• - الموافق2024/04/27م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
(أصول وقواعد منهجية) مقدمة الطبعة الثانية 2-2

(أصول وقواعد منهجية) مقدمة الطبعة الثانية 2-2


الرئيسية - أصول وقواعد منهجية


إنَّ من عجائب هذا الإمام المجدد - وعجائبه كثيرة - أنَّه كان يعيش عصره، بهمومه المختلفة، وأحواله المختلطة، فلم تكن علومه الغزيرة لوناً من ألوان الترف المعرفي، أو شكلاً من أشكال الصنعة، يلقيها من برجه العاجي، ومجلسه الوثير..! بل كانت روحاً حية معطاءة، تعالج مشكلات الأمة وتعيش همومها، وتنطلق من حاجياتها، بشمولية عجيبة، وهمَّة عالية.. فها هو ذا يشارك المسلمين في فتح عكَّا بفلسطين، لاستردادها من النصارى، حتى قال عنه تلميذه البزَّار: «حدَّثوا أنهم رأوا منه في فتح عكَّا أموراً من الشجاعة يعجز الواصف عن وصفها، قالوا ولقد كان السبب في تملك المسلمين إياها بفعله ومشورته وحسن نظره»[1].

وفي موضع آخر يجمع المسلمين لقتال التتار، ويتقدَّم صفوفهم، ويقود معركة شقحب - بالقرب من دمشق - بنفسه، ويفتح الله على يده[2].

وتصدره للفتوى والتعليم والتدريس ما كان يمنعه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بل ذهب مع أصحابه - ومعه حجَّارون - لهدم صخرة تُزار ويُنذر لها، فقطعها[3].

وذهب معهم ثانية إلى الخمارات والحانات، فكسروا آنية الخمور وأراقوها، وعزَّروا جماعة من أهل الحانات[4].

وكان يستتيب المنحرفين والمشعوذين، ويدعوهم إلى التوبة والاستقامة[5].

بل كان يعايش هموم الناس الخاصة، فلما سمع أنَّ الأمير قطلوبك الكبير يأخذ أموال الناس بالباطل جاءه ونهاه[6].

ومواقفه وملاحمه كثيرة جداً يصعب حصرها، ولكن من مواقفه الكريمة التي تستحق الدراسة والتأمل: ترفعه عن أهل الدنيا، فالناس لهم همٌّ، وابن تيمية له همٌّ أكبر وشأن أعظم.. وشى به بعض حسَّاده إلى السلطان الناصر، وذكروا له أنَّ ابن تيمية يطلب الملك..!! فأحضره السلطان بين يديه، وقال له: إنني أخبرت أنك قد أطاعك الناس، وأنَّ في نفسك أخذ الملك؟! فقال له ابن تيمية بصوت عال سمعه كثير ممَّن حضر: «أنا أفعل ذلك..؟! والله إنَّ ملكك وملك المغول لا يساوي عندي فلسين!»[7].

واستمر شيخ الإسلام ابن تيمية بهذه الروح العالية، والنفس المطمئنة، حتى لقي ربَّه في سجن القلعة بدمشق. وبقيت كلماته العبقة الطاهرة في الثبات والصدق، درساً حيَّاً لعامَّة العلماء والمصلحين، فها هو ذا يقول: «من أيِّ شيء أخاف؟! إن قُتلتُ كنتُ من أفضل الشهداء وكان ذلك سعادة في حقي، يُترضى بها عليّ يوم القيامة، ويلعن الساعي في ذلك إلى يوم القيامة، فإن جميع أمة محمد يعلمون أني أقتل على الحق الذي بعث الله به رسوله صلى الله عليه وسلم. وإن حُبستُ فوالله إن حبسي لمن أعظم نعم الله عليَّ، وليس لي ما أخاف الناسَ عليه: لا مدرسة ولا إقطاع، ولا مال، ولا رئاسة، ولا شيء من الأشياء..!»[8].

ونقل عنه تلميذه ابن القيم قوله: «ما يصنع أعدائي بي، أنا جنَّتي، وبُستاني في صدري، إن رحت فهي معي لا تفارقني، إنَّ حبسي خلوة، وقتلي شهادة، وإخراجي من بلدي سياحة»[9].

وكان يقول - رحمه الله تعالى -: «المحبوس من حُبس قلبه عن ربه تعالى، والمأسور من أسره هواه»[10].

ما أحوج الأمة الإسلامية في هذا العصر إلى العلماء الربانيين الذين لم تتعلق أفئدتهم بالدنيا، بل تطلعت نفوسهم إلى رفعة الآخرة التي يُبيِّض الله بها وجوه أوليائه وأحبابه..

ما أحوجنا إلى العلماء المخلصين الذين أنار الله قلوبهم وعقولهم بنور العلم والإيمان.. الذين يتركون أبراجهم العاجية، وينزلون إلى الساحة الإسلامية، فيتعرفون على أحوال النَّاس وهمومهم ومشكلاتهم، فيتكلمون بلسانها، ويدافعون عن قضاياها، ويذبون عن حرماتها، ويعملون جادين على تربية الناس على دين الله - سبحانه وتعالى - بالموعظة الحسنة والقدوة الصالحة.

لقد تبوأ العلماء الربانيون في دين الإسلام منزلة جليلة دونها بقية المنازل، حيث شرَّفهم الله تعالى، وأعزَّهم ورفع أقدارهم، وأعلى منازلهم؛ قال الله تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: ١١].

إنَّ العلماء هم سادة الأمَّة وقادتها، وهداتها لكلِّ خير، ومنذ الرعيل الأول وهم الذين يُوضِّحون السبيل، ويُبينون الطريق، ويُعلمون الناس حدود ما أنزل الله - عزَّ وجلَّ - على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، كما أنهم هم الذين يحمون البيضة، ويرعون الحقوق، ويجيِّشون الأمَّة لمواجهة أعدائها.

قال أبو العباس أحمد التلمساني المقري - رحمه الله تعالى -: «لـمَّا تقلَّص الإسلام بالجزيرة، واسترد الكفار أكثر أمصارها وقراها، على وجه العنوة والصلح والاستسلام، لم يزل العلماء والكتاب والوزراء يُحرِّكون حميات ذوي البصائر والأبصار، ويستنهضون عزماتهم في كلِّ الأمصار»[11].

وحدَّد العزُّ بن عبد السلام - رحمه  الله تعالى - الواجب على علماء الأمَّة بقوله: «ينبغي لكلِّ عالم إذا أذلَّ الحق وأخمل الصواب، أن يبذل جهده في نصرهما، وأن يجعل نفسه بالذلِّ والخمول أولى منهما، وإن عزَّ الحق فظهر الصواب أن يستظل بظلهما، وأن يكتفي باليسير من رشاش غيرهما»[12].

ولعلَّ سيرة الإمام المجدد شيخ الإسلام ابن تيمية فيها القدوة والمثل الحي للعلماء والدعاة في كافة الأمصار وعلى كلِّ الثغور.

عجيب أمر العلماء المصلحين.. يواجهون بكلِّ أنواع الظلم والمحاربة والاستهزاء، ومع ذلك فهم صابرون محتسبون.

عجيب أمر العلماء المصلحين.. يخرج العالم منهم وحيداً فريداً يقف بمفرده أمام الأمَّة بمجموعها لا يضرُّه من خذله ولا من خالفه، يتألَّب عليه الخاصة، وينفر منه العامة، يصفونه بأقبح الصفات، ويتهمونه بأبشع الأخلاق، ومع ذلك فهو رافع الرأس، عالي الهمة، صادق العزيمة لا يضره من خذله أو خالفه.

ينظر المصلح إلى الناس من حوله فيجد الانحراف والضلال والبُعدَ عن شرع الله، فيتحرك قلبه، ويهتز ضميره، ويصبح ويمسي مفكراً في هموم الأمة وأحوالها، يظل قلق النفس حائر اللُّب، لا يهدأ باله بنوم أو راحة، ولا تسكن نفسه بطعام أو شراب، وكيف يقوى على ذلك أو يرضى به وهو يرى أمته تسير إلى الهاوية، وفصول الهزيمة والاستكانة تتوالى تباعاً، وألوان البدع والمفاسد تنتشر في كثير من الأرجاء؟!.

إنَّ العالم الربَّاني صادق مع نفسه، صادق مع الآخرين، يجهر بالحق، ويُسمِّي الأشياء بأسمائها، ويكره التدليس والخداع وتزوير الحقائق، ولا يرضى بالمداهنة أو المداورة، وهذا ما لا يرضي العامة الذين ألهتهم شهواتهم وأهواؤهم عن ذكر الله وعن الالتزام بشريعته، كما لا يرضي الملأ المتنفذين الذين يستمدون وجودهم ومكانتهم من عجز العلماء وضعفهم، ومن غفلة العامة وسكرتهم.

ينطلق العالم الصادق مستعيناً بالله تعالى يجوب الآفاق رافعاً صوته بكلمة التوحيد الخالص، لا يعتريه فتور ولا خَور، ولا يُقعده عن أمانة البلاغ رغبة ولا رهبة، ولا يخشى في الله لومة لائم، لأنَّ القلب العامر بنور الإيمان، المطمئن بذكر الله تعالى، يكتسب قوة وثباتاً يستعلي بهما على زخرف الدنيا وبطش الجبابرة.

إنَّ عظمة العلماء المصلحين تتجلى في ثباتهم ورباطة جأشهم وقدرتهم على مواجهة الناس، بدون كلل أو ملل، فالحق يمكن أن يصل إليه الكثيرون، ولكن الصدع به والثبات عليه والصبر على الأذى فيه، منزلة شامخة لا يصل إليها إلا العلماء الأفذاذ.

إنَّ عظمة العلماء المصلحين تتجلى في رعايتهم لهموم الأمَّة كبيرها وصغيرها، دينيها ودنيويها، فهم يعيشون للأمة، يُّذبون عن بيضتها ويحمون حماها، ولا تتعلق قلوبهم بشكر الناس أو حمدهم، أو ترهب نفوسهم من غضبهم أو ظلمهم، يقولها العالم صادقاً للخاص والعام: {يَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إنْ أَجْرِيَ إلاَّ عَلَى الَّذِي فَطَرَنِي أَفَلا تَعْقِلُونَ} [هود: 51].

كلُّ هذه الدروس - وغيرها كثير - تظهر جلية واضحة عند دراسة تاريخ الإمام شيخ الإسلام ابن تيمية، وإنَّ الانحرافات العقدية في هذا العصر كثيرة وكثيرة جداً، فبالإضافة إلى الملل والنحل السابقة التي كثر انتشارها واستطار شررها، ظهرت في الساحة عقائد وانحرافات جديدة، تعلن حربها الصريحة الشرسة على الإسلام وأهله، مثل: الماركسية، والعَلْمانية، والوجودية، والقومية، والحداثة.. ونحوها.

وقد انقسم الناس إزاء ذلك فريقين ووسط:

الفريق الأول: الذين ركَّزوا حربهم على مبتدعة وضلاَّل الماضي وأتباعهم من المعاصرين، كالمعتزلة والأشاعرة والرافضة والصوفية.. ونحوهم.

الفريق الثاني: الذين ركزوا حربهم على الضلالات الحديثة، كالعَلْمانية والماركسية.. ونحوها.

الفريق الثالث: وهم أهل الوسط: الذين جمعوا بين الأمرين، فحاربوا المبتدعة وكشفوا عوارهم وحذَّروا الأمة من ضلالهم وزيغهم، ولم يُنسهم ذلك حربهم لزنادقة العصر الجدد الذين ناصبوا الأمَّة العداء، وحاربوها في دينها وتاريخها، وأرادوا مسخ هويتها وعقيدتها.

فهذا الفريق يُقدر لكلِّ أمر قدره، وبحسب لكلِّ نازلة حسابها. والانفصال المفتعل بين الأمرين شيء لا حقيقة له، وواجب العلماء الأكفاء من رجالات هذه الأمَّة القيام بالواجب الشرعي الذي أمرهم الله تعالى به، من الردُّ على الضُلَّال وفضح المبتدعة والزنادقة وأهل السوء، ولا بأس أن يوجد في علماء الأمة ودعاتها من يتخصص في أحد الأمرين، فيحدث التكامل، ويسدُّ كلُّ شخص ثغرة من الثغور.

أسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يحفظ لنا علماءنا ويبارك فيهم، ويشدَّ من أزرهم، ويريهم الحق حقَّاً ويرزقهم اتباعه، ويريهم الباطل باطلاً ويرزقهم اجتنابه.


كتاب (منهاج السُّـنـَّة النبويَّة):

من الكتب الجليلة التي ألفها شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - كتاب: (منهاج السُّنَّة النبوية في نقض كلام الشيعة والقدرية)، ردَّ فيه على كتاب: (منهاج الكرامة في إثبات الإمامة) لابن المطهر الحلِّي الرافضي.

وقد طبع منهاج السُّنة النبوية لأول مرة في المطبعة الأميرية ببولاق بمصر سنة 1321هـ، ثم طبع أخيراً بعناية الدكتور محمد رشاد سالم - رحمه الله تعالى - طبعة علمية محققة، مراجعة على ثلاثةَ عشرَ مصدراً خطيَّاً، بالإضافة إلى مراجعته على طبعة بولاق، وعلى كتاب منهاج الكرامة لابن المطهر المطبوع في إيران عام 1880م، وظهرت هذه الطبعة في تسعة مجلدات كبار، خصص التاسع منها للفهارس المتنوعة، ونشرته جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.

وتأتي أهمية هذا السفر الجليل لعدة أسباب، أذكر منها:

1 - أنَّ الشيعة من أقدم المبتدعة ظهوراً في التاريخ الإسلامي، ومن أكثرها انتشاراً في العصر الحاضر.

2 - أنَّ ابن تيمية اهتم بالردِّ عليهم معتمداً على النقل الدقيق من أكثر كتب الرافضة رواجاً وانتشاراً في عصره.

3 - أنَّ ابن المطهر الحلي الذي ردَّ عليه ابن تيمية كان يُعدُّ عند الإمامية أفضلهم في زمانه؛ بل يقول بعض الناس: ليس في بلاد المشرق أفضل منه في جنس العلوم مطلقاً[13].

4 - يُعدُّ كتاب منهاج السُّنَّة النبوية من أوسع وأجمع كتب أهل السُّنَّة في الردِّ على الشيعة الإمامية خاصة، وقد استوعب ابن تيمية فيه الردَّ على كثير من شبهات الرافضة وافتراءاتهم التي كانوا وما زالوا يرددونها ويكتبون فيها الرسائل والمدونات.

5 - وحيث إنَّ مذهب الإمامية قد جمع عظائم البدع المنكرة - فإنهم جهمية في الصفات، قدرية على مذهب المعتزلة، رافضة -[14] فإنَّ ابن تيمية استطرد استطرادات نفيسة للردِّ على الجهمية، والمعتزلة، والفلاسفة.. وغيرهم من طوائف المبتدعة ورؤوس الضلال.

وقد ناقش ابن تيمية في هذا الكتاب مسائل متعددة أثارها ابن المطهر الحلي في أبواب مختلفة،ولعلَّ من أهم هذه الوسائل وأجمعها:

أولاً: منزلة الصحابة - رضي الله تعالى عنهم أجميعن - ومواقفهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، والرد على المطاعن والأكاذيب التي ذكرها الرافضي.

ثانياً: الإمامة والعصمة.

ثالثاً: منهج أهل السُّنَّة في الصفات والقدر، ومقارنته بمنهج الرافضة وأشياخهم المعتزلة، والرد على أكاذيبهم ومخازيهم.

وقد كانت طريقة ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في ردِّه على ابن المطهر الرافضي: أن يذكر قوله نصَّاً من كتابه منهاج الكرامة، حيث يقول ابن تيمية: قال الرافضي: كذا وكذا.. ثم يتبع ذلك الجواب التفصيلي على قوله، وفي أثناء ذلك قد يستطرد ابن تيمية في ذكر مخازي الرافضة الأخرى، أو يردُّ على فِرَق الرافضة الأخرى غير الإمامية، ويذكر في كثير من الأحيان منشأ بدعتهم وأصلها، ويقوده ذلك للردِّ على المتكلمين والفلاسفة، ونحوهم، حسبما يقتضيه الحال، بطريقة علمية تدلُّ على تضلعه، وتمكنه، وسعة اطلاعه، وغزارة علمه، وطول نفسه، كما تدل من جهة أخرى على قدرة فائقة على الحجاج والمناظرة والاستدلال بالمنقول والمعقول.

وقد تأخذ تلك الاستطرادات حيزاً واسعاً في بعض الأحيان، فقد استغرق مثلاً ردُّه على قول الفلاسفة بقدم العالم حوالي ثلاثمئة صفحة[15].

وأحياناً يستطرد ابن تيمية في بعض المسائل الفقهية.

وأحياناً يستطرد في بيان بعض القواعد العلمية التي تُعين الإنسان على الفهم السليم للنصوص والمسائل الشرعية، ومن ذلك:

ذكره لقاعدة جامعة في تصويب المجتهدين وتخطئتهم وتأثيمهم في الأصول والفروع، وهي قاعدة مهمة جدَّاً، تحتوي على مسائل نفيسة، ذكرها مقدِّمة للردِّ على المثالب التي ذكرها الرافضي على بعض الصحابة - رضي الله عنهم -[16].

ذكره لقاعدة علميَّة للتمييز بين الصدق والكذب في المنقولات[17].

وبالجملة نرى ابن تيمية قد التزم في كتابه (منهاج السُّنَّة النبوية) الرد على المسائل التي ذكرت في منهاج الكرامة، أما عقائد الإمامية الأخرى - التي لم تذكر في منهاج الكرامة - وعقائد بقية الرافضة غاليّها وزيديها فإنَّها لا تذكر إلا استطراداً.

ولعلَّ من أهم مزايا شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - وهو يناقش أي مسألة من مسائل العلم أو العمل: تأصيله المنهجي الدقيق، وتقعيده العلمي الواضح، لمنهج السلف الصالح - رضي الله تعالى عنهم أجمعين -، ولهذا ترى أقواله وأطاريحه في غاية الدقة والاتزان، وفي غاية الثبات والاطراد، كما يلحظ القارئ في عامة مؤلفات هذا الإمام: القوة في التقرير، والثقة في المنهج.. وهما خصلتان تدلان في الغالب على سعة المدارك، نضج العقل.

وقد يسَّر الله لي - بفضله وعظيم جوده وعطائه - قراءة هذا السفر الجليل عدة مرات، فرأيتُ كنوزاً علمية كثيرة، وفي كلِّ مرة أعود إليه أرى فيه شيئاً جديداً، فأردت أن أجمع بعض هذه الفوائد المباركة، وأرتبها بطريقة ميسرة؛ ليسهل على القارئ الكريم تناولها والاستفادة منها.

 وقد رتبته بالطريقة الآتية:

المقدمة

وتحتوي على مقدِّمتين:

المقدمة الأولى: سبب تأليف الكتاب.

المقدمة الثانية: خطورة الرافضة.

الباب الأول: مصادر الاستدلال والتلقي بين أهل السُّنَّة والرافضة.

ويحتوي على أربعة مباحث:

                        المبحث الأول: الأدلَّة القرآنية.

                        المبحث الثاني: الأدلَّة من السُّنَّة النبوية.

                        المبحث الثالث: الأدلَّة العقلية.

                        المبحث الرابع: أئمة أهل البيت.

الباب الثاني: قواعد في المنهج:

ويحتوي على ثلاثة مباحث:

                        المبحث الأول: قواعد في دراسة أحوال الصحابة - رضي الله تعالى عنهم -.

                        المبحث الثاني: قواعد علمية في الردِّ على المبتدعة.

                        المبحث الثالث: قواعد في التكفير.

ولم أقصد في هذه القراءات استعراض عقائد الرافضة، وردود أهل السُّنَّة عليهم، فهذا يمكن الرجوع فيه إلى الأصل (منهاج السُّنَّة النبوية).. ولم أقصد اختصار الكتاب وتقريبه، فهذا جهدٌ قام به الإمام الذهبي - رحمه الله تعالى - في كتابه الموسوم: (المنتقى.. من منهج الاعتدال في نقض كلام أهل الرفض والاعتزال)، كما اختصره أيضاً الشيخ عبد الله الغنيمان - حفظه الله -. وإنَّما أردت أن ألتقط الفوائد المنهجية، والقواعد العلمية - المبثوثة في أبواب الكتاب المتفرقة - التي تضبط طريقة الاستدلال والتفكير، وتعصم الإنسان - بعون الله تعالى - من الزيغ والانحراف.

وقد اقتصر دوري في الكتاب على الترتيب والتبويب والتقاط الدرر والفوائد والفرائد، وإن كنت في أحيان قليلة أعلِّق تعليقات يسيرة، وأضيف نقولات مختصرة.

أما تخريج الأحاديث النبوية فاعتمدت تخريج المحقق الدكتور محمد رشاد سالم - رحمه الله تعالى - مع شيء من الاختصار؛ لأنَّ التفصيل موجود في الأصل.

ولست أزعم أنَّ هذه القراءات تعطي تصوراً كاملاً عن هذا السفر الجليل المبارك، ولكنها إشارات متفرقة وشذرات متناثرة، أردت أن أقطفها وأرتبها، وأقدِّمها بين أيدي الإخوة الفضلاء، لعلَّ الله - سبحانه وتعالى - يُبارك فيها.. ولا شك بأن هذا العمل تؤثر فيه عوامل كثيرة منها: قدرة الباحث العلمية وشخصيته، والمؤثرات النفسية والتربوية التي تحيط به، ومِنْ ثَمَّ: فإن قراءة النص وفهمه واختياره تتغيَّر من إنسان إلى آخر كلٌّ بحسب قدرته وتجرده.. وقد حاولت قدر الطاقة أن أحافظ على مراد المؤلف ونصِّ كلامه، وألَّا أقطع النصَّ من سياقه، إلا إذا كان الكلام تامَّاً يمكن فهمه دون السياق الذي جاء فيه.. ولكن يبقى العجز والضعف وقلَّة البضاعة مؤثرة تأثيراً بالغاً على هذه القراءات، فأسأل الله - عزَّ وجلَّ - العفو والمغفرة والرضوان.

كما أنَّ هذه القراءات لا تُغني بحال عن الكتاب الأصلي الذي يُعدُّ كنزاً من الكنوز العلمية، وذخيرة من الذخائر السلفية، التي ينبغي الاعتناء بها ودراستها.

أسأل الله - سبحانه وتعالى - أن يغفر لإمامنا شيخ الإسلام ابن تيمية مغفرة واسعة، وأن يحشرنا جميعاً في زمرة الصالحين، في الفردوس الأعلى من الجنَّة، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم،،،

- مقدمة الطبعة الثانية 1-2

- مقدمة الطبعة الثانية 2-2

[1] الأعلام العلية (ص 68).

[2]انظر: البداية والنهاية (14/25).

[3]المرجع السابق (14/34).

[4]المرجع السابق (14/11).

[5]المرجع السابق (14/34).

[6]انظر: الوافي (7/17).

[7]الأعلام العليَّة (ص 72-73).

[8]مجموع الفتاوى (3/159).

[9]الوابل الصيب (ص 60).

[10]الوابل الصيب (ص 61).

[11]أزهار الرياض (1/63)، طبعة صندوق إحياء التراث - الرباط 1978م.

[12]طبقات الشافعية الكبرى للسبكي (8/245).

[13]منهاج السُّنَّة النبوية (4/127) و (5/461).

[14]انظر: (4/131) و (8/10).

[15]انظر: (1/148-446).

[16]انظر: (5/83-461).

[17]انظر: (7/34-43) و (7/419-479).

أعلى