إيران ودعم الجماعات المسلحة في العراق
منذ بدأ احتلال العراق والمسؤولون العراقيون والأمريكيون عاكفون على
كيل التهم لكل من إيران و سورية بدعم المسلحين وعدم ضبط الحدود المشتركة لهما مع
العراق، وكانت وتيرة هذه الاتهامات تأخذ منحى (منتظما) متبدلا، فتارة يوجه باتجاه
سورية وأخرى باتجاه إيران.
أما سورية فالاتهامات بحقها تعود إلى ما قبل سقوط النظام البعثي
العراقي السابق؛ إذ اتهمتها الولايات المتحدة بإرسال المقاتلين السوريين والعرب
وتدريبهم، بل ودعم العراقيين بالسلاح، وما قصة المناظير الليلية ببعيدة.
ثم وُسِّعت الاتهامات بعد نشاط الجماعات المسلحة وتشكيلها عبئاً
ثقيلاً على قوات الاحتلال وبخاصة في المناطق الشرقية القريبة من الحدود مع سورية،
وظهر على شاشات القنوات الفضائية التابعة للفصائل الشيعية وبخاصة (الفيحاء،
والفرات) أشخاص زُعم أنهم (إرهابيون عرب) أرسلتهم سورية للقيام بعمليات الذبح
والتفجير لقاء رواتب شهرية تصل إلى (1000) دولار، وهذا الرقم لا يحلم به أكبر ضابط
في الجيش السوري، وزعم أولئك (الإرهابيون العرب) أنهم تدربوا في معسكرات خاصة
أُعدت لهم في اللاذقية و دير الزور على يد ضباط في المخابرات السورية، ولا زال
مسلسل الاتهام والنفي سائراً بين الطرفين.
أما إيران التي دعمت الحرب على العراق ووفرت ما تستطيع من الدعم
اللوجستي من فتح المياه الإقليمية والأجواء الإيرانية للطيران الأمريكي فلم تسلم
أيضاً من الاتهامات، بل ربما يكون وضع إيران أشد تعقيداً من صديقتها سورية، نظراً
للتغلغل الإيراني الكبير في العراق.
وقبل أيام اكتشف أحد كُتّاب صحيفة « اللوموند » الفرنسية سراً خطيراً
مفادُه أن « كميات كبيرة من الأسلحة هربت عبر الحدود الإيرانية إلى العراق، وأن
نوعاً فعالاً من العبوات الناسفة التي تزرع على جوانب الطرقات سلّمته إيران
للمسلحين ».
وهذا الكاتب ربما سمع الخبر من إحدى وكالات الأنباء أو أحد المسؤولين
العراقيين، أو ربما حتى من الشارع، لكنه لم يحسن تحليله؛ لأنه تنقصه المعلومات حول
نقاط أساسية هي:
1 - الجماعات المسلحة المقاتلة في العراق: عقيدتها، أيديولوجيتها،
مشروعها المستقبلي، نظرتها إلى إيران ونظرة إيران لها.
2 - نظرة إيران إلى العراق، ورؤيتها ومشاريعها المستقبلية تجاهه.
3 - العلاقة بين إيران وشيعة العراق.
وبتحليل هذه الأمور يمكننا أن نفهم إلى أين تذهب صناديق الأسلحة
الإيرانية التي أعلن أحد المسؤولين العراقيين أنه تم اكتشافها في (مكان ما) من
العراق.
1 - الجماعات المسلحة المقاتلة في العراق:
وهذا التحديد ضروري جداً؛ حيث توجد في العراق الكثير من الجماعات
المسلحة، ولكن ليس كلها يقاتل الأمريكان، بل إن الجماعات المقاتلة تكاد تقتصر على
السنة بعد توقف (جيش المهدي) وبيعه لسلاحه عقب أحداث النجف ووساطة السيستاني، وحتى
داخل هذه الجماعات يمكن أن نميز عدة فئات؛ حيث توجد فصائل بعثية وعلمانية (ذات
نشاط ضئيل)، وأخرى إسلامية، ولكن يكاد لا يختلف عارفان على أن الجماعات الإسلامية
هي المسيطرة، وخاصة بشقّها السلفي الجهادي المتمثل بعدة فصائل، أشهرها (تنظيم
القاعدة في بلاد الرافدين، جماعة أنصار السنة، جيش المجاهدين، وغيرها). فما نظرة
إيران لهذه التشكيلة؟ وإلى أيٍّ منهم سترسل الأسلحة وتهرب المقاتلين؟ وإن فعلت
فلماذا سيكون ذلك؟ - هل ستدعم البعثيين الذين تعتبرهم كفرة وأعداء (الثورة
الإسلامية)، قاتلوها ثماني سنوات بقيادة صدام حسين، وتحاول بيد الفصائل المؤتمرة
بأمرها اجتثاثهم حتى من الحياة بعد اجتثاثهم من الجيش والوزارات؟ وهل سيتعامل
البعثيون مع الإيرانيين (الصفويين) وحتى إن وضعوا الأيديولوجية جانباً وتصرفوا
ببراغماتية (مصلحة) فلن يأمنوا جانب إيران لعلمهم بأهدافها المستقبلية؟
أم أن إيران ستدعم السلفيين الجهاديين الذين تصفهم هي ومن والاها
بالقتلة الوهابيين وبالناصبة (أعداء آل البيت)!! وبالخوارج التكفيريين؟! هل
ستدعمهم مع علمها أنهم إذا انتصروا فسيسعون لإقامة دولة إسلامية (سنية) تهدد
أحلامها الجيوبوليتيكية بإقامة الدولة الشيعية الممتدة من حدود أفغانستان حتى
شواطئ لبنان (إيران الكبرى)؟ حيث أعلنت سابقاً على لسان وزير خارجيتها آنذاك علي
ولايتي: (أن إيران لن تقبل بقيام دولة وهابية في أفغانستان)، حيث سيصبح هؤلاء
(الوهابيون) إذا ما قويت شوكتهم، قدوة للخمس والعشرين مليون سني في إيران الذين
عادوا إلى التحرك خاصة في عربستان بعد احتلال العراق وتشكيل الحركات المقاتلة التي
لن يكون آخرها إحياء (جبهة تحرير عربستان) التي تطالب بالإضافة لعربستان بتحريرَ
الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة (طنب الكبرى، طنب الصغرى، أبي موسى).
ثم ما رأي هذه الجماعات بإيران؟ إنها تعتبر إيران العدو الأول للعراق
بل وللإسلام بعد أمريكا، وهذا واضح جلي في البيانات التي يصدرونها، بل إن أبا مصعب
الزرقاوي أمير أكبر هذه الجماعات أعلن حرباً على حلفاء إيران (الأحزاب الشيعية)
وخاصة الابن الأكبر (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق) وشكل (فيلق عمر)
لتصفية أفراد وضباط (فيلق بدر) الذين اتهمهم بقتل المئات من أهل السنة والجماعة.
- ثم لماذا ستدعمهم إن فعلت؟ هل تتطابق رؤيتها مع الرؤية السورية في
ضرورة إبقاء أمريكا تتخبط في الجحيم العراقي فلا تملك القدرة على مجرد التفكير
بتكرارالتجربة في مكان آخر؟ لو كان الأمر كذلك لأوحت بذلك إلى الجناح العراقي من
حرس الثورة الإيراني المسمى (فيلق بدر) أو كما يسميه العراقيون (فيلق غدر) الذي
أعلن قائده (هادي العامري) أنه يضم مئة ألف مقاتل مسلح.
ولكننا نجد العكس من ذلك يحدث؛ ففيلق بدر هو الذي يقوم بلباس الشرطة
والحرس الوطني بقتال المسلحين وتهديدهم بواسطة وزير الداخلية (بيان جبر صولاغ)
القائد في هذا الفيلق.
بل إن الظاهر أنها لا تقبل أي تحرك من قِبَل الشيعة في مواجهة
أمريكا، وأكبر مثال على ذلك هو أحداث النجف التي قام بها (مقتدى الصدر) و (جيش
المهدي) حيث أعلن غير مرة أن فيلق بدر يساعد القوات الأمريكية في التصدي لجيش
المهدي، ثم لعب السيستاني دور الوساطة لإنهاء المشكلة وحماية (الصحن الحيدري) ومن
ثم إعلان الصدر سيره في العملية السياسية وتسليم أسلحة مقاتليه.
2- إيران كيف تنظر إلى العراق؟
إن من يدرس الجيوبوليتيكيا الإيرانية [1] يجد أنها تتعامل مع العراق من اتجاهين هما: الأول: قومي (فارسي)،
والثاني: ديني (شيعي إثنا عشري).
فالأول (الفارسي) ينظر إلى العراق والخليج العربي بوصفهما أرضاً
فارسيّة احتلها العرب ويجب
إعادتها من أجل إحياء الإمبراطورية الفارسية، وكان أئمة هذا التوجه هم « الشاهاوات
» الذين قضت عليهم ثورة الخميني وحلفائه الماركسيين من حزب « توده »، ولكن لا زال
هذا الفكر موجوداً عند القوميين الفرس وإن أخفوه تحت عباءة التقية.
أما الاتجاه الثاني (الشيعي الإثنا عشري) فبالرغم من أنه يعتبر
التقية أربعة أخماس الدين، ويمارسونها في كل شؤون حياتهم (التقية: مبدأ شيعي يقوم
على إخفاء العقيدة والأهداف في حال الخطر وإظهارها وقت القوة)، إلا أنهم في موضوع
العراق لا يخفون أهدافهم التي أعلنها في القرن الماضي إمامهم الخميني وفق مبدأ
تصدير الثورة (الإسلامية).
فأعلن عن تشكيل المجالس العليا لـ (الثورة الإسلامية)! في كل من
العراق والبحرين والكويت وباقي الدول التي تحوي وجوداً للشيعة على أراضيها، وشكلت
كل تلك المجالس تقريباً أجنحة عسكرية قامت بأعمال عنف في دولها، فكانت أحداث
المسجد الحرام وأحداث العنف في الكويت والبحرين في الثمانينيات أمثلة، والأهم من
ذلك في العراق أثناء الحرب العراقية الإيرانية وما تخللها من تشكيل فيلق بدر الذراع
المسلح للمجلس الأعلى الذي يرأسه محمد باقر الحكيم من الإيرانيين الذين هجّرهم
صدام، والأسرى العراقيين في السجون الإيرانية الذين أطلق عليهم لقب التوابين.
وبالرغم من استمرار القتال لثماني سنوات فلم تفلح إيران وفيلق بدر في
إسقاط صدام، حتى كانت حرب الخليج عام 1991م عندها حانت لحظة الثأر، ففتحت إيران
أجواءها لطائرات أمريكا (الشيطان الأكبر) مما ساعد كما يذكر المحللون على خداع
الدفاعات الجوية العراقية التي نصبت على الحدود السعودية والكويتية التي تم
تدميرها تماماً، ثم حركت إيران فيلق بدر مرة أخرى للقيام بثورة في الجنوب قمعها
صدام بشدة، ثم أعادت إيران في الحرب الأخيرة السيناريو السابق نفسه حتى تخلصت من
صدام.
ويمكننا تلخيص الرؤية الإيرانية لمستقبل العراق بأنه يجب أن يكون:
[عراقاً شيعياً أو يحكمه الشيعة يحكم بقاعدة ولاية الفقيه بمرجعية إيرانية؛ سواء
في أمور الفقه أو في الأمور السياسية مع تهيئة الظروف الدستورية والسياسية
والشعبية فيه لإمكانية الاندماج مستقبلاً في (الدولة الشيعية الكبرى)].
وهي تسعى لأن ينال حلفاؤها ذلك سياسياً ما دام ذلك ممكناً، فاحتلت
عناصر ( المجلس الأعلى) و (حزب الدعوة) أهم المراكز في الحكومة المؤقتة والجيش
والشرطة، وسيكون التحرك الأساسي لتلك الفصائل بعد خروج الأمريكان، مكرّرين بذلك
قصة حزب الوحدة الشيعي في أفغانستان الذين أوصاهم (الخميني) بالحفاظ على أسلحتهم
عندما كان الجهاد دائراً ضد الروس، ولم يظهروا إلا بعد انسحاب السوفييت تحت وطأة
ضربات المجاهدين السنَّة، واستطاعوا الحصول على مقاعد في حكومات الأحزاب
المتتابعة، ثم حاربوا حكومة الطالبان (السنية) وحين انتصر الطلبة عليهم ودخلوا
معقلهم، قامت الدنيا في إيران، وقام الحرس الثوري بمناورات على الحدود الأفغانية،
وهددت بدخول أفغانستان (لإنقاذ) الأقلية الشيعية من (المجازر) المزعومة التي
يرتكبها الطالبان بحقهم، إلا أن الفارق بين الحالتين العراقية والأفغانية هي أن
الشيعة بدؤوا بتصفية خصومهم السنة قبل انسحاب المحتل مستقوين بزي (لواء الذيب)
المكون من مقاتلي (فيلق بدر).
3 - إيران وشيعة العراق:
إن شيعة العراق ليسوا على قلب رجل واحد، رغم نظرية المرجعية التي
يطالب بعض الجهال بتطبيقها عند السنَّة؛ فهم منقسمون سياسياً إلى عدة تيارات، حسب
نظرتهم لشكل الحكم الإسلامي وحسب الميل إلى النجف أو قُمْ، والأهم من ذلك الخلاف
بين البيوتات على حكم وقيادة شيعة العراق.
فالمجلس الأعلى الذي شكّله (محمد باقر الحكيم) في إيران هدفه المعلن
حيناً المموه حيناً آخر هو إقامة الجمهورية الإسلامية المستندة على قاعدة ولاية
الفقيه ( النموذج الإيراني) الذي عارضه الكثير من شيوخ الشيعة وساداتهم، وخاصة
العرب منهم في قم والنجف.
وهذا المجلس هو أكبر من يمثّل الرؤية الإيرانية لهذه المرحلة بإقامة
حكم شيعي أو حتى إقليم شيعي في العراق تابع لإيران يمكن ضمّه إليها وفق مبدأ (
حرية تقرير المصير)، وأعلن عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس حالياً بعد مقتل أخيه
محمد باقر الحكيم؛ أعلن ذلك بصراحة عندما طالب بحكم فيدرالي في جنوب العراق مضيفاً
إلى جنوبستان التي طالب بها الشيعي العلماني! (الجلبي) مناطق جديدة هي محافظات المثنى
و ديالى ليضم إقليمه كل المناطق جنوب بغداد، ويسيطر على ما تبقى من نفط العراق بعد
أن أعلن أكراد الشمال أن كركوك ونفطها هو من حصة كردستان.
ويمكننا فهم مدى إيرانية هذا الحزب من خلال مطالبة رئيسه الحالي
بتعويض إيران عن خسائرها في حربها مع العراق لِيُفْني آخر حصة من النفط العراقي.
أما الفصيل الشيعي الثاني فهو (حزب الدعوة) الذي يتزعمه إبراهيم
الأشيقر المعروف بـ (الجعفري) رئيس مجلس الوزراء وهو أيضاً قريب من إيران.
لكن الفصيل المهم في هذا التصنيف هو الحوزة الناطقة التي ينادي بها (
مقتدى الصدر)، الذي يشكل شقاً في الصف الشيعي العراقي وخروجاً عن عصا إيران، فهو:
أولاً: يمثل أحد أقطاب
الدعوة للمرجعية العراقية التي كان يمثلها جده محمد باقر الصدر بالإضافة لمرجعيات
أخرى ك (جواد الخالصي).
وهذا الأمر لا يعجب إيران؛ لأنه إن تحقق فسيعيد قيادة العالم الشيعي
إلى النجف بعد أن استأثرت به « قُمْ » طيلة السنوات الفائتة، وإذا حدث ذلك فستخسر
إيران الكثير على عدة أصعدة: سياسياً: سيضعف التأثير القيادي على جماهير الشيعة في
العالم، ومادياً: ستخسر المليارات من أموال الخُمْس التي يرسلها الشيعة في العالم
إلى « قُمْ »، بالإضافة إلى خسارة آلاف الحجاج الوافدين سنوياً لزيارة ما يسمونه
بـ (العتبات المقدسة) في « قُمْ ».
وثانياً: هو من المعادين
لـ (ثلّة إيران) وخاصة آل الحكيم الذين يتهمهم بالجبن والخيانة؛ لأنهم هربوا من
العراق بينما بقيت عائلته (تناضل) في الداخل ضد حكم البعث، وقُتل أبوه وجده على يد
النظام البعثي. وهو من أشد المعارضين للنظام الفيدرالي الذي طرحته (ثلّة إيران)
وخرجت جموع من مؤيّديه عقب صلاة الجمعة في التاسع عشر من شهر آب رافعة شعارات «
كلاَّ للفدرالية كلاَّ للتقسيم ».
وبنظرة إلى التوجهات الشيعية العراقية تجاه إيران فإنها تمكننا من تحديد خطين أساسيين هما:
الأول: ذوو الميول الإيرانية: ومرجعياتهم فارسية وأهمهم السيستاني، وقادة المجلس الأعلى للثورة
الإسلامية ومنهم (عبد العزيز الحكيم) وحزب الدعوة ( إبراهيم الجعفري)، وهو الخط
الأقوى؛ لأنه مدعوم من أقوى المرجعيات الشيعية في العراق (السيستاني) وحصلت
قائمتهما على مباركته عندما أعلن أن كل من يقاطع الانتخابات فمصيره جهنم (صك حرمان
شيعي) وكونت أكبر كتلة في الجمعية الوطنية العراقية بالإضافة إلى رئاسة وأغلبية
أعضاء لجنة صياغة الدستور الجديد.
والثاني: ذوو ميول عراقية: مكوّن من حركة الحوزة الناطقة (مقتدى الصدر) الذي يستند إلى إرث
وسمعة عائلته المحترمة في الوسط الشيعي.
يدعم هذا التوجه بعض المرجعيات العربية كجواد الخالصي و أبي القاسم
الخوئي قبل موته وهو والد عبد المجيد الخوئي الذي قتل فور عودته من لندن واتُّهم (
مقتدى الصدر) بقتله، وينضم إليهم العلمانيون الشيعة، وهؤلاء خصوصاً شديدو العداء
لإيران ويعتبرونها امتداداً للدولة الصفوية السابقة، بل إنها أخطر أعداء العراق
كما وصفها وزير الدفاع السابق (الشيعي) حازم الشعلان.
أما الجناح الشيعي العلماني الأبرز المؤتمر الوطني (حزب الجلبي)
فيكاد لا يعرف له وجهة رغم أن زعيمه دعا لإقامة إقليم جنوبستان أسوة بكردستان
الشمال.
* لمن سيوجه الدعم الإيراني؟
إننا فقط بفهم الرؤية الإيرانية وتحديد تقاطعاتها مع الخطوط على
الخريطة الشيعية العراقية نستطيع تحديد إحداثيات الجهات والمناطق في العراق التي
ستذهب إليها صناديق الأسلحة ومخيمات الحرس الثوري الإيراني.
فلنقل باختصار: إنها ستكون لفيلق بدر وحزب الدعوة، ولنبيّن السبب؛
فالبينة على من ادّعى:
- فيلق بدر كوّنته إيران ويضم إلى صفوفه بالإضافة للشيعة العراقيين
عناصر من حرس الثورة الإيراني، وما زال دستور تأسيس (المجلس الأعلى للثورة
الإسلامية) الذي يترأسه عبد العزيز الحكيم ينص في مادته الأولى على الولاء لدستور
ومنهج الثورة الإيرانية ثورة الخميني [2].
- قام هذا الفيلق بالعديد من العمليات ضد الحكومة العراقية أثناء
الحرب الإيرانية، منها: عملية انتحارية فجرت مبنى الإذاعة والتلفزيون، بالإضافة
إلى تفجير الكثير من العبوات الناسفة في شوارع بغداد، كما قام بقتل العديد من
الأسرى العراقيين كما في (البسيتين) في 1/12/1980 والتي قتل فيها (1500) أسير
عراقي. ثم عهد لقوات بدر تعذيب الأسرى العراقيين في إيران بقيادة محمد باقر الحكيم
(آنذاك).
وارتكب فيلق بدر العديد من المجازر بحق الأسرى العراقيين وخاصة في
معسكر (كوركان) و (حشمتية) و (بابلسر) و (أهواز فرز) وغيرها من معسكرات الأسر في
إيران. وراح ضحية هذه المجازر عشرات الآلاف من الأسرى العراقيين. (شبكة البصرة -
عبيد عطشان الساعدي: فيلق بدر والمقابر الجماعية من جديد).
- قام بالكثير من العمليات الإرهابية ضد المدن السنية الموجودة في
وسط شيعي قبل سقوط صدام خاصة في اللطيفية و المحمودية و اليوسفية [3].
- سيطرته على الشرطة والجيش ووزارة الداخلية، وقيامه بتصفية أعدائه
من السنة والعلماء العراقيين والضباط بلباس الشرطة.
- شارك مع الأمريكيين في القضاء على تحرك مقتدى الصدر ثم تجريده من
سلاحه كي تفرغ لهم الساحة الشيعية.
- ذكر العديد من المواقع مخططاً إيرانياً لإسكان عناصر المخابرات
الإيرانية ( إطلاعات) في شقق منطقة البلديات التي يسكنها اللاجئون الفلسطينيون،
وهذا يفسر الهجمة الشرسة التي يشنّها فيلق بدر ضدهم ومحاولة إخراجهم من العراق
باتهامهم بدعم (الإرهابيين) وانتهاك حرماتهم واعتقالهم [4].
- قيام هيئة صياغة الدستور التي تسيطر عليها قائمة الائتلاف ويرأسها
همام حمودي (نائب رئيس المجلس الأعلى) بإدراج فقرة في مشروع الدستور الجديد:
بأن الفرس هم إحدى القوميات المكونة للمجتمع العراقي والاعتراف
باللغة الفارسية كإحدى اللغات الرسمية.
- تمويل فيلق بدر: أعلن هادي العامري (قائد الفيلق) عشية الانتخابات
أنه سيحمي الانتخابات بـ (100) ألف مسلح من فيلق بدر، وأعتقد أنه كاذب في هذا
العدد، فإذا قدرنا العدد على الأقل بعشرة آلاف وكان راتب كل عضو (100) دولار فيكون
المبلغ مليون دولار شهرياً عدا السلاح والعتاد والتدريب؛ فمن أين لهم هذه
الميزانية: هل من أموال الخُمْس؟ أم من سرقة النفط؟ أم من ميزانية وزارة الدفاع
الإيرانية؟ أنا أتوقع المصدرين الأخيرين.
ولكن رغم ذلك علينا أن نعيَ أنه حين يتحول الأمر ضد أهل السنة فإن
إيران لن تتورع عن دعم جميع الأطراف الشيعية الذين بدورهم سيتناسون خلافاتهم
ويتوحدون ضد العدو المشترك كما فعلوا أثناء حكم صدام.
ولكن السؤال المهم هو: هل بدأ النشاط الإيراني في العراق؟ - ذكر تقرير لوزارة الداخلية العراقية في تاريخ 9/10/2004
أنه تَمّ إلقاء القبض على مهربين إيرانيين معهم سيارة محملة بمسدسات كاتمة للصوت
(لتنفيذ الاغتيالات) [5].
- مقتل الدبلوماسي الإيراني خليل النعيمي الذي تبين بعد ذلك أنه ضابط
كبير في المخابرات الإيرانية قام بقيادة عمليات نفّذتها عناصر شيعية عراقية ضد
حركة مجاهدي خلق [6].
- الوجود الدائم لأعداد كبيرة وصفت بالآلاف من قوات الحرس الثوري في
النجف و كربلاء بصفة (حجاج) تنتظر تنفيذ مهمتها في اللحظة المناسبة.
- تأكيد الكثير من المصادر العراقية دخول آلاف الإيرانيين قبل
الانتخابات واستلامهم بطاقات انتخابية للتأثير في نتيجتها لصالح توجيهات
السيستاني.
ولكن لم يذكر هل عادت تلك الألوف إلى إيران أم بقيت في ضيافة الأحزاب
الشيعية؟
* أين أمريكا من ذلك؟
لماذا تسكت أمريكا عن هذا السعي لإقامة حكم شبيه بنظام الملالي
الحاكم في إيران والذي تعاديه أمريكا؟ والإجابة عن هذا السؤال لها عدة وجوه:
- يشير بعض المحللين أن أمريكا تخطط لأن تلعب إيران الدور نفسه الذي
لعبته سورية في لبنان بعد الحرب اللبنانية، فتدخل بقواتها وتضرب أعداء أمريكا، كما
فعلت سورية مع المنظمات الفلسطينية، وعندما تستقر الأوضاع تخرجها بقرار دولي شبيه
بـ (1559) وهذا الاحتمال ضعيف؛ لعدة أسباب يحتاج بسطها وشرحها لموضوع خاص.
- لكن الرأي الأقوى عندي أن حلفاء إيران هم في الوقت نفسه أشد حلفاء
أمريكا، فلا تريد أمريكا أن تخسرهم في هذا الوقت قبل الانتهاء من تصفية الفصيل
العراقي من عدوها العالمي (تنظيم القاعدة).
كما أنها لا تريد أن تظهر أمام العالم كعدو لجميع العراقيين، بل تظهر
صديقة للجماعات التي (اضطهدها) صدام حسين وهم الأكراد و الشيعة، أما السنَّة فهم
يقاومون الاحتلال لأنهم بزعمهم (أزلام النظام السابق) أو (إرهابيون أجانب).
وهي لن ترضى بقيام دولة أو حتى إقليم على النموذج الإيراني، إلا إن
كان هدفها استعمال هذا النموذج كفزاعة لإخافة الدول الخليجية من الخطر الفارسي كي
تدفعها لطلب الحماية منها وتزيد من ضخ النفط وتنزيل أسعاره عند اللزوم.
وبعد إخفاقها في فرض حلفائها العلمانيين كعلاوي والجلبي تسعى حالياً
للتهدئة مع الأقل تحالفاً من المتدينين الشيعة ريثما تتفرغ لهم بعد تصفية (العدو
الوهابي المشترك).
إن الحذر والعمل على إحباط المشروع الإيراني يجب أن يكون الهاجس
الأكبر ليس فقط بالنسبة للمقاومة العراقية وإنما لجميع الدول العربية والإسلامية
وبخاصة الخليجية التي لا زالت إيران تنظر إلى بعضها إن لم يكن جميعها كأرض إيرانية
محتلة؛ فإذا نجح مشروعهم في العراق فسيكون حافزاً للشيعة في جميع الدول للتحرك وفق
السيناريو نفسه:
ضربة أمريكية لأي سبب كان يكون الشيعة رأس الحربة فيها، ثم سيطرة على
مفاصل الدولة، ثم مطالبة بالفيدرالية بحيث يكون الإقليم الشيعي هو حتماً الأغنى
بالنفط، ثم حق تقرير المصير يضمن استفتاءً للاتحاد مع الدولة الشيعية الكبرى التي
لن تكون هلالاً فقط وإنما أيضاً خليجاً.
قد يقول بعضهم: إني أهوِّل الأمور، ولكن أسأل الله الكريم رب العرش
العظيم ألّا يأتي يوم يقول منتقديَّ فيه: (أُكِلْتُ يوم أُكل الثور الأبيض).
:: البيان تنشر - مـلـف
خـاص- (الـخـطـر الإيـرانـي يـتـمـدد)
(1) الجيوبوليتيكيا: علم يدرس شؤون الحدود
والجبهات والتوسع للدولة، يعود تأصيله وتحديد معالمه إلى المفكرين النازيين
الألمان.
(2) (موقع الرابطة العراقية - د أيمن
الهاشمي - جامعة بغداد: هل نجحت إيران باختطاف العراق).
(3) (التي تسمى حالياً بمثلث الموت)
بغية طرد السنة وتحويلها إلى مناطق شيعية خالصة.
(4) إخوان أون لاين.
(5) الحوار المتمدن العدد 984 - كهلان
القيسي: فيلق بدر يد إيران أم يد أمريكا الضاربة في العراق.
(6) nourizadeh
com.