رسائل الساعات الأخيرة.. أردوغان وكوروم وسكان إسطنبول

من يفوز بالانتخابات المحلية في إسطنبول، "تركيا الصغرى" كما يلقبها الساسة الأتراك. حملات محمومة بين المتنافسين الأساسيين مرشح حزب العدالة والتنمية ومرشح حزب الشعب الجمهوري، ما الذي يملكه الرجلان من أدوات لحسم تلك الانتخابات؟


ساعات قليلة تفصل تركيا عن الانتخابات المحلية التي ستُجرى يوم الأحد المقبل، لتضع نهاية لماراثون انتخابي استمر لما يقرب من العام، منذ الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في شهر مايو الماضي، التي انتهت بفوز الرئيس التركي "أردوغان" بولاية ثانية حتى عام 2028، وفوز حزبه الحاكم "العدالة والتنمية" بغالبية مقاعد البرلمان.

تكمن أهمية الانتخابات المحلية القادمة في أنها تعد، واقعيًا وفعليًا، بمثابة المؤشر الرئيسي على شكل الحكم ومن يتولى السلطة في البلاد، وبالطبع سترسم ملامح خريطة الأحزاب السياسية للبلاد لخمسة أعوام قادمة على مستوى المناطق والأقاليم.

إسطنبول قلب المعركة

بالطبع تأتي إسطنبول في قلب الانتخابات المحلية، التي رسخ في أدبيات السياسة التركية وخاصة في عهد أردوغان، أن من يفوز بها يفوز بحكم تركيا، وربما ذلك نظرًا لكونها كبرى ولايات البلاد ومركزها الاقتصادي، ويقطنها أكثر من 16 مليونًا يشكلون نحو 20% من سكان البلاد، البالغ عدد سكانها نحو 85 مليونًا.

وتحتل إسطنبول على وجه الخصوص أهمية كبيرة بالنسبة لأردوغان في انتخابات الأحد المقبل، خاصة بعد أن وضع الفوز بها على رأس الأولويات، وتحدث عن ذلك فور إعلان فوزه بالرئاسة في مايو الماضي.

وتكمن أهمية إسطنبول في أنها تمثل نصف قاعدة الضرائب ونحو ثلث ناتج تركيا الإجمالي، كما أن عمليات التشييد ومشروعات التجديد الحضرية فيها تدر كميات ضخمة من الأموال، وبالطبع يريد أردوغان إتاحة هذه الأموال لمسانديه والشركات التي تدعمه للخروج من الأزمة الاقتصادية في أسرع وقت ممكن، وبالتالي فإن فوز رئيس البلدية المعارض الحالي أكرم إمام أوغلو بالبلدية من جديد يعني التأثير سلبًا على خطط أردوغان، بالإضافة إلى أنه سيضع عينه على كرسي الرئاسة لاحقًا.

 

رغم أن السياسة الخارجية ضعيفة التأثير عادة في الانتخابات، وخصوصًا المحلية منها، فإن الحرب على غزة ألقت بثقلها النسبي في المعركة الانتخابية الحالية، وحضرت في الحملات والتراشقات بين المرشحين

مؤتمر إسطنبول ورسائله

عقد الرئيس أردوغان، الأحد الماضي، مؤتمرًا جماهيريًا حاشدًا في حديقة عامة بإسطنبول، أقيمت على أنقاض مطار "أتاتورك" الذي توقف عن الخدمة بعد تشغيل مطار إسطنبول، وسبقه مؤتمر مماثل في أنقرة السبت، بعث فيه أردوغان برسائل هامة إلى الناخبين حول ضرورة إعادة المدينتين إلى "الأصحاب الأصليين"، في إشارة إلى "حزب العدالة والتنمية" الحاكم.

وفي ساحة حديقة مطار أتاتورك وبحضور قرابة 650 مواطنًا تركيًا، وفي المؤتمر الانتخابي الحاشد بمشاركة الرئيس اردوغان، هاجم مراد كوروم منافسه إمام أوغلو وحزب الشعب الجمهوري، قائلًا: بينما كنتم تقومون بحملتكم الانتخابية بميزانية البلدية، كنا نمسك بأيدي ضحايا الكارثة في شوارع إيلازيغ وملاطية (ولايتان تركيتان) وبينما كنتم تعقدون اجتماعات خلف الأبواب للإطاحة بزعيمكم (كمال كليتشدار أوغلو) كنا نستثمر بـ 365 مليار ليرة بإسطنبول.

ووصف كوروم يوم الاقتراع بيوم الحساب قائلًا: "هذا الشعب سيحاسب الذي نسوه عن سنواته الضائعة عبر صناديق الاقتراع.. يوم صناديق الاقتراع هو يوم الحساب.. سيأتي صندوق الاقتراع يوم 31 مارس وستتم تصفية الحسابات"، وأضاف: " لنكن في 31 مارس القادم إلى جانب مستقبل إسطنبول.. كل صوت هو بذرة، إذا خُدم ازدهرت، وإذا بذلت صارت غرسة، وإذا كوفئت أصبحت غابة.. صوتوا لمدينتكم لتجد إسطنبول الخدمة والسلام والسعادة".

وفي هذا التجمع الحاشد بإسطنبول أثناء كلمته، رهن أردوغان البدء في تنفيذ "رؤية مئوية تركيا" بفوز مرشح حزبه، مراد كوروم، برئاسة بلديتها.

الأكراد كلمة السر

مع تآكل التحالفات التي قادت في 2019 إلى فوز حزب "الشعب الجمهوري" ببلديتي إسطنبول وأنقرة ، أصبحت الأحزاب الرئيسية تتنافس على أصوات الأكراد.

حيث يُشكل الأكراد كتلة تصويتية بإمكانها ترجيح كفة حزب عن آخر، وعلى الرغم من دفع حزب "المساواة والديمقراطية الشعبية"، الممثل للأكراد، بمرشحين في مختلف البلديات، ومنها إسطنبول وأنقرة، فإن الواقع يشير إلى أن كتلة الأصوات الكردية ليست مضمونة بالكامل لهذا الحزب، بسبب الميول المتنوعة للناخب الكردي، بما يعني توزع هذه الأصوات بينه وبين "الشعب الجمهوري"، و"العدالة والتنمية".

ولهذا السبب أبدى مرشحو "العدالة والتنمية" اتجاهًا للتقارب مع الأكراد، وقاموا بتعديل خطابهم تجاهم، في الوقت الذي واصل فيه أردوغان الهجوم على حزب "الشعب الجمهوري"، واتهامه بالتنسيق سرًا مع حزب "المساواة والديمقراطية الشعبية"، ومواصلة السير مع "الإرهابيين"، في إشارة إلى دعم حزب "العمال الكردستاني" المصنف بأنه منظمة إرهابية.

ومن هنا كان تحالف حزب "العدالة والتنمية" في الانتخابات البرلمانية والرئاسية السابقة مع حزب "الهدى بار"، الذي يمثل الأكراد المحافظين، الأمر الذي استفاد منه الطرفان، حيث اقتنص "الهدى بار" مقعدين من المقاعد التي طالما سيطر عليها حزب "المساواة والديمقراطية الشعبية" الذي كان يحمل اسم حزب "الشعوب الديمقراطي" سابقًا، ودخل بذلك "الهدى بار" البرلمان للمرة الأولى في تاريخه، بينما حصد "تحالف الجمهور" الحاكم أصوات الأكراد المحافظين في المناطق ذات الكثافة السكانية الكردية، مما ساهم في احتفاظه بالأغلبية داخل البرلمان.

استطلاعات الرأي تتحدث 

دائمًا ما تكثر استطلاعات الرأي لشركات الأبحاث المتخصصة مع قرب كل استحقاق انتخابي جديد في تركيا، لكن الانتخابات المحلية هذه المرة في تركيا أبعد ما تكون عن الحسابات المباشرة، إذ تتداخل فيها مؤثرات عديدة سياسية واقتصادية وأيديولوجية، فضلًا عن منظومة التحالفات والشخصيات المرشحة، ويُضاف لكل ذلك في حالة الانتخابات المحلية بشكل عام تأثير المناطق والعشائر والشخصيات المرشحة بشكل أوضح.

ورغم أن السياسة الخارجية ضعيفة التأثير عادة في الانتخابات، وخصوصًا المحلية منها، فإن الحرب على غزة ألقت بثقلها النسبي في المعركة الانتخابية الحالية، وحضرت في الحملات والتراشقات بين المرشحين، وخصوصًا في إسطنبول، لا سيما في ظل انطباع عام لدى الكثيرين بأن الحكومة لم تفعل كل ما بوسعها إزاء العدوان المتواصل حتى الآن، وتحديدًا فيما يرتبط بالعلاقات التجارية مع دولة الاحتلال.

وعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي في تركيا أثبتت في عدة استحقاقات أنه لا يمكن الوثوق بها نظرًا لانحيازها لطرف ما في أغلب الأحيان، إلا أن نتائجها تصلح للاستئناس.

ويتضح لنا بشكل جليّ فيما صدر حتى الآن من استطلاعات رأي أن فرص رئيس بلدية أنقرة الحالي (المعارض) "منصور يافاش" أفضل بكثير من منافسه مرشح العدالة والتنمية "تورغوت ألتينوك"، وأن المنافسة على بلدية إسطنبول الكبرى بين الرئيس الحالي (المعارض) "أكرم إمام أوغلو" ومرشح العدالة والتنمية "مراد كوروم" محمومة ومشتعلة، وليس هناك ثمة تقدم كبير لأي منهما على الآخر ولا يمكن الحديث عن ترجيح فوز أحدهما بشكل بارز حتى هذه اللحظة.

إذا كانت الصورة الكلية للمشهد الانتخابي كذلك، وإذا كانت الحملات الانتخابية لم تُظهر حتى الآن أداءً متميزًا لكوروم أو لإمام أوغلو، فإنه تبقى المنافسة شديدة والحظوظ متقاربة إلى حد كبير، ما يجعل لما تبقى من الساعات الأخيرة للحملات الانتخابية أهمية كبيرة في استمالة الشارع واستقطاب الأصوات المترددة القادرة على حسم النتيجة، وخصوصًا إذا ما صدر عن أي من المتنافسين خطأ كبير أو تصريح غير موفق أزعج شريحةً ما من الناخبين، ما يعني أن أي خطأ كبير في الساعات المتبقية من الحملة الانتخابية قد يكون الأخير والحاسم بلا شك.

وهو الأمر الذي ينطبق عليه المشهورة السياسية الشهيرة للرئيس التركي الأسبق سليمان ديميريل حين قال: "24 ساعة مدة طويلة جدًا في السياسة التركية".

في النهاية يتضح مما سبق ذكره أن الانتخابات المحلية التي ستنعقد بعد ساعات قليلة أبعد ما تكون عن معركة محسومة نتيجتها سلفًا رغم منظومة التحالفات القائمة والمختلفة تمامًا عن الانتخابات السابقة، وستكون المنافسة فيها شرسة وبشكل خاص في إسطنبول، صاحبة نصيب الأسد في الاستحقاق الانتخابي المقبل ومعيار الفوز والخسارة بالنسبة لكثير من الأحزاب والشخصيات السياسية.

 

 

أعلى