• - الموافق2024/04/26م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
(أصول وقواعد منهجية) المقدمة الأولى: سبب تأليف الكتاب1-2

(أصول وقواعد منهجية) مقدمة الطبعة الثانية 1-2


الرئيسية - أصول وقواعد منهجية


المقدمة

المقدمة الأولى:

سبب تأليف الكتاب مقدمة الثانية: خطورة الرافضة لمقدمة الأولى

سبب تأليف الكتاب

لم يكن تأليف هذا الكتاب الجليل  فضولاً علميَّاً لإضافة مادة جديدة إلى علوم الإسلام، ولم يكن من باب التكثر والتزيد.. ولكن كان ذلك لسببين في غاية الأهمية، وهما:  

السبب الأول: سبب عام، وهو الدفاع عن دين الإسلام، وحمايته من ا لتحريف و التبديل، والردُّ على المبتدعة بمختلف ألوانهم ومعتقداتهم، حتى لا يُدخلوا في دين الله - عزَّ وجلَّ - ما ليس منه. فدفع شرِّ المبتدعة وقمع باطلهم، أعظم من دفع شر قاطع الطريق.

قال ابن تيمية: «.. وكذلك بيـــان أهـــل العلـــم لمن غلط في رواية عـن النبي صلى الله عليه وسلم أو تعمَّد الكذب عليه، أو على من ينقل عنه العلم. وكذلك بيان من غلط في رأي رآه في أمر الدين من المسائل العلمية والعملية، فهذا إذا تكلم فيه الإنسان بعلم وعدل وقصد النصيحة، فالله - تعالى - يُثيبه على ذلك، لا سيما إذا كان المتكلِّم فيه داعياً إلى بدعة، فهذا يجب بيان أمره للناس؛ فإنَّ دفع شرِّه عنهم: أعظم من دفع شرِّ قاطع الطريق»[1].

وقال في معرض ردِّه على الفلاسفة: «من العجائب؛ بل من أعظم المصائب، أن يُجعل مثل هذا الهذيان برهاناً في هذا المذهب - الذي حقيقته أنَّ الله لم يخلق شيئاً، بل الحوادث تحدث بلا خالق - وفي إبطال أديان أهل الملل وسائر العقلاء من الأولين والآخرين. لكن هذه الحجج الباطلة وأمثالها لما صارت تصدُّ كثيراً من أفاضل الناس وعقلائهم وعلمائهم عن الحق المحض الموافق لصريح المعقول وصحيح المنقول، بل تُخرج أصحابها عن العقل والدين، كخروج الشعرة من العجين، إمَّا بالجحد والتكذيب، وإمَّا بالشك والريب، احتجنا إلى بيان بطلانها،للحاجة إلى مجاهدة أهلها، وبيان فسادها من أصلها، إذ كان فيها من الضرر بالعقول والأديان، ما لا يُحيط به إلا الرحمن»[2].

فهذا الدافع الجليل هو الذي جعل شيخ الإسلام ابن تيمية يُصنِّف كتابه: (منهاج السُّنَّة النبوية)، بل هو الدافع الذي جعله يدوِّن عامة مصنفاته، ويكتب الرسائل والردود؛ فها هو ذا يقول في موضع آخر: «وإذا كان النصح واجباً في المصالح الدينية الخاصة والعامة، مثل: نقلة الحديث الذين يغلطون أو يكذبون.. ومثل أئمة البدع من أهل المقالات المخالفة للكتاب والسُّنَّة، أو العبادات المخالفة للكتاب والسُّنَّة، فإنَّ بيان حالهم وتحذير الأمَّة منهم واجبٌ باتفاق المسلمين، حتى قيل لأحمد بن حنبل: الرجلُ يصوم ويصلي ويعتكف أحب إليك، أو يتكلم في أهل البدع؟ فقال: إذا قام وصلَّى واعتكف فإنَّما هو لنفسه، وإذا تكلَّم في أهل البدع فإنَّما هو للمسلمين، هذا أفضل. فبيَّن أن نفع هذا عام للمسلمين في دينهم، من جنس الجهاد في سبيل الله، إذ تطهير سبيل الله ودينه ومنهاجه وشرعته، ودفع بغي هؤلاء وعداوتهم على ذلك: واجب على الكفاية باتفاق المسلمين، ولولا من يُقيمه الله لدفع ضرر هؤلاء لفسد الدين، وكان فساده أعظم من فساد استيلاء العدو من أهل الحرب، فإن هؤلاء إذا استولوا لم يفسدوا القلوب وما فيها من الدين إلا تبعاً، وأما أولئك فهم يُفسدون القلوب ابتداءً..»[3].

ولعلَّ هذا هو السبب الرئيس الذي جعل ابن تيمية - رحمه الله تعالى - يقتصر في مؤلفاته على توضيح عقائد الإسلام، والردِّ على خصومه من الكفار والمبتدعة الضلال، دون أن يفرد في تصنيف الفقهيات وفروع العلم مؤلفاً خاصاً، قال تلميذه عمر بن علي البزَّار - رحمه الله تعالى -: «ولقد أكثر - رحمه الله - التصنيف في الأصول فضلاً عن غيره من بقية العلوم، فسألته عن سبب ذلك، والتمستُ منه تأليف نصٍّ في الفقه يجمع اختياراته وترجيحاته، ليكون عمدة في الإفتاء، فقال لي ما معناه: الفروع أمرها قريب، ومن قلَّد - المسلم - فيها أحد العلماء المقلَّدين جاز له العمل بقوله، ما لم يتيقن خطأه، وأما الأصول: فإني رأيت أهل البدع والضلالات والأهواء كالمتفلسفة والباطنية والملاحدة والقائلين بوحدة الوجود.. وغيرهم من أهل البدع، قد تجاذبوا فيها بأزمَّة الضلال، وبان لي أنَّ كثيراً منهم إنَّما قصد إبطال الشريعة المقدسة المحمدية الظاهرة العليَّة على كلِّ دين، وأن جمهورهم أوقع الناس في التشكيك في أصول دينهم، ولهذا قلَّ أن سمعت أو رأيت مُعرضاً عن الكتاب والسُّنَّة، مقبلاً على مقالاتهم إلا وقد تزندق، أو صار على غير يقين في دينه واعتقاده، فلما رأيت الأمر على ذلك بانَ لي: أنَّه يجب على كلِّ من يقدر على دفع شبههم وأباطيلهم،وقطع حجتهم وأضاليلهم، أن يبذل جهده ليكشف رذائلهم، ويزيف دلائلهم، ذبَّاً عن الملة الحنيفية والسُّنَّة الصحيحة الجلية»[4].

وهذا النصُّ المبارك فيه فوائد ولطائف كثيرة، منها:

أولاً: أنَّ هذا الإمام كان يحمل همَّ الدفاع عن حياض هذا الدين، وتُقلقه تلك البراعم الخبيثة التي يزرعها المبتدعة بين أمة الإسلام، فلم يقف عاجزاً مكتوف اليدين، بل شمَّر عن ساعد الجد يدفع مكرهم وكيدهم بالدلائل العلمية والحجج البرهانية.

ثانياً: أنَّ من فقه هذا الإمام الجليل - رحمه الله تعالى - ترتيبه للأولويات ترتيباً شرعياً، وذلك بالبدء بالأهم فالمهم، فليس من الحكمة الاشتغال بالمفضول دون الفاضل.

ثالثاً: أنَّه حرص على القيام بسدِّ ثغرة لم يقم بها غيره في زمانه على الوجه الذي تبرأ به الذمة، وترك ثغرة أخرى - على الرغم من أهميتها - لقيام غيره بسدها، وهذا هو عين الحكمة والعقل.

السبب الثاني: سبب خاص، وهو أن ابن المطهر الحلي لمَّا ألَّف كتابه: (منهاج الكرامة)، نشره بين الناس، فاغترَّ به العوام والجهلة، بل مال الملك «خُدا بَنْدَه» إلى الرافضة بسببه، فأحضر طائفة من أهل السُّنَّة والجماعة هذا الكتاب إلى ابن تيمية، وألحوا في طلب الردِّ لهذا الضلال المبين، ذاكرين أنَّ في الإعراض عن ذلك خذلاناً للمؤمنين، وظنَّ أهل الطغيان، نوعاً من العجز عن ردِّ هذا البهتان، فكتب ابن تيمية - رحمه الله تعالى - كتابه المبارك: (منهاج السُّنَّة النبوية)، انتصاراً للحق، ووفاءً بما أخذه الله من الميثاق على أهل العلم والإيمان، وقياماً بالقسط، وشهادة لله[5].

ولهذا قال ابن تيمية: «ولولا أنَّ هذا المعتدي الظالم [يعني: ابن المطهر الحلي] قد اعتدى على خيار أولياء الله وسادات أهل الأرض، خير خلق الله بعد النبيين، اعتداءً يقدح في الدين، ويُسلط الكفار والمنافقين، ويورث الشبه والضعف عند كثير من المؤمنين، لم يكن بنا حاجة إلى كشف أسراره، وهتك أستاره، والله حسبه وحسيب أمثاله»[6].

وقال في موضع آخر: «ومصنف هذا الكتاب وأمثاله من الرافضة، إنَّما نقابلهم ببعض ما فعلوه بأمة محمد صلى الله عليه وسلم سلفها وخلفها، فإنَّهم عمدوا إلى خيار أهل الأرض من الأولين والآخرين بعد النبيين والمرسلين، وإلى خيار أمة أخرجت للناس، فجعلوهم شرار الناس، وافتروا عليهم العظائم، وجعلوا حسناتهم سيئات، وجاؤوا إلى شرِّ من انتسب إلى الإسلام من أهل الأهواء - وهم الرافضة بأصنافها: غاليِّها وإماميها وزيديها - والله يعلم وكفى بالله عليماً، ليس في جميع الطوائف المنتسبة إلى الإسلام مع بدعة وضلالة شرٌّ منهم: لا أجهل ولا أكذب، ولا أظلم، ولا أقرب إلى الكفر والفسوق والعصيان، وأبعد عن حقائق الإيمان منهم، فزعموا أنَّ هؤلاء هم صفوة الله من عباده، فإنَّ ما سوى أمة محمد كفار، وهؤلاء كفَّروا الأمة كلَّها أو ضللوها، سوى طائفتهم التي يزعمون أنها الطائفة المحقة، وأنها لا تجتمع على ضلالة، فجعلوهم صفوة بني آدم..»[7].

المقدمة الثانية

خطورة الرافضة

نبَّه شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - على خطورة الرافضة في مواضع كثيرة من كتابه، وأستطيع أن أجمل أسباب ذلك بالأمور التالية:

أولاً: أنَّ أصل بدعة الرافضة كان عن زندقة وإلحاد، بخلاف الخوارج مثلاً الذين كانت بدعتهم عن جهل وضلال.

ثانياً: أنَّ الرافضة أصبحوا الخندق الذي يتسلل منه الباطنية والملاحدة لتحريف الإسلام.

ثالثاً: موالاتهم ومودتهم لأعداء الله تعالى.

رابعاً: القدح في الصحابة الكرام - رضي الله عنهم -.

خامساً: اتصافهم بصفة التقية.

وإليك الآن تفصيل ذلك إن شاء الله -  تعالى -:

أولاً: إنَّ أصل بدعة الرافضة كان عن زندقة وإلحاد، بخلاف الخوارج مثلاً الذين كانت بدعتهم عن جهل وضلال.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «الذي ابتدع مذهب الرافضة كان زنديقاً ملحداً عدواً لدين الإسلام وأهله، ولم يكن من أهل البدع المتأولين كالخوارج والقدرية، وإن كان قول الرافضة راجَ بعد ذلك على قوم فيهم إيمان لفرط جهلهم»[8].

وقال ابن تيمية أيضاً: «وليس في الطوائف أكثر تكذيباً بالصدق وتصديقاً بالكذب من الرافضة، فإن رؤوس مذهبهم وأئمته الذين ابتدعوه وأسسوه كانوا منافقين، كما ذكر ذلك غير واحد من أهل العلم، وهذا ظاهر لمن تأمله، بخلاف قول الخوارج، فإنَّه كان عن جهل بتأويل القرآن، وغلوٍّ في تعظيم الذنوب، وكذلك قول الوعيدية والقدرية، كان عن تعظيم الذنوب، وكذلك قول المرجئة، كان أصل مقصودهم نفي التكفير عمَّن صدَّق الرسل؛ ولهذا رؤوس المذاهب التي ابتدعوها لم يقل أحد إنهم زنادقة منافقون، بخلاف الرافضة فإن رؤوسهم كانوا كذلك، مع أن كثيراً منهم ليسوا منافقين ولا كفاراً؛ بل بعضهم له إيمان وعمل صالح، ومنهم من هو مخطئ يغفر له خطاياه، ومنهم من هو صاحب ذنب يُرجى له مغفرة الله، لكن الجهل بمعنى القرآن والحديث شامل لهم كلهم، فليس فيهم إمام من أئمة المسلمين في العلم والدين، وأصل المذهب إنما ابتدعه زنادقة منافقون، مرادهم إفساد دين الإسلام»[9].

ثانياً: إنَّ الرافضة أصبحوا الخندق الذي يتسلل منه الباطنية والملاحدة لتحريف الإسلام.

قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى - في معرض حديثه عن العبيديين: «وأهل العلم بالنسب يعلمون أنَّ نسبهم باطل، وأنَّ جدهم يهودي في الباطن وفي الظاهر، وجدهم ديصاني من المجوس، تزوج امرأة هذا اليهودي، وكان ابنه ربيباً لمجوسي، فانتسب إلى زوج أمه المجوسي وكانوا ينتسبون إلى باهلة، على أنهم من مواليهم، وادَّعى أنَّه من ذرية محمد بن إسماعيل بن جعفر، وإليه انتسب الإسماعيلية، وادَّعوا أن الحق معهم دون الاثني عشرية، فإنَّ الاثني عشرية يدعون إمامة موسى بن جعفر، وهؤلاء يدعون إمامه إسماعيل بن جعفر.

وأئمة هؤلاء في الباطن ملاحدة زنادقة، شر من الغالية، ليسوا من جنس الاثني عشرية، لكن إنما طرقهم على هذه المذاهب الفاسدة ونسبتها إلى علي ما فعلته الاثنا عشرية وأمثالهم. كذب أولئك عليه نوعاً من الكذب ففرَّعه هؤلاء، وزادوا عليه، حتى نسبوا الإلحاد إليه، كما نسب هؤلاء إليه مذهب الجهمية والقدرية وغير ذلك.

ولمَّا كان هؤلاء الملاحدة من الإسماعيلية والنصيرية ونحوهم، ينتسبون إلى علي، وهم طرقية، وعشرية، وغرباء، وأمثال هؤلاء، صاروا يضيفون إلى علي ما برَّأه الله منه، حتى صار اللصوص من العشرية يزعمون أنَّ معهم كتاباً من علي بالإذن لهم في سرقة أموال الناس، كما ادعت اليهود الخيابرة أن معهم كتاباً من علي بإسقاط الجزية عنهم، وإباحة عشر أموال أنفسهم، وغير ذلك من الأمور المخالفة لدين الإسلام.

وكان أعظم ما به دخل هؤلاء على المسلمين وأفسدوا الدين هو طريق الشيعة؛ لفرط جهلهم وأهوائهم وبعدهم من دين الإسلام.

وبهذا أوصوا دعاتهم أن يدخلوا على المسلمين من باب التشيع، وصاروا يستعينون بما عند الشيعة من الأكاذيب والأهواء، ويزيدون هم على ذلك ما ناسبهم من الافتراء، حتى فعلوا في أهل الإيمان ما لم يفعله عبدة الأوثان والصلبان، وكان حقيقة أمرهم دين فرعون الذي هو شرٌّ من دين اليهود والنصارى وعبَّاد الأصنام. وأول دعوتهم: التشيع، وآخرها: الانسلاخ من الإسلام، بل من الملل كلها..»[10].

وقال في موضع آخر: «أصل الرفض إنما أحدثه زنديق غرضه إبطال دين الإسلام، والقدح في رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكر العلماء، وكان عبد الله بن سبأ شيخ الرافضة لما أظهر الإسلام، أراد أن يفسد الإسلام بمكره وخبثه، كما فعل بولص بدين النصارى، فأظهر النسك، ثم أظهر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى سعى في فتنة عثمان وقتله. ثم لما قدم على الكوفة أظهر الغلوَّ في عليٍّ، والنصَّ عليه ليتمكن بذلك من أغراضه، وبلغ ذلك عليَّاً، فطلب قتله، فهرب منه إلى قرقيسيا، وخبره معروف، وقد ذكره غير واحد من العلماء.

وإلا، فمن له أدنى خبرة بدين الإسلام، يعلم أن مذهب الرافضة مناقض له ولهذا كانت الزنادقة الذين قصدهم إفساد الإسلام يأمرون بإظهار التشيع، والدخول إلى مقاصدهم من باب الشيعة، كما ذكر ذلك شيخ الرافضة وإمامهم صاحب البلاغ الأكبر والناموس الأعظم»[11].

وقد نقل ابن تيمية بعد هذا التقرير كلاماً متيناً لأبي بكر الباقلاني، ثم قال بعده مباشرة: «وهذا بيِّن، فإن الملاحدة من الباطنية الإسماعيلية وغيرهم، والغلاة النصيرية وغير النصيرية، إنَّما يُظهرون التشيع، وهم في الباطن أكفر من اليهود والنصارى، فدلَّ ذلك على أن التشيع دهليز الكفر والنفاق»[12].

- المقدمة الأولى: سبب تأليف الكتاب 1-2

- المقدمة الأولى: سبب تأليف الكتاب 2-2



[1] منهاج السُّنَّة النبوية (5/146).

[2] المرجع السابق (1/259).

[3] مجموع الفتاوى (28/231-232).

[4] الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية (ص 35 - 36).

[5] انظر: منهاج السُّنَّة النبوية (1/4-21).

[6] منهاج السُّنَّة النبوية (7/292).

[7] المرجع السابق (5/160-161).

[8] المرجع السابق (4/363).

[9] المرجع السابق (6/302 - 303).

[10] (8/12-15).

[11] (8/478-479).

[12] (8/486).

 

أعلى