الموقف من الحرب الأمريكية المحتملة ضد إيران
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على
خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فقد ظلَّ الموقف الإسلامي من الصراع
الأمريكي الإيراني في مراحله المتعددة غامضاً ومضطرباً ومتبايناً؛ سواء كان ذلك
على المستوى السياسي أم الشعبي أم على مستوى النخب الإسلامية. ومع تتابع المؤشرات
على احتمال قرب حدوث مواجهة عسكرية بين الطرفين؛ فإن الحاجة أصبحت ماسَّة لتحديد
موقف إسلامي ثابت وراسخ يتضمَّن البُعْدين الشرعي والسياسي للقضية، ويتجاوز سِمَة
الضبابية التي لازمت كثيراً من المواقف الإسلامية في أحداث مشابهة، كما حدث في حرب
لبنان الأخيرة عام 1427هـ - 2006م.
وبالنظر إلى سياق العلاقة بين إيران و
الولايات المتحدة منذ احتلال العراق؛ يمكن تحديد ثلاث صور بارزة تحكم تطور هذه
العلاقة:
1- تلاقي المصالح والتنسيق المتبادل.
2- تنازع المصالح وتزايد مواطن الخلاف.
3- احتمال المواجهة العسكرية.
وتُعدّ المواجهة العسكرية أحد الاحتمالات
المطروحة حالياً؛ وأخطر تداعيات ذلك أن تفضي إلى حرب إقليمية طائفية.
إن تباين الموقف من الحرب المحتملة ربما
يكون مثار فتنة لكثير من المسلمين إذا لم يؤسَّس على رؤية شرعية واضحة، ولهذا يجب
على علماء أهل السنة وقياداتهم أن يدرؤوا الفتن عن الأمة عن طريق بلورة مواقف
مبدئية ومستقلة، مبناها النظرة الشرعية، بعيداً عن العاطفة وضيق الأفق، وبعيداً عن
المؤثرات السياسية والضغوط الشعبية.
والذي يهمنا في هذا الصدد إيضاح رؤية شرعية
وتكوين موقف سياسي صائب في حالة وقوع الحرب، ولسنا معنيين في هذا المجال بمناقشة
وبحث احتمالات وقوع الحرب أو عدمها، علماً بأن احتمالات التوافق بين أمريكا وإيران
لا تزال قائمة، وإن كان هذا التوافق يحمل في طيَّاته كذلك مخاطر كبيرة تتهدد أهل
السنة قد لا تقل خطراً عن الحرب نفسها.
وهناك عدد من المفاهيم والثوابت التي ينبني
عليها الموقف المتوازن في هذه النازلة المحتملة، نسوقها فيما يلي:
أولاً: من حق الدول والشعوب مدافعة الطغيان
والعدوان والهيمنة بكل ألوان المقاومة. والهجوم الأمريكي على إيران - في حال وقوعه
- يُعدّ من الظلم والبغي اللّذيْن يرفضهما الشرع والعقل؛ فالظلم محرَّم بكل حال
على كل أحد.
ولئن كانت القيادات السياسية والمراجع
الدينية عند الشيعة في إيران والعراق قد تحالف أكثرها مع الأعداء في مواقف نفعية
باغية وبخاصة في الحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق؛ فإن أهل السنة يربؤون
بأنفسهم عن ذلك الأسلوب، ويترفعون عن روح التشفِّي والانتقام، ولا يقابلون الباطل
بالباطل، ولا الظلم بالظلم. قال الله تعالى:} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا
قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى{ (المائدة: 8). وقال تعالى: }وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن
صَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ أَن تَعْتَدُوا { (المائدة:2).
ثانياً: هذه الحرب المحتملة جزء من مشروع الهيمنة
الأمريكية في المنطقة، والذي يحقق للولايات المتحدة أطماعها الاستراتيجية
المتعددة؛ ومقاومة هذا المشروع من أولى أولويات هذه المرحلة وأكثرها أهمية، وينبغي
لأهل السُّنة بخاصة أن يحذروا ويتيقظوا للمكائد التي قد تُوظَّف من خلالها طاقات
بعض المنتسبين لهم أو تُستغلّ آراؤهم ومواقفهم في خدمة المشروع الأمريكي من حيث لا
يشعرون. قال الله تعالى: }مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ
أَهْلِ الكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ { (البقرة: 105)، وقال
تعالى:} إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُوا لَكُمْ أَعْداءً وَيَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُم بِالسُّوءِ وَوَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ { (الممتحنة:2).
ثالثاً: هذه الحرب قد تبدأ وتنتهي صغيرة محدودة
النطاق، وقد تتَّسع لتشمل دولاً عربية ربما ينالها عن عمد أذى أحد الأطراف؛
انتقاماً منها، أو وسيلة للضغط على الطرف الآخر، وقد تتمدد لمشاركة أطراف أخرى مثل
الكيان الصهيوني.
والخاسر الرئيس في هذه الحالة سيكون الدول
العربية في المنطقة، لذلك ليس من المصلحة أن تُستدرج هذه الدول للدخول في تلك
الحرب لصالح أي طرف من الأطراف بشكل مباشر، أو في صورة تقديم تسهيلات غير مباشرة
لأي من الطرفين.
ومن حق الشعوب العربية في المنطقة أن ترفض
بصوت عالٍ استغلالها في جعلها أداة بيد الأمريكيين والغربيين لضرب أعدائهم بأموال
تلك الشعوب وأرزاقها ومقدّراتها وسلامة أراضيها.
رابعاً: كِلا الطرفين: الولايات المتحدة الأمريكية
وإيران، يمتلك مشروعاً سياسياً توسُّعياً، يشمل بأبعاده المختلفة الهيمنة على دول
المنطقة. وقد برزت معالم هذين المشروعين بجلاء في التداعيات العسكرية والسياسية
لاحتلال أفغانستان ثم العراق، والطرف الخاسر في جميع الأحوال هم أهل السُّنة.
لذا يجب على علماء أهل السُّنة ودُعاتهم أن
يستحضروا واقع المشروع الصفوي الباطني التوسُّعي الذي استفحل خطره في الآونة
الأخيرة، وبخاصة في العراق، وأصبحت تُمارَس في إطاره أدوار عدائية وطائفية تجاوزت
كل الحدود، بل حتى داخل إيران نفسها، فإن أهل السُّنة يعانون من الإقصاء والتهميش
والظلم.
وينبغي الوقوف بحزم ضد محاولات بعض التجمعات
الشيعية استغلال الأحداث لاختراق الأوساط السُّنية، التي يمكن أن تُوظَّف لخدمة
المدِّ الشيعي لدى الشرائح غير المحصنة في الأمة، كما حدث في حرب لبنان. وينبغي
كذلك عدم التساهل مع من يروِّج من أهل السُّنة لتلميع الدور الإيراني الشيعي؛ بجهل
أو غفلة.
خامساً: هذه الحرب لا ناقة لأهل السُّنة فيها ولا
جمل؛ فهي بين دولتين يتنافس مشروعاهما التوسُّعيان على دول عربية مسلمة، وعلى
ثرواتها ومواردها، وكلاهما يعدُّ تطويرَ مشروعه التوسُّعي رهن نتائج المواجهة
بينهما؛ ولهذا لا يجب علينا نصرة أحدهما على الآخر، أو الدفاع عن أيهما في مواجهة
اعتداءات الطرف الآخر؛ فكلاهما تسبب بسياساته في سفك دماء أهل السنة في العراق
وغير العراق، وهو مما لا مجال لإنكاره أو الإعراض عنه، ولا يزال هذان الطرفان
يتبعان هذه السياسة الدموية بإصرار.
سادساً: ينبغي الحذر والتحذير من إقدام أي من
الأحزاب والحركات والأطراف المختلفة على استثمار مناخ التوتر الذي قد يصاحب هذه
الحرب في إثارة الفوضى وأعمال العنف في دول المنطقة، أو السعي لتمرير مخططاتهم
وتصوراتهم الإفسادية.
سابعاً: إذا قدَّر الله وتطورت الحرب، فينبغي على
العلماء والدعاة تثبيت الناس، وحثّهم على التوبة والرجوع إلى الله، وإشاعة التكافل
الاجتماعي، وإعانة المنكوبين، وإغاثة الملهوفين؛ تحقيقاً لقوله عز وجل: } وَتَعَاوَنُوا
عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى { (المائدة: 2).
وأخيراً:
ينبغي على
علماء أهل السُّنة وقياداتهم ما يلي:
1 - أن يعملوا على جمع الصف، وتوحيد
المواقف، وأن لا يكون الحدث سبباً في حدوث مزيد من التفرُّق والتشتُّت بين أهل
العلم والدعوة.
2 - يجب أن يكون لأهل السُّنة مشروعهم
السياسي المستقل، الذي يحقق المصالح ويذود عن الحِمى، متجاوزاً مسائل الاختلاف
الاجتهادية، ومنطلقاً من ثوابت الإسلام ومصالح المسلمين عاجلاً وآجلاً.
3 - يجب أن يعمل أهل السنة ميدانياً على
استثمار الحدث في حال وقوعه، في التمكين للدعوة وللمشاريع المقاوِمة للمخططات
والأطماع الغربية والإيرانية على حد سواء، والعمل على إضعاف المشاريع التغريبية التي
تستهدف الأمة وتسطيح اهتماماتها وإفقادها مقدراتها، والتي يقوم برعايتها والتكسب
من خلالها ربائب الغرب في المنطقة.
نسأل الله عز وجل أن يُعزَّ دينه وينصر
جنده، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
:: البيان تنشر - مـلـف
خـاص- (الـخـطـر الإيـرانـي يـتـمـدد)