• - الموافق2024/05/01م
  • تواصل معنا
  • تسجيل الدخول down
    اسم المستخدم : كلمة المرور :
    Captcha
خدعوك فقالوا: علماني معتدل

خدعوك فقالوا: علماني معتدل


يعاني الإسلاميون مرارات كثيرة وإحباطات متتالية بسبب المشكلات الناجمة عن تحالفاتهم مع الكيانات والشخصيات العلمانية على الصعيد السياسي..

تتمثل هذه الإحباطات في التحولات التي تطرأ على مواقف القوى العلمانية تجاه القوى الإسلامية، والتي تكون مفاجئة - أو صادمة - أحياناً، على الأقل للرأي العام الإسلامي، وهي تحولات تتسبب في خسائر سياسية كبيرة، وينتج عنها ارتباك في المسار السياسي للإسلاميين، أو على الأقل تؤثر سلباً – بنسب متفاوتة - على شعبية الإسلاميين..

لا شك أن القوى السياسية الإسلامية تفتقد رؤية تأصيلية - شرعياً وسياسياً - للتعامل مع الكيانات والرموز العلمانية في المجتمع، وغالباً ما يتم صياغة هذه العلاقة استجابة لظروف ضاغطة، أو وفق مقاربات قاصرة عن استيعاب السلوك السياسي للعلمانيين على المدى المتوسط أو البعيد، لذلك نتعرض لمفاجآت وصدمات متكررة..

وبالنظر إلى الحالة السياسية المصرية كنموذج لهذه الإشكالية، يمكن أن نلحظ تغيرات بارزة في مواقف العلمانيين تجاه الإسلاميين، ومن أبرز الأسماء التي طرأ على مواقفها تغير ملحوظ:

حزب الوفد الليبرالي برئاسة السيد البدوي.

د. محمد البرادعي المرشح السابق للرئاسة، ورئيس حزب الدستور.

د. وحيد عبد المجيد ، الأكاديمي السياسي والخبير في مركز الأهرام للدراسات.

د. أيمن نور، النائب السابق ورئيس حزب غد الثورة.

حمدين صباحي، المرشح السابق للرئاسة وزعيم التيار الشعبي.

د. عمرو حمزاوي، أستاذ علم السياسية والنائب السابق.

تتضمن القائمة أسماء شخصيات وكيانات أخرى كثيرة، لكن هؤلاء من أبرزهم، ويمثلون تنوعاً مناسباً من حيث الخلفية الفكرية..

الدافع الأكثر أهمية الذي يلجأ الإسلاميون بسببه إلى البحث عن مشتركات مع الكيانات والرموز العلمانية، هو السعي لتحقيق توافق سياسي يقدم القوى الإسلامية بوصفها حريصة على التماسك المجتمعي، وغير مستهدِفة للانفراد بالحكم، سواء أمام الرأي العام الداخلي، أو المجتمع الدولي، وذلك في محاولة لاحتواء المخاوف التي تثيرها أطراف كثيرة من الصعود السياسي للإسلاميين..

ينطلق الإسلاميون في تصنيف العلمانيين من أجل بناء حالة توافقية معهم، من مقاربتين رئيستين، هما:

مقاربة العلماني المعتدل، ومقاربة العلماني النفعي.

أولاً: مقاربة العلماني المعتدل:

الاعتدال المقصود في هذا التصنيف سياسي بالدرجة، ويتعلق بالمواقف، فلا يلزم منه أن يكون العلماني معتدلا ًفي صياغة مفاهيمه حول الإسلام والعلمانية، بل قد يكون بعض هؤلاء متطرفاً في أطروحاته العلمانية، لكنه يوصف بأنه «منصف» أو «حيادي» أو «موضوعي» في تعامله مع ما يتعلق بالإسلاميين، وبالتالي ينتفي بعض الحرج - بحسب اجتهاد البعض - من التقارب معه، أو حتى تقبل مواقفه والترويج لها، وربما الدفاع عنه أحياناً في المحافل العامة..

ومن أمثلة «العلماني المعتدل» بحسب هذا التعريف: أيمن نور، عمرو حمزاوي، وحيد عبد المجيد..

ومن أمثلة العلماني المتطرف في علمانيته، الموصوف بالإنصاف في بعض مواقفه: د. علاء الأسواني، الأديب المعروف..

ثانياً: مقاربة العلماني النفعي:

بحسب هذه المقاربة، يتم تصنيف بعض العلمانيين بأنهم «نفعيون» يمكن أن يتجاوزوا إشكالات فكرية وعقبات أيديولوجية، في سبيل تحقق منفعة مادية أو سياسية من تعاملهم مع القوى الإسلامية، ولديهم القدرة على تحمل مستوى مرتفع نسبياً من التناقض في الأطروحات السياسية بينهم وبين الإسلاميين، في سبيل تحقق المنافع المرجوة، ومن أمثلة هؤلاء: البرادعي، صباحي، حزب الوفد..

لماذا يتحول العلمانيون في مواقفهم من الإسلاميين؟

التجربة السياسية المصرية طيلة عشرين شهراً منذ ثورة 25 يناير أظهرت بوضوح: قصور هاتين المقاربتين عن تفسير السلوك العلماني وعن توقع التحولات التي طرأت على المواقف السياسية للقوى والشخصيات العلمانية التي تحالفت مع الإسلاميين أو كانت تتبنى منهم مواقف معتدلة نسبياً..

الخلل الرئيس في هاتين المقاربتين أنهما لا تضعان أطراً زمنية لمواقف العلمانيين، بل تفترض فيها الثبات النسبي، ومن هنا تحدث المفاجآت المريرة عندما يتحول العلمانيون..

فما الذي يجعل العلماني المعتدل أو النفعي يتحول عن مواقفه متقمصا حالة مفاجئة – نسبية - من التطرف في طرح أفكاره أو في صياغة مواقفه من الإسلاميين؟

ليس من السهل أن نحدد بدقة الأسباب الدافعة إلى التحول، فهناك دوافع فكرية، وأخرى شخصية، وبعضها ظرفية، وربما يكون التحول محصلة لمجموعة مختلطة من الدوافع غير المتزامنة التي تتراكم مع الوقت نتيجة أن التقارب نفسه ليس طبيعياً، بل هو مسار جانبي مضاد، عقدياً وفكرياً، وبالتالي فإن هذا المسار يعاني قوة جذب عكسية منذ اللحظة الأولى لنشأته، ولا يتوقف الجذب إلا باختفاء المسار نفسه.

بصفة عامة، يمكن أن نلحظ مجموعات متنوعة من الدوافع يبرز أثرها في الواقع بنسب متفاوتة، وهي:

 1- التنافسية

يحدث التقارب في هذه الحالة لوجود مصالح مشتركة، لكن بمجرد أن يلمح الطرف العلماني فرصة مواتية للقفز من موقع التحالف مع الإسلاميين، إلى موقع منافستهم، فإنه لا يتأخر، وهذا الدافع ينطبق تماماً على حالة حزب الوفد، كحزب منافس، وكذلك حمدين صباحي..
فحزب الوفد تشارك مع حزب الحرية والعدالة في تأسيس التحالف الوطني لدخول الانتخابات البرلمانية، وبمجرد شعور قادته أن الحزب يمكن أن يحصد عدداً أكبر من المقاعد خارج إطار التحالف، أعلنوا انسحابهم فوراً، لكنهم في النهــاية عجزوا –منفردين - عن تحقيق النسبة التي منحت لهم في إطار التحالف..

أما حمدين صباحي، فقد تحالف مع الإخوان في الانتخابات، ونال عدداً من المقاعد بسبب هذا الدعم، لكن مواقف حزبه انقلبت تماماً ضد الإخوان عندما اقتربت الانتخابات الرئاسية التي ترشح لها صباحي، وتحول صباحي وحزبه إلى خصم لدود للإسلاميين.

  2- الخلفية التاريخية الضاغطة

بعض القوى العلمانية تحتفــظ بتاريخ مرير مع الإسلاميين- سواء كأفراد أو كتيار - وأبرز مثال على ذلك، التيار الناصري الذي يبرز حمدين صباحي كأحد رموزه، فمن المعروف تاريخ عبد الناصر الدموي مع جماعة الإخوان المسلمين، فهذه الخلفية تقف عقبة في تنمية التحالفات البينية، وإغفالها ولو مؤقتا يؤدي إلى مآزق كثيرة.

  3- بلوغ منعطف التصادم الفكري

التحالف بين الإسلاميين وبعض القوى والرموز العلمانية، قد يتخذ مساراً هادئاً وإيجابياً في الأحوال العادية، لكن هذا التحالف يتعرض للانهيار عندما يقترب من حالتين،

الأولى: إعداد صياغة دائمة لنظام الدولة، مثل كتابة الدستور، حيث تبرز التناقضات بين طرفي التحالف بقوة، وقد ظهر ذلك جلياً في انسحابات رموز علمانية - كانت توصف بالاعتدال - من الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، مثل: أيمن نور، وحيد عبد المجيد، وذلك بسبب إصرار قوى إسلامية على تضمين مواد إضافية تحافظ على الهوية الإسلامية..

والحالة الثانية للتصادم الفكري، عندما تتنامى شعبية القوى الإسلامية، ويبدو واضحاً للجميع إمكانية سيطرتهم على المؤسستين التشريعية والتنفيذية عن طريق الانتخابات.

  4- اختفاء العدو المشترك

كثير من التحالفات بين الإسلاميين والعلمانيين جاءت على خلفية وجود خصم مشترك، تَمَثَّل قبل وأثناء الثورة في نظام مبارك، ثم بعد الثورة تَمَثَّل في المجلس العسكري، وبعد أن سقط مبارك واختفى المجلس العسكري من المشهد السياسي في أغسطس الماضي، لم يعد هناك خصم مشترك، وبالتالي اختفت مبررات التحالف لدى الكثيرين، وكما هي العادة فإن العلمانيين هم الذين يبادرون بالتحول استجابة لتغيرات الظروف، وبصورة تفاجئ الإسلاميين دوماً.

  5- انتفاء الغرض أو تحقق الهدف

من الطبيعي أن تتسم التحالفات بين القوى المتعارضة عقدياً أو فكرياً، بأنها تحالفات مؤقتة تزول عندما ينتفي الغرض منها، أو يتحقق هدف أحد طرفي التحالف..

ومشكلة الإسلاميين هنا مزدوجة، فهي من ناحية تنشأ بسبب تخليهم المفاجئ عن التحالف أو التوافق مع رموز أو قوى علمانية بمجرد انتفاء الغرض من هذا التحالف، وذلك دون مراعاة لأهمية الاحتواء، أو على الأقل الإنهاء الإيجابي للتحالف،
 ومن ناحية أخرى، فإن كثيراً من القوى العلمانية تتغير مواقفها بصورة مفاجئة بمجرد أن تحقق هدفها من التحالف مع الإسلاميين، أو التقارب معهم، ومثال ذلك، حزب الوفد، الذي كان يحتاج بعد الثورة إلى رافعة سياسية تدفعه بعيداً عن تاريخه الملوث مع نظام مبارك، وقد تحقق له ذلك بالتحالف مع حزب الحرية والعدالة ضمن التحالف الوطني، لكنه بمجرد أن شعر قادة الحزب بتخلصهم من ميراث النظام القديم في حس الرأي العام، تغيرت مواقفهم تماماً، وصولاً إلى حالة عداء سافر في الوقت الحالي مع كافة القوى الإسلامية..
كذلك يقدم د. عمرو حمزاوي نموذجاً للعلماني الذي يسوق نفسه كرمز ليبرالي معتدل، للتقارب مع الإسلاميين، وفي سبيل ذلك أعاد صياغة بعض أفكاره وتبنى خطاباً موضوعياً لفترة مؤقتة، لكن مع تجاوز مرحلة الانتخابات البرلمانية، وبروزه للرأي العام بصورة قوية كرمز سياسي مستقل، تغيرت مواقفه، وانقلب بصورة حادة ضد الإسلاميين..

البرادعي، مثال آخر على دافع «انتفاء الغرض وتحقق الهدف»..

فعندما قدم إلى مصر في عهد مبارك قبل الثورة بعام تقريباً، تأسست الجمعية الوطنية للتغيير تحت قيادته لتكون تجمعاً للقوى المعارضة لمبارك، واعتمدت الجمعية بالدرجة الأولى على الانتشار الشعبي والقوة التنظيمية للإخوان، خاصة في تنفيذ أكبر إنجازاتها وهو بيان «معاً سنغير» الذي أصدرته ويحمل توقيع نحو 800 ألف مواطن..

وظل البرادعي محل احترام وتقدير من كثير من الإسلاميين في الأشهر الأولى بعد الثورة، حتى إنه كان خيار الكثيرين منهم لرئاسة الجمهورية..

لكن تغيرت مواقف البرادعي بعدما بدأت شعبيته تزداد في أوساط الشباب العلماني الباحث عن رمز، ولم يعد في حاجة إلى الدعم الإسلامي التنظيمي والشعبي، وانقلب تماماً بعد أن نجحت الأحزاب الإسلامية في اكتساح انتخابات مجلسي الشعب والشورى عام 2011م.

صياغة جديدة للعلاقة مع العلمانيين

لا يمكن أن يضطلع مقال واحد ببلورة الرؤية المطلوبة لصياغة العلاقة مع القوى والرموز العلمانية على الصعيد السياسي، لكن هذه بعض الأفكار الاسترشادية في هذا السياق:

- في مناخ سياسي معقد ومنفتح كما هو الحال في مصر، من الخطأ الانغماس في العمل السياسي دون تكوين رؤية واضحة مؤصلة - شرعياً - لمسألة العلاقة مع العلمانيين، وبناء التحالفات معهم، فمن المهم معرفة الحدود ومساحات الحركة المتاحة، والوضع هنا لا يحتمل الاكتفاء بتقريرات عامة، أو أصول كلية، بل يحتاج إلى تفصيل وتأصيل مستمرين، ومن يقترب من الواقع العملي السياسي الإسلامي حالياً، يكتشف عشرات من علامات الاستفهام لدى الناشطين والسياسيين الإسلاميين، التي تفتقر إلى إجابات واضحة محددة من علماء الأمة.

- من الضروري قبل البدء بعلاقة جديدة مع طرف علماني، أن نرسم خريطة تقريبية لنقطة التحول في مساره، أو بعبارة أخرى: نقطة عودته إلى مساره الأصلي، فلا بد من وضع أطر زمنية تقديرية لمدة التحالف..

- قضية التوافق تفتقر إلى أطروحات جديدة، فلا يمكن أن يسمح الإسلاميون بأن تبقى إشكالية «الانفراد بالحكم» أو «مواجهة المجتمع الدولي»، عوامل كابحة لتقدمهم السياسي، وربما يكون التنوع الإسلامي مدخلاً مناسباً للتخلص النسبي من هذه الإشكالية - ولو على الصعيد الداخلي -، فعندما تكون هناك قوة إسلامية واحدة على الساحة، تتعاظم حملات التخويف والاتهام والسعي للانفراد بالحكم، لكن في حالة وجود قوى إسلامية متعددة، فإن التحالف بينها يمكن أن يندرج تحت عنوان «التــوافق» الذي يحمل معاني إيجابيــة لــدى الرأي الــعام..

لا يعني ذلك طبعاً الدعوة إلى الانقسام الإسلامي، بل محاولة استغــلال الانقسام الموجود – أصلاً - لتحقيق أهداف مشتركة..

- يحتاج الإسلاميون إلى تنويع مظاهر تواجدهم على الساحة السياسية، فلا يجب الانحصار في شكل «الجماعة» و «الحزب» فقط، بل يجب الانتشار في كافة مجالات العمل السياسي، ومنظمات المجتمع المدني، من أجل تعدد المنابر واللافتات..
وليس مقبولاً عندما يجلس الإسلاميون على مائدة تفاوض مع قوة علمانية، أن نجد الحضور العلماني يتسم بالتنوع والتعدد ما بين أحزاب وائتلافات وجمعيات ومنظمات، بينما الحضور الإسلامي يتسم بالنمطية والمحدودية..
ومرة أخرى أؤكد أن ذلك ليس دعوة للتعدد المؤدي إلى التنازع، بل يمكن للحركة الواحدة أن تقوم هي نفسها بتعديد منابرها، فليس مقصوداً أن تتعدد المناهج والرؤى.

- قد يكون مستحسناً في بعض الحالات وعلى صعيد بعض أشكال العمل السياسي، أن يتم التخفف من الشعارات الإسلامية، وهنا يجب أن نفرق بين ممارسة العمل السياسي وفق الضوابط الشرعية، وبين رفع الشعارات المثبتة للهوية الإسلامية، فالأمر الأول مطلوب ومؤكد، والثاني ليس كذلك.

- الخلاف بين الإسلاميين والعلمانيين خلاف عقدي لا يزول إلا بانتقال أحدهما عن عقيدته إلى العقيدة الأخرى، فالمفاهيم العلمانية متصادمة تماماً مع العقيدة الإسلامية، ومهما بذل الطرفان من جهد في تحقيق التقارب بينهما، ولو على حساب الثوابت لدى كل طرف، فإنه في النهاية يصل الطرفان إلى نقطة تصادم عندما يتضاد المشروع السياسي لأحدهما مع الآخر، وحتى مع محاولة بعض القوى الإسلامية تقديم تنازلات في هذا السياق، فإن القوى العلمانية لا تقبل انفراد الإسلاميين بالحكم ولو بمشروع هجين.

:: مجلة البيان العدد 306 صفر 1434هـ، ديسمبر2012م.

 

أعلى