/2144 .
(22) أخرجه مسلم ، ح/1163 .
(23) أخرجه مسلم ، ح/1348 .
(24) انظر : التمهيد لابن عبد البر ، ج1ص120 .
(25) مسلم ، ح/1162 .
(26) المسند ، ج1ص329 ، وصحح أحمد شاكر إسناده ، ح/3042 .
(27) الترمذي ، ح/2837 ، ومالك ، ج1ص422 ، ح/246 ، وصححه الألباني
.
(28) التمهيد ، ج6ص41 .
(29) مجالس عشر ذي الحجة ، لعبد الله الفوزان ، ص970 .
(30) انظر : الفتح ، ج2ص535 ، والفتاوى ج24ص220 .
(31) سن أبي داود ، ح/1945 ، وانظر : صحيح سنن أبي داود ، ح/ 1714
، والبخاري ، ح/4657 تعليقا .
(32) سنن أبي داود ، ح/1765 ، وانظر : صحيح سنن أبي داود ، ح/ 1552
، ويوم القر هو : اليوم الذي يلي يوم النحر ، سمي بذلك لأن الناس يقرون فيه بمنى .
(33) لطائف المعارف ، ص482 ، 483 .
(34) انظر : الأركان الأربعة ، ص60 .
(35) وسميت أيام التشريق ؛ لأن الناس يشرقون فيها لحوم الهدي
والأضاحي ، أي : يقددونها وينشرونها في الشمس .
(36) البخاري تعليقا ، وله إسناد صحيح ، الفتح ج2ص530 .
(37) تفسير القرطبي ، ج3ص3 .
(38) أخرجه أبو داود ، ح/2419 ، وانظر صحيح سنن أبي داود ، ح/2114
.
(39) انظر : فتح الباري ، ج2ص532 ، 533 .
(40) أخرجه مسلم ، ح/1141 .
(41) انظر : لطائف المعارف ، ص504 .
(42) انظر : نيل الأوطار ، ج3ص389 .
(43) انظر : لطائف المعارف ، ص501 ، 502 .