الاختطاف الجماعي في العراق بين الحقيقة والخيال
منذ أن ابتُلي بلاد الرافدين بالاحتلال
الهمجي البغيض، الذي شنّته رأس الشر والرذيلة « الولايات المتحدة الأمريكية »
بتحالف صهيوني همجي مع قوى الكفر والإلحاد عام 2003م ميلادية.. منذ ذلك الحين
ابتُلي هذا البلد بعادات غريبة على مجتمعه، مما لم يعرفه من قبل.
ومنها: « ظاهرة الاختطاف الجماعي » الذي
كثُر في السنتين الأخيرتين، بعد أن شهدت الساحة العراقية تجاذبات سياسية حادة،
يُبتغى من خلالها التنافس البغيض على السلطة والحكم، بغيةَ الوصول إلى سُدَّة
العروش والكراسي الزائلة.
ولعلَّ هذا يكشف لنا السرَّ الذي يكمن وراء
حدوث مثل هذه العمليات المتكررة؛ ليتضح لنا بما لا يقبل الشك أن السياسة
وتداعياتها، والتجاذب الحادَّ بين المكونات السياسية هي سبب هذه الظاهرة الغريبة.
وإن من يتابع هذه الظواهر وما يترتَّب عليها
يجد أن هناك تورُّطاً كبيراً للأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة، خاصة تلك التي
تتمتَّع بميليشيات القتل وإزهاق الأنفس، وأهمها: الكتلة الصدرية التي يتزعمها
(مقتدى الصدر)، و المجلس الأعلى للثورة الإسلامية الذي يتزعمه (عبد العزيز
الحكيم)، و حزب الدعوة الذي يتزعمه (الجعفري)!
ومعلوم لدى الجميع أن هذه الأحزاب مدعومة
دعماً كاملاً من الحكومة الإيرانية، وولاءُ زعمائها معلنٌ لهذه الدولة الجارة،
التي تتدخل تدخلاً مفضوحاً في شؤون العراق الداخلية، بل إنها تتدخل في القضايا
المصيرية لهذا البلد الجريح؛ فهي التي تصدر قوائم الإعدام والاغتيال بحقِّ الشرفاء
والمخلصين من العلماء والمفكرين والأطباء والدعاة وأصحاب الاختصاص وشيوخ العشائر
وضباط الجيش العراقي السابق وكل من له موقف واضح تجاهها.
ولمّا كانت هذه السطور ستكون جزءاً من
التاريخ ومن صفحات الماضي الذي تقلِّب أوراقه الأجيال اللاحقة، أودُّ الإشارة إلى
أبرز عمليات الخطف الجماعي مما حدث في بغداد وحسب دون غيرها؛ ليطّلع القارىء
الكريم على ما يدور من أحداث مؤسفة في بلد شاء الله تعالى إلا أن يتعرَّض للنكبات
تلو النكبات.
وسأضرب للدلالة على ذلك بعضَ الأمثلة
الحقيقية، مع الإشارة إلى تداعياتها المؤلمة في حياة الناس، وهي مرتّبة ترتيباً
تنازلياً، حسب التالي:
* أولاً:
اختطاف موظفي الهلال الأحمر العراقي في بغداد:
الهلال الأحمر العراقي من المؤسسات الخدمية والاجتماعية والصحية، التي
تقدِّم خدماتها لكل أبناء المجتمع العراقي، دونما تفريق بين طائفة وأخرى، أو منطقة
دون أخرى.. وهي تعمل على تقديم المعونات الغذائية والصحية وغيرها من اللوازم
المعيشية للعوائل المنكوبة والمهجَّرة، أو تلك التي تتعرَّض مناطقها لعمليات
الخراب والدمار التي تقوم بها قوات الاحتلال، أو ما يسمى بقوات الجيش العراقي
الحكومي!
وبدل أن تُكافأ هذه المؤسسة؛ تكريماً للجهود
الخدمية التي تقوم بها نجدُ أنها تتعرض لأبشع صور الاضطهاد والابتزاز؛ فقد قام
المتاجرون بدماء العراقيين من أولئك الذين يرتدون زيَّ مغاوير الداخلية العراقية،
وممن يستقلون سياراتهم بالهجوم على هذه المؤسسة وخطف العشرات من موظفيها وحراسها
وبعض المراجعين.
فقد تحدثت التقارير عن أن مسلَّحين اختطفوا
في الـ 18/12/2006م ما يقرب من أربعين موظفاً وحارساً ومراجعاً من مقرِّ الهلال
الأحمر في الكرَّادة وسط العاصمة العراقية بغداد، ليتمَّ بعد يوم واحد إطلاق سراح
(17) مختطَفاً منهم معظمهم من العمال والحراس وكبار السِّنّ.
وفي تصريحات لـ (مازن عبد الله سلوم) الأمين
العام لجمعية الهلال الأحمر العراقي تحدث فيها عن فقدان (19) مختطَفاً آخرين لا
يزال الخاطفون يحتفظون بهم.. مضيفاً: إن موظفي فروع الجمعية ينتسبون إلى جميع
الطوائف والأعراق، وأن الجمعية أصدرت تعليماتها إلى العاملين قبل أشهر بمنع
الإشارة إلى ألقاب عائلاتهم وعشائرهم؛ من أجل أن لا يُعرف انتماؤهم المذهبي.
هذه القصة إذاً!! وبعد كل ذلك نأتي لنقرأ الديباجة
المملّة لحكومة المالكي ليظهر المتحدِّث باسم وزارة الدفاع (العسكري) قائلاً: إن
الوزارة استطاعت تحديد الجهات التي تقف وراء عمليات الخطف! موضحاً أنها (مجموعات
بعينها، غايتها وقف الحياة والعمل في المؤسسات والدوائر العلمية والإنسانية).
هكذا تحدث (العسكري) بصيغة العموم، وكأنه
يجهل أو يتجاهل الفاعلين، الذين يقفون وراء هذه العملية المريبة.
إنَّ ما يدور في خاطر المتلقِّي لهذا الخبر
أمران أساسيان، هما:
- سكوت الحكومة العجيب تجاه هذه العمليات
الجبانة، في الوقت الذي نجدها تُقيم الدنيا ولا تقعدها لأجل عمليات أقل منها
بكثير.
- السبب الذي يُخطَف من أجله موظفون يعملون
في هكذا مؤسسة إنسانية.. وكأن المختطِفين يريدون تعطيل حتى الحياة الضرورية في
بلدٍ أُثخن أهله بالجراح بسبب أفعال قوات الاحتلال والحكومة.
وفعلاً حدث هذا؛ فقد اضطرت الجمعية إلى
إيقاف نشاطاتها وتعليق أعمالها؛ استنكاراً لما تعرَّض له منتسبوها. فليحملِ
الخاطفون أوزارهم على ظهورهم! وليحملْها أيضاً من يقف وراءهم من كتل سياسة
الديمقراطية الجديدة!
* ثانياً:
اختطاف عشرات التجار والباعة في سوق السنك في بغداد:
أما التجار والمتبضِّعون فإن نصيبهم عند
عصابات الخطف والاغتيال وافر ومحفوظ، فهم في خلدهم وفكرهم، ولا بد أن يذوقوا حلاوة
الخطف والإرهاب على أيديهم!
وهذا ما حدث فعلاً قبل أيام عندما قام ما
يقرب من (100) مسلَّح يرتدون زيَّ مغاوير الداخلية، ليسوموا سوء عذابهم هذه المرة
على منطقة السنك التجارية المليئة بالتجار والمتبضِّعين ليخطفوا من بينهم نحو (50)
شخصاً.
تقول الرواية: إن حوالي (100) مسلَّح
يستقلّون (20) سيارة على الأقل تابعةً لقوات الأمن، ترافقها سيارات إسعاف حاصرت
السوق وتوزعوا قائلين:
( لدينا مهمة هنا)، وقاموا بعدها بخطف الناس
بشكل عشوائي.
والغريب في الموضوع أن الشرطة العراقية كانت
قريبة من موقع الحادث، ومع مناشدة الناس لها، ولكنها لم تتدخل كالعادة!
فأيُّ شرطةٍ تلك التي ترفع شعار: (الشرطة في
خدمة الشعب)! إنَّ الأَوْلى بها أن تحوِّل شعارها إلى: (الشرطة في خدمة الشغب)! بل
هي في خدمة الخطف والسلب والنهب.
* ثالثاً:
اختطاف موظفي ومراجعي وزارة التعليم العالي في بغداد:
يقول المراقبون: إنَّ هذه العملية هي أكبر
عملية اختطافٍ منذ أن احتلَّت القوات الأمريكية العراق عام 2003 ميلادية، وهي
عملية مكشوفة تُعدُّ حلقة جديدة في مسلسل التصفية المذهبية، تشارك فيها ميليشيات
المهدي، بالتعاون مع قوات الأمن الحكومية.
ففي الساعة العاشرة من صباح الثلاثاء
14/11/2006م دخلت إلى منطقة الكرَّادة في بغداد ما يقرب من (50) سيارة من نوعَيْ «
مونيكا » و « لاندروفر»، ووجْهتُها هذه المرة « دائرة البعثات العلمية » التابعة
لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي، ليُختطف عدد كبير يزيد على (100) موظفٍ
ومراجعٍ، أغلبهم من أهل السُّنّة، بعد أن عزلوا النساء عن الرجال، واستولوا على
كافة أجهزة الهاتف النقال، لتتجه هذه السيارات فيما بعد صوبَ شارع فلسطين الذي
ينتهي إلى جسر القناة حيث منطقة (الصدر!!) أو مدينة « الثورة المنورة »! معقل جيش
المهدي!
ومن يقرأ التقارير التي تحدثت بإسهابٍ عن
هذه العملية وتداعياتها يتحصل لديه بما لا يقبل الشك الجهة التي تقف وراء هذه
العملية الغادرة، وأسبابها وغاياتها؛ فقد تحدث أحد المختطَفين المفرج عنهم (أن
الخاطفين كانوا من جيش المهدي؛ لأنَّ أحدهم خاطبني عندما تأكد من كوني شيعياً
بقوله: نحن جيش الإمام المهدي لا نؤذي شيعة أهل البيت، فنحن نحميكم، أما النواصب
فهذا قليل بحقِّهم).
وقد تحدثت بعض الوسائل الإعلامية أن أحد
المختطَفين الذين أُفرج عنهم وهو شيعي طبعاً تحدث قائلاً: إن الخاطفين أطلقوا
سراحي في شارع فلسطين مع تسعة آخرين، وكانت نقاط التفتيش التي نمرُّ بها التابعة
للجيش العراقي والمغاوير نسمعهم يخاطبون سيارات العصابة قائلين لهم: (ها عمِّي،
خوش صيده، لا تنسون إخوانكم بالخير)!
إنَّ المتفحص لهذه العملية وتداعياتها تقف
أمامه تساؤلات عديدة؛ فمَن يا ترى الجهة التي تقف وراء هذه العملية الكبيرة التي
وقعت وسط عاصمة تعجُّ بالسكان وفي وضح النهار؟! ومَن هم أولئك الضحايا الذين وقعوا
مغدورين نتيجةَ هذه العملية؟! ولماذا في هذا الوقت، وتحديداً في ذلك اليوم؟! وأين
ردّة فعل الحكومة أو المشاركين في حكومة المنطقة الخضراء؟! ولا تحتاج تلك
التساؤلات إلى مزيدٍ من العناء والجهد للإجابة عنها! فقد تحدث أهالي بعض
المختطَفين أن أصابع الاتِّهام تتجه صوب جيش المهدي؛ حيث تأتي العملية تجسيداً
للحقد الطائفي والتصفية المذهبية لأهل السُّنّة في العراق، الذين يُوصفون اليوم
بأوصاف الزور والبهتان، يُراد منها النيل منهم، أو التحريض على قتلهم، فتارةً يطلق
عليهم « الصدّاميون » وتارةً « البعثيون » وأخرى « النواصب » و « التكفيريون » و «
والإرهابيون ».. ومن ثمَّ فالعملية المشينة جزء من سيناريو الصراع السياسي، وهو
استعراض عضلاتٍ للميليشيات الطائفية، التي أخذت على عاتقها صبَّ جحيمها فوق رؤوس
الأبرياء من أهل السُّنّة في العراق الجريح.
ولعلَّ بهذا يتّضح الجواب عن التساؤل
الثاني، ويتأكد عندها القول: إن أغلب المختطَفين في هذه العملية هم من أهل
السُّنّة، وأنَّ من تمَّ الإفراج عنهم هم من الشيعة فحسب، فقد أوضح عدد كبير من
العاملين في هذه الدائرة وأهالي المختطَفين أن كثيراً من موظفي هذه الدائرة ينتمون
إلى الطائفة السُّنّية، وهذا ما دفع هذه الميليشيات لتنفيذ عمليتها، ومن ثمَّ
الإيقاع بأكبر عدد من الرهائن السُّنّة.
هذا في الوقت الذي أشارت فيه مصادر مطّلعة
أن ذلك اليوم بذاته مخصص لمراجعة مدرّسي وموظفي محافظات « الأنبار » و « صلاح
الدين » و « الموصل » وكلها محافظات سُنّية؛ حيث أعلنت كل من روسيا و فرنسا و
الصين عن بعثات دراسية للكوادر العلمية العراقية، وكان كل المتقدمين يقفون في
طابور طويل جداً.
وهذا يدل على مدى الاختراق الحاصل في مؤسسات
الدولة وأجهزتها من قِبَل ميليشيات القتل والغدر!
فماذا كانت ردّة فعل المكونات السياسية؟! أو
بالأحرى: ماذا كانت ردّة فعل الحكومة التي من أهمِّ مهامها توفير الأمن والسلام
للمواطن؟!
لقد جاءت ردّة فعل الحكومة على لسان زعيمها
(المالكي) ليقلِّل من شأن الحادثة، ويعتبرها ليست إرهاباً، وإنما أتت نتيجة خلافات
ونزاعات بين ميليشيات تنتمي لهذا الجانب أو ذاك!
لا تتعجب - أيها القارىء الكريم - من هذا
التصريح، ولا تتفاجأ عندما تسمع (المالكي) يقول: إنها ليست « إرهاباً »؟! لأن
العمل الإرهابي في العراق الجديد في نظر الحكومة وزعيمها هو ما يفعله من يسمِّيهم
(المالكي) وأتباعه بـ « الصدّاميين » أو « البعثيين » أو « الوهابيين » أو «
النواصب »!
أما ما يفعله جيش المهدي فهو انتصار لشيعة
أهل البيت المظلومين! فليس إرهاباً! هكذا هي المقاييس في عراق الحرية والديمقراطية
الجديد.
مواقفُ ومواقفُ أخرى مخجلة؛ كمواقف الأحزاب
خاصة السُّنّية المشاركة بالبرلمان والحكومة، فقد عدَّ بعض تلك الأحزاب السُّنّية
العملية بـ (أنها مهزلة سياسية كبرى)!
نعم؛ إنها لمهزلة أبتْ تلك الأحزاب إلا أن
تشارك فيها، بل تكون جزءاً أساسياً منها! لتتوّج تلك المواقف بموقف وزير التعليم
العالي نفسه الذي أعلن تعليق عضويته في الحكومة وإيقاف الدراسة في الجامعات
والكليات في بغداد حتى إطلاق سراح المختطَفين! ليعود مشاركاً في حكومة صعُب عليه
مفارقتها أو الابتعاد عنها .. « كان الله في عونك أيها الشعب المسكين! ».
* رابعاً:
اختطاف أعضاء اللجنة الأولمبية ورئيسها:
أما هذه الحادثة التي تنال هذه المرّة
الرياضيين، كغيرهم من أبناء العراق، فقد حدثت في الكرَّادة في بغداد أيضاً، في
مكان يقرب كثيراً من دائرة البعثات التابعة لوزارة التعليم العالي.
ففي ظهيرة من الظهيرات التي يتقلَّب فيها
المواطن العراقي على جمر اللّظى من شدة ما يلاقيه من مآسٍ وفتن وغلاء في المعيشة
وفقدان للأمن وكثير مما ابتُلي به.. في ذلك الوقت قام ما يزيد على خمسين مسلَّحاً
يرتدون ملابس عسكرية باقتحام المركز الثقافي النفطي، حيث يُعقد فيه مؤتمر للجمعية
العمومية للجنة الأولمبية العراقية، بعد أن تمكَّن المسلَّحون من السيطرة على رجال
الحرس من حماية المنشآت الرياضية، عندما طلب المسلَّحون من الحاضرين في القاعة
الجلوسَ على الأرض والتزام أماكنهم! ثم قاموا بتقييد أيدي رئيس اللجنة الأولمبية
العراقية (أحمد الحجية) من أصل سامرائي سُنّي، وكذلك الأمين العام وبعض المسؤولين
الآخرين.. وتمَّ اختطاف ما يزيد على ثلاثين شخصاً في هذه المسرحية الغادرة.
إن الناظر إلى هذا المشهد المسرحي الغريب قد
يتبادر إلى ذهنه أن تكون هذه العملية تمَّت على أساس اعتقال (الحجية) ومن معه بأمر
قضائي أو غيره! ولكن هذا الشك يزول عندما تسمع تصريح وزير داخلية الحكومة العراقية
(البولاني) أن وزارته لم تصدر أيَّ أمر باعتقال رئيس اللجنة الأولمبية، مؤكداً أن
ما حصل هو حادث اختطاف نفّذته جهة مجهولة!
هذه « الجهة المجهولة » هي الشمّاعة التي لا
تفتأ أن تعلِّق عليها الحكومة كل أعمال الخطف والدمار وحرق المساجد والقتل
والتهجير لأبناء السُّنّة خاصة! فهل صحيح أنها « مجهولة »؟! لا والله؛ إنها معلومة
عندهم! ولكنَّ الكراسيَ والعروش تشلُّ الأبدان، أو بالأحرى تُخرِسُ اللسان عن أن
يتلفظها أو يفصح عنها!
* خامساً:
اختطاف موظفي « شركة الراوي التجارية » في بغداد:
وقصة هذه الحلقة من مسلسل الاختطاف تتجه صوب
منطقة العرصات في بغداد لتطال موظفي « شركة الراوي للهواتف النقالة »، والرواية
تشير إلى أن عدداً كبيراً من المسلَّحين الذين يرتدون زيَّ مغاوير الشرطة العراقية
يستقلون ( 15) آلية من طراز (gmc)
أمريكية الصنع مطلية
باللون العسكري، اقتحموا « شركة الراوي » لبيع الهواتف النقالة في بغداد في منطقة
العرصات، واختطفوا ( 25) موظفاً واقتادوهم إلى جهة مجهولة.
ولم يكتفِ المختطِفون بتلك الغنيمة، بل
اقتحموا مقرَّ « غرفة التجارة والصناعة العراقية الأمريكية » القريبة من شركة
الراوي ليضيفوا (12) مختطَفاًً آخرين إلى العدد السابق، ولكن الذي حدث أن أُطلق
سراح موظفي غرفة التجارة والصناعة، وأُبقي على موظفي « شركة الراوي »! والله وحده
يعلم في أي منطقة خاوية أُلقيت جثثهم بعد التمثيل بها طبعاً كالعادة! وإن كانت
معرفة هذه المنطقة لا تحتاج إلى مزيد من إعمال الفكر؛ لأن مناطق التمثيل والقتل
معروفة في ضواحي بغداد لكل متابع للمشهد العراقي المؤلم.
كل هذه الأمثلة وغيرُها كثيرٌ من عمليات
الخطف؛ كتلك التي وقعت في الصالحية في مكاتب السفر والنقليات، أو تلك التي طالت
عشرات الموظفين في « شركة النصر » في منطقة التاجي شمال بغداد! كل ذلك يدعو إلى
طرح سؤال هام جداً:
أين الحكومة مما يحدث؟! فالخطف بمجرّده لفرد
من أفراد المجتمع يُعدّ خطوة خطيرة، أما أن يحصل وسط عاصمة يبلغ عدد رجال الأمن
والشرطة والجيش فيها ما يربو على مائة ألف فرد، فالمسألة مخيفة للغاية! ولأن المنطقة
محاطة بالأجهزة الأمنية، فالقضية تحتاج إلى أكثر من وقفة، ولأن المستهدَفين من
العلماء وأساتذة الجامعات والأطباء والموظفين والفقراء والمساكين فلا بد من
مراجعةٍ حقيقةٍ لما يجري.
وعدم تدخُّل الحكومة في أغلب عمليات الخطف
يضع أمام مصداقيتها مائة علامة استفهام وتعجب؟! وعندها تكون الحكومة ملزمة بفضح
هؤلاء وملاحقتهم والاقتصاص منهم، أو أنها تكون أمام خيارين لا ثالث لهما:
فهي إما أن تكون على معرفة بهؤلاء وتتستّر
عليهم، وعليها عندئذ أن تتنحَّى عن كراسيها وتعلن هزيمتها أمام هذه القوى الطاغية.
أو أنها تكون متواطئة معهم، وتكون شريكة لتدمير العراق وأهله.
إن العراق يمرُّ اليوم في هذه السنوات
النحسات العجاف بأزمة لم يشهد لها التاريخ مثيلاً، فالخطف والقتل والغدر والاعتقال
والخراب والدمار أصبحت لازماً من لوازم العيش في بلاد الرافدين، بل أصبحت جزءاً من
حياة الفرد الذي أراد السلام من خلال انتمائه إلى « دار السلام ».
إن بغداد السلام التي كانت في يوم من الأيام
عاصمة العلم ومهد الثقافة وأمَّ الدنيا، تتحول أزقّتها وشوارعها إلى جحور للقتل
والخطف والدمار.
أُبدلت الأشجار التي كانت تزيّن شوارعها
بجثث تلقى على قوارعها نتيجةَ الغدر والخيانة.
فالله في عون الأمهات اللواتي نُكِبن
بأبنائهن، والله في عون الزوجات اللواتي نُكِبن بأزواجهن، والله في عون الأخوات
اللواتي نُكِبن بإخوانهن.
سائلين الله تعالى أن يمنَّ علينا بالأمن
والإيمان والسلامة والسلام، وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه، إنه سميع مجيب.
:: البيان تنشر - مـلـف
خـاص- (الـخـطـر الإيـرانـي يـتـمـدد)